المراد بالتربية الوقائية هي اتخاذ إجراء بهدف الحماية والوقاية غالباً من خطر محتمل وشيك، وتكون بتفاديه قبل وقوعه، حفاظاً على الأفراد، وصيانة للمجتمعات، وتحقيقاً للسلامة العامة، وتداركاً للمحظور قبل وقوعه، أخذاً بمبدأ: (الوقاية خير من العلاج)، هذه التربية الوقائية تشكل درع حماية لأطفالنا.
أهمية التربية الوقائية
كما أنّ هذا النوع من التربية هو أصل التربية القرآنية، وما عمل به النبي محمد عليه الصلاة والسلام في تربيته لأصحابه، فالكثير من الآيات جاءت تغرس في نفوس المسلمين وازعاً داخلياً ورقابة ذاتية، كقوله تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (31) وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [سورة النور: 30-31]، وقوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [سورة الإسراء: 32].
أنواع المخاطر التي تواجه الأطفال
حرص الإسلام على تنشئة الفرد المسلم وبناء شخصيته على منهج تربوي وقائي، راعى فيه المبادئ التربوية والقيم الإسلامية المحصنة للفرد والمجتمع، وسعى إلى ترسيخها ودعا إلى حراستها والذود عنها، وذلك للحفاظ على طهارة المجتمع المسلم وسلامته من الأمراض التي قد تهدد وجوده وكيانه، ومن هذه القيم:
قيم الإيمان والتقوى لله تعالى ومراقبته سبحانه في السر والعلن.
قيم العفة والحياء والآداب الخاصة الشخصية والعامة المجتمعية.
وكلها قيم مؤثرة في سلوك الفرد المسلم وعمله وكسبه.
المخاطر الجسدية
يحدث الانتهاك الجسدي للطفل بصور متعددة منها:
إيذاء الطفل لنفسه: كحالات التعرض للحوادث والحرائق والكهرباء والغرق والسقوط من مكان مرتفع بالإضافة للتسمم وأشياء عديدة لا تحصى.
السقوط أثناء اللعب: الأطفال يلعبون بنشاط كبير وحيوية لا تنطفئ، وهذا يجعلهم يتعرضون للعديد من حوادث اللعب والسقوط والتعرض للكدمات والجروح.
التعرض للتحرش: أثناء وجود الطفل في الشوارع والأزقة والمنازل المهجورة والخرابات، ففي هذه الأماكن ينتشر مريضي النفوس.
استخدام الأدوات الخطيرة: سواء الأدوات الحادة الموجودة في المطبخ أو الغاز مثلاً وهذه الأدوات في كثير من الأحيان قد تتسبب بالأذى للطفل فهو لا يحسن استخدامها ولا يقدر خطورتها.
المخاطر النفسية
يقصد بها انتهاك الطفل عاطفيًا بالإضرار باحترام الطفل لذاته أو سلامته العاطفية، ويشمل الاعتداء اللفظي والنفسي، مثل إهانة الطفل والتقليل من شأنه وتوجيه اللوم له باستمرار، وكذلك نبذه أو تجاهله أو رفضه.
ويُقصد بإهمال الطفل عدم توفير ما يكفي من احتياجاته الأساسية من مأكل أو ملبس أو مسكن أو أوضاع معيشية ملائمة أو الحب والعطف أو الإشراف أو التعليم أو الرعاية الطبية.
المخاطر الاجتماعية
تنشأ المخاطر الاجتماعية وتتولد من سوء التصرف في المواقف الآتية:
التعرف على أشخاص سيئين: ليس دائماً الأشخاص الذين يتعرف عليهم الطفل أشخاص أسوياء نفسياً حتى لو كانوا كبار وناضجين، فقد يقترب منه أشخاص خطرين كاللصوص ومرتادي الحدائق العامة، وقد يؤذوه أو يتعلم منهم الكثير من الأِشياء الخاطئة.
التعرف على ثقافات جديدة عبر قنوات التواصل الاجتماعية: يقضي الأطفال جزء كبير من أوقاتهم أمام شاشات الجوال والتلفاز، وليس بالضرورة أن يتفق دائماً المحتوى المعروض مع ثقافة ذويه وقيم مجتمعه.
أساليب التربية الوقائية الفعالة
تتويجاً لما سبق: دعونا نبدأ حديثنا عن أساليب التربية الوقائية الفعالة التي نحتاجها في حماية أطفالنا من المخاطر، وتكوين دروع حماية لهم.
التعليم والتوعية
علّم طفلك كيف يحافظ على سلامته أثناء تصفحه شبكة الإنترنت من خلال:
ضع جهاز التصفح في إحدى المساحات المشتركة في المنزل لا في غرفة نوم طفلك.
استخدم أدوات الرقابة الأهلية لتحديد أنواع مواقع الويب التي يمكن أن يزورها طفلك.
تحقق من إعدادات خصوصية حسابات طفلك على مواقع التواصل الاجتماعي.
إذا صار طفلك متكتّمًا بشأن أنشطته على الإنترنت، فاعتبر هذا الفعل من علامات الخطر.
كما يجب على الأهل التنسيق مع مدرسة الطفل على تقديم برامج تعليمية في المدرسة توعي الطلاب عن كيفية الوقاية من الأخطار الاجتماعية التي قد يواجهوها في المدرسة أو في حياتهم اليومية، ومن الضروري استخدام الفيديوهات والكتيبات لتعليم الأطفال والشباب عن التربية الوقائية.
بناء الثقة بالنفس
يتم بناء الثقة مع الأطفال من خلال إعطاء إشارات تدل على الحب والدعم، وإعطاء الاهتمام الكامل بالطفل، وأنْ يكون الوالدان قدوة في التعامل، وتعزيز الاستقلال، وتشجيع المواهب والهوايات.
تدريب الطفل على مهارات الحياة
من أهم مهارات الحياة التي يجب تدريب الطفل عليها: الأعمال المنزلية والاهتمام بالصحة والنظافة وكيفية التحدث مع الكبار وكيفية التعلم الذاتي وإدارة المال وإدارة الوقت وكيفية التعامل مع التكنولوجيا..
توفير بيئة آمنة
احرص على رعاية طفلك والإنصات إليه والانخراط بفعالية في حياته؛ لتنمية الثقة والتواصل الجيد بينكما، وشجع طفلك على التحدث معك عن أي مشكلة يواجهها، كما يمكن أنْ يساعد توفير بيئة عائلية وشبكات علاقات اجتماعية داعمة على تعزيز شعور طفلك بتقديره لذاته وثقته في نفسه.
التواصل الفعال
يعني التواصل الإيجابي مع الطفل ومعرفة احتياجاته الفعلية وتحفيزه، وتكمن أهمية التواصل الفعّال في تربية الأطفال، حيث يُسهم التواصل الجيد بين الأولياء والأطفال في بناء علاقات صحية وتطوير شخصياتهم وذلك من خلال: الاستماع الفعّال، والتفاعل معه في ألعابه اليومية والأنشطة المشتركة.
تحديات تواجه التربية الوقائية
لا شك أنّ هناك تحديات كبيرة تعترض المربين من آباء وأمهات في طريقهم لتطبيق التربية الوقائية، ومن أهم هذه التحديات:
التغيرات الاجتماعية
قد تؤثر الاختلافات الثقافية أو الاجتماعية على قبول وتبني برامج التربية الوقائية، وخاصة في عالم اليوم الذي تقوده مؤسسات كبرى تعمل على نمذجة الإنسان؛ ليسهل عليها التحكم به في يخدم مصالح الفئات التي بيدها مقاليد السلطة.
وسائل الإعلام
تعدُّ وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية جزءاً أساسياً من تنشئة الطفل الاجتماعية، إضافةً إلى كونها مصدراً للتعلم والترفيه لمختلف الفئات العمرية من جميع الأعراق، إلّا أنّها سلاحٌ ذو حدَّين؛
فهي من ناحية تعتبر وسيلةً لتغيير سلوكيات الطفل الخاطئة، وتحفيز مخيِّلتِهم، وتوسيع معرِفَتِهم.
ومن ناحيةٍ أخرى تساهم في خلق تأثيراتٍ سلبية على الأطفال؛ كتخدير الحواس، والحدّ من قدرة الطفل على التخيُّل واللَّعب الحُر، وعدم الشعور بآلام الآخرين.
ويستطيع الأهالي حماية أطفالهم من أخطار وسائل الإعلام التربوية، خاصةً وسائل التواصل الاجتماعي من خلال اتباع بعض الإرشادات:
معرفة التطبيقات والبرامج التي يستعملها الطفل على الأجهزة الذكية.
