الكعبة المشرّفة لها مكانة عظيمة في الإسلام، تهفو إليها القلوب وترنو إليها الأرواح، معظّمة في النفوس، هي على الأرض ويصعد نورها إلى السماء.
سنتعرف في هذا المقال على الكعبة المشرّفة، وتاريخ بنائها، وأبرز معالمها وأبعادها، وبعض المعلومات عنها.
ما هي الكعبة المشرفة
هي بناء مقدّس مكعّب الشكل، يشبه الغرفة، يربط الأرض بالسماء، يتجه إليه المؤمنون بأجسادهم وأرواحهم لأداء فريضة الصلاة، ويذهبون إليه للطواف حوله لإتمام فريضة الحج، أو لأداء مناسك العمرة.
الكعبة في القرآن الكريم
ذُكرت الكعبة المشرّفة في القرآن الكريم 17 مرة، وفي كل مرة اقترن ذكرها بالتشريف والتعظيم.
وجاء ذكرها في كتاب الله بعدّة ألفاظ، فجاءت بلفظ “الكعبة” و”البيت” و”البيت الحرام” و”البيت المحرم” و”البيت العتيق”.
وقد ذكر الله سبحانه وتعالى الكعبة بقوله: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [الحج: 26].
حيث شرَّفها سبحانه 4 مرّات في هذه الآية، الأولى عندما حدّد مكان الكعبة على الأرض، والثانية عندما كلّف خليله ابراهيم أبا الأنبياء ببناء الكعبة، والثالثة عندما أمر بتطهير الكعبة، والرابعة عندما أضافها إلى نفسه بقوله تعالى: “بيتي“.
كما جاء ذكر الكعبة المشرّفة في قوله تعالى {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ} [المائدة: 97]، إذا بيّن الله بذلك حرمتها وحظر إيقاع الظلم والفحش فيها، وأشار إلى دورها بأنها قياماً للناس أي صلاحاً ونفعاً لهم.
كما جاءت في قوله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ} [آل عمران: 96]، ونالت بذلك الكعبة شرف الأوّلية والأسبقية على كل بيوت الله.
ووردت أيضاً مرتين في سورة الحج بلفظ البيت العتيق، في قوله الله {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29]، وفي قوله سبحانه: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33]، وقال النبي ﷺ: «إِنَّمَا سَمَّى اللَّهُ الْبَيْتَ الْعَتِيقَ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ مِنَ الْجَبَابِرَةِ، فَلَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ جَبَّارٌ قَطُّ» [رواه الحاكم في المستدرك – 3465].
الكعبة في السنّة النبوية
ورد ذكر الكعبة المشرّفة في السنة النبوية المطهّرة في عدة مواضع، ويوجد العديد من الأحاديث التي تدل على عِظَم شأن الكعبة وأهميتها في أداء الشعائر، وقد بيّن النبي ﷺ أيضاً درجة حرمة الكعبة، وأنّها بالرغم من حرمتها؛ إلّا أنّ حرمة المؤمن أعظم.
جاء عن ابن عباس رضي الله عنه أنّ رسول الله ﷺ نظر إلى الكعبة وقال: (مَرْحَبًا بِكِ مِنْ بَيْتٍ مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتِكِ! وَلَلْمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةَ عِنْدَ اللهِ مِنْكِ، إِنَّ اللهَ حَرَّمَ مِنْكِ وَاحِدَةً وَحَرَّمَ مِنَ الْمُؤْمِنِ ثَلَاثًا: دَمَهُ، وَمَالَهُ، وَأَنَ يُظَنَّ بِهِ ظَنَّ السَّوْءِ)، [رواه البيهقي في شعب الإيمان 6706].
الكعبة في التشريع الإسلامي
يرتبط بالكعبة المشرّفة عدد من الفروض والشعائر والعبادات نذكر منها:
كراهة أو تحريم استقبالها عند قضاء الحاجة في الخلاء ودورات المياه.
من بنى الكعبة المشرفة
تشير العديد من الروايات إلى أنّ الكعبة المشرّفة بُنيت على يد آدم عليه السلام بمساعدة الملائكة الكرام، وأشارت روايات أُخرى إلى أنّ مكان الكعبة موجود قبل وجود أبو البشر آدم عليه السلام.
والثابت بنص القرآن الكريم؛ أنّ نبي الله إبراهيم عليه السلام أعاد بناء الكعبة ورفع قواعدها بمعونة ولده اِسماعيل عليه السلام، وذلك في قوله تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 127].
وعندما كان إبراهيم عليه السلام يرفع الأحجار لبناء الكعبة طلب من ابنه اِسماعيل عليه السلام حجراً ليصعد عليه ويكمل بناء الكعبة، وذلك الحجَر موجود إلى اليوم بما يعرف بمقام إبراهيم أحد أبرز معالم الحرم المكي الشريف.
تاريخ بناء الكعبة المشرفة
توالت القبائل العربية منذ زمن إبراهيم عليه السلام وولده إسماعيل؛ إدارة ورعاية شؤون الكعبة إلى زمن النبي ﷺ، وقد ساهم رسول الله ﷺ بيده الشريفة في وضع الحجَر الأسود ليمنع بحكمته خلافاً كبيراً كاد أن ينشئ في قريش.
حصل ذلك قبل 5 سنوات من بعثة النبي ﷺ، حين اجتمعت قريش لتجديد بناء الكعبة بعد تصدع أجزاء من جدرانها، وتقاسمت القبائل الأعمال حتى وصلوا إلى مرحلة وضع الحجَر الأسود، فظهر خلاف وبوادر اقتتال بين القبائل التي تريد كل منها نيل شرف وضع الحجر.
حتى توصّلوا إلى اقتراح أن يقوم أول شخص يدخل المسجد الحرام بالتحكيم بينهم، وكان هو رسول الله ﷺ، فهتف الجمع: “رضينا، هذا الأمين، هذا محمد“.
وحين علم النبي العظيم بالقصة طلب منهم ثوباً ووضع الحجَر الأسود في وسطه وطلب من كل قبيلة أن تحمل طرفاً من الثوب ليتّجهوا إلى الكعبة، فلمّا وصلوا إلى موضع الحجَر أخذ النبي ﷺ الحجَر بيده الشريفة ووضعه في مكانه، لينتهي الخلاف بفضل حكمته ﷺ.
ومرّت الكعبة بأطوار من التجديد والترميم على مر العهود التالية لعهد النبي ﷺ والخلفاء الراشدين، حيث تعرضت الكعبة للحريق والسيول وإعادة البناء حتى استقرت على شكلها الحالي إلى يومنا هذا.
أين تقع الكعبة المشرفة
تقع الكعبة المشرّفة في وسط المسجد الحرام بمدينة مكة في المملكة العربية السعودية حالياً.
وقد فرض الله سبحانه الصلاة على المسلمين وجعل استقبال القِبلة شرطاً أساسياً من شروط صحة الصلاة، وأدلة ذلك كثيرة ومتواترة، لقول الله تعالى: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 149، 150].
وقد ورد عن النبي ﷺ أنه قال لرجل وهو يعلّمه الصلاة: (إذا قُمتَ إلى الصَّلاةِ فأَسْبِغِ الوضوءَ، ثم استقبلِ القِبلةَ فكبَّر…) [صحيح البخاري – 6251].
وذكر ابن عباس أنّ رسول الله ﷺ يوم فتح مكة خرج من الكعبة فركَع ركعتينِ في قُبُل الكَعبةِ، وقال: (هذه القِبلةُ) [صحيح البخاري – 398].
اتجاه الكعبة المشرفة
أجمع العلماء على ضرورة الاتجاه نحو الكعبة المشرّفة لأداء الصلاة، إلا أنه قد تم استثناء ذلك في عدد من الحالات وهي:
عند عدم القدرة على تحديد القِبلة.
في حال عدم القدرة على استقبال القِبلة (مثل حالات المرض).
عند الخوف الشديد (مثل حالات الحرب).
في صلاة النافلة على الراحلة (أو وسيلة النقل) أثناء السفر الذي يُرخَّص فيه قصر الصلاة.
إذا لم يستطع تحديد اتجاه القِبلة؛ فإنه يصلي إلى الاتجاه التي يغلب عليه الظن أنها جهة القِبلة.
وهنالك العديد من الطرق لتحديد اتجاه الكعبة المشرّفة، منها مثلاً: تحديد الاتجاه الجغرافي لمدينة مكة المكرمة باستخدام الخرائط والبوصلة أو الطرق التقليدية في معرفة الاتجاهات الأساسية من شرق وغرب من خلال حركة اتجاه الشمس.
كما أنّ هنالك العديد من الأجهزة الذكية والتطبيقات والبرامج التي تساعد على تحديد اِتجاه الكعبة المشرّفة وجهة القِبلة بدقة كبيرة.
الكعبة المشرفة من الداخل
يوجد داخل الكعبة ثلاثة أعمدة خشبية منحوتة بدقة تدعم السقف، يبلغ ارتفاعها حوالي 9 أمتار، مزينة بزخارف ذهبية رائعة.
أما أرضية الكعبة فهي مرصوفة بالرخام الأبيض باستثناء لوح بلاط رخام غامق يدلل على مكان سجود النبي ﷺ.
وجدران الكعبة من الداخل تنقسم إلى نصفين، النصف الأدنى عبارة عن رخام وردي على ارتفاع 4 أمتار، وما تبقّى من مسافة إلى السقف فهو مغطى بقماش أخضر مزين بآيات قرآنية تم كتابتها بخيوط من الفضة.
يوجد داخل الكعبة العديد من الثريّات النحاسية والفضية والزجاجية عليها آيات قرآنية منقوشة تعود إلى العهد العثماني، كما يوجد سُلّم من الألومنيوم للوصول إلى سقف الكعبة المشرّفة.
كسوة الكعبة المشرفة
يبلغ ارتفاع كسوة الكعبة 14 متراً وتتكون من 5 قطع تغطي كل منها أحد وجوه الكعبة، والقطعة الخامسة ستارة ذهبية توضع على باب الكعبة.
يتم اختيار أفضل أنواع الحرير من إيطاليا وألمانيا كل عام لخياطة 678 متر مربع من قماش كسوة الكعبة، وبعد معالجة القماش الحريري وصبغه باللون الأسود؛ يتم تطريزه يدوياً بخيوط فضية ألمانية مطلية بالذهب الخالص.
وتحتاج كسوة الكعبة لإتمام حياكتها نحو 700 كغ من الحرير و120 كغ من الذهب و25 كغ من الفضة وأكثر من 120 كغ من مواد الصباغة والمواد المساعدة للطلاء.
ويعمل حوالي 300 شخص من العمّال والمشرفين المهرة المُدرَّبين تدريباً عالياً؛ في خياطة وتطريز الكسوة المشرّفة، وتبلغ تكلفة صناعة كسوة الكعبة سنوياً؛ 20 مليون ريال سعودي (ما يعادل 5.5 مليون دولار أمريكي).
قبل تركيب الكسوة، يتم غسل الكعبة المشرفة بماء زمزم ودهن العود وماء الورد مرتين في العام، مرة في شهر شعبان ومرة في شهر ذي الحجة، وتُغسل جدران وأرضية الكعبة وتجفف ثم تعطّر بدهن العود النفيس الذي تفوح رائحته طوال العام.
أجزاء الكعبة المشرفة
تتكون أجزاء الكعبة المشرّفة من 7 عناصر وهي:
الحجَر الأسود: حجر مصقول بيضوي الشكل بقُطر 30 سنتيمتراً تقريباً، ويحيط به إطار فضي بعرض 10 سنتمتر، يقع في الركن الجنوبي الشرقي من الكعبة على ارتفاع 1.5 متر من أرض المطاف.
المُلتزَم: الجزء المحصور بين ركن الحجَر الأسود وباب الكعبة، سُمي بهذا الأسم لأنّ الطائفين بالكعبة يلتصقون به عند دعائهم واِلتجائهم إلى الله.
باب الكعبة: وللكعبة في الوقت الحالي باب واحد فقط بعد أن تم إغلاق بابه الثاني في زمن الحجاج بن يوسف، وقد تم ترصيع باب الكعبة بالذهب الخالص. ويبلغ طول باب الكعبة 3.10 متر، وعرضه 1.90 متر، ويرتفع عن أرضية المطاف بمقدار 2.25 متر، ويقع الباب في الجدار الشرقي من الكعبة بين الملتزم والحجَر الأسود.
حِجر إسماعيل: أو الحطيم وهو حائط قصير نصف دائري يدل على البعد الأصلي للكعبة عندما كانت مستطيلة الشكل قبل إعادة بنائها.
ويقع هذا الحجر شمال الكعبة ولا يصح الطواف إذا مرّ الطائف بينه وبين جدار الكعبة لأنّه جزء من الكعبة.
وجاء عن النبي ﷺ قوله لعائشة رضي الله عنها: (صلَّي في الحِجْرِ إن أردْتِ دخولَ البيتِ ، فإنما هو قطعةٌ مِن البيتِ) [أخرجه أبو داود – 2028]
الميزاب: أو مزراب الرحمة وهو مصب المطر الذي يسقط على ظهر الكعبة، طوله 1.95 متر وعرضه 26 سنتمتر واِرتفاع جانبيْه 23 سنتمتر، مطليّ بالذهب، ويقع في الجهة الشمالية من الكعبة، أي أنّه يصبّ ماء المطر داخل حِجر إسماعيل.
الركن اليماني: أشهر أركان الكعبة المشرّفة، ومن المُستحب أن يلمسه الطائف بالكعبة في كل شوط إن استطاع، أو أن يشير إليه بيده كمن يلقي السلام.
الشاذروان: إطار رخامي شكله مسنّم يلتصق في أسفل جدران الكعبة من الخارج، ويحاوط الكعبة من جهاتها باستثناء الجدار المقابل لحِجر إسماعيل، يشير إلى قواعد وحدود الكعبة، وترتبط به حلقات حديدية لتثبيت كسوة الكعبة.
ارتفاع الكعبة المشرفة
الكعبة المشرفة مكعّبة الشكل،وأخذت من ذلك تسميتها، وتتصف الكعبة بالأبعاد التالية:
ارتفاع الكعبة = 15 متر.
طول جدار الكعبة من جهة الملتزم = 12.84 متر.
طول جدار الكعبة من جهة حِجر إسماعيل = 11,28 متر.
طول جدار الكعبة بين الركن اليماني والحِجر = 12.11 متر.
طول جدار الكعبة بين الركنين اليماني والشامي = 11.52 متر.
ارتفاع الجدران من فوق سقف الكعبة = 80 سنتيمتر.
ارتفاع العتبة / الشاذروان في أسفل الكعبة = 45 سنتيمتر.
ارتفاع الزاوية التي فوق الشاذروان = 13 سنتيمتر.
الأسئلة الشائعة
من أول من قام ببناء الكعبة؟
ذكرت المصادر أنّ أول من بنى الكعبة هو آدم عليه السلام.
ماذا يوجد داخل الكعبة المشرفة؟
يوجد داخل الكعبة المشرّفة حجرة فيها أعمدة خشبية مزخرفة بالذهب، ورخام يغطي نصف الجدران من الأسفل، وقماش مطرز بالفضة يغطي نصف الجدران من الأعلى، كما يوجد ثريات وقناديل فضية وزجاجية.