قصة السامري
تاريخ النشر: - تاريخ التعديل: - روائع القصص - جديدنا

تحمل قصة السامري المذكورة في القرآن الكريم بين طياتها دروساً وعبراً حول قوة الإيمان في زمن الفتن والمظاهر البرّاقة، وسنتحدث في هذا المقال عن السامري وموقفه من كليم الله موسى عليه السلام، وقصته مع العجل، وشخصيته كما ذُكرَت في القرآن والتفسير.

السامري والعجل في قلوب بني إسرائيل

بعد أن نجّى الله بني إسرائيل من فرعون وجنودِه وعبورهم البحر؛ حمَدوا الله وشكَروه، ثم ما لبثوا فترةً وجيزة إلا ومرّوا على قومٍ يعبدون الأصنام، فطلبوا من نبي الله موسى عليه السلام أن يجعل لهم صنماً إلهً يعبدوه.

وقال الله سبحانه عنهم: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ * إِنَّ هَؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ}. [الأعراف – 140:138]

وبالرغم من أنّ بني إسرائيل من أكثر الأقوام رؤيةً للمعجزات؛ إلا أنّ الكفر كان لا يزال مستقراً في قلوبهم ولم يكن الإيمان قد دخل إليها، فاتّبعوا أهوائهم ومصالحهم، وهذا شأنهم على مر الزمان.

وأثناء هجرة بني إسرائيل مع موسى عليه السلام إلى فلسطين؛ جاء الوحي إلى موسى أن تعال بقومك إلى جبل الطور في سيناء (حيث التقى موسى مع الله في اللقاء الأول) ليعطيه التوراة شريعة لبني إسرائيل.

تأخر موسى وبداية الفتنة

وقال الله لموسى عليه السلام أن أتِ إليّ ثلاثين يوماً، ولكن موسى من شوقه وحبه للقاء الله؛ استعجل وسبق قومه إلى الميعاد، وقال لهم اتبعوني إلى جبل الطور، وترك معهم أخاه هارون عليه السلام لقيادتهم.

وذكر الله في كتابه العزيز ما حدث عند مجيء موسى عليه السلام إلى اللقاء بعد أن ترك قومه البالغ عددهم نحو 600 ألف خلفه، إذ يقول سبحانه: {وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هُمْ أُولاء عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه – 84:83].

ذهب موسى عليه السلام وصام ثلاثين يوماً فلما أفطر في اليوم الثلاثين، سأله الله عز وجل؛ لماذا أفطرت؟

فقال لأنّ رائحة فمي تغيّرت، وما أحببت أن أحدثك وأنا بهذه الرائحة.

فقال له الله ألم تعلم أنّ رائحة فم الصائم أطيب من المسك؟

فأمره بصيام عشر أيام إضافية ليتم أربعين يوماً.

{وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} [الأعراف – 142]

وبذلك تأخر موسى عليه السلام عن الوقت الذي أعطاه لقومه بمقدار عشرة أيام كانت كفيلة بظهور الفتنة فيهم.

قصة السامري

قصة السامري في القرآن

في هذه الأثناء كان بنو اسرائيل قد توقفوا عن الحركة وخيّموا في أماكنهم انتظاراً لموسى عليه السلام، رافضين أن يتبعوه، فلما تأخّر موسى عن الثلاثين يوماً (الوقت الأول للميقات)؛ قالوا: “نبي الله لا يمكن أن يتأخر، ولا يخلف ميعاده من المؤكد أنّ شيئاً ما حصل له”.

ووسط هذا الاضطراب جاؤوا هارون عليه السلام فسألوه فقال لهم لعلّكم اقترفتم معصية!

فتذكروا أنّ كثيراً من نسائهم اللاتي كنّ يخدمن في بيوت المصريات؛ كنّ يستعرن الذهب من سيداتهن لبعض المناسبات، وبقي هذا الذهب معهم عندما خرجوا، ولم يتثنى لهنّ إعادته.

فقال لهم هارون أنّ هذا الذهب لا يحل لكم وفي ذات الوقت لا يمكن لنا أنّ نعيده، فجمعوا الذهب ودفنوه.

السامري والعجل

هنا جاء رجلٌ اسمه “السامري” فاستخرج هذا الذهب وصنع منه عجلاً، إذ حوّل الذهب الذي هو كلّه آثام وأوزار إلى مجسم عجل.

وكان للسامري قدرة عجيبة وهبها الله له، حيث يرى مالا يراه الآخرون، فقد رأى جبريل عليه السلام وهو آتيٍ إلى موسى عليه السلام على فرس، ورأى آثار الفرس تضرب في الأرض، كلما ضرب الفرس الأرض نبت منه الزرع، كأن فيه حياة.

فأخذ السامري جزء من هذا التراب الذي أصابه الفرس، وقذفه على العجل الذي من ذهب، فصار العجل يصدر صوتَ خوار يشبه صوته الحقيقي.

ونادى السامري بني إسرائيل، وقال لهم انظروا هذا إلهكم، هذا الإله الذي ذهب موسى ليلقاه ولكنه نسي وذهب إلى جبل الطور، وسيرجع موسى ليعبد هذا العجل.

انظروا هذا عجل جسد له صوت خوار، هل رأيتم يوماً ذهباً يصدر أصواتاً؟!

فاقتنع بنو اسرائيل بكلام السامري، صدّقوه وعبدوا العجل، لم تؤثر فيهم كل هذه المعجزات التي شهدوها، لأنّ الإيمان لم يدخل قلوبهم.

وبالرغم من محاولات هارون عليه السلام أن ينهاهم عن ضلالهم وانحرافهم بعبادة العجل؛ إلا أنهم تمادوا وطغوا وهددوه بالقتل إن لم يصمت، متذرعين بأنّ موسى تأخر عن العودة من جبل الطور، وبأنه نسي إلهه، زاعمين أنّ موسى سوف يؤيدهم على فعلتهم عند عودته.

فخشي هارون عليه السلام أن يزيد من الفتنة بأن يفترق هو ومن بقي على الإيمان؛ عمّن كفر من بني إسرائيل مع السامري، فيحصل بذلك شقاق داخل القوم، وارتأى أن ينتظر عودة موسى عليه السلام من الميعاد.

موقف السامري مع موسى عليه السلام

أخبر الله تعالى موسى بانحراف قومه، وكيف عبدوا العجل من بعده، {قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ} [طه – 85]

فرجع موسى إليهم مسرعاً غاضباً، فرمى الألواح التي كتب عليها ما أوحى الله إليه من التوراة، ولام قومه على فعلتهم الشنيعة، وعاتب أخاه هارون بشدّة على تقصيره في ردعهم، ثم التفت إلى السامري.

يقول الله تعالى على لسان موسى: {قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ * قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي} [طه – 95-96]

أقرَّ السامري بفعلته وكيف دفعته أهوائه ووساوس الشيطان إلى ارتكاب هذا الفعل، فعاقبه موسى عليه السلام بالنفي ووعده بعذاب الآخرة، ثم أنهى موسى هذه الفتنة بأن حرق العجل ونسفه في النهر أمام أعين بني إسرائيل.

يقول رب العزة على لسان موسى عليه السلام: {قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا} [طه – 97]

ثم أعاد موسى عليه السلام قومه إلى عقيدتهم الصحيحة قائلاً لهم: {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} [طه – 98]

وفاة السامري

يُقال أنّ الله سبحانه وتعالى أنزل على السامري داءاً أصابه جعل الناس تنبذه وتنفر منه، وهو تفسير قول موسى عليه السلام له {لا مِسَاسَ} أي عذابه في الدنيا أن لا يُلمس من بشر.

من هو السامري في تفسير ابن كثير

جاء ذكر السامري في تفسير ابن كثير للقرآن الكريم بدلالات من أحاديث الصحابة رضي الله عنهم إلى جانب تفسير آيات القرآن الكريم.

وذكر ابن كثير في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنه “كَانَ السَّامِرِيُّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ بَاجَرْمَا، وَكَانَ مَنْ قَوْمٍ يَعْبُدُونَ الْبَقَرَ، وَكَانَ حُبُّ عِبَادَةِ الْبَقَرِ فِي نَفْسِهِ، وَكَانَ قَدْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ مَعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَكَانَ اسْمَ السَّامِرِيِّ: مُوسَى بْنُ ظُفَرٍ”.

وعن إبصار السامري لأثر فرس جبريل عليه السلام نقل ابن كثير عن مجاهد بن جبر قوله: “{فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ} أي مِنْ تَحْتِ حَافِرِ فَرَسِ جِبْرِيلَ، قَالَ: وَالْقَبْضَةُ مِلْءُ الْكَفِّ، وَالْقَبْضَةُ بِأَطْرَافِ الْأَصَابِعِ”.

أما عن عقوبة السامري ونبذه، قال ابن كثير في تفسير الآية {قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لا مِسَاسَ}؛ “أيٍّ: كمَا أَخذَت وِمْسستْ مَا لَم يَكُن أَخذُه ومسُّه مِن أثر الرَّسول ، فعقوبتك فِي الدُّنْيَا أن تَقُول : ” لََا مَسَاس ” أيٍّ : لََا تَمَاس النَّاس ولَا يَمَسونَك”.

ونقل ابن كثير عن علي رضي الله عنه: “إِنَّ مُوسَى لَمَّا تَعَجَّلَ إِلَى رَبِّهِ، عَمَدَ السَّامِرِيُّ فَجَمَعَ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ حُلِيِّ نِسَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، ثُمَّ صَوَّرَهُ عِجْلًا قَالَ: فَعَمَدَ مُوسَى إِلَى الْعِجْلِ، فَوَضَعَ عَلَيْهِ الْمَبَارِدَ، فَبَرَدَهُ بِهَا، وَهُوَ عَلَى شَطِّ نَهْرٍ، فَلَمْ يَشْرَبْ أَحَدٌ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ مِمَّنْ كَانَ يَعْبُدُ الْعِجْلَ إِلَّا اصْفَرَّ وَجْهُهُ مِثْلَ الذَّهَبِ. فَقَالُوا لِمُوسَى: مَا تَوْبَتُنَا؟ قَالَ: يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا”.

قصة السامري فيديو

الأسئلة الشائعة

السامري هل هو حي ام ميت؟

لم يرد حديث أو خبر صحيح يفيد بأنّ السامري لا يزال حياً.

هل السامري هو المسيح الدجال؟

أفتى أهل العلم أنّ السامري ليس هو المسيح الدجال، بل هو رجل من قوم موسى وقيل من غيرهم.

هل السامري رباه جبريل عليه السلام؟

لا يُعرف أصل في نصوص الشريعة لمقولة أنّ "السامري رباه جبريل عليه السلام"، وهو خبر لا يعوّل عليه، وذكر العلامة المحقق الطاهر ابن عاشور في تفسيره أنّ هذا الخبر لا يوجد أيضاً في كتب بني إسرائيل.

من هو السامري ومتى واين ظهر؟

السامري هو رجل من قوم موسى عليه السلام، وكان مع بني إسرائيل، اسمه: موسى بن ظفر، وقيل: ميخا، وبلدته كرمان، وقيل: باجرما، ولا يوجد ما يدل صحة خبر ظهوره.

ماذا قال سيدنا موسى للسامري؟

{قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا} [طه - 97]

من هو السامري في سورة طه؟

هو رجل من قوم موسى، فتن بني اسرائيل وصنع لهم مجسم عجل من الذهب له صوت خوار، وقال لهم أنّ هذا إلهكم، فعاقبه نبي الله موسى وأبعده بعد أن أحرق العجل الذهبي.

المصادر والمراجع : 

مجمل قصة السامري

قصة السامري والعجل

اترك تعليقاً