هل انتابك يوماً شعوراً غامراً لأخذ قرارٍ ما خارج نطاق التفكير التقليدي؛ لتكتشف بعدها صحة هذا القرار رغم عدم منطقيته في البداية؟ نعم إنه الحدس.
فبالرغم من أهمية الالتزام بالمنطق في العديد من قرارات الحياة إلَا أنّ الأخذ بالحدس لا يقل أهمية عن ذلك، فالعقل والقلب عندما يعملان سويةً؛ تكون النتائج مبهرة.
سنتعرف في هذا المقال على الحدس ومعناه والفرق بينه وبين الفكر والفراسة، وما هي صفات أصحاب الحدس القوي، وكيفية تقوية الحدس لديك.
معنى الحدس
يُعرَف معجم المعاني الجامع معنى الحدس بأنّه الفِراسة والذكاء، والحدس هو إدراك الشيء إدراكاً مباشراً من غير اعتماد على خبرة سابقة، وصادق الحَدْس: هو من يظُنّ الظّنَّ فلا يخطئ.
بمعنى آخر؛ الحدس هو الحصول على المعلومات دون أي تأثير من التفكير العقلاني، لا يعني ذلك أنّ ما يأتي عن طريق الحدس هو غير عقلاني بالضرورة، ولكن القصد أن الحدس يأتي بمعزل عن آلية التفكير التقليدية الواعية.
وتتنوع مرادفات الحدس بين ما يُسمى الحاسة السادسة وإلهام والصوت الداخلي للقلب وغيرها.
الفرق بين الحدس والفكر
يقول عالم الفيزياء الشهير ألبرت أينشتاين: “إنّ العقل وسرعة البديهة هبتان ربانيتان مقدستان، وعندما يعمل النظامان بانسجام فهذا يعني أننا ننتقل من عالم الذكاء إلى عالم الحكمة“.
والحدس يكون في الغالب مع أدنى قدر من التفكير أو عدمه، وينتج قبل التفكير ويحضر إلى الذهن بشكل مفاجئ.
ومع تطور العلوم والتصنيفات بات يطلق على الحدس الداخل في إطار التجارب العلمية؛ التفكير الحدسي، وتم وضع ضوابط تبيّن أبرز الفروقات بين التفكير الحدسي والتفكير العقلاني (التقليدي).
التفكير الحدسي | التفكير العقلاني |
سريع ومباشر مع قليل من الوعي أو دون وعي | بطيء وأكثر وعياً وتأملاً وتأنّي |
يحتاج إلى قليل من الجهد أو بلا جهد | يحتاج إلى انتباه وتركيز وجهد وصبر ودافعية |
حرية في التفكير دون ارتباط بقواعد ونظريات | تقيد بالقواعد والقوانين والنظريات ذات العلاقة |
الحدس والفراسة
ومن مرادفات الحدس عند العرب وعلماء المسلمين؛ الفَرَاسة، ويقول عنها عبد الله الأنصاري الهروي: “هو استئناس حكم غيبٍ من غير اسْتِدْلَال بشَاهِد، ولا اختبار بتجربة”.
وهي على 3 أنواع كما قسّمها ابن القيِّم رحمه الله:
هي خاطر يهجم على القلب، ينفي ما يضادُّه. يَثِب على القلب كوُثُوب الأسد على الفريسة، وتكون هذه الفراسة بحسب قوَّة الإيمان، فكلّما زاد الإيمان زادت حِدّة الفراسة.
وسببها نورٌ يقذفه الله في قلب عبده، يهبه تعالى لمن يشاء من عباده، يفرِّق به بين الحقِّ والباطل، والصَّادق والكاذب.
قال الله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام: 122]، أي أنه كان ميِّتاً بالكفر والجهل، فأحياه الله بالإيمان والعلم، وجعل له بالقرآن والإيمان نوراً يستضيء به في النَّاس، ويمشي به في الظُّلَم.
ويقول أبو الدَّرداء رضي الله عنه: “اتَّقوا فِرَاسَة العلماء؛ فإنَّهم ينظرون بنور الله، إنَّه شيء يقذفه الله في قلوبهم، وعلى ألسنتهم”.
وهي فراسة “الرّياضة والجوع، والسَّهر والتَّخلِّي”، تأتي بالتدريب والاكتساب، وتزداد كلما ازاد التخلّي عن العوائق النفسية والجسدية، وهي مشتركة بين المؤمن والكافر، ولا تدل على إيمان ولا على ولاية، وكثير من الجهَّال يغترُّ بها، وهي فراسة لا تكشف عن حقٍّ نافع.
ويقول ابن القيم: “للأطباء فِرَاسَة معروفة من حِذْقهم في صناعتهم، ومن أحبَّ الوقوف عليها فليطالع تاريخهم وأخبارهم، وقريب من نصف الطِّبِّ فِرَاسَةٌ صادقةٌ، يقترن بها تجربة، والله سبحانه أعلم”.
وفي دراسة معاصرة أجراها الدكتور جان بريتز من جامعة إليزابيث تاون الأميركية، أظهرت أنّ نحو 90% من الممرضات يستخدمن الحدس عند اتخاذ عدد من القرارات اليومية في العمل، لأنهن يشعرن أنّ الحدس يقوم بتوجيههنّ نحو اختيار القرارات الصائبة.
وهي التي كان العرب قديماً يستدلون بها على الأنساب بناءً على الشكل الخارجي للإنسان، وهي شبيهة في وقتنا المعاصر بلغة الجسد التي يُستدل بها على صفات الإنسان، التي تكشفها حركاته وملامحه الخارجية.
ويقول ابن القيم عن هذه الفراسة أنّ معظمها يتعلق بالعين لأنّها مرآة القلب وعنوان ما فيه، ثم باللسان لأنه رسول القلب وترجمانه.
وأصل هذه الفراسة: “أنَّ اعتدال الخِلْقة والصُّورة، هو من اعتدال الِمَزاج والرُّوح، وبالتالي اعتدال الأَخْلَاق والأفعال، وبالعكس؛ بحسب انحراف الخِلْقة والصُّورة، يقع الانحراف في الأخلاق والأعمال”.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: “أفرس الناس ثلاثة: العزيز في يوسف عليه السلام حيث قال لامرأته: أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا، وابنة شعيب حين قالت لأبيها في موسى عليه السلام: {اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ}، وأبو بكر في عمر رضي الله عنهما حين استخلفه”.
الفرق بين الحدس والإحساس
فالحواس الخمس الأساسية هي الوظائف الموجودة في الجسم من نظر وسمع وشم وتذوّق ولمس، يستخدمها الإنسان للتعايش مع محيطه الفيزيائي وممارسة حياته اليومية وإنجاز المهام والوظائف الأساسية.
أمّا ما يزيد على هذه الحواس الخمس فإنّ البعض يسمّيه الحاسة السادسة، ويرى بعض الباحثين أنّ الإحساس خارج إطار الحواس الخمس لا يحدث بطريقة خارج المألوف، إنّما هو نتيجة اِختزان الدماغ لمعلومات عديدة ومتنوعة عن ذات الموضوع في أوقات مختلفة.
ويرى آخرون؛ أنّ الحاسة السادسة هي القدرة على التوقع أو الشعور أو بما وراء النفس، وأنّها تختلف من فرد لآخر، وأنّها زائدة على الحواس الخمس.
قد يهمك أيضاً : الولاء والبراء بين التساهل والتشدد
صفات أصحاب الحدس القوي
تُصنّف ميزة عدم إلغاء الحدس والمشاعر، وعدم الالتزام بالمنطق فقط؛ كواحدة من ميزات الأشخاص ذوو التفكير الاستراتيجي، كجزء من المميزات التي تؤهلهم دون غيرهم للعمل ضمن فرق التخطيط الاستراتيجي في منظماتهم.
ولكن ما هي صفات أصحاب الحدس القوي؟
يتمتع صفات أصحاب الحدس القوي بالعديد من الصفات، ونذكر منها:
فأصحاب الحدس القوي لديهم قدرة قوية على فهم وإدراك مشاعرهم ومشاعر الآخرين، وحساسية اِتجاه تقلبات هذه المشاعر.
إنّ أصحاب الحدس يمكن أن يتحلّوا بقدرة كبيرة على قراءة الأشخاص والأحداث والشعور بها، كما أنّ الفراسة الإيمانية هي من صفات بعض أصحاب الحدس القوي.
وهي استدراكاً لصفة الفراسة وخاصة إذا كانت من النوع المُكتسب الذي يتطلب جمع المعلومات وتنمية المهارات.
وهو عكس الاعتقاد السائد بأنّ الحدسيين لا يميلون للتفكير، لأنّ الحدس يحتاج في جانب منه إلى التعلم والتفقّه والتحليل، وهذا يتطلب درجة كافية من التفكير العميق.
وهو ما يمكّن صاحبه من تحليل الأفكار الحدسية الواردة بالشكل الصحيح، وتمييزها عن الهوى والأوهام، ثم استخدام هذه الأفكار بالشكل الأنسب.
اقرأ أيضاً : الشغف والحياة المهنية
كيفية تقوية الحدس؟
بحسب مجلة psychology today الأمريكية فإنّ هناك مجموعة من الطرق والممارسات التي تساعد على تقوية الحدس لدى الإنسان وهي على الشكل التالي:
- احتفظ بمذكّرة تكتب فيها أفكارك ومشاعرك (حتى لو كنت تعتقد أنّه ليس لديك الكثير لتكتبه). وتساعد هذه الممارسة عقلك الواعي في الانفتاح على مزيد من الأفكار، وقد تلاحظ في البداية أنك تكتب كلمات وعبارات لا معنى لها، أو تثير ردود فعل عاطفية بدلاً من الاستجابات الفكرية.
- أوقف ناقدك الداخلي عن الحديث، أوقفه عن أن ينبري لأي فكرة جديدة، ففي كثير من الأحيان نسمح لهذا الصوت أن ينتقد بقوة، بالمقابل اسمح للحوارات الداخلية لديك أن تحدث من دون خوف أو سخرية وحاول أن تستمع إلى خواطرك بدون حكم.
- ابحث عن مكان هادئ ومنعزل لتنمية الحدس، لأنّ وجود مكان يمكنك فيه السماح للمشاعر والأفكار أن تتدفق بحرية؛ هو جزء ضروري لإيجاد اللّبنات الأساسية للحدس والاحتفاظ بها.
ويمكن لهذه التمارين الثلاثة أن تساعدك في إنشاء علاقة جديدة أعمق مع ذاتك، وتساعدك في توضيح وتنقية سيل الافكار العارم الذي يأتيك، كما تتيح لك إعادة وعيك الغريزي الحقيقي لتستخدمه في حياتك اليومية.
ننصحك بقراءة : السعادة بين الفلسفة وعلم النفس
الأسئلة الشائعة
ما هو معنى الحدس؟
إدراك الشّيء بشكل مباشر بمعزل عن الخبرة السابقة أو طرق التفكير التقليدية الواعية.
كيف اعرف أنّ عندي حدس؟
عندما تأتيك أفكار أو مشاعر مسبقة اِتجاه شيء ما ثم يتبين صدق هذه الأفكار والمشاعر.
هل الحدس صحيح دائما؟
ليس بالضرورة أن يكون الحدس صحيح دائماً.
ما الفرق بين الحدس والخبرة الشخصية؟
الفرق بين الحدس والخبرة الشخصية يتلخص بأن الحدس يأتي دون تفكير وتحليل لأي تجربة مشابهة قد رأها أو اِختبرها الإنسان على عكس الخبرة الشخصية التي تكون نِتاج تجارب مرّ بها الإنسان.
المصادر
- aljazeera.net
- www.islamweb.net
- alghad.com/
- psychologytoday.com