نعم الله عز وجل: أنواعها وأهمية شكرها
تاريخ النشر: - تاريخ التعديل: - جديدنا

نعم الله عز وجل على عباده لا تعد ولا تحصى؛ كما قال سبحانه وتعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [سورة النحل: 18]، قال العلامة السعدي رحمه الله: “نعمه الظاهرة والباطنة على العباد بعدد الأنفاس واللحظات من جميع أصناف النعم، مما يعرف العباد ومما لا يعرفون، وما يدفع عنهم من النقم فأكثر من أن يحصى”.

وسبيل الحفاظ على النعم هو شكرها، فبالشكر تدوم النعم.

أنواع النعم الإلهية

ما يتنعّم به الإنسان من النعم التي تحصل له ينقسم إلى نوعين: نعم ظاهرة ونعم باطنة.

النعم الظاهرة

اختلف المفسرون في المراد من النعم “الظاهرة” و”الباطنة” في قوله: {وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة}، فقال بعضهم: النعمة الظاهرة هي الشيء الذي لا يمكن لأيّ أحد إنكاره، فهي ما تبدو لعامة الناس، كالخلق وأنواع الأرزاق من مال وذرية وغيرها من النعم المحسوسة.

النعم الباطنة

قال المفسرون: النعم الباطنة هي الاُمور التي لا يمكن إدراكها دون تدبر، فاعتبروا أنّ النعم الباطنة هي تلك الابتلاءات والمصائب والمحن التي يظهر من خلالها فائدة للإنسان، أو يقظة وتوبة بعد غفلة، أو استقامة على طريق الله بعد اعوجاج.

فالنعم الباطنة هي نعم خفية مقنعة بما يبدو أنه ابتلاء أو أنه بعض من المحن والمصائب، ولعلّ النعم الباطنة أهم للإنسان من النعم الظاهرة، ولعلها أكثر دلالة على رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده، ومنها: الإيمان بالله، وطاعة الله، نعمة الإيجاد، وتكريم الله للإنسان، والعقل..

الشكر لله على النعم

ربنا أغدق علينا مِنْ نعمه العظيمة لنشكره عليها، وإذا أردنا أن نحصر تلك النعم لن نحصيها، وإذا أردنا أنْ نشكره على نعمه ما استطعنا أن نوفي شكر نعمة واحدة مِنْ تلك النعم، فعدم شكر النعم نذير بزوالها وسلبها.

وإنّ الشكر الدائم دليلٌ على يقظة القلب وإيمانه بفضل الله عليه، ويكون الشكر بالقلب باستحضار النعمة، وكذلك باللسان {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}، فيذكر من إنعام الله وإفضاله عليه ما يدل على شكره وامتنانه لهذا الإنعام، ثم بعد ذلك قيام الجوارح بوظائف العبودية، بالعمل بطاعة الله، والتقرب إليه بكل مستطاع.

أسباب زوال النعم

إعطاء الله النعم اختبار وليس دليل محبة واصطفاء، قال الإمام ابن القيم في تفسير قوله تعالى: {بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ} أي: “النعم التي أوتيها فتنة نختبره فيها، ومحنة نمتحنه بها، لا يدل على اصطفائه واجتبائه، وأنه محبوب لنا مقرب عندنا”، ولزوالها أسباب منها:

المعاصي والذنوب

التهاون بارتكاب بعض الذنوب من أسباب زوال النعم، قال العلامة ابن باز: “قد علم كل ذي بصيرة أنّ فشو الغناء والملاهي في المجتمع من أعظم الأسباب لزوال النعم، فالجد الجد قبل أنْ يحل بنا من أمر الله ما لا طاقة لنا به، وقبل أنْ تنزل بنا فتنة لا تصيب الذين ظلموا منا خاصة، بل تعم الصالح والطالح ويهلك بها الحرث والنسل”.

فالذنوب من أسباب زوال النعم الحاضرة، وقد جعل الله لكل شيء سببا وآفة تبطله، فجعل أسباب نعمه الجالبة لها: طاعته، وآفتها المانعة منها: المعاصي والذنوب، فما زالت عن العبد نعمة إلا بذنب، ولا حلّت به نقمة إلا بذنب؛ كما قال علي بن أبي طالب: “ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رُفِعَ بلاءً إلا بتوبة“.

قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}، فأخبر تعالى أنه لا يغيّر نعَمه التي أنعم بها على أحد حتى يكون هو الذي يغيّر ما بنفسه، فإذا غَيَّرَ غُيِّرَ عليه جزاءً وفاقًا.

الكفر والنفاق

كُفرَانُ النِّعمَة جحدها وعدم شكرها والتحدث عنها وعدم الاعتناء بها وتحقيرها وتضييعها، وهو بمعنى نسيان النعم وعدم الشكر، وهو من الرذائل الأخلاقية ذات العواقب الوخيمة، أما النفاق فهو إظهار حال له مع النعم يخالف حقيقة ما هو عليه.

الغفلة عن الله

إنّ شيوع النعم بين الناس وعدم استحضار أنها من الله يؤدي بالإنسان إلى نسيان الله وشكره، فعدم استحضار المنعم يؤدي إلى الغفلة عن النعمة، كأن يربط ما به من نعم إلى وظيفته أو أي عمل يقوم به، وكذلك الإسراف في المأكل والملبس والتباهي بذلك، كما أنّ تعوُّد النعمة يؤدي إلى عدم الشعور بها.

فالله أنعم علينا بنعم كثيرة لا نُحصيها، ولكننا دون أنْ نشعر نفكر فيما ينقصنا، وننسى ما تملكه أيدينا من نِعَم، فالنعم إذا أُلِفت نُسِيت، ومن الواجب علينا أن نستشعر النعم التي أُلِفت ونبحث عنها ونتفكر فيها لنؤدي شكر النعم الذي أمرنا الله  به في كتابه: {وَاشۡكُرُوا۟ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ إِیَّاهُ تَعۡبُدُونَ}.

 

 

عدم الاستغلال الأمثل للنعم

لكي تحفظ هذه النعم من الزوال، لا تستعملها في معصية الله وما يسخطه، فنسخر هذه النعم التي حبانا الله  بها بما يرضيه، فيسخر الإنسان نعمة البصر بالنظر فيما ينفع، كالنظر في كتابه، ويسخر نعمة السمع بسماع ما ينفع بدلاً مِنْ أنْ يشتغل بسماع الغيبة والغناء واللهو والطرب.

وهكذا أيضاً نعمة العافية، ونعمة المال، إلى غير ذلك من ألوان الإفضال والإنعام، فتكون تلك النعم جميعًا مستعملة فيما يحبه ربنا ويرضاه.

كيفية الحفاظ على النعم

كل ما نحن فيه مِنْ الخيرات هو نعم مِنَ الله، ونستطيع شكر هذه النعم باستعمالها في طاعة الله والحفاظ عليها بأمور: 

زيادة الإيمان بالله والتقرب إليه

الشكر قرين العبادة، ومعنى ذلك أنه دليلٌ على صدقها، فالله يبيّن أنّ الذي يشكره هو الذي يعبده بصدق، وأنّ الذي لا يشكره فهذا تقصيرٌ في عبادته {وَاشْكُرُوا لِلَّـهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُون}، فمن أسباب دوام النّعم شكر الله عليها، فالنِّعم إذا شُكِرَت قَرَّت؛ أي: بقيت، وإذا كُفِرَت فرّت؛ أي: زالت، والمداومة على شكر الله على نِعَمه هي طريق لقبول الله لهذا الشكر من العبد ورضاه منه {وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ}.

الالتزام بأوامر الله واجتناب نواهيه

ويكون بالعمل الصالح {اعملوا آل داود شكراً}، فربطت الآية بين العمل والشكر، فالشكر يكون بالعمل فإذا زاد الله مالك فعليك أنْ تساعد المحتاجين، وإذا أنعم عليك بالسمع فلا يجوز أن نعطي لأنفسنا بسماع الأغاني والغيبة بل استعمالها بما يرضي الله.

الدعاء والاستغفار

  • هناك الكثير من الآيات لشكر النعم منها: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا}، {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ}.
  • وفي الحديث عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: “إنّ مِنْ دعاء رسولِ اللهِ : (اللهمَّ إني أعوذُ بك من زوالِ نِعمتِك، وتحوُّلِ عافيتِك، وفُجاءَة نِقمتِك، وجميعِ سُخطِك).
  • وهناك أدعية عامة لشكر النعم: (اللهم لك الحمد والشكر كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك)، (اللهم لك الحمد والشكر على جميع النعم التي أنعمت بها علينا).

الصدقة والإحسان إلى الآخرين

قال الإمام النووي: يستحب لمن حصلت له نعمة ظاهرة، أو اندفعت عنه كربة ظاهرة أن يتصدق بشيء صالح من ماله شكراً لله تعالى على إحسانه.

 

 

التواضع وعدم الكبر

رضا العبد بما يملك وعدم الاعتراض على الأرزاق، إحساسه بأنَّه مقصِّر في الشكر، فمهما شكر الله لن يوفّيه حقّه، ويكون التواضع حال حصول النعم بعدم التكبّر والطغيان بسببها، وعدم الاعتراض وحسن التأدُّب مع الله. 

فجميع ما نحن عليه من نعم حيزت من غير تعب أو مشقة، ووجب علينا تأدُّباً مع الله أنْ نشكره عليها، الإعجاب بالنفس والغرور سببان لزوال النعم، ولا ننسى أنّ النبي لما فتح مكة دخل متواضعاً باكياً.

الاستعداد لفقدان النعم

العاقل الفطن يعلم أنّ دوام الحال من المُحال، فكم مَنْ آمن أصبح خائفاً، وكم مِنْ صحيح أصبح مريضاً، وكم مِنْ غني أصبح محتاجاً، فلنحمد الله على ما أعطى وأبقى، ولنكن مِنَ القليل الذين امتدحهم الله بقوله {وقليل من عبادي الشكور}.

 

 

الأسئلة الشائعة

من أعظم أسباب زوال النعم؟

المعاصي والذنوب وكفران النعمة.

هل تعود النعم بعد زوالها؟

إذ تاب العبد وسأل الله النعمة فإن الله كريم جواد.

هل كثرة الذنوب تزيل النعم؟

كثرة الذنوب تزيل النعم وتحل النقم.

المصادر

  • ويكيبيديا
  • يقين
  • موضوع.كوم
  • صيد الفوائد
  • موسوعة النابلسي

إقرأ المزيد

  1. كيفية التعامل مع التجاهل
  2. هل وقت الفراغ نعمة أم نقمة؟
  3. سمة التواضع
  4. كل ما تريد معرفته حول مرض جنون العظمة
  5. الفرق بين الكبر وعزة النفس

اترك تعليقاً