حياة الأطفال مليئة بالتحديات؛ سواء الضغوط الأكاديمية التي يواجهونها في المدرسة، أو التحديات المرتبطة بالأنشطة الرياضية، أو ضغوط الأقران وضغوط وسائل التواصل الاجتماعي مع انفتاحهم على العالم عبر عتبات الشاشات الصغيرة.
الثقة بالنفس هي عامل أساسي في حياة الجميع، فهي مفتاح النجاح والتطوّر، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالأطفال، فهي أحد عوامل نجاحهم التعليمي والاجتماعي، وبالتالي يجب على الآباء محاولة تعزيز احترام أطفالهم لذاوتهم، ويجب عليهم أيضًا ضمان بيئة تعليمية إيجابية محفزة لمستقبل أطفالهم.
كيف تكون قدوة إيجابية لطفلك؟
تعتبر القدوة الحسنة أداة تعليمية قوية تؤثر على سلوك الأطفال وتوجهاتهم، فالطفل الذي يرى والديه يتمتعان بصفات إيجابية مثل: (الصدق، الأمانة، والعمل الجاد)، ينمو وهو يحمل هذه القيم داخله، هذا الدور الفاعل للقدوة الحسنة يمكن أن يعزز من ثقة الطفل بنفسه ويساعده على بناء علاقات صحية مع من حوله.
أيها المربي: كن قدوة صادقاً وشفافاً في تعاملك واستمع إليهم بعناية، وكن نموذجاً للإيجابية مقتدياً بقدوتنا رسول الله ﷺ الذي قدم قدح من لبن فشرب منه وكان عن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ فقال للغلام: «أتأذن لي أن أعطيه من على يساري، فقال الغلام: لا والله أوثر بنصيبي منك أحدا، فتله ﷺ في يمينه» [متفق عليه].
في هذه القصة أربع إشارات تربوية في تنمية احترام الأطفال لذواتهم وإشعارهم بالأهمية:
أولاً- كيف يصل غلام صغير إلى الجلوس إلى جوار النبي ﷺ بل على يمينه مباشرة وفي القوم الأشياخ كبار الصحابة.
ثانياً- أيّ ثقة بالنفس تنمو حين يستأذن رسول الله ﷺ غلاماً صغيراً في التنازل عن حقه في الشرب بعده وهي قضية ليست كبيرة وأساسية.
ثالثاً- كيف وصلت الثقة في نفوس الأطفال في مدرسة النبوة إلى القدرة على رفض طلب صادر من النبي ﷺ بثبات مع القدرة على التعليل المقبول.
رابعاً- الفعل أبلغ من القول في التربية، ولذا قال الراوي (فتله في يمينه) أيّ: ناوله القدح ليشعره باقتناعه بحجته واحترامه له.
ولم يقتصر الأمر في مدرسة النبوة على إشعار الناشئة بالأهمية والاحترام بل كانت ثقتهم بأنفسهم تنمى من خلال التجارب العملية عبر توليتهم المسؤوليات المناسبة لقدراتهم:
فها هو معاذ بن جبل رضي الله عنه يصلي بالناس وهو ناشئ صغير لأن هذا العمل مناسب لقدراته.
وهذا أسامة بن زيد رضي الله عنه يقود الجيش الذي فيه كبار الصحابة وهو لم يتجاوز سبع عشرة سنة.
وقبلهما علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ينام في فراش النبي ﷺ ليلة الهجرة، وهي مسؤولية جسيمة تتطلب الشجاعة والتضحية.
أما اليوم: فحال أكثرنا مع أطفالهم اليوم عدم الثقة بهم وعدم توليتهم أصغر المسؤوليات.
التواصل الفعّال: سر تربية طفل واثق بنفسه
تلعب مهارات التواصل الفعّال دورًا محوريًا في حياة الطفل، سواء في المدرسة أو في العلاقات الاجتماعية؛ فالطفل الذي يستطيع التعبير عن أفكاره بوضوح ويفهم الآخرين يكون أكثر قدرة على التفوق في الدراسة وبناء علاقات إيجابية في محيطه، هذه المهارات لا تساعد فقط على التفاعل مع الآخرين، بل تجعل الطفل واثقًا من نفسه، قادرًا على حل المشكلات، ومؤهلًا للتعامل مع التحديات المختلفة التي تواجهه في الحياة.
التواصل الإيجابي مع الأبناء يبدأ بإظهار الاهتمام الحقيقي بهم، من خلال التواصل البصري، الإيماءات المشجعة، والابتعاد عن أي مشتتات مثل الهواتف أو الأعمال الأخرى، هذا الاهتمام يعزز شعور الأبناء بالتقدير ويشعرهم بأن آرائهم مهمة لآبائهم.
دور النقد البنّاء والثناء في تعزيز الثقة بالنفس
النقد البناء يمكن أنْ يكون وسيلة لتحسين الأداء، ولكن يجب أنْ يكون متوازنًا مع الدعم، وعند تقديم ملاحظات حول سلوك معين أو أداء الطفل، من المهم تقديمها بطريقة تحفزه على التحسن دون الشعور بالإحباط أو الإهانة.
هذا التوازن يعزز من قدرة الطفل على تقبل النقد وتطوير نفسه، كما يمكن أنْ يؤدي الثناء والإعجاب المناسبين إلى زيادة احترام الذات لدى الأطفال وزيادة ثقة الطفل بنفسه، إنّ الإعجاب بالأطفال بالطريقة الصحيحة تعني الثناء على قدراتهم ومهاراتهم، لا تفرط في ذلك حتى يشعر الأطفال أنك تحبهم بسبب قدراتهم ومهاراتهم.
يؤدى عدم تقديم الدعم والتشجيع إلى تدني ثقة الطفل بنفسه وقدراته، لذا شجعا طفلكما على تجربة أشياء جديدة، واحتفلا بنجاحاته، وقدما الدعم المعنوي لطفلك.
تجنب المقارنة وتعزيز التفرد
من الممكن أنْ يقوم أحد أطراف العائلة من الأب أو الأم بالتحيز لأحد الأبناء بدون قصد، لكن هذا السلوك من أصعب السلوكيات التي تجعل الطفل يشعر بالغيرة والحسد لدى الأخوة الآخرين، ما يضعف العلاقات الأسرية، لذا على الأسرة أنْ تقوم بمعاملة جميع الأبناء بالعدل والمساواة، وتجنب المقارنات بين الأطفال، وتجنب الحديث عن طفل آخر بشكل سلبي أمام طفلك.
المقارنات تجعل الأطفال يشكون في أنفسهم، ويعتقدون أنهم لا يستطيعون إرضاءنا وتلبية توقعاتنا، ويفقدون الثقة بالنفس في النهاية، فبدلاً من المقارنة بإنجازات الآخرين، ركز على جهود الطفل وتقدمه الشخصي، وقلل من التركيز على النتائج النهائية.
ركز على نقاط تفرد طفلك، وتذكر بأن كل شخص لديه نقاط قوة وضعف، فشجعه على اكتشاف مهاراته الخاصة.
تعليم الطفل كيفية التعامل مع الفشل وتحويله إلى فرصة للنمو
الفشل ليس نهاية الطريق بل هو فرصة للتعلم والنمو.
من خلال الفشل يمكن للأطفال اكتشاف نقاط قوتهم وضعفهم والعمل على تحسينها.
عليك مساعدة الطفل في تحليل أسباب الفشل فهو الخطوة الأولى نحو التعلم.
يمكن طرح أسئلة مثل: “ما الذي كان يمكن أنْ تفعله بشكل مختلف؟” لمساعدته في التفكير النقدي.
علم طفلك كيفية التكيف مع الفشل والمرونة في مواجهة الصعوبات.
شجعه على المحاولة مرة أخرى وذكره أنّ الفشل جزء من عملية التعلم.
استراتيجيات لتعزيز الاستقلالية عند الأطفال
أحد أهمّ أهدافك -آباء وأمهات- هو تربية طفلكم ليصبح شخصًا مستقلًّا ومعتمِدًا على نفسه، ولا يمكن إنكار حاجة طفلكم إليكم في بداية حياته، ولكن كلما اقترب من مرحلة البلوغ فإنه يكتسب قدرًا أكبر من الاستقلال في جميع جوانب حياته.
تُعدّ هذه المرحلة بالذات تمهيدًا يهيِّئه للتعامل مع متطلّبات الحياة، لذلك من الأهمّيّة بمكان أنْ تبني لدى طفلك أسس الاستقلال الذاتيّ والاعتماد على النفس منذ الصغر، وراعي الأمور الآتية:
لا توبّخه على ارتكاب الأخطاء.
أشركه في المهمّات المنزليّة.
أعطه حريّته ضمن حدود.
امنحه بعض الخصوصيّة.
كيف يمكن للأنشطة اليومية أن تعزز الثقة بالنفس لدى الطفل؟
البيئة الآمنة تمنح الطفل فرصة للتعبير عن نفسه دون خوف من الانتقاد أو الفشل، لذلك يجب على الأهل توفير مساحة للطفل للتجربة والخطأ، مع دعمه في كل خطوة، كما يمكن تشجيع الطفل على مواجهة تحديات جديدة والمشاركة في الأنشطة المختلفة، مما يزيد من مهاراته وقدرته على التعامل مع المواقف المختلفة بثقة.
اللعب الجماعي يوفر فرصًا رائعة للطفل لتطوير مهاراته الاجتماعية وبناء الثقة بالنفس، من خلال اللعب مع الأطفال الآخرين، يتعلم الطفل كيفية التفاعل مع الآخرين، وحل النزاعات، والتعاون لتحقيق الأهداف المشتركة.
وفي الختام أيها المربون:
في البدء والختام لا بد لكم من اللجوء إلى المولى سبحانه وتعالى بالدعاء، وطلب المعونة منه في تربية طفلك، متمثلين قوله سبحانه: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}.