العلم في الإسلام يسبق العملفلا عمل إلا بعلم، وقد حذر الله كل مسلم من القول بلا علم، ومعرفة الله وخشيته تتم بمعرفة آياته ومخلوقاته، والعلماء هم الذين يعلمون ذلك ولذلك أثنى الله عليهم، وقد بذل أسلافنا الصالحون رضي الله عنهم أوقاتهم وأموالهم في طلب العلم ومدارسته، وكان كثير منهم يضنُّ بليله أنْ ينامه كله، بل يؤثر السهر في طلب العلم على الراحة والنوم.
فإنه لا يخفى على أحدٍ فضلُ العلم والعلماء؛ فإنهم أهل الرفعة كما قال الله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [سورة المجادلة: 11]، وقد أمر الله تعالى نبيه ﷺ أنْ يسأل ربه أن يزيده علماً فقال: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [سورة طه: 114]، وقال النبي ﷺ: “ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهَّل الله له به طريقا إلى الجنة” [رواه مسلم].
والأمة تحتاج إلى العلماء في كل زمان ومكان، وأمة بلا علم ولا علماء؛ تعيش في الأوهام، وتتخبط في الظلمات، وإذا تعلّم الإنسان ما شرع الله، ومن كتم هذا العلم، وحرم الأمة منه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة واستحق اللعنة إلا من تاب.
لكل ما سبق: كنا ولا نزال وسنبقى بأمس الحاجة إلى طلب العلم.
أهمية طلب العلم
حثّ الإسلام الإنسان على طلب العلم من أجل معرفة حقيقة ذاته، ومعرفة سرّ وجوده وغايته، كما أنّ القوة الإدراكية التي وُضعت في الإنسان أساسها مبني على طلب العلم، وللدلالة على أهمية العلم، ووجوب طلبه، والحرص عليه، قال رسول الله ﷺ: “طلب العلم فريضة على كل مسلم” [رواه ابن ماجه].
فوائد طلب العلم الدينية والدنيوية
إنّ العلم أشرف ما رغب فيه الراغب، وقد شرف الحق سبحانه وتعالى العالم وميزه عن غيره، وأخبر أنه لا يعقل آياته ويفهمها حق فهمها إلا العالمون، فقال سبحانه: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [سورة الزمر: 9]، ويكفي العالم فضلاً وشرفاً أنَّ الله عز وجل قرن شهادته إلى شهادته فقال: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [سورة آل عمران: 18].
والعلم صيانة للنفوس، وحياة لها، وصفاء للأرواح، ورقي للأمم، وبناء للحضارات، وهو أفضل العبادات وأجلّها.
العلم الشرعي والعلم الدنيوي: هل هناك فرق؟
الإسلام دين يحثُّ على جميع العلوم النافعة، فكان السلف يدرسون الطب والفيزياء والرياضيات في المساجد، ولا يخفى ما قدمه علماء الإسلام من ابتكارات ونظريات علمية لا زال التطور البشري يتكئ عليها، ولم يعرف المسلمون هذا الفصام بين العلوم، فقد كان فيهم من يدرس الطب والتفسير والسيرة، وكان فيهم من يدرس العلوم والتوحيد، وكان الجميع فقهاء في أمر دينهم.
فما بين العلم الشرعي والعلم الدنيوي من تكامل وتعاضد أكبر بكثير من التعارض الذي يتوهمه جاهل أو جاحد، فالأول: فيه سبيل معرفة خطاب الخالق للإنسان وما يريده منه، وأما الثاني: ففيه طريق اكتشاف المخلوقات ومصالح الناس التي أودعها الخالق في خلقه، وكلاهما يصلنا بالخالق جلّ في علاه ويدعونا إلى عمارة الكون.
التحديات التي تواجه طالب العلم
الناظر إلى حال الكثير من طلاب العلم الآن مقارنة بالسابقين، يجد الفرق كبيرًا جدًا بين تحصيل العلم عند هؤلاء وهؤلاء، فهذا الصحابي الجليل زيد بن ثابت رضي الله عنه قد تعلم لغة اليهود في نصف شهر، وحدث ولا حرج عن الإمام الشافعي رحمه الله الذي حفظ القرآن الكريم وهو ابن سبع سنين.
ومن أكثر الأشياء التي شغلت الناس هذه الأيام:
الانشغال بالانترنت وقنوات التواصل الاجتماعية
كثرة المعاصي والفتن.
سوء النية وعدم الإخلاص في العمل.
فتور الهمة وضعف الإرادة.
سوء التخطيط في طلب العلم.
