البشر مخلوقات اجتماعية تسعى دائمًا للتواصل والتعبير عن أنفسهم لتلبية احتياجاتهم، ومع ذلك يعاني الكثيرون من شعور الخوف والخجل في تواصلهم مع الآخرين، هل سبق لك أن شعرت بالارتباك عند بداية تعرفك على شخص جديد لا تعرفه؟ أو تلعثمت أمام الكاميرات؟ أو تعرقت خلال فحص طبي؟
هذا الشعور الشائع تم تأكيده من خلال دراسة أجريت في جامعة ستانفورد، حيث أفاد 80% من المشاركين أنهم عانوا من الخجل في بعض مراحل حياتهم، إذا كنت تعاني من هذا الشعور فنحن نبشرك أنّ هذ النوع من الخجل يمكن التغلب عليه والتخلص منه؛ إذا فهمته واتبعت النصائح التي سنقدمها لك في هذا المقال المفيد.
مفهوم الخوف والخجل الاجتماعي
مع أن الخوف الاجتماعي والخجل الاجتماعي قد يتشابهان في بعض الجوانب، إلا أنهما يختلفان في مستوى القلق والتأثير على الحياة الاجتماعية للفرد، فالخوف الاجتماعي يعبّر عن حالة أكثر شدّة ويمكن أن يكون اضطرابًا نفسيًا معترفًا به، في حين أن الخجل الاجتماعي يمكن أن يكون جزءًا من الطبيعة الشخصية للفرد ولا يصل إلى مستوى الاضطراب.
تعريف الخجل الاجتماعي
الخجل الاجتماعي (Social Anxiety Disorder):“الشعور بالارتباك وعدم الراحة والخوف قليلا من الوجود بالقرب من أشخاص آخرين”.
ويميل الشخص الخجول إلى الانسحاب من المواقف الاجتماعية، والحساسية الزائد في قراءة أقوال الآخرين وتصرفاتهم، ويخشى من أحكام الآخرين، وبالتالي يفضل الانسحاب وعدم التعبير عن النفس.
تعريف الخوف الاجتماعي
الرهابُ الاجتماعي (social phobia): “اضطراب وقلق من بعض المواقف الاجتماعيَّة أو الأداء الاجتماعيّ، وغالبًا ما يَجرِي تجنُّب هذه المواقف أو تحمُّلها على حساب الكثير من الضيق والانزعاج“.
يُعتبر الخوف الاجتماعي آلية دفاعية ينشئها العقل للهروب من الرفض والسخرية التي قد يواجهها الأفراد الذين يفتقرون إلى المهارات الاجتماعية، يشعر الشخص المصاب بالخجل والتوتر عند التعامل مع الغرباء، ويتجنب التواصل العيني أثناء الحديث، ويتجنب المشاركة في المناسبات والاجتماعات، وهذا يؤثر على سلوكه وتصرفاته تجاه نفسه وتجاه الآخرين، وقد يدرك أو لا يدرك المَرضى أنَّ مخاوفَهم غير عقلانية ومفرطة.
هناك عدة أسباب وعوامل تسهم في ظهور الخوف والخجل الاجتماعي، يمكننا تقسيم هذه الأسباب إلى قسمين:
الأسباب النفسية
ضعف الثقة بالنفس: يشعر الأشخاص الذين يعانون من انخفاض الثقة بالنفس بعدم الكفاية والشك في قدراتهم عند التفاعل مع الآخرين.
الاضطرابات النفسية: يمكن أن تكون بعض الاضطرابات النفسية عاملًا أساسياً في زيادة الخوف والخجل الاجتماعي، مثل: اضطراب القلق الاجتماعي، والكآبة، والعزلة.
المثالية: ترى خبيرة علم النفس البريطانية كلوي فوستر: أنَّ من يخجلون من الحديث أمام الجمهور مثلاً يضعون لأنفسهم معايير عالية “فهم لا يتوقعون لألسنتهم أن تزل في كلمة، ويعتقدون أن على جميع من يستمعون إليهم الانتباه والانجذاب الكاملين لما يقولونه طوال الوقت، بالإضافة إلى الخوف وما يسببه من عدم الثقة بالنفس وترك ممارسة المهارات الاجتماعية تفاديا للإحراج”.
مركب النقص: يشعر البعض بعقدة النقص بسبب إعاقة جسدية أو سمنة مفرطة أو قصر قامة ملحوظ أو بسبب الفقر، مما يجعلهم خجولين.
العوامل الاجتماعية
الدلال الزائد أو النقد والتهديد: إنّ مخاوف الأم الزائدة قد تصيب الطفل بالخوف من اللعب تفادياً للإصابة بالأذى، فيظل منطوياً خجولاً، كما أنّ الآباء الذين ينتقدون أطفالهم علانية قد يتسببون في خوفهم من الراشدين فيصبحون خجولين، وتصبح ردود أفعالهم دفاعية.
الوراثة: هناك بعض الدلائل التي تشير إلى أن العوامل الوراثية قد تلعب دورًا في تطور الخوف والخجل الاجتماعي، ويمكن أن يكون هناك ارتباط جيني يؤثر على التوتر الاجتماعي واستجابة الشخص للمواقف الاجتماعية المجهدة.
البيئة المحيطة: قد يكون التعرض المبكر للتجارب الاجتماعية السلبية أو الضغوط الاجتماعية المفرطة من العائلة أو المجتمع عوامل تزيد من احتمال حدوث الخوف والخجل الاجتماعي.
فحسب أستاذة علم الوراثة في جامعة كينغز كوليدج لندن الدكتورة ثاليا إيلي فإن “سبب الخجل يعود في 30% منه إلى الجينات الوراثية، في حين تتكفل البيئة المحيطة بالنسبة المتبقية”، فالبيئة وخبرات الحياة الأليمة كالفشل في الدراسة وتأثير الطلاق تصنع طفلاً خجولاً.
يمكن أن يسيطر اضطراب الخوف والخجل الاجتماعي على حياة الشخص إذا تُرك دون علاج، وقد تتعارض اضطرابات القلق مع العمل أو الدراسة أو العلاقات أو حتى الاستمتاع بالحياة، وفيما يلي بعض الآثار التي يمكن أنْ يؤدي إليها هذا الإهمال.
الآثار النفسية
ضعف الثقة بالنفس
كثرة التردد وصعوبة التيقن من الأمور
الحديث السلبي مع النفس
حساسية شديدة للنقد
ضعف القدرة على بناء العلاقات الاجتماعية والتواصل مع الآخرين
ضعف الإنجازات
الإدمان على المخدرات أو المسكرات
محاولة الانتحار
الآثار الاجتماعية
القلق الشديد لأيام أو أسابيع قبل أي حدث الاجتماعي.
تجنب المواقف الاجتماعية.
محاولة الاندماج في الخلفية إذا اضطر للحضور.
القلق من أنْ يلاحظ الآخرون أنه متوتر أو عصبي.
الخوف من الإحراج أمام الآخرين.
الغياب عن المدرسة أو العمل بسبب القلق.
وضعية جسد صارمة وصوت خافت أثناء التفاعلات الاجتماعية.
الحساسية للنقد وتدني احترام الذات والحديث السلبي عن النفس.
يمكننا التغلب والتخلص من هذا النوع من الخوف والخجل: إذا فهمنا أسبابه، وعملنا على تطوير المهارات الاجتماعية الضرورية، ومن خلال العمل على زيادة الثقة بالنفس، وتحسين مهارات التواصل؛ يمكن للفرد التغلب على الخجل الاجتماعي والاستمتاع بتجاربه الاجتماعية بثقة ويسر.
استراتيجيات تغلب على الخوف والخجل
تحديد الأسباب الجذرية: سيساعدك تحديد الأسباب الجذرية وراء خوفك وخجلك على معالجتها بشكل أكثر فعالية.
تحدّي الأفكار السلبية: استبدل الأفكار الانهزامية بأفكار إيجابية وواقعية، وذكّر نفسك بنقاط قوتك وقدراتك ونجاحاتك السابقة، وركز على إمكاناتك بدلاً من التركيز على أوجه القصور المتصوّرة.
التعرض التدريجي: ابدأ بتعريض نفسك تدريجيًا للمواقف التي تثير الخوف أو الخجل، فكل تجربة ناجحة ستعزز ثقتك بنفسك وتساعد في التغلب على الخوف والخجل.
التعاطف الذاتي: كن لطيفًا وصبورًا مع نفسك، واعلم أنَّ التغلب على الخوف والخجل يتطلب وقتًا وجهدًا، وتذكر أن كل شخص لديه حالة من عدم الأمان، وأنت لست وحدك في رحلتك.
تحسين استراتيجيات التأقلم: جهّز نفسك باستراتيجيات فعّالة تشمل تمارين التنفس العميق أو التأكيدات الإيجابية أو تقنيات التخيل أو طلب الدعم من صديق أو مرشد موثوق به.
ركز على اللحظة الحالية: حوّل تركيزك من القلق بشأن المستقبل أو التركيز على التجارب السابقة، ومارس اليقظة والتركيز على اللحظة الحالية.
الحزم: تدرب على التعبير عن أفكارك وآرائك واحتياجاتك بطريقة واضحة ومحترمة، ابدأ بمواقف منخفضة المخاطر وشقّ طريقك تدريجيًا.
طلب الدعم: تواصل مع الأصدقاء الداعمين أو أفراد الأسرة أو المهنيين الذين يمكنهم تقديم التوجيه والتشجيع.
احتفل بالنجاحات: اعترف واحتفل حتى بأصغر الانتصارات خلال رحلتك، الاحتفال بالنجاحات يعزز السلوك الإيجابي ويبني الثقة بمرور الوقت.
التعلم المستمر والنمو: تابع دروسًا أو ورش عمل تتناول المجالات التي تعاني منها، مثل فن الإلقاء أو مهارات التواصل.
التحدث بطريقة الإيجابية عن النفس: تخيل نفسك بثقة تواجه وتتغلب على المواقف التي تثير الخوف أو الخجل، وتدرب على الحديث الإيجابي مع النفس من خلال تكرار التأكيدات مثل “أنا قادر” و “أنا واثق” و “يمكنني التعامل مع هذا”.
ابحث عن تجربة جديدة: انخرط في أنشطة وهوايات تعرضك لأشخاص ومواقف جديدة، وانضم إلى النوادي أو حضور المناسبات الاجتماعية أو المشاركة في أنشطة جماعية حيث يمكنك الالتقاء والتفاعل مع أفراد مختلفين.
تقبّل الفشل كفرص للتعلم: لا تدع الخوف من الفشل يعيقك، احتضان الفشل كفرص تعليمية قيمة تساهم في النمو الشخصي، فالانتكاسات هي جزء من العملية وكل فشل يقربك من النجاح.
أحِط نفسك بالأشخاص الإيجابيين: أحِط نفسك بالأفراد الذين ينضحون بالثقة ويلهمونك: راقب سلوكهم وعقلياتهم وأسلوب تواصلهم، تعلم من ثقتهم بأنفسهم وحاكي سماتهم الإيجابية.
قد تستدعي بعض حالات الخجل الشديد التي تتداخل مع أداء المهام اليومية إلى مراجعة طبيب نفسي والخضوع لجلسات العلاج النفسي، حيث يعمل العلاج النفسي على:
التدريب على تقنيات تساعد في تقليل الأعراض الجسدية المصاحبة للخجل.
تحديد أسباب الخجل والقلق.
تغيير نمط التفكير السلبي المرتبط بالخوف إلى تفكير إيجابي صحي.
المساعدة على الانخراط في التفاعلات الاجتماعية.
تعلم تقنيات تساعد على التعامل مع الخجل.
كيف تغلّب الدكتور طارق السويدان على رهبة التحدث أمام الجماهير
الوعي والتوعية بالخوف والخجل الاجتماعي
الوعي والتوعية بالخوف والخجل الاجتماعي أداة قوية تمكنك من أن تكون صاحب مبادرة في تحديد مسار حياتك بنفسك، إنها مفتاح لفهم الذات وتحقيق النمو الشخصي والتطور والنجاح.
دور التثقيف والتوعية
التثقيف والوعي بمشكلة الخوف والخجل الاجتماعي يمنح الأفراد القدرة على فهم العالم بشكل أفضل سواء المصابين بهذه المشكلة أو من يتعامل معهم، كما يساهم في: (تحقيق التغيير الإيجابي، وتنمية الذات، والتفاعل الاجتماعي، واتخاذ القرارات الذكية، والتحسين المستمر). لذا، يجب أن نسعى جميعًا لزيادة مستوى التثقيف والوعي سواء على المستوى الفردي أو المجتمعي، لتحقيق تطور مستدام وتعزيز جودة حياتنا.
العمل على إزالة العار والتمييز
الوصمة هي نقطة عار وعلامة خزي وعدم موافقة يعلّم بها الشخص الذي يرفض ويجتنب من قبل المجموعة نتيجة التحيز، وهناك ثلاثة أنواعِ مِنْ مواقف الوصمة التي يبديها الناس حول الأفراد المصابين بالمرضِ النفسي:
الخوف من الرصد والإبعاد
السيطرة
الإحسان
وصمات العار هي مواقفَ سلبيةَ حول مجموعة معينة التي تُؤدّي إلى حِرمان الأعضاء الموشومين من تلك المجموعة مِنْ التَمَتُّع ببَعْض الفرصِ التي يَتمتّعُ بها أعضاء تلك المجموعة الآخرون، ومن المهم لنا تعلم بيان وجود وتأثيرِ وصمةِ العار على الأفرادِ المصابين بالمرضِ النفسي، و عوائلهم و مجتمعاتهم.
وفي الختام: لا تنس مشاركة هذه المقالة مع الأصدقاء
كما يمكنكم الاستفادة والاطلاع على المزيد من المقالات: