وقت الفراغ سلاح ذو حدّين:
يكون نعمة كما جاء في الأثر: “نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ”، فالمستفيدين من أوقاتهم قلّة، والكثير هو مفرّط مغبون قد صرف وقته في غير محله، لأن الدنيا مزرعة الآخرة، فمن استعمل فراغه وصحته في طاعة الله اليوم، فهو الفائز بإذن الله اليوم وغداً يوم القيامة.
بينما يصبح الوقت نقمة حين يبذل في شراء النار بعصيان الجبار، وبيع الجنة بأبخس الأثمان، ولهذا قالوا: (مِنْ علامات المقتْ، إضاعة الوقت)، فمن أبغضه الله شغله عن ذكره وأضاع وقته.
إنّ الوقت مِنْ أهم النعم في حياة الأفراد، وتأتي قيمته مِنْ مروره السريع، إلا أنّ وقت الفراغ له أهمية مختلفة، لعدة أسباب نفسية وجسدية واجتماعية ومعرفية.
إذا مُتُّع الشخص بأوقات فراغه بين فترة وأخرى؛ فإن ذلك له دور في تخفيف الشعور بالضغط، وإتاحة الاسترخاء له، وتحسين صحته النفسية، إذ وجدت دراسة نشرتها رابطة علم النفس التطبيقي مفادها: أنّ المشاعر الإيجابية الناتجة من أوقات الفراغ، تعطي الفرد وَقودًا نفسيًّا مهمًّا في مواجهة الضغوط، والتكيف معها.
يحتاج الجميع لإراحة الجسد وتجميع الطاقة لمعاودة بدء النشاط من جديد، ويمكن أن يكون وقت الفراغ بمثابة حافز لتحقيق الكفاءة، فهو يوفر فترة راحة ضرورية، مما يسمح للأفراد بإعادة شحن طاقتهم والعودة إلى مهامهم بقوة متجددة ومنظور جديد.
على سبيل المثال: يمكن أنْ تؤدي استراحة الدراسة التي يتم قضاؤها في المشي في الطبيعة إلى جلسات تعليمية أكثر فعالية، حيث يتوفر للعقل وقت للراحة وتجميع المعلومات.
وقت الفراغ له فوائد من الناحية الاجتماعية، فله دور كبير للتواصل والاهتمام بالعائلة والطفل والأصدقاء، وتتحمل الأسرة مسؤولية تعويد الأبناء على الاهتمام بالوقت وتنظيمه منذ الصغر، إذا عودتهم الاستيقاظ في مواعيد محددة، وعودتهم الالتزام بما قطعوه على أنفسهم من مواعيد ومواثيق، ورسمت لهم كيفية تنظيم الوقت وحسن إدارته.
فوائد استغلال وقت الفراغ المعرفية تبرز عند لجوء الشخص إلى: توزيع الوقت باعتدال بين القراءة وحل الواجبات، والاستفادة من التقنيات الحديثة؛ كالكمبيوتر والإنترنت في إثراء المعارف، وتعدُّد مصادر المعلومات، ومزاولة الألعاب المفيدة، وحضور المحاضرات والندوات، وتعويدهم الاستفادة من أوقات الفراغ بالقراءة والاطلاع، وبخاصة في أوقات الانتظار في مواقف السيارات، أو عيادات الأطباء، أو في الدوائر الرسمية وغيرها.
يعاني الشباب من وقت الفراغ ومن آثاره، دون وجود ما يشغلونه به، وتكون الأضرار الناجمة عنه سيئة، ومن أبرز هذه الأضرار هي:
يؤدي وقت الفراغ إلى الشعور بالملل واليأس من الحياة، الأمر الذي يجعل الأفكار السلبية تسيطر بشكل واضح على الإنسان، كما أنه يدفع في كثير من الأحيان إلى الإحساس الدائم بالكآبة وسوء الحالة النفسية، وهي ما يوصفها المعنيون بأنه أخطر المظاهر السلبية لوقت الفراغ، وتؤدي بالطبع الى ارتكاب الكثير من السلوكيات الخاطئة والتي تهدد حياة الفرد.
قالت التربوية بسمة عبدالله محمد: (إنّ الفراغ الكبير الذي يعيش فيه الأطفال أو المراهقين يجعلهم يتجهون إلى تلك المواقع لقضاء أوقات فراغهم، والقضاء على الملل والشعور بالمتعة والتسلية، وكذلك طلب التواصل الاجتماعي والدعم في الظروف السيئة من الآخرين.
إضاعة الأوقات فاقت حد التبذير إلى التبديد، حتى يجلسون الساعات الطوال من ليل أو نهار أمام القنوات الفضائية، ويشاهدون ما يعرض فيها من أنواع المحرمات، أو بتصفح المواقع السيئة الموجودة على الشبكة العنكبوتية أو السفر إلى أماكن اللهو المحرم والرذيلة، وأحسنهم حالاً من انشغل في المباحات حتى ألهته عن كثير من الطاعات والقربات.
تجد أكثرهم لاهين عن ذكر الله وعن الصلاة، فإذا سألتهم عن عملهم هذا قالوا بعبارة تفقدك الأمل فيهم: (نقتل الوقت)، وما يدرون أنهم يقتلون أنفسهم في الحقيقة، وسوف يندمون حين يقال لهم أَوَ لَم نُعَمِّركُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ).
الفراغ تلك الآفة التي تقضي على سلامة الفكر لدى الإنسان، وتسبب حالة من الخلل النفسي في قضاء وقته بهدوء، حيث تأخذ منه سلاسل الأفكار الايجابية لتحل محلها سلبياتها، فيؤدي ذلك إلى تآكل طاقته والتوجه نحو العيش في وديان الكسل والإنكسار.
إلى فيلجأ الشاب أحياناً إلى عمل أشياء سلبية للقضاء على وقت الفراغ: (كالتسكّع بالشوارع، أو الوقوف أمام مدرسة البنات ومعاكستهن، أو مرافقة أصدقاء السوء مما يؤدي إلى الإنحراف في مهاوي العادات السيئة كالتدخين وتعاطي المخدرات)، كل ذلك بحجة أنه يريد أن ينسى ما يعاني منه في وقت الفراغ.
الإنسان بطبيعته كائن منتج لديه حاجة مستمرة للتطور والنمو في مختلف مجالات الحياة، ولكن استهلاكه في أعمال طويلة؛ يولّد لديه حالة من الروتين تجعله في حلقة مغلقة تقف عائقاً بينه وبين الاستمرار في الإنتاج والنمو، ومن ثم تؤدي إلى عدم الرضا عن النفس.
الإنسان لم يخلق ليقضي كل وقته في العمل، فطاقته محدودة ستنفد وعندها سيفقد قدرته على ممارسة الأنشطة المتعلقة بالجوانب الأخرى من حياته، ومن ثم من الممكن أن يؤدي ذلك إلى شعوره بالوحدة والانعزال.
ما سبق كلامٌ موجه لمن يلتزم بعمل طلب الرزق ولا يراعي التوازن في توزيع وقته، لكن الذي لا عمل له فهذا شخص لم يبدأ ليفقد الإنتاجية، فهو غارق في أوحال الوحدة والضياع، وعلاجه في أن يبدأ العمل مباشرة وحالاً.
الإنسان الناجح هو من يُحسِن استغلال الوقت، ويعرف كيف يُدير وقته وينظّمه، ويغتنم أوقات فراغه في أعمالٍ تعود عليه بالنجاح والتقدّم، فترتفع الرّوح المعنويّة لديه، ويكون النجاح والتقدّم حليفه في خطوات حياته، وإليكم أهم طرق استغلال وقت الفراغ:
جميعنا نحتاج لأخذ وقت مستقطع من حين لآخر لكي نرفّه عن أنفسنا، والقيام بأنشطة نُرضي بها أنفسنا ونسعدها، وذلك قضاء الوقت في ممارسة بعض الهوايات والأنشطة الرياضية التي تُقوّي الجسم وتُمرِّنه، وتمدُّه بالطّاقة واللياقة البدنيّة، ومن هذه الرياضات: رياضة الجري، والسباحة، والفروسيّة، وركوب الدرجات الهوائيّة..
ومن المهم أن يكون لديك هوايات تقوم بممارستها لبعض الوقت من حين لآخر، حيث يمكن أن تساعدك هذه الهوايات على تجديد طاقتك وتقليل التوتر والضغط في حياتك، وستتمكن أيضاً من بناء المهارات التي قد تتكون عاملًا مساعدًا هامًا في حياتك المهنية.
املأ فراغك بالتدرّب على المِهن الصناعيّة المختلفة؛ فهي تزيد مهارات الفرد في إتقان الحِرَف التي يحتاجها الإنسان في حياته، والدخول في دورات تدريبيّة تصقل شخصية الفرد، وتنمّي مهاراته، وتزيد مخزونه العلميّ والثقافيّ.
شارك في معسكرات تدريبيّة ورحلاتٍ علميّةٍ وترفيهيّة بصورةٍ جماعيّة، كالمشاركة في دورات تقنيّة حديثة، مثل: التدرّب على الحاسب الآليّ ووسائل التعليم الحديثة؛ بهدف تنمية مهارات الفرد، وزيادة سعة اطّلاعه في جوانب الحياة كافّةً، كما أنّ التطوع يساعدك أنت وأفراد المجتمع.
إنّ الاسترخاء خلال أوقات الفراغ له دور في تحسين جودة النوم في نهاية اليوم، وهو يفيد في استعادة العافية والنشاط، حيث أنه من دون ذلك سيشعر الجميع بالتوتر والإجهاد والتعب والإحباط.
عوامل عدة تؤثر في استغلال وقت الفراغ بشكل أمثل وفعّال، ولكل جانب منها خصائصه ومزاياه التي لا بد ّ لنا من الوقوف عندها.
وقت الفراغ مهم طوال العمر: فيعد وقت فراغ الأطفال جزءاً مهماً من حياتهم اليومية، ويشكل عاملاً مهماً في التنشئة الاجتماعية وتنمية المهارات وتشكيل الهويات الشخصية، ويمكن للبالغين الأكبر سنًا على وجه التحديد الاستفادة منه في تنمية الجوانب الجسدية والاجتماعية والعاطفية والثقافية والروحية.
يختلف الوقت المتاح لوقت الفراغ من مجتمع إلى آخر:
يؤثر الوضع الاقتصادي للأشخاص بشكل كبير على سلوكهم في قضاء أوقات الفراغ: فبينما يتسع وقت الفراغ لدى الأسر الميسورة، يضيق عند الأسر الفقيرة التي قد تلجأ أفرادها للقيام بأعمال إضافية.
الوقت أهم ما يملكه كل إنسان وعليه الاستفادة منه واستثماره.
يقول ابن القيم: (ومن أعظم الأشياء ضررا على العبد بطالته وفراغه، فإن النفس لا تقعد فارغة، بل إن لم يشغلها بما ينفعها شغلته بما يضره ولابد).
تجعل الفرد أكثر ثقةً بنفسه، فالأشخاص القادرون على تنظيم وقتهم وإدارته يستطيعون إنجاز المهام المُسندة إليهم في الوقت المحدّد.
يقضي المؤمن وقت فراغه في ممارسة بعض الأعمال المفيدة أو العبادة تقرباً من المولى سبحانه، مثل: الذِّكر، وتلاوة القرآن، وعمل حلقات تحفيظ كتاب الله وتفسيره، ومسابقاتٍ ثقافيةٍ وعلميّة.
