النهضة والبناء الحضاري
نجاح الأمم وبناء الحضارات لا يكون إلا من خلال النهضة، ولن نسود العالم ما لم نغيّر ونبدل نحو الأفضل، وهذا التغيير يحتاج إلى قادة، يقول محمد الغزالي: (فالأمم العظيمة ليست إلا صناعة حسنة لنفر من الرجال الموهوبين)
اقرأ المزيدالدعاء في الإسلام ركن تتمثل فيه العبودية الصادقة والتوحيد الخالص لله سبحانه وتعالى، فالإنسان في حال تضرعه يكون مستأنساً بالله سبحانه وتعالى مطمئناً إلى كونه القدير القادر على أنْ يعينه، وليس شيء أكرم على الله من الدعاء {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ} [سورة الفرقان: 77].
الدعاء نداء تناديه، وفي الشرع هو ابتهال إلى الله سبحانه وتعالى بالسؤال والرغبة فيما عنده من الخير والتضرع إليه عز وجل في تحقيق المطلوب وإدراك المأمول، والدعاء هو العبادة {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [سورة غافر: 60].
كما أنّ الدعاء هو أساس تجديد الصلة بالله سبحانه وتعالى وتعميق التوجه إليه، ففيه يستشعر الإنسان عظمة الله سبحانه، ويدفعه إلى الالتزام الدائم بأوامره والاجتناب المستمر لنواهيه، وفي الدعاء الصادق يرتقي المؤمن ليكون من المتقين الأخيار، والدعاء هو سبيل قضاء حاجات الإنسان ودفع المحن والمصائب عنه، قال تعالى: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلا مَّا تَذَكَّرُونَ} [سورة النمل: 62].
في الدعاء تحقيق لطمأنينة القلب لصفاء النفس وشعور بالرضا والسكينة والأمن، فالإنسان عندما يبوح بما في نفسه إلى الله تعالى القادر يرتاح، وتستكين نفسه وتتخلص من معاناتها، ويتمكن العبد بهذا الدعاء مِنَ الصبر على المصائب، فكلما وقع في ضيق أو شدة أو نزلت به مصيبة التجأ إلى الله تعالى يستمد منه العون والقوة والحماية فيتحمل؛ لأنه ينتظر الرحمة والفرج من الله عز وجل، وهو موقن بإجابة ما سأل وتخفيف ما نزل.
في الدعاء -يا إخواني ويا أخواتي- نمارس الشكر على النعم، ونحس بفضل الله تعالى علينا وإكرامه لنا، فالدعاء عنوان الشكر وهو سبيل العطاء، وهو إقرار بالعبودية له سبحانه وتعالى، يقول الله سبحانه وتعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [سورة البقرة: 186].
وكن مع الذي قال فيهم: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا } [سورة الكهف: 28]، وكن من الذين: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [سورة السجدة: 16]، وادع ربك كما أمرت: {ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} [سورة الأعراف: 55 – 56]، نسأل الله تعالى أنْ نكون منهم.
الله سبحانه وتعالى يأمرنا بالدعاء {وقال ربكم ادعوني}، توجيه سامٍ من رب كريم القدير العليم الذي له الأسماء الحسنى والصفات العلى، انظر وتأمل إنه أمر من الله يأمرك فيه بالدعاء وليس هذا فقط بل ويعد في نفس الآية بالإجابة {أستجب لكم}.
فلا شك أنّ للدعاء أثراً عظيماً على طمأنينة القلب وانشراح الصدر والشعور بالسعادة لأن الدعاء هو العبادة، وفي الدعاء الفلاح والرشاد، وبه ذهاب الهم والغم والضيق وحلول الفرج والسرور مكان ذلك، وفيه دفع البلاء.
فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: “ما أصاب أحداً قط هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أحداً من خلقك أو أنزلته في كتابك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي، إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرجاً، قال: فقيل: يا رسول الله ألا نتعلمها، فقال: بلى، ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها”.
القضاء من الله سبحانه وتعالى إذا نزل يلقاه الدعاء ويتصارعان إلى يوم القيامة، وذلك أنّ قضاء الله لا يرد ولكن قد يكون لوقوعه شروطاً منها وجود الدعاء أو عدمه، وعليه يكون وجود الدعاء شرطاً لوقوع القضاء أو عدم وقوعه وسبباً من أسبابه.
ومن أعظم آثار الدعاء ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه حيث قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: “قال الله عزوجل: يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني غفرت لك، يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً، لأتيتك بقرابها مغفرة” [رواه الترمذي].
أعظم الدعاء ما جاء على لسان النبي ﷺ والأنبياء من قبله في القرآن الكريم، ثم ما جاء في الأحاديث الصحيحة على لسان نبينا محمد ﷺ وصحابته الكرام والسلف الصالح، ففيها جوامع الكلم واختصار وإجمال عظيم المعاني الجليلة التي هي خلاصة ما يحتاجه الداعي.
والدعاء على قسمين:
1- دعاء العبادة: وهو طلب الثواب بالأعمال الصالحة (كالنطق بالشهادتين والعمل بمقتضاهما، والصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، والذبح لله، والنذر له)، وبعض هذه العبادات تتضمن الدعاء بلسان المقال مع لسان الحال كالصلاة، فمن فعل هذه العبادات وغيرها من أنواع العبادات الفعلية فقد دعا ربه وطلبه بلسان الحال أن يغفر له، والخلاصة أنه يتعبد لله طلباً لثوابه وخوفاً من عقابه.
وهذا النوع لا يصح لغير الله تعالى، ومنْ صرف شيئاً منه لغير الله فقد وقع عليه قوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِين}، وقوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}.
2- دعاء المسألة: وهو دعاء طلب ما ينفع الداعي من جلب نفع أو كشف ضر، وطلب الحاجات، وفيه تفصيل وفق الآتي:
أ- إذا كان دعاء المسألة صدر من عبد لمثله من المخلوقين وهو قادر: كقولك: اسقني ماءً، أو يا فلان أعطني طعاماً، أو نحو ذلك فهذا لا حرج فيه، ولهذا قال ﷺ: “من سأل بالله فأعطوه، ومن استعاذ بالله فأعيذوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه”.
ب- أن يدعو الداعي مخلوقاً ويطلب منه ما لا يقدر عليه إلا الله وحده: فهذا شرك وكفر، سواء كان المدعو حيّاً أو ميتاً، أو حاضراً أو غائباً، كمن يقول: يا سيدي فلان اشف مريضي، رد غائبي، أعطني ولداً، قال الله تعالى: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُير}.
الدعاء أمر الله سبحانه وتعالى ولا شك أنّ لأثراً عظيماً على طمأنينة القلب وانشراح الصدر والشعور بالسعادة، وفي الدعاء الفلاح والرشاد، وبه ذهاب الهم والغم والضيق وحلول الفرج والسرور مكان ذلك، وفيه دفع البلاء.
ليس شيء أكرم على الله من الدعاء {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ} [سورة الفرقان: 77].
من أثر الدعاء أنه يصارع القضاء، ويفضي إلى مغفرة الله وعطائه وفضله وكرمه.
أكثر دعاء يحبه الله ما كان بتضرع وخفية.
أفضل الدعاء عند الله تعالى هو دعاء المتضرع بخفية المحتاج المستغيث بالله سبحانه الحريص على تحقيق شروط الدعاء والملتزم بآدابه.
إقرا المزيد: