الخطابة وفن الإلقاء – كانت ولا تزال وستبقى – أداة بالغة التأثير في بناء الوعي وتحريك الناس نحو الأهداف، مارسها الأنبياء والرسل عليهم أفضل الصلاة والسلام في تبليغ الناس رسالة الله تعالى ونشر الدعوة؛ ويستخدمها السياسيون لتحقيق مصالحهم وأهدافهم، وكانت وسيلة القادة والفاتحين لرفع معنويات جنودهم، وهي أحد الأسباب الهامّة لنجاح المدير في تحفيز الموظفين.
ولئن كانت الخُطبة بمفهومها الشامل أداة بالغة التأثير في الإعلام والتعليم والدعوة والتربية؛ فإنّ خطبة الجمعة تتميز عن جميع الخطب بميزات وخصائص تجعلها ذات أهمية لا يمكن أن تساويها أو تقاربها أي خطبة أخرى، فما هي أهم هذه الميزات؟ تابعونا في مقال: أهمية خطبة الجمعة في الإسلام.
تعريف خطبة الجمعة
الخُطبة في اللغة: هي ما يُلقى على المنبر، وفي الاصطلاح: الكلام المتضمّن للوعظ والإرشاد، وخطبة الجمعة: هي ما يُلقى من الكلام قبل صلاة الجمعة وبعد دخول وقتها، بشروط مخصوصةٍ وكيفيةٍ محددةٍ.
اتفق الفقهاء من المذاهب الأربعة على أن الخطبة شرط لصحة الصلاة يوم الجمعة ، فهي من ذكر الله الذي أمر الله تعالى بالسعي إليه في قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [سورة الجمعة: 9]. وقد واظب النبي ﷺ عليها مواظبة تامة.
واختلف الفقهاء في تحديد أركان خطبة الجمعة، وفيما يأتي تفصيلها عند كلّ مذهبٍ:
الشافعية: حمد الله بلفظ الحمد ولفظ الجلالة في الخُطبتين، والصلاة على النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، والوصية بتقوى الله فيهما أيضاً، وقراءة آيةٍ من القرآن في إحدى الخُطبتَين، والدعاء للمؤمنين والمؤمنات في الخطبة الثانية.
الحنابلة: حمد الله في أوّل كل خطبةٍ، والصلاة على النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، وقراءة آيةٍ من القرآن، والوصية بتقوى الله.
الحنفية: لها ركنٌ واحدٌ يتمثّل بذكر الله سواءً كان قليلاً أم كثيراً، وهي خطبة واحدةٌ وليست خُطبتَين.
المالكية: ركن خطبة الجمعة الوحيد الترغيب أو الترهيب للحاضرين.
أصل خطبة الجمعة
جاء عن بعض الصحابة أنّ الخطبة هي بدل الركعتين من صلاة الظهر.
أهمية خطبة الجمعة في الإسلام
من حيث المكان: المسجد بيت الله، وأحب البقاع إلى الله، تغمره السكينة، وتغشاه الرحمة، وتحفه الملائكة الأطهار، ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده».
من حيث الزمان: يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع وأعظمها، فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: «خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة؛ فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة».
وجوب حضورها، والسعي إليها، والإنصات لها: فقد أمر الله تعالى بذلك فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾[سورة الجمعة: 9].
التزين لها، وحضورُها على أحسن حال: رغّبَ النبي ﷺ في الاغتسال قبل حضورها، والتبكير إليها، وأخبر بما يترتب على ذلك من عظيم الأجر والثواب.
الخطبة كوسيلة لنشر الدين والتوعية
الخطبة وسيلة فعّالة لنشر الدين وتوعية المجتمع المسلم، من خلال:
نقل المعرفة الدينية: يشرح الخطيب مفاهيم القرآن الكريم والسنة النبوية ويوضح مفاهيم الإيمان والعبادة والأخلاق الإسلامية.
توجيه النصائح والتوجيهات: يتناول خطيب الجمعة قضايا الحياة اليومية والتحديات التي يواجهها المسلمون، ويقدم النصائح والحلول الإسلامية للتعامل معها.
تعزيز القيم الإسلامية: العدل والشفقة والتعاون والأخلاق الحميدة مجال أساسي لحديث الخطباء، ويشجعون على العمل الصالح والتراحم والعطاء، وبذلك يتم توجيه المسلمين للعيش وفقًا لمبادئ الإسلام وتعزيز القيم الأخلاقية في المجتمع.
