لا شكّ في أنّ حصول الإنسان على بيت في الدنيا بجهده وعمله يحتاج إلى عمل طويل وتعب كبير، فإذا وصل إليه شعر بالغبطة العارمة، انطلاقاً من هذه الصورة يدعونا الإسلام إلى أعمال تسمح لنا ببناء بيوت لنا في دار الاستقرار والمقام في الآخرة، قال تعالى: { لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ } [سورة الزمر: 20].
وقال عليه الصلاة والسلام: “إنّ أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم، كما تتراءون الكوكب الدريّ الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم”، قالوا: يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟ قال: “بلى، والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين” [متفق على صحته].
إليكم مجموعة من الاعمال التي تبني بيت في الجنة ورد ذكرها في النصوص الشرعية.
إنّ أول عمل قام به رسول الله عليه أفضل الصلوات وأزكى التسليم بعد أن دخل “قباء” أنه بنى فيها مسجداً، وعندما وصل إلى المدينة كان أول عمل يقوم به هو بناء مسجده، وشارك بنفسه في البناء، وهذا مِنْ أكبر الدلائل على المكانة المهمة للمساجد، قال رسول الله ﷺ: “مَنْ بنى لله مسجداً؛ بنى الله له بيتاً في الجنة” [متفق عليه].
كل كلمات الله عظيمة ولها فضل كبير على الإنسان، ولكن الله تعالى اختصّ بعض سور القرآن بمزايا وخصائص، ومن أهمها سورة الإخلاص التي لها العديد من الفضائل والفوائد عند قرائتها، قال ﷺ: “من قرأ {قل هو الله أحد} عشر مرات؛ بنى الله له بيتاً في الجنة” [أخرجه الإمام أحمد].
قال رسول الله ﷺ: “إذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده، فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجعك، فيقول الله تعالى: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسمّوه بيت الحمد” [الترمذي]، فما دام العبد مؤمناً بقضاء الله وقدره فهو بلا شك راضٍ بحُكمه وحكمته التي يُسيّر بها السموات والأرض.
قال رسول الله ﷺ: “من دخل السوق فقال: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير، وهو على كل شيء قدير)، كتب الله له ألف ألف حسنة، ومحا عنه ألف ألف سيئة، ورفع له ألف ألف درجة، وبنى له بيتاً في الجنة” [الترمذي].
الحكمة في حصول هذا الأجر العظيم هي لأمرين:
فلنحرص كل الحرص للحفاظ على هذا الدعاء وتبليغه وتعليمه للآخرين.
قال رسول الله ﷺ: “مَنْ سدَّ فرجة بنى الله له بيتاً في الجنة ورفعه بها درجة” [الإمام أحمد]، ومعنى سدّ الفرجة: ليس لمس رجل من جنبه فقط، وإنما المنكب بالمنكب والكتف بالكتف، وذهب الجمهور إلى سنّيّة تسوية الصفوف.
عن أم حبيبة بنت أبي سفيان رضي الله عنها، عن النبي ﷺ قال: “مَنْ صلّى في يوم وليلة ثنتي عشرة ركعة بني له بيت في الجنة” [أخرجه مسلم].
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله ﷺ: “(من ثابر على ثنتي عشرة ركعة من السنة؛ بنى الله له بيتا في الجنة)، أربع ركعات قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل الفجر” [رواه ابن ماجه].
كل هذه النقول جاءت بصيغة المطلق (في يوم وليلة)، وهذا يدل على أنّ المحافظة على هذه الرواتب في يوم واحد فقط كاف لبناء بيت في الجنة، فإذا حافظ عليها صار كلَّ يوم يمضي يُبنَى له بيت جديد في الجنة.
قال رسول الله ﷺ: “أنا زعيم لمن آمن بي وأسلم وهاجر ببيت في ربض الجنة وبيت في وسط الجنة وبيت في أعلى غرف الجنة، وأنا زعيم لمن آمن بي وأسلم وجاهد في سبيل الله ببيت في ربض الجنة وبيت في وسط الجنة وبيت في أعلى غرف الجنة، فمن فعل ذلك لم يدع للخير مطلباً ولا من الشر مهرباً يموت حيث شاء أنْ يموت” [أخرجه الحاكم].
قال رسول الله ﷺ: “أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإنْ كان محقاً” [رواه الترمذي]، ترغيب في ترك المراء لأنه يفضي إلى الاختلاف والشقاق، والجنة درجات ومنازل الناس تكون في الجنة حسب أعمالهم.
قال رسول الله ﷺ: “أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً” [أخرجه الترمذي]، وفيه حرمة الكذب ولو كان مزاحاً إلا ما استثني، وهو قوله ﷺ: «ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس، ويقول خيرًا وينمي خيرًا» [رواه مسلم].
مكارم الأخلاق أساس هذا الدين العظيم، فقد روى البيهقي أنّ النبي ﷺ قال: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”، وهو أحد أهم أسباب الحصول على بناء بيت في الجنة قال رسول الله ﷺ: “أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه” [ أخرجه الترمذي].
ومن أعظم مقامات حسن الخلق في الجنة هو الوصول إلى صحبة رسول الله ﷺ، فقد روى الترمذي عن جابر ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ﷺ قال: “إنّ مِنْ أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقاً”.
مَنْ يبني له بيت فإنه يجمّل بيته بالأشجار والنخيل، ومن أراد أنْ يجمّل بيوته وقصوره في الجنة بالأشجار والنخيل فليقل: “سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر”، ودليل ذلك قوله ﷺ:
“لقيت إبراهيم ليلة أسري بي فقال: يا محمد أقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم أنّ الجنة طيبة التربة عذبة الماء، وأنها قيعان وأنّ غراسها: (سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله)” [ أخرجه الترمذي]، وقال رسول الله ﷺ: “من قال: (سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر)، غرس الله بكل واحدة منهن شجرة في الجنة” [أخرجه البخاري].
ومن أراد أن الله يجعل له كنوزاً في الجنة فليقل: “لا حول ولا قوة إلا بالله”، وقال رسول الله ﷺ يوماً لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه: “ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ قال: بلى يا رسول الله، قال تقول: لا حول ولا قوة إلا بالله” [الإمام أحمد]، وقال ﷺ: “ألا أدلك على كلمة من تحت العرش من كنز الجنة؟ تقول: لا حول و لا قوة إلا بالله” [أخرجه الحاكم].
السورة التيتبني بيت في الجنة هي سورة الإخلاص.
الذكر الذي يبني قصر في الجنة هو التهليل والتحميد والثناء على الله تعالى.
الجنة بناؤها لبنة من فضة و لبنة من ذهب و ملاطها المسك الأذفر و حصباؤها اللؤلؤ و الياقوت و تربتها الزعفران من يدخلها يَنعم لا يَبأَس و يخلد لا يموت لا تبلى ثيابهم و لا يفنى شبابهم) الترمذي.
إقرأ المزيد