التفاعل مع الطفل في حواراتٍ حول طبيعة استعماله لوسائل التواصل الاجتماعي، والتأكيد على مفهوم أن ما ينشر على الإنترنت غير قابلٍ للمحو أو الإزالة.
إبداء اهتمام حقيقي للتعرف على الأشخاص الذين يتواصل معهم على مواقع التواصل، للتأكيد على أهمية وجود طرفٍ بالغ يحمي الطفل عند مقابلته لهؤلاء الأصدقاء في الأماكن العامة.
استعمال تطبيقات حماية الأسرة، والتي تتيح للوالدين حجب المواقع، وتحديد وقت الاستعمال، والإشراف على محادثات الأطفال عبر الإنترنت.
وضع الأجهزة الإلكترونية التي تعرض وسائل الإعلام في أماكن مفتوحة في المنزل على نحوٍ يسمح للوالدين بمشاهدة أطفالهم أثناء استخدامها.
نقص الوعي
في بعض الأحيان قد يكون هناك نقص في التوعية والفهم بأهمية التربية الوقائية بين المجتمعات وبعضها، وهنا يظهر دور الأسرة والمدرسة والمسجد في نشر هذه التوعية.
دور المؤسسات في التربية الوقائية
لا شك أن العمل المؤسسي له أثر كبير في ترسيخ التربية الوقائية وتمكينها، وأهم هذه المؤسسات هي ثلاثة تشكل بمجموعها ما يعرف بـ (ميمات) التربية.
دور الأسرة
الأسرة هي الدرع الأول للأطفال، وهي صاحبة المسؤولية الأولى والكبرى في تربية الأبناء، لذا يهتم الآباء بجعل من حول أبنائهم قدوة حسنة لهم يقتدون بها، يتربون بكنفهم تربية سليمة.
دور المدرسة
يظهر دور المدرسة بعد التعليم من خلال عدة برامج وقائية:
برامج التغذية المدرسية: تعليم الأطفال عن التغذية الغنية بالفيتامينات وطرق العناية بالصحة.
برامج النشاط البدني: تنظيم أوقات ثابتة للأنشطة الرياضية وبرامج اللياقة البدنية.
برامج التوعية النفسية: تقديم تدريبات تساهم في تعليم كيفية إعطاء الدعم النفسي وإدارة الضغوط.
دور المجتمع
المجتمع الإسلامي والشريعة الإسلامية تدعو أهلها إلى تقويم الفطرة والحفاظ على أعمالها، وإحياء ما اندرس منها أو اختلط بها، وذلك للحفاظ على عافية المجتمع الإسلامي ووقايته من الأمراض والعلل التي انتشرت في المجتمعات الأخرى التي ابتعدت عن مقومات الفطرة السليمة.
فدعوتنا لأبنائنا ولمجتمعاتنا بالالتزام بالقيم السلوكية القويمة، والاهتداء بهدي التربية الإسلامية السليمة؛ لأن لها دور وقائي متميز في الحفاظ على الأمة وعلى كيانها ووجودها.
الأسئلة الشائعة
ما هي التربية الوقائية؟
المراد بالتربية الوقائية هي اتخاذ إجراء بهدف الحماية والوقاية غالباً من خطر محتمل وشيك، وتكون بتفاديه قبل وقوعه، حفاظاً على الأفراد، وصيانة للمجتمعات، وتحقيقاً للسلامة العامة، وتداركاً للمحظور قبل وقوعه، أخذاً بمبدأ: (الوقاية خير من العلاج).
ما هو مفهوم التربية الإيجابية؟
التربية الإيجابية هي علاقة اهتمام وتمكين، بعيدة عن العنف بين الآباء والأبناء وتوفر التوجيه للأطفال مع مراعاة احتياجاتهم الخاصة بشكل مستمر وغير مشروط.
ما هي مادة التربية الأسرية؟
يشير مفهوم التربية الأسرية إلى كيفية تعامل الوالدين مع أبنائهم، لتنشئة اجتماعية إيمانية سوية وبناء علاقة صحية معهم قائمة على القيم والمبادئ الإسلامية، وخلق جو أسري دافئ.
ما هو مفهوم التربية وأنواعها؟
علم التربية نظامًا أكاديميًا، وهو دراسة كيفية نقل المعرفة والمهارات في سياق تعليمي، ويأخذ في الاعتبار التفاعلات التي تحدث أثناء التعلم، ومن أنواعها: التربية الإيمانية - التربية العقلية - التربية النفسية - التربية الأخلاقية - التربية الصحية.