ضعف الإمكانيات الماديّة.
سوء الصحبة.
اعتماد طالب العلم لسياسة التسويف في تعاطيه مع دروسه.
النية في طلب العلم وأثرها في تحصيل المعرفة
الإنسان يؤجر على طلب العلم إذا أخلص في نيته وأحسن في عمله، فإن ثمرة العلم العمل، فقد روى ابن ماجه عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَال: “مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ أَوْ لِيُبَاهِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ أَوْ لِيَصْرِفَ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ فَهُوَ فِي النَّارِ”، هذا الحديث الخطير قاضٍ بأنَّ على طالب العلم أن يصحح نيته في طلبه، فلا يكون إلا لله وحده، لا ليرتفع به في أعين الناس، ويعلو به فوق أعناقهم.
ولا يفوتنا هنا التنبيه على أنه: لا ينبغي لطالب العلم أن ينقطع عن الطلب لعدم خلوص نيته، فإن حسن النية مرجو له ببركة العلم، فقد قال بعض السلف: “طلبنا العلم لغير الله، فأبى إلا أنْ يكون لله.
طلب العلم عبر الإنترنت: هل هو بديل كافٍ؟
إنّ طلب العلم عن طريق الوسائل الحديثة المرئية والمسموعة يثاب عليه فاعله، وينال ما جاء في الأحاديث من ثواب طلب العلم، طالما أنه يتحرّى الثقات من العلماء المشهود لهم بالعدالة والضبط، ولكنه لا يغني عن صحبة العلماء ومجالستهم وسؤالهم.
والحقّ أنّ طلب العلم عن طريق الكتب دون مجالسة العلماء على الركب فضلاً عن طريق الانترنت، أنتج لنا أشباه طلاب علم وأنصاف وأرباع، أضاعوا مقاصد الشريعة وحجّروا آفاقها الواسعة، ثم نشروا ضلالاتهم في فضاء الانترنت واحتلوا ساحته، حتى غدا علماؤنا مجبرين على شرح الواضحات، وبيان ما علم مِنْ الدين بالضرورة صار شغلهم الشغال.
التعلم الذاتي مقابل التعلم التقليدي
بناء على ما سبق ذكره: لا بدّ لطلاب العلم في هذا الزمان من إيجاد صيغة تضمن التكاملية في الاستفادة من منهجيّ التعلم الذاتي والتعلم التقليدي، حيث يعطيه التعليم التقليدي الأصالة العلمية والالتزام والتوثيق لتحصليه، ثم يقدم له التعلم الذاتي ما يلبي شغفه وجوانب الإبداع الشخصية لديه.
أهمية الصبر والمثابرة في طلب العلم
نعني بالصبر، الصبر على كل ما يخدم طلبك للعلم، الصبر على شيخك إذا وجدت منه خلقا لا يعجبك، والصبر على التحصيل والحفظ إنْ كان لك ورداً وتحافظ عليه، والصبر على قلة الرزق إنْ تسبب انشغالك به قلة الوارد المال، ففي عصر الوصول الفوري إلى المعلومات، لم يعد المتعلمون يجدون صعوبة في الوصول إلى المواد الدراسية عالية الجودة من مختلف أنحاء العالم.
وفي المقابل، ظهرت مشكلة عالمية وهي أنَّ القليل من الناس في عصر الوفرة هم مَن لديهم الرصيد الكافي من الصبر من أجل تعلم مهارة جديدة وإتقانها، لكن الخبر الجيد هنا أنك حتى لو كنت تعاني من نفاد الصبر بوضوح، فلا يزال بإمكانك تعلُّم هذه المهارة وإتقانها، تماماً مثلما يمكن فقدها.
أشهر العلماء والمفكرين الذين ساهموا في تعزيز المعرفة
لقد كان للعديد من العلماء المسلمين إسهامات كبيرة بالتطوّر البشري الذي نعيشه في يومنا هذا، إذ أنهم وضعوا الأسس المتينة لمختلف علوم عصرنا الحالي، ومن أبرز هؤلاء العلماء:
أولاً- ابن الهيثم: وهو من أشهر علماء العرب وأكثرهم إلهاماً للبشر، وذلك للإنجازات الهائلة التي قدمها في علم الرياضيّات، الفيزياء.
ثانياً- ابن بطوطة: يُعتبر ابن بطوطة واحداً من أعظم الرحالة الذين عرفهم التاريخ.
ثالثاً- ابن النفيس: يُعتبر ابن النفيس واحداً من أشهر الأطباء الذين عرفهم التاريخ.