قصة الحجاج بن يوسف الثقفي
تاريخ النشر: - تاريخ التعديل: - روائع القصص - قصص التابعين

مرّ على تاريخ الحضارة الإسلامية خلفاء وأمراء وقادة من مختلف الشخصيات، ومن بين أكثرهم إثارةً للجدل وارتباطاً بالظلم؛ الحجاج بن يوسف الثقفي.

ولكن ما حقيقة هذه الصورة، وهل هناك آراء متوازنة ومنصفة حول الحجاج؟

من هو وكيف كانت شخصيته؟ وما هي أبرز محطات حياته؟ وهل كان له من المناقب شيئاً وسط مثالبه الكثيرة؟ هذا ما سنتعرف عليه في هذا المقال.

من هو الحجاج بن يوسف الثقفي؟

هو أبو محمد الحجاج بن يوسف الثقفي، ولد في الطائف عام  40 هجري الموافق 660 ميلادي، وكان قائداً عسكرياً ووالياً في عهد الدولة الأموية، عيّنه عبد الملك بن مروان أميراً على العسكر، ثم ولّاه مكة والمدينة والطائف، أضاف إليها لاحقاً العراق وغيرها.

كان الحجاج أداةً لفرض سلطة الأمويين ومدّ سلطانهم، إذا كان يقمع أي ثورة تقوم على مُلكهم، حتى وصل معهم إلى مكانة لا يراجعه فيها أحد.

بنى مدينة واسط في العراق ومات بها، كان طاغيةً سفّاحاً سفّكاً للدماء عُرف بلقب “المُبير” أي المُبيد، وقد جاء في صحيح مسلم أنّ أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت للحجاج: (أَمَا إنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ حَدَّثَنَا أنَّ في ثَقِيفٍ كَذَّابًا وَمُبِيرًا، فأمَّا الكَذَّابُ فَرَأَيْنَاهُ، وَأَمَّا المُبِيرُ فلا إخَالُكَ إلَّا إيَّاهُ) [مسلم – 2545].

نسب الحجاج بن يوسف الثقفي

جاء في كتاب “أنساب الأشراف” لأحمد البلاذري عن نسب الحجاج: هو أبو محمد الحجاج كليب بن يوسف بن الحكم بن أبي عقيل بن مسعود بن عامر بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف بن مُنبّه بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خَصَفَة بن قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، الثقفي.

نشأة الحجاج بن يوسف الثقفي

نشأ الحجاج في الطائف، وتعلَّم القرآن الكريم والحديث النبوي والفصاحة فيها على يد أبيه، ثم عمل معه معلماً على الصبيان، وهو ما كان لا يوافق هوى الحجاج حتى ترك الطائف واِتجه إلى الشام التي كانت تضج بالاقتتال بين الفرقاء تحت راية حكم بني أمية حديثة العهد.

التحق في الشام بإمارة الشرطة التي كانت تعاني من المشاكل، وظهرت شخصيته القيادية والتنظيمية حتى علا في المراتب وأصبح ذا شأن في الشرطة، واستطاع بدهائه نيل ثقة الخليفة عبد الملك بن مروان، حتى سلّمه قيادة الشرطة.

وحين قرر عبد الملك بن مروان تسيير الجيوش لمحاربة الخارجين عن طاعته في أركان دولته؛ ضمّ الحجاج إلى الجيش، فطلب الحجاج من الخليفة توليته السلطة العسكرية على أهل الشام.

وأعلن حينها الحجاج أنّ من قدر على حمل السلاح من أهل الشام ولم يخرج معه؛ أمهله ثلاثة أيام، ثم سيقوم بعدها بقتله وإحراق داره وانتهاب ماله، وبالفعل ما إن قتل الحجاج أول المتخلفين عنه حتى سلّم له البقية فروض الطاعة مجبورين لا مختارين.

شخصية الحجاج بن يوسف الثقفي

امتاز الحجاج بشخصية عجيبة فقد كان من الناحية الشكلية؛ قبيح الوجه صغير الجسد، إلا أنه كان بالمقابل فصيحاً بليغاً وخطيبا متمكّناً من الناحية اللغوية، وقائداً مدبّراً ذي مكرٍ وخداع في الحروب والمناورات من الناحية السياسية والعسكرية.

وذكر ابن كثير في البداية والنهاية أنّ عبد الملك بن مروان قال يوماً للحجاج: “ما من أحد إلا وهو يعرف عيب نفسه، فصف عيب نفسك، فقال الحجاج: اعفني يا أمير المؤمنين، فأبى، فقال: أنا لجوج حقود حسود. فقال له عبد الملك : إذاً بينك وبين إبليس نسب”.

ولاية الحجاج على الحجاز

استطاع الحجاج أن يلفت أنظار عبد الملك بن مروان بعد قيادته للشرطة، ونال ثقته حتى كلّفه بتشكيل جيش يخرج به من الشام ليقاتل الصحابي عبد الله ابن الزبير رضي الله عنه الذي كان يحكم ما بقي له من ولاية الحجاز.

حاصر الحجاج مكة المشرّفة من جميع الأطراف الجغرافية والنواحي العسكرية والاقتصادية حتى استطاع دخولها والاستيلاء عليها وضمّها تحت راية الأمويين.

أسند عبد الملك بن مروان ولاية الحجاز للحجاج مكافأة له على ظفره، وبقي الحجاج والياً على الحجاز حتى عام 75 هـ عندما عزله ابن مروان لكثرت الشكوى ضده، ثم ولّاه العراق.

الحجاج بن يوسف الثقفي وضرب الكعبة

عندما حاصر الحجاج مكة المكرمة لم يراعي حرمة المكان، وبدأ بضرب المنجنيق الذي أصاب الأجزاء من الكعبة المشرّفة، إذ كان الصحابي عبد الله ابن الزبير رضي الله عنه محتمياً بالبيت، بعد أن تفرق عنه أصحابه وخذلوه.

وجاء في تاريخ الطبري أنّه مع اشتداد الحصار على ابن الزبير، دخل عبد الله على أمه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما يشكو إليها تخاذل الناس عنه، فقالت:

“أنت والله يا بني أعلم بنفسك، إن كنت تعلم أنك على حق وإليه تدعو فامض له، فقد قُتل عليه أصحابك، ولا تمكّن من رقبتك يتلعب بها غلمان أمية، وإن كنت إنما أردت الدنيا فبئس العبد أنت! أهلكت نفسك، وأهلكت من قُتل معك، وإن قلت: كنت على حق فلمّا وهن أصحابي ضعفت، فهذا ليس فعل الأحرار ولا أهل الدين، وكم خلودك في الدنيا! القتل أحسن“.

فقبّل عبد الله ابن الزبير رأس والدته أسماء رضي الله عنهما وسألها الدعاء له، وانصرف عازماً على مواصلة القتال، وانتهى الأمر باستشهاد ابن الزبير والقضاء على حكمه.

ولاية الحجاج على العراق

دام حكم الحجاج على ولاية العراق لعشرين عاماً، وبنى مدينة واسط على نهر دجلة بين الكوفة والبصرة، وكانت مركزاً لحكمه، ويذكر أنّ الحجاج أول ما نزل بالكوفة، وخطب بالناس خُطبةً بليغة قوية مشهورة، وثّقتها كتب التاريخ وتناولتها كتب اللغة العربية والأدب.

خطاب الحجاج بن يوسف الثقفي لأهل العراق

أمر الحجاج حين ولي العراق أن يجتمعوا في المسجد، ثم دخل المسجد هو ملثماً بعمامة حمراء اللون، واعتلى المنبر فجلس وأصبعه على فمه ناظراً إلى الجمع أمامه، فلما ضجوا من صمته خلع عمامته فجأة وبدأ خطبته مستهلاً القول:

أنا ابنُ جَلا وطَلَّاعُ الثَّنايا متى أضَعِ العِمامةَ تَعْرِفوني

ثُمَّ قالَ:

يا أهْلَ الكوفةِ، أمَا واللهِ إنِّي لأحْمِلُ الشَّرَّ بحمْلِه، وأحْذوه بنَعْلِه، وأجْزيه بمِثلِه، وإنِّي لَأرى رُؤوسًا قد أيْنَعَتْ وحانَ قِطافُها، وإنِّي لصاحِبُها، وكأنِّي أنْظُرُ إلى الدِّماءِ بَيْنَ العَمائِمِ واللِّحى.

ثُمَّ قالَ:

هذا أوانُ الشَّدِّ فاشْتَدِّي زِيَمْ

قد لفَّها اللَّيلُ بسَوَّاقٍ حُطَمْ

ليس براعي إبِلٍ ولا غَنَمْ

ولا بجَزَّارٍ على ظَهْرِ وَضَمْ

إنِّي واللهِ يا أهْلَ العِراقِ، ومَعدِنَ الشِّقاقِ والنِّفاقِ، ومَساوِئِ الأخْلاقِ، ما يُقَعْقَعُ لي بالشِّنانِ، ولا يُغمَزُ جانِبي كتَغْمازِ التِّينِ، ولقد فُرِزْتُ عن ذَكاءٍ، وفُتِّشْتُ عن تَجرِبةٍ.

وإنَّ أميرَ المُؤْمِنينَ -أطالَ اللهُ بقاءَه- نَثَرَ كِنانتَه بَيْنَ يَديه، فعَجَمَ عيدانَها، فوَجَدني أمَرَّها عُودًا، وأصْلَبَها مَكسَرًا، فرَماكم بي؛ لأنَّكم طالما أوْضَعْتُم في الفِتْنةِ، واضْطَجعْتُم في مَراقِدِ الضَّلالِ.

واللهِ لأحْزِمنَّكم حَزْمَ السَّلَمةِ، ولأضْرِبنَّكم ضَرْبَ غَرائِبِ الإبِلِ، فإنَّكم لكأهْلِ قَريةٍ كانت آمِنةً مُطْمَئنَّةً يَأتيها رِزْقُها رَغَدًا مِن كلِّ مَكانٍ، فكَفَرَتْ بأنْعُمِ اللهِ، فأذاقَها اللهُ لِباسَ الجوعِ والخَوْفِ بما كانوا يَصْنعونَ.

وإنِّي واللهِ ما أقولُ إلَّا وَفَيْتُ، ولا أهُمُّ إلَّا أمْضَيْتُ، ولا أخْلُقُ إلا فَرَيْتُ، فإيَّاي وهذه الشُّفَعاءَ، والزَّرافاتِ والجَماعاتِ، وقالًا وقيلًا، وما يقولونَ؟ وفيمَ أنتم وذاك؟

واللهِ لتَسْتقيمُنَّ على طَريقِ الحَقِّ، أو لأدَعَنَّ لكلِّ رَجُلٍ مِنكم شُغْلًا في جَسَدِه، وإنَّ أميرَ المُؤْمِنينَ أمَرَني بإعْطائِكم أُعْطياتِكم، وأن أوَجِّهَكم لمُحارَبةِ عدُوِّكم معَ المُهَلَّبِ بنِ أبي صُفْرةَ، وإنِّي أقْسِمُ باللهِ لا أجِدُ رَجُلًا تَخلَّفَ بعْدَ أخْذِ عَطائِه بثَلاثةِ أيَّامٍ إلَّا ضَرَبْتُ عُنُقَه.

الحجاج وسعيد بن الجبير

كان التابعي الجليل العالم الفقيه المقرئ المفسّر سعيد بن جبير؛ مخالفاً ومعارضاً لأفعال الحجاج وظلمه، حتى أيد ثورة القائد العسكري عبد الرحمن بن الأشعث في ثورته على بني أمية، وشهد عدداً من الوقائع فيها.

وكان لتأييد العالم سعيد بن الجبير لهذه الثورة أثر كبير في التفاف الناس حولها وتقويتها، وبما أنّ الحجاج كان هو من تصدى لهذه الثورة وأنهاها فإنه جعل من قضائه على ابن الجبير والانتقام منه والتنكيل فيه هدفاً لم يحِد عنه.

وبقى ابن الجبير مختبئاً مطارداً لمدة عشر سنوات حتى أُلقي القبض عليه وسيق إلى الحجاج مقيّداً، وعندما وصل إلى حجاج دارت بينهما محاورات طويلة قبل أن يأمر الحجاج غلامه بذبح ابن الجبير، بحجة أنه عدو لله ودينه.

ومن بين الحوارات التي دارت بين الحجاج وابن الجبير قبيل مقتله:

قول الحجاج: “أما والله لأقتلنك قتلة لم أقتلها أحداً قبلك ولا أقتلها أحداً بعدك”

فقال سعيد: “اللهم لا تحلّ له دمي ولا تمهله من بعدي”.. “اللهم لا تسلّطه على أحد يقتله بعدي”.

وقد استجاب الله لدعاء ابن الجبير فلم يقتل الحجاج بعده أحد، إذ التبس على الحجاج في عقله ودبّ المرض في جسده مفزوعاً مرعوباً، ، حيث منعه المرض من النوم.

وكان الحجاج كلما نام رأى ابن الجبير آخذاً بمجامع ثوبه يقول له: “يا عدو الله فيم قتلتني؟” فيستيقظ مذعوراً ويقول: “مالي ولسعيد بن الجبير“!

وماهي إلا فترة وجيزة حتى مات الحجاج، ورويىَ عن عمر بن عبد العزيز أنّه رأى الحجاج في المنام بعد موته وهو جيفة منتنة فقال له: ما فعل الله بك ؟ قال قتلني بكل قتيل قتلته قتلة واحدة إلا سعيد بن جبير فإنه قتلني به سبعين قتلة.

الحجاج بن يوسف الثقفي

الحجاج بن يوسف الثقفي وزوجته هند

بالرغم من قوة الحجاج وجبروته وطغيانه إلا أنّ زوجته هند بنت المهلب استطاعت بشيء من الإذلال هز كبرياء الحجاج المتجبر.

كانت هند امرأة جميلة ذات حسب ونسب، تزوجها الحجاج بعد أن بذل في سبيلها المال الكثير.

وبحسب ما جاء في كتاب “إعلام الناس بما وقع للبرامكة” لمؤلفه الإتليدي؛ دخل الحجاج في يومٍ من الأيام على زوجته هند دون أن تنتبه إلى وجوده، وهي تتأمل حسنها في المرآة وتقول:

وما هند إلا مهرة عربية سـلالة أفراسٍ تحللها بغل

فإن ولدت فحلاً فلله درها وإن ولدت بغلاً فجاء به البغل

فلما سمع الحجاج هذه الأبيات غضب منها وأراد أن يرد عليها الإهانة بالطلاق، فبعث إليها غلاماً ليقول لها “كنتِ فبنتِ” أي كنتِ زوجتي وافترقتِ عني، وليردّ إليها صداقها البالغ 200 ألف دينار.

فلما سمعت هند من الغلام رسالته قالت بكل فصاحة: كنّا فما فرحنا… فبِنّا فما حزنّا، ولم تكتفِ هند بهذا الرد بل أعطت مال صداقها للغلام بشارةً له على خلاصها ممّن وصفته كلب ثقيف (قبيلة الحجاج).

الحجاج والأعرابي الذي شتمه

يُروى أنّ الحجاج بن يوسف خرج للصيد يوماً، فمر بأعرابي فسأله الحجاج:

كيف سيرة الحجاج فيكم؟

فأجابه الأعرابي: ظلوم غشوم لا حيّاه الله ولا بياه.

قال له: فلو شكوتُموه إلى أمير المؤمنين عبد الملك؟

فقال الأعرابي: هو والله أظلم منه وأغشم، فعليه لعنة الله.

غضب الحجاج من كلامه فسأله: أما تدري من أنا؟

قال: وما عسيت أن تكون؟

فأجابه: أنا الحجاج.

فاستعجل الأعرابي بقوله: أتدري من أنا؟

قال الحجاج: لا، من أنت؟

قال: مولى بني أبي ثور أجنّ مرتين من الشهر وهذه إحداهما.

فضحك الحجاج وانصرف عنه.

 

وفاة الحجاج بن يوسف الثقفي

توفّي الحجاج في عام 95 هجري الموافق 714 ميلادي في مدينة واسط، بعد أن مرض بمرض غريب جعل في بطنه الديدان، وكان قد أوصى بأن يُدفن سراً وأن لا يُعرف موضع قبره، كي لا يتم نبشه. 

الحجاج في الميزان

إنّ شخصية الحجاج بن يوسف الثقفي هي من بين أبرز الشخصيات التي تعرّضت لخطأ التحليل الانتقائي وفق منظور سلبي فقط أو إيجابي فقط.

فمن نظر إلى إيجابياته فقط فسوف يرون أنه رائد من رواد الحزم والإصلاح والزهد والتقوى، وهناك من كتب عنه بهذه الصورة، وسنجد من كتب عنه في تاريخنا أنه كان شاباً لبيبا فصيحا بليغا حافظا للقرآن الكريم.

ويقول عنه بعض السلف: “كان الحجاج يقرأ القرآن كل ليلة”، طبعاً ممكن أنه يقرأه كل ليلة ولكن من المبالغة قول أنه كان يختمه كل ليلة.

ويقول أبو عمرو بن العلاء: “ما رأيت أفصح منه ومن الحسن البصري، وكان الحسن أفصح منه”، وبالتأكيد إنّ الحجاج من الفصحاء في التاريخ وهذا عليه إجماع.

ويقول عقبة بن عمرو: ما رأيت عقول الناس إلا قريباً بعضها من بعض، إلا الحجاج وإياس بن معاوية، فإن عقولهما كانت ترجح على عقول الناس.

ويقول ابن كثير: “وقد روينا عنه أنه كان يتدين بترك المسكر، وكان يكثر تلاوة القرآن، ويتجنب المحارم”.

وذكرو عنه كذلك أنه كان حريصاً على الجهاد وفتح البلاد، وهو من اختار القائد قتيبة بن مسلم الباهلي الذي فتح بخارى وسمرقند بلاد ما وراء النهر الذي نشر الإسلام في تلك المناطق، بأمر من الحجاج.

وهو من اختار محمد بن القاسم الثقفي الذي فتح بلاد السند الذي نجح خلال خمس سنوات تقريباً فتوحاته تلك البلاد.

وكان معروف عن الحجاج كرمه وسماحته مع أهل القرآن وإعطائه المال لهم ويكافئهم أكثر ما يكافئ غيرهم، وكان بعض الصحابة أمثال أنس بن مالك وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم، يصلّون خلفه ولو كانوا يرونه كافراً لما صلوا خلفه.

وفي أثناء ولايته للعراق عمل إصلاحات عظيمة زراعية وإدارية وتنظيمية ومالية وأمنية، وأنشئ البنى التحتية في البلاد كما بنى مدينة واسط في العراق، وكان يختار العمّال والولاة وفق الصلاحيات التي أعطاها إياه خلفاء الدولة الأموية.

ومن أجلِّ الأعمال التي تنسب إلى الحجاج؛ اهتمامه بتنقيط حروف القرآن الكريم ووضع علامات الإعراب على كلماته، وذلك بعد انتشار التصحيف والنقط الخاطئ للقرآن بعد دخول العديد من الأعجام إلى الإسلام، فأسند الحجاج هذه المهمة العظيمة إلى نصر بن عاصم.

ويُنسب للحجاج قيامه بتقسيم القرآن إلى أجزاء ووضع إشارات تدل على نصف القرآن وثلثه وربعه وخمسه، وهو من رغّب في أن يعتمد الناس على قراءة واحدة للقرآن مع الإبقاء على بقية القراءات، ووحّد الناس على قراءة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وكتب عدة مصاحف موحدّة وبعث بها إلى الأمصار.

وباختصار من يطّلع على هذه الأعمال؛ وينظر إلى الإيجابيات فقط، سينظر إلى الحجاج كواحد من كبار المصلحين وأعظم الحكام أو الولاة في التاريخ

لكن لو اطلعنا على الوجه الآخر للحجاج سنجد السلبيات، ولو اقتصرنا عليها فقط سننظر إلى الحجاج على أنه من أسوأ الناس.

قال سعيد بن جبير رحمه الله لما سئل عن خروجه على الحجاج: “إني والله ما خرجت عليه حتى كفر” .

وسألوا مجاهدا عن الحجاج فقال: “تسألون عن الشيخ الكافر؟”

قال الشعبي: “الحجاج مؤمن بالجبت والطاغوت كافر بالله العظيم”.

وقال القاسم بن مخيمرة: “كان الحجاج ينقض عرى الإسلام”.

وعن عاصم بن أبي النجود أنه قال: “ما بقيت لله تعالى حرمة إلا وقد انتهكها الحجاج”.

وقال هشام بن حسان عنه أيضاً: “أحصو ما قتل الحجاج صبراً فبلغ مائة وعشرين ألفاً”

بل أكثر من هذا، فعمر بن عبد العزيز المعروف عنه مكانته وحرصه وورعه يقول: “لو تخابثت الأمم وجئنا بالحجاج لغلبناهم، وما كان يصلح لدنيا ولا لآخرة”.

ومن الواضح أنّ للحجاج جانب حسن وجانب سيء، فقد أجمع أهل العلم بالتاريخ والسير على أنه كان من أشد الناس ظلماً، وأسرعهم للدم الحرام، ويسفك الدماء بسهولة، ولم يحفظ حرمة رسول الله ﷺ في أصحابه، ولا وصيته في أهل العلم والفضل والصلاح من أتباع أصحابه رضي الله عنهم.

إذ حاصر الحجاج مكة المكرمة وضرب الكعبة بالمنجنيق، طلباً لرأس الصحابي عبد الله بن الزبير، حتى قتله وصلبه معلّقاً.

واستباح المدينة المنورة ثلاثة أيام، وأخذ يتعنت على أهلها ويستخف ببقايا من فيها من صحابة رسول الله ويذلهم، من أمثال أنس بن مالك وجابر بن عبد الله وسهل بن سعد رضي الله عنهم فهل أمثال هؤلاء يذلّون؟!.

وكان إذ ذاك من مذهبه تكفير من يخرج على السلطان ويطرده من الملة، وبذلك برر لنفسه سفك دماء الصحابة والعلماء أمثال سعيد بن الجبير.

لو اكتفينا بأحد الجانبين لما وضحت الصورة كاملة وقعنا في خطأ التحليل الانتقائي وفق منظور سلبي فقط أو إيجابي فقط.

بالمقابل هناك شهادات كانت متوازنة ومنها ما قاله الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء، إذا قال عن الحجاج:

كان ظلوماً، جباراً خبيثاً سفاكاً للدماء، وكان ذا شجاعة وإقدام ومكر ودهاء، وفصاحة وبلاغة، وتعظيم للقرآن… إلى أن قال فيه: فلا نسبّهُ ولا نحبه، بل نبغضه في الله، فإن ذلك من أوثق عرى الإيمان.

وقال عنه أيضاً: له حسنات مغمورة في بحر ذنوبهِ، وأمره إلى الله، وله توحيد في الجملة، ونظراء من ظلمة الجبابرة والأمراء، أي ممن ظلموا البشر.

ومن الشهادات المتوازنة شهادة ابن كثير في الحجاج حين قال:

كان فيه شهامة عظيمة وفي سيفه رهق (الهلاك والظلم)، وكان يغضب غضب الملوكِ… وكان جباراً عنيداً مقداماً على سفك الدماء بأدنى شبهة، وروي عنه ألفاظ بشعة شنيعة ظاهرها الكفر، فإن كان قد تاب منها وأقلع عنها، وإلا فهو باق في عهدتها، ولكن يخشى أنها رويت عنه بنوع من زيادة عليه.

وختم ابن كثير كلامه عن الحجاج: كان يكثر تلاوة القرآن ويتجنب المحارم، وإن كان متسرعاً في سفك الدماء، فلا نكفر الحجاج، ولا نمدحه، ولا نسبه، ونبغضه في الله بسبب تعديه على بعض حدود الله واحكامه، وأمره إلى الله.

وقد وُضعت دراسات تاريخية حديثه عن الحجاج، وبعضها كان أطروحات علمية، حاولت إنصاف الحجاج، وتقديم صورته الحقيقية في الجانبين، صورته التي طمس معالمها وملامحها ركام هذه الروايات التاريخية الكثيرة.

 

الأسئلة الشائعة

كيف مات الحجاج بن يوسف الثقفي؟

مات الحجاج بن يوسف الثقفي بمرض في بطنه

ماذا قال الرسول عن الحجاج بن يوسف الثقفي؟

لم يذكر الرسول ﷺ الحجاج باسمه الصريح، إلا أنه قد جاء في صحيح مسلم عن السيدة أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أنها قالت للحجاج: (أَمَا إنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ حَدَّثَنَا أنَّ في ثَقِيفٍ كَذَّابًا وَمُبِيرًا، فأمَّا الكَذَّابُ فَرَأَيْنَاهُ، وَأَمَّا المُبِيرُ فلا إخَالُكَ إلَّا إيَّاهُ) [مسلم - 2545].

الحجاج بن يوسف الثقفي هل هو كافر؟

هناك خلاف في الآراء حول تكفير الحجاج بن يوسف الثقفي، فبعض العلماء كفّروه وبعضهم الآخر لم يكفّره

آخر ما قاله الحجاج قبل موته؟

آخر ما قاله الحجاج قبل موته: "مالي ولسعيد بن الجبير"

ماهو لقب الحجاج بن يوسف الثقفي؟

لقب الحجاج بن يوسف الثقفي هو المبير أو المبيد

المصادر 

  1. كتاب البداية والنهاية لابن كثير
  2. http://islamstory.com/
  3. الكامل في اللُّغة والأدب)) للمبرد 
  4. العقد الفريد)) لابن عبد ربه (4/ 208).

اترك تعليقاً