يقول أبو زهرة -: “إحدى وسائل الدعوة إلى الله، وهي من أهم وسائل التربية والتوجيه والتأثير، ولها ثمرات كثيرة فهي التي تفض المشاكل، وتقطع الخصومات، وهي التي تهدئ النفوس الثائرة، وهي التي تثير حماسة ذوي النفوس الفاترة، وهي التي ترفع الحق، وتخفض الباطل، وتقيم العدل، وترد المظالم، وهي صوت المظلومين، وهي لسان الهداية؛ والخطابة تثير حمية الجيوش، وتدفعهم إلى لقاء الموت، وتزيد قواهم المعنوية، ولذلك كان قواد الجيوش المظفرين خطباء مصاقع؛ كعلي بن أبي طالب وخالد بن الوليد وعمرو بن العاص، وطارق بن زياد”.
دور خطيب الجمعة في توجيه المجتمع
يمكن للخطبة أنْ تسلط الضوء على القضايا الاجتماعية والمشاكل التي تواجه المجتمع، فيتحدث الخطيب عن العدالة الاجتماعية، وحقوق الفقراء والمظلومين، وضرورة المشاركة النشطة في حل تلك المشكلات وغيرها لتحسين الحالة الاجتماعية.
بذلك تعمل الخطبة على تحفيز المسلمين للمشاركة الفعّالة في تحقيق العدالة والإصلاح، وتساهم الخطبة في بناء مجتمع مسلم ذو وعي، يسعى للتطبيق العملي للمبادئ الإسلامية في حياته اليومية ويشارك في تحقيق الخير والعدل في المجتمع.
ألا ترون أنّ الخطيب المفوّه يمكنه أن يحرّك الآلاف ويصنع تغييراً جذرياً في المجتمع، فرسول الله ﷺ كان خطيباً مفوّهاً إذا خطب كأنّه منذر جيش، بحماس وقوة تلهب المشاعر، وخطب رسول الله ﷺ قصيرة لكنها فعّالة وبأسلوب خطابي رائع.
“إني أحاول أن ألقي اليوم خطبة، فلا تقولوا قد شبعنا من الخطب، إنكم قد شبعتم من الكلام الفارغ، الذي يلقيه أمثالي من مساكين الأدباء، أما الخطب فلم تسمعوها إلا قليلاً، الخطب العبقريات الخالدات التي لا تنسج من حروف، ولا تؤلف من كلمات؛ ولكنها تنسج من خيوط النور الذي يضيء طريق الحق لكل قلب، وتحاك من أسلاك النار التي تبعث لهب الحماسة في كل نفس، ولا تقولوا: وماذا تصنع الخطب؟
إن خطب ديموستين صبت الحياة في عروق أمة كادت تفقد الحياة، وهي كلمات وقفت سداً منيعاً في وجه أعظم قائد عرفته القرون الأولى -الإسكندر- ووجه أبيه من قبله: فيليب، وخطبة طارق هي التي فتحت الأندلس، وخطبة الحجاج أخضعت يوماً العراق، وأطفأت نار الفتن التي كانت مشتعلة فيه، ثم وجهته إلى المعركة الماجدة، ففتح واحد من قواد الحجاج أكثر مما فتحت فرنسا في عصورها كلها، وبلغ الصين، وحمل الإسلام إلى هذه البلاد كلها، فاستقر فيها إلى يوم القيامة، ذلك هو قتيبة بن مسلم، ولما اجتاح نابليون بروسيا، ما أعاد لها حريتها، ولا ردَّ عليها عزمها، إلا خطب (فِختِه) التي صارت لقومه كالمعلقات يحفظها في المدارس الطلاب… الخ” [هتاف المجد للشيخ علي الطنطاوي: 23].
تعزيز الروحانية والقرب من الله
خطبة الجمعة لها شأن عظيم عند الله -عز وجل- فهي ذكر لله كما سماها الله في كتابه، وهي شعيرة من شعائر الدين تشهدها الملائكة، كما قال ﷺ: (إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون من جاء من الناس على قدر منازلهم، فرجل قدم جزوراً، ورجل قدم بقرة، ورجل قدم شاة، ورجل قدم دجاجة، ورجل قدم عصفورا، ورجل قدم بيضة، فإذا أذَّن المؤذن ، وجلس الإمام على المنبر طووا الصحف ودخلوا المسجد يستمعون الذكر).
إنَّ هذا الحديث يلقي ظلالاًً من الهيبة والجلال على هذه الخطبة، وفي الوقت نفسه يعطي الخطيب شعوراً بأهمية الكلمة التي يقولها من على المنبر، فعلاوة على كل ما فيها من قيمة دعوية، فإن الملائكة الكرام يسمعونها، فليت الذين يوظفون خطبهم لتحقيق مصالح فلان أو علان يفقهون هذا الحديث.
بناء الترابط الاجتماعي والوحدة
المسلمون على اختلافاتهم يحضرون صلاة الجمعة ويشهدونها: (فيحضرها المثقف والجاهل وطالب العلم والمتعلم، ويحضرها الكبير والصغير، ومن جانب آخر فحضورها ليس مقصوراً على الأخيار وحدهم، فكثير ممن لا يشهد صلاة الجماعة يحضر الجمعة، وهذا يتيح للخطيب أن يخاطب الجميع، وأن يتحدث للكثير ممن لا يحضرون المحاضرات والندوات، ودروس المساجد).
إنها تشكل باختصار مجالاً واسعاً للدعاة يخاطبوا فيه الجميع، ويعملوا من خلاله على بناء الترابط الاجتماعي والوحدة، عن طريق تسليط الضوء على قيم التعاون والتسامح والمحبة في المجتمع، ويمكن أيضًا تناول قضايا تهم المجتمع وتشجيع المسلمين على المشاركة في الأعمال الخيرية ودعم بعضهم البعض.
الاحترام و الالتزام بخطبة الجمعة
خطبة الجمعة تختلف عن أي خطاب آخر، فهي شعيرة من شعائر المسلمين، والمسلم يستشعر فيها طاعة الله -عز وجل-، كما أنها تختلف عن أي ندوات أو محاضرات دينية أخرى، فحكمها الشرعي يجعل الحضور والإنصات وعدم التغافل عنها أمراً واجباً.
أهمية الالتزام بالحضور والاستماع
إنَّ حال المسلم عند خطبة الجمعة كحاله في الصلاة: لا يتكلم ولا يكلم غيره ولا يتشاغل بأي شيء عن سماع الخطبة والإنصات لها، ومن أدلة ذلك قوله ﷺ: “إذا قُلتَ لصاحبك يوم الجمعة أنصت والإمام يخطب فقد لغوت” (رواه البخاري:934، ومسلم:1965)، وقوله ﷺ: “من توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غُفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام، ومن مس الحصى فقد لغا” (رواه مسلم:1988).
وأما أهميتها بالنسبة للخطيب: فلكون حضورها لازماً والاستماع لها متعيناً، فإن ذلك يتطلب منه الاهتمام البالغ والعناية التامة بخطبته؛ فيبذل جهده في وقت مبكر لإعدادها الإعداد الذي يستوفي فيه جوانب الموضوع مع الاختصار ومع استشعاره -أيضاً- عموم نفعها وعظيم أجرها وثوابها؛ لقوله ﷺ: “من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً” (رواه مسلم:6804 عن أبي هريرة -رضي الله عنه-).
الأسئلة الشائعة
ما هو الهدف من خطب الجمعة؟
الامتثال لأمر الله تعالى بذلك فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾[سورة الجمعة: 9].
هل خطبة الجمعة ضرورية؟
خطبة الجمعة شعيرة من شعائر الإسلام وحضورها واجب شرعي قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾[سورة الجمعة: 9].
ما حكم ذكر الله اثناء خطبة الجمعة؟
ذكر الله تعالى ركن من أركان الخطبة.
هل خطبة الجمعة واجبة
اتفق الفقهاء من المذاهب الأربعة على أن الخطبة شرط لصحة الصلاة يوم الجمعة ، فهي من ذكر الله الذي أمر الله تعالى بالسعي إليه في قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [سورة الجمعة: 9]. وقد واظب النبي ﷺ عليها مواظبة تامة.
هل يجوز صلاة الجمعة من غير خطبة؟
اتفق الفقهاء من المذاهب الأربعة على أن الخطبة شرط لصحة الصلاة يوم الجمعة لغير أصحاب العذر الذين فصل الفقهاء أحوالهم.
ما حكم من تأخر عن خطبة الجمعة؟
وجب عليه أن يسعى لها قبل النداء ليدرك الخطبة والصلاة؛ لأن إدراكها واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
وفي الختام: لا تنس مشاركة هذه المقالة مع الأصدقاء.
كما يمكنك الاستفادة والاطلاع على المزيد من المقالات: