من كرم الله سبحانه وتعالى ورحمته أنْ جعل لنا مواسم للطاعات والعبادات، حتى يغفر لنا الذنوب، ومن كرمه وجوده أنّ من حجّ بمالً حلال، ولم يفسق في حجه ولم يجهل، رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه بلا ذنب.
فالحج المبرور يغفر الذنب، لكن من لم يحج وهو قادر على الحج لم يكتمل دينه، ومن مات ولم يحج وهو قادر على الحج، فهو على خطر عظيم، فما هي هذه العبادة التي تُنقِصُ من مرتبة صاحبها وترفعها؟ ولماذا اكتسبت هذه الأهمية؟ ومتى فُرض الحج؟
هذه النقاط ما سنتكلم عنها في هذه المقالة: “تاريخ الحج: منذ الأزل وحتى اليوم”
تعريف الحج
الحج هو عبادة إسلامية تشمل القصد والزيارة إلى مكة المكرمة في وقت محدد من السنة الهجرية، وهو أحد أركان الإسلام الخمسة. يُعد الحج رحلة دينية هامة للمسلمين حول العالم، حيث يلتقون فيها في مكة المكرمة لأداء طقوس وشعائر معينة، منها الوقوف بعرفة والطواف حول الكعبة والسعي بين الصفا والمروة.
الحج يتطلب الإحرام، وهو القصد المخصوص إلى موقع معين وفي وقت محدد بشروط خاصة. يهدف الحج إلى تعزيز التواصل الروحي مع الله، وتعزيز الوحدة والتآخي بين المسلمين من مختلف الأعراق والجنسيات.
يعود بناء الكعبة إلى زمن نبي الله إبراهيم الخليل عليه السلام، عندما أمره الله بإقامة وبناء الكعبة على القواعد التي كانت مرسومة منذ عهد آدم عليه السلام، فامتثل إبراهيم لأمر ربه، وشرع في بناء الكعبة صحبة ابنه إسماعيل عليهما السلام.
وكان إبراهيم عليه السلام كلما رفع البناء قليلاً يعود إلى الوراء فيقف في مكان محدد حتى ينظر لاستواء البناء، هذا المكان جاء بخصوصه أمر الله ليتخذه مقاماً يصلي الناس خلفه مستقبلين القبلة (مقام إبراهيم عليه السلام).
بداية الحج
لما انتهى إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام من بناء الكعبة؛ جاء الأمر الإلهي لإبراهيم أنْ يُعْلِم الناس بالحج، فقال إبراهيم” سمعاً وطاعةً يا رب، ولكنّ صوتي ضعيف فمن سيسمعه؟ فأجابه الله: يا إبراهيم إنما عليك الأذان وعلينا بلاغ صوتك للناس، فقام إبراهيم بالأذان: (أيها الناس إن الله قد أمركم الحج، فحُجوا)، فسمعت كل الخلائق من عهد آدم إلى قيام الساعة، فمنه من من أجاب مرة، فيحجّ مرة، ومنهم من أجاب مرتين، فيحجّ مرتين، ومنهم أكثر من ذلك.
يتميز النمط الحالي للحج الإسلامي بالتركيز على توفير الخدمات الأساسية للحجاج وتسهيل أدائهم للمناسك بأفضل الظروف الممكنة، ويتمثل جانب كبير من الجهود المبذولة في توفير الإمدادات الضرورية للحجاج، مثل: (الطعام والإقامة والنقل والرعاية الصحية)، وذلك بالتعاون بين الحكومات المعنية والهيئات الدينية والخدمية.
وتشمل الجهود الرامية إلى تحسين نمط الحج الإسلامي أيضًا: تقنين عمليات الحج وتوفير الأمن والسلامة للحجاج، وذلك من خلال توفير الإرشادات اللازمة والتدابير الأمنية اللازمة لحماية الحجاج من الحوادث والأخطار المحتملة.
وتسعى السلطات المعنية في الوقت الراهن إلى تطوير وتحديث البنى التحتية والمرافق الحجاجية، مثل: توسعة الحرم المكي والمسجد النبوي، وتحديث الطرق ووسائل النقل والإسكان، وتحسين الخدمات اللوجستية والتقنية المتاحة للحجاج.
ومن الجدير بالذكر أن النمط الحالي للحج الإسلامي يعتمد بشكل كبير على التقنيات الحديثة، مثل: تطبيقات الهواتف الذكية، والتقنيات الحديثة للتواصل والمعلومات، وذلك لتحسين تجربة الحجاج وتيسير أدائهم للمناسك.
أركان الحج وأعماله
أركان الحج
للحج أربعة أركان أساسية وهي على الترتيب: (النية – الوقوف بعرفة – طواف الإفاضة – السعي بين الصفا والمروة).
نية الإحرام
لا يجوز للحاج أو المعتمر أن يتجاوز الميقات بدون إحرام، وليس المقصود بالإحرام ملابس الإحرام، بل هي حالة يعيشها الإنسان، بعد ركعتي سنة الإحرام، فمن تجاوز الميقات دون الدخول في حالة الإحرام، فقد دخل في المحظور ووجبت عليه فدية.
الوقوف بعرفة
ويكون في اليوم التاسع من شهر ذي الحجة، فإن وقف الحاج على صعيد عرفات في أي مكان، ولو للحظة واحدة فقد كُتِبَ له الحج، ويبدأ وقت الوقوف من زوال الشمس (وقت الظهر)، إلى طلوع فجر يوم العاشر من ذي الحجة (يوم النحر)، لكن من وقف في النهار ينبغي عليه الاستمرار في الوقوف حتى تغرب الشمس.
طواف الإفاضة
ووقته بعد الوقوف بعرفة، ولا ينتهي وقته عند الجمهور، لكن اختلفوا حول من أخره عن أيام التشريق هل عليه فدية (ذبح) أم لا؟
السعي بين الصفا والمروة
وهو إحياء لسنة هاجر عليها السلام عندما خافت على رضيعها نبي الله إسماعيل، فتركته وصعدت على جبل الصفا لتبحث عن الماء، ثم نزلت واتجهت نحو جبل المروة، وبقيت تسير بينهما لسبعة أشواط، حتى أكرمها الله بنبع زمزم.
واجبات الحج
التلبية
طوافي القدوم والوداع واجبين عند السادة المالكية، وسنة عند الجمهور.
المبيت بمزدلفة.
رمي جمرة العقبة يوم النحر.
المبيت في منى أيام التشريق.
رمي الجمار الثلاثة (الصغرى والوسطى والكبرى التي تسمى العقبة).
صلاة ركعتي الطواف خلف مقام إبراهيم عليه السلام.
حلق الشعر أو تقصيره في حق الرجل، وفي حق المرأة شيئاً قليلاً من شعرها.
هذه الواجبات من قصّر في شيءٍ منها لم يبطل حجه، لكن عليه الفدية (الذبح) ليجبر النقص الحاصل بترك واجب من الواجبات.
هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الحج
حجّ رسول الله ﷺ مرة واحدة، في السنة العاشرة من الهجرة، وكان حجّه قارناً (جمع بين الحج والعمرة بإحرامٍ واحد، لكن يبدأ بالحج أولاً، ثم يأتي بالعمرة).
تمتع رسول الله ﷺ في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وأهدى، فساق معه الهدي من ذي الحليفة، وكان الهدي عبارة عن (64) بدنة.
أهلّ رسول الله ﷺ بالعمرة ثم أهل بالحج، فتمتع الناس مع النبي ﷺ بالعمرة إلى الحج، فكان من الناس من أهدى، فساق الهدي ومنهم من لم يهد، فلما قدم النبي ﷺ مكة قال: للناس من كان منكم أهدى، فإنه لا يحل لشيء حرم منه، حتى يقضي حجه، ومن لم يكن منكم أهدى، فليطف بالبيت وبالصفا والمروة، وليُقصّر وليُحلّل، ثم ليُهلّ بالحج، فمن لم يجد هدياً، فليصم ثلاثة أيامٍ في الحج وسبعةٍ إذا رجع إلى أهله.
ثم طاف حين دخل مكة، فابتدأ طوافه من الركن الذي فيه الحجر الأسود فمسحه وقبّله، ثم رمل (أسرع) ثلاثة أطواف ومشى بعدها أربعاً، ثم صلى ركعتين عند المقام حين قضى طوافه بالبيت.
ثم أتى الصفا، فطاف بين الصفا والمروة سبعة أطواف، ثم لم يُحلِّل من شيءٍ حرم منه حتى قضى حجه، ثم نحر هديه يوم النحر، ثم أفاض فطاف بالبيت، ثم تحلّل رسول الله ﷺ من كل شيء حرم منه.
الأحاديث التي تبين حج النبي صلى الله عليه وسلم
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: رَأَيْتُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَرْمِي علَى رَاحِلَتِهِ يَومَ النَّحْرِ، ويقولُ: (لِتَأْخُذوا مَنَاسِكَكُمْ، فإنِّي لا أَدرِي لَعَلِّي لا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتي هذِه) [مسلم – 1297].
قال رسول الله ﷺ: (يا أَيُّها الناس خُذُوا عَنِّي مناسكَكم، فإني لا أَدْرِي لَعَلِّي لا أَحُجُّ بعد عامي هذا) [النسائي – 3062].
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (تمتع رسول الله ﷺ في حجة الوداع، بالعمرة إلى الحج وأهدى، فساق معه الهدي من ذي الحليفة، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج، فتمتع الناس مع النبي ﷺ بالعمرة إلى الحج، فكان من الناس من أهدى، فساق الهدي ومنهم من لم يهد، فلما قدم النبي ﷺ مكة قال للناس: (من كان منكم أهدى، فإنه لا يحل لشيء حرم منه، حتى يقضي حجه، ومن لم يكن منكم أهدى، فليطف بالبيت وبالصفا والمروة، وليُقصِّر وليُحلِّل، ثم ليُهِلَّ بالحج، فمن لم يجد هدياً، فليصم ثلاثة أيامٍ في الحج وسبعةٍ إذا رجع إلى أهله).
فطاف حين قدم مكة، واستلم الركن أول شيء، ثم خب ثلاثة أطواف ومشى أربعاً، فركع حين قضى طوافه بالبيت عند المقام ركعتين، ثم سلم فانصرف فأتى الصفا، فطاف بالصفا والمروة سبعة أطواف، ثم لم يحلل من شيء حرم منه حتى قضى حجه، ونحر هديه يوم النحر، وأفاض فطاف بالبيت، ثم حل من كل شيء حرم منه، وفعل مثل ما فعل رسول الله ﷺ من أهدى وساق الهدي من الناس) [البخاري – 1691] [مسلم – 1227].
وفي الختام: لا تنس مشاركة هذه المقالة مع الأصدقاء.
كما يمكنك الاستفادة والاطلاع على المزيد من المقالات
تاريخ الحج في الإسلام يبدأ عندما أمر الله نبيه إبراهيم الخليل أن يصدح بالأذان، وأعلمه الله أن عليه الأذان والله يسمع الناس في أرحام أمهاتهم، لكن الحج لم يفرض إلا في السنة التاسعة للهجرة، وحجّ رسول الله في السنة العاشرة للهجرة.
كيف كانت ممارسات الحج في الفترة الجاهلية؟
كانت ممارسات الحج في الفترة الجاهلية: الطواف عراة – الشرك في التلبية – التصفيق والصفير عند الطواف حول الكعبة – الذبح عند الأصنام - وعند الوقوف بعرفة كانت قريش تقف بالمزدلفة، وباقي القبائل بعرفة.
ما هي أبرز محطات تاريخ الحج في الفترة النبوية؟
تم فتح مكة في السنة الثامنة للهجرة. في السنة التاسعة للهجرة فرض الحج، وحجّ المسلمون إلى بيت الله وقد تم تطهيره من الأصنام. في السنة العاشرة للهجرة حج النبي عليه السلام الحجة الأولى والأخيرة وتسمى حجة الوداع.
ما هي التغييرات التي شهدتها مراسم الحج في العصر الحديث؟
1- توسعة الحرم المكي والمسجد النبوي. 2- تحديث وتوسعة الطرق ووسائل النقل. 3- تحسين الخدمات اللوجستية: حيث تم تحسين الخدمات اللوجستية المتاحة للحجاج، مثل توفير الإمدادات الغذائية والمياه والإقامة والترفيه والترجمة والإرشادات اللازمة. 4- استخدام التقنيات الحديثة: مثل تطبيقات الهواتف الذكية والإنترنت والتقنيات الأخرى، لتسهيل تنظيم الحج وتنظيم الصفوف وتوفير المعلومات والإرشادات اللازمة للحجاج. 5- تحسين الخدمات الصحية: تم إنشاء المستشفيات والعيادات الصحية المخصصة للحجاج، وتوفير الإمكانيات اللازمة للتعامل مع الحالات الطارئة.