الحسن بن علي سبط الرسول وريحانته
الحسن بن علي رضي الله عنه سبط رسول الله ﷺ وريحانته، ابن فاطمة الزهراء عليها وعلى أبيها أفضل الصلاة والسلام، أبوه علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه ابن عمّ رسول الله ﷺ ورابع الخلفاء الراشدين
اقرأ المزيد“وأنا أدعو كل طالب علم هُمَامٍ وهَمَّام، وأرجو منه أنْ يقرأ ترجمة الإمام (أسد بن الفرات)؛ ففيها يقف على مآثر متنوعة له ولشيوخه، في العلم، والنبل، والكياسة، والأدب، والجهاد، والشجاعة، والاستبسال، والاستشهاد، والتقوى، والتواضع، وتحمّل المشاق في تحصيل العلم والمكارم، فهي ترجمة نابضة حافزة، لا يشبع من قرأها من قراءتها” هذا ما قاله الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله.
فمن هو أسد بن الفرات القاضي المجاهد فاتح صقلية؟!
هو أبو عبد الله أسد بن الفرات بن سنان قاضي القيروان وفاتح صقلية، تلميذ الإمام مالك بن أنس رحمه الله تعالى، كان أسد يقول عن نفسه: أنا أسد وهو خير الوحوش، وأبي فرات وهو خير المياه، وجدي سنان وهو خير السلاح.
وُلِدَ أسد بن الفرات رحمه الله سنة (142هـ – 759م) بحَرَّان من أعمال ديار بكر بالشام، وأصله من نيسابور، وكان أبوه أحد أعيان الجند في جيش القائد محمد بن الأشعث الذين خرجوا لنشر الإسلام في بلاد المغرب سنة (144هـ – 761م)، واستقرَّ مع أبيه بـ القيروان.
نشأ أسد بن الفرات منذ صغره على حُبِّ العلم، وحفظ كتاب الله حتى أتمَّه في مرحلة الصبا، وأصبح هو نفسه معلِّمًا للقرآن وهو دون الثانية عشر، قال رحمه الله: “رأت أمي كأنَّ حشيشاً نبيت على ظهري ترعاه البهائم، فعُبّر لها بأنه علم يُحمل عنّي والله تعالى أعلم”.
تلقى أسد بن الفرات العلم بإفريقية عن علي بن زياد، ثم ارتحل إلى المشرق في طلب العلم سنة (172 هـ – 788م) وأخذ عن الإمام مالك، ثم ارتحل إلى العراق وأخذ عن أبي يوسف والشيباني مذهب أبي حنيفة، ثم ارتحل إلى مصر، فقابل أئمة الفقة من أصحاب مالك، فأخذ عن ابن القاسم.
اشتغل بعد رجوعه بالتدريس ونشر العلم، فكان يدرّس المذهبين الكبيرين السائدين في العالم الإسلامي إذ ذاك (مذهب أهل الحديث في المدينة النبوية، ومذهب أهل الرأي في بغداد)، وهو أول من أدخل مذهب الإمام مالك إلى المغرب الأوسط.
تتلمذ أسد بن الفرات وأخذ العلم عن عدد من العلماء والأئمة العظام من أمثال:
كان أسد بن الفرات شديد الضبط والتحرير والدقة لكتبه حتى صار مضرب الأمثال وبلغ درجة الاجتهاد، فلم يكن يلتزم برأي واحد، بل يفتي بما يوصله إليه اجتهاده، وكان يلتزم من أقوال أهل المدينة وأهل العراق ما وافق الحق عنده.
وكان إذا جلس في المجلس وسرد أقوال العراقيين، أي مذهب أبي حنيفة، قال له المشايخ الذين يجالسونه ممن يذهب مذهب أهل المدينة – أي مذهب مالك: “يا أبا عبد الله أوقد القنديل الثاني” فيسرد أقوال المدنيين ما يوضح سعة علمه.
أسد بن الفرات من القلائل الذين استطاعوا الجمع والتميز في العلم والجهاد في سبيل الله، فقد ورث حبّ الجهاد عن أبيه الذي كان أمير المجاهدين في (حرّان)، والذي حمل ولده الصغير أسد وخرج به مجاهداً في سبيل الله فنشأ شجاعاً وكان جندياً جريئاً وبحَّاراً مغامراً واشترك – وهو ما زال في سن الشباب – في العديد من المعارك البحرية في مياه البحر المتوسط.
تحوّل أسد بن الفرات من عالم وفقيه إلى قائد عسكري كان نتيجة لمجموعة من العوامل التاريخية والسياسية التي جعلته يلعب هذا الدور المهم في تاريخ الفتوحات الإسلامية، خاصة في حملة فتح صقلية، وأبرز هذه العوامل كنت:
كان بين المسلمين وحكام جزيرة صقلية هدنة وخلالها وقعت العديد من الاضطرابات بجزيرة صقلية، والتي كانت تتبع الدولة البيزنطية؛ حيث وقع نزاع على حكم الجزيرة بين رجلين استغاث أحدهما بزيادة الله بن الأغلب حاكم إفريقية، وهنا حصل خلاف في حكم نقض الهدنة كان لأسد بن الفرات الدور الحاسم في حلّه بقوله: (بالرسل هادناهم وبهم نجعلهم ناقضين).
وبحث ابن الأغلب عمَّن يجعله أميرًا لتلك الحملة البحرية الكبيرة فلم يجد خيرًا ولا أفضل من البطل المقدام أسد بن الفرات؛ وذلك على الرغم من كبر سنه -سبعين عامًا-، وكان أسد بن الفرات يُبدى رغبته في هذه الغزوة كواحد من المسلمين؛ لكن ابن الأغلب أصرَّ على أن يتولَّى أسد بن الفرات إمارة الجيش وجمع له الإمارة مع القضاء.
يُعتبر فتح صقلية من أبرز الفتوحات الإسلامية التي جمعت بين التخطيط العسكري الدقيق والتنفيذ الشجاع، فمن حيث التخطيط: صقلية من حيث الموقع كانت تُعد بوابة استراتيجية تربط بين الشرق والغرب، واختيار أسد بن الفرات الذي تمتع بصفات القيادة والشجاعة مع كونه عالم يُطبق علمه في ميادين الجهاد.
خرج أسد بن الفرات رحمه الله من القيروان في حملة عسكرية كبيرة قوامها (10) آلاف من المجاهدين المشاة، و(700) فارس بخيولهم في أكثر من (100) سفينة كبيرة وصغيرة، خرجت من ميناء سوسة على البحر المتوسط وسط جمع عظيم من أهل البلد.
أما من حيث التنفيذ: فقد تحرَّك الأسطول الإسلامي متجهًا إلى جنوبي جزيرة صقلية، ونفذ أسد بن الفرات على رأس جنده إلى شرقي الجزيرة، واستولَّى أسد على العديد من القلاع أثناء سيره؛ مثل: قلعة بلوط والدب والطواويس، حتى وصل إلى أرض المعركة عند سهل بلاطه نسبة إلى حاكم صقلية، وعندها أقبل بلاطه في جيشٍ عدته مائة ألف مقاتل؛ أي عشرة أضعاف الجيش المسلم.
فقام أسد بن الفرات في الناس خطيبًا؛ فَذَكَّرهم بالجنة وموعود الله عز وجل لهم بالنصر والغلبة، وهو يحمل اللواء في يده، ثم أخذ يتلو آيات من القرآن، ثم اندفع للقتال والتحم مع الجيش الصقلي الجرَّار، واندفع المسلمون من ورائه، ودارت معركة طاحنة لا يُسمع منها سوى صوت قعقعة السيوف وصهيل الخيول، والتكبير الذي يخترق عنان السماء.
وتمادت عزائم المسلمين حتى هزموا الجيش الصقلي شرَّ هزيمة، وفرَّ بلاطه من أرض المعركة، وانسحب إلى مدينة قَصْريَانِه، ثم غلبه الخوف من لقاء المسلمين ففرَّ إلى إيطاليا، وهناك قُتل على يد بني دينه؛ بسبب جُبنه وإحجامه عن قتال المسلمين.
تميز أسد بن فرات بصفات قيادية أهلته ليكون القائد والفقيه والمجاهد الملهم الذي استطاع تحويل رؤيته إلى واقع ملموس، مما أسهم في توسيع رقعة الدولة الإسلامية وإرساء دعائم الحضارة الإسلامية في الجزيرة.
بعد هذا الانتصار الحاسم، واصل أسد بن الفرات زحفه حتى وصل إلى مدينة سرقوسة ومدينة بَلَرْم؛ فشدَّد عليها الحصار، وجاءته الإمدادات من إفريقية، واستطاع أسد بن الفرات أن يحرق الأسطول البيزنطي، الذي جاء لنجدة بَلَرْم، وأوشكت المدينة على السقوط، ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان؟!
حيث حلَّ بالمسلمين وباءٌ شديد، أغلب الظنِّ أنه الكوليرا أو الجدري؛ توفي بسببه عدد كبير من المسلمين في مُقَدِّمتهم القائد المقدام أسد بن الفرات، فلاقى الموت مرابطًا مجاهدًا بعيدًا عن أهله وبيته وحلقات دروس العلم، مجافيًا لفراشه وداره، مُؤْثِرًا مرضاة ربه ونصرة دينه، وذلك في شعبان سنة (213هـ = 828م)، ودُفن بمدينة قصريانه.
جمع أسد بن الفرات بين خصال الخير كلها من علم وورع، وجهاد وشهادة، فيا ليت علماء الأُمَّة يتعلَّمُون شيئًا من سيرة هذا البطل، الذي سقط من ذاكرة المسلمين الآن.
عاد أسد بن الفرات بعد رحلته في طلب العلم إلى القيروان -حاضرة إفريقية وقتها، ومنارة العلم الأولى في الشمال الإفريقي- بعلم جمٍّ في الحديث والفقه بمدرستيه الأوليين الحنفية والمالكية، وجلس بجامع عقبة وأقبل عليه الناس من كل مكان من المغرب والأندلس، واشتهر أمره وظهر علمه.
كان لأسد بن الفراتدور كبير في إذاعة المذهب المالكي في أرجاء المغرب، وأبرز ما يَستوقفنا هنا أنَّ تلقي ابن الفرات لم يكن تلقيّاً سلبيّاً، فقد كانت قراءته لما في كتب الإمام محمد بن الحسن في العراق، مثلاً، وما فيها من الفروض والمسائل وحلولها، حافزاً له لأن يبحث عن مثل هذه الحلول على وفق مذهب الإمام مالك ليجتمع بين يديه حكم المذهب في تلك المسائل.
فتح أسد بن الفرات جزيرة صقلية.
دخل الإسلام إلى صقلية من شمال إقريقيا زمن دولة الأغالبة وقاد الفتح الفقيه المجاهد قاضي القيروان أسد بن الفرات.
عاش المسلمون في في صقلية حاكمين قرابة ثلاثة قرون.