معركة أجنادين – المعركة الأولى مع البيزنطيين وبطولة خالد بن الوليد
تاريخ النشر: - تاريخ التعديل: - تاريخ القدس وفلسطين معارك المسلمين التاريخ الإسلامي - جديدنا

كانت معركة أجنادين أول لقاء كبير بين جيوش الخلافة الراشدة والروم البيزنطيين في الصراع على الشام، وجرت قبل حوالي سنتين من اللقاء الفاصل والحاسم في معركة اليرموك عام (636) ميلادي.

ما قبل معركة أجنادين

كان الخليفة أبو بكر الصديق قد جهّز أربعة جيوش عسكرية، واختار لها أكفأ قادته، وأكثرهم مرانًا بالحرب وتمرسًا بالقتال، وحدد لكل جيش مهمته التي سيقوم به:

  1. الجيش الأول: بقيادة “أبو عبيدة بن الجراح“، ووجهته حمص وعدد جيشه 7 آلاف مجاهد.
  2. الجيش الثاني: بقيادة “يزيد بن ابي سفيان”، ووجهته دمشق وعدد جيشه 9 آلاف مجاهد.
  3. الجيش الثالث: بقيادة “شرحبيل بن حسنة”، ووجهته بصرى، وعدد جيشه 7 آلاف مجاهد.
  4. الجيش الرابع: بقيادة “عمرو بن العاص“، ووجهته فلسطين، وعدد جيشه 7 آلاف مجاهد.

وبالتالي كان مجموع الجيوش كلها لايتجاوز (30,000)، وأمرهم أبو بكر الصديق بأن يعاونوا بعضهم بعضًا، وإذا اجتمعوا معًا فالقيادة العامة لأبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه.

نجحت تلك الجيوش في التوغل في جنوبي الشام، واضطر قيصرهم إلى حشد ما يملك من قوات وعتاد حتى يدفع جيوش المسلمين التي أقبلت، ولما رأى المسلمون ما يحشده الروم من قوات ضخمة،

أرسلوا إلى الصديق يخبرونه بحالهم ويطلبون منه المدد، فأمدهم بـعكرمة بن أبي جهل ومن معه من الرجال، وتجمد الموقف دون قتال يحسم الموقف، في الوقت الذي كان فيه خالد بن الوليد في جبهة العراق ينتقل من نصر إلى نصر.

لأنسين الروم وساوس الشيطان بخالد بن الوليد

عزم الصديق على بث روح جديدة تعودت الفوز والظفر، ولم يكن غير خالد من يمكنه تغيير الأوضاع، وإثارة الهمم، ووضع الخطط التي تأتي بالنصر، وكان الصديق أكثر الناس ثقة في كفاءة خالد وقدرته العسكرية، فأطلق كلمته السائرة التي رددتها كتب التاريخ: “والله لأنسين الروم وساوس الشيطان بخالد بن الوليد“.

وبعث الصديق إلى خالد بأن يقدم إلى الشام ومعه نصف قواته التي كانت معه في العراق، حتى يلتقي بأبي عبيدة بن الجراح ومن معه، ويتسلم القيادة العامة للجيوش كلها، وفي الوقت نفسه كتب الصديق إلى أبي عبيدة يخبره بما أقدم عليه، وجاء في كتابه:

” فإني قد وليت خالدًا قتال الروم بالشام، فلا تخالفه، واسمع له وأطع أمره، فإني قد وليته عليك، وأنا أعلم أنك خير منه، ولكن ظننت أن له فطنة في الحرب ليست لك، أراد الله بنا وبك سبل الرشاد والسلام عليك ورحمة الله“.

تجمعت الجيوش كلها تحت قيادة خالد بن الوليد، وحاصر “بصرى” حصارًا شديدًا واضطرت إلى طلب الصلح ودفع الجزية، فأجابها خالد إلى الصلح وفتحها الله على المسلمين.

بعد سقوط بُصرى استنفر هرقل قواته، وأدرك أن الأمر جد لا هذر فيه، فحشد العديد من القوات الضخمة، وبعث بها إلى بصرى حيث شرحبيل بن حسنة في قواته المحدودة، وفي الوقت نفسه جهّز جيشًا ضخمًا، ووجّهه إلى أجنادين من جنوب فلسطين، وانضم إليه نصارى العرب والشام.

الاستعداد لمعركة أجنادين

سبب تسمية معركة اجنادين بهذا الاسم

أجنادين هو اسم منطقة واقعة بين الرّملة وبيت جبرين، وقريبة من مدينة الفالوجة، وتجدر الإشارة إلى أنّ لفظ أجنادين يُقرَأ بفتح الدال أو كسرها.

تاريخ معركة اجنادين

في (27 من جمادى الأولى 13 هـ – 30 من يوليو 634م) عسكر الجيش الإسلامي في أجنادين، وتجمع الجيش الرومي هناك، والتاريخ يذكر أن الروم لم يختاروا أجنادين للقتال، وإنما اختاروها للتجمع، فهي تقع في مفترق الطرق:

(فمنها طريق إلى بيت المقدس، وطريق واضح إلى دمشق، وطريق إلى البحر الأبيض المتوسط، وطريق إلى الرملة، وطريق إلى غزة)، مما يجعل تجمع الجيوش الرومية عندها ميسورًا.

فأجنادين كانت بالنسبة للروم مجرد مكان تجمع؛ لأنه لا يوجد بها أسوار عالية، أو حصون منيعة، فلم تكن مهيئة للحرب، وإنما للتجمع، ثم الانتقال إلى بيت المقدس أو الخليل، أو غيرها من المناطق المعدة للقتال،

إلا أن جيش خالد بن الوليد بعيونه ومخابراته استطاع أن يفاجئهم في أجنادين، وكذلك بقية الجيوش الإسلامية، التي جاءت بسرعة مذهلة، إلى حيث أمرهم القائد الأعلى آنذاك.

عدد المقاتلين في معركة اجنادين

كان عدد الروم (90,000) مقاتل، بينما عدد المسلمين (32,000) مقاتل.

تنظيم جيش المسلمين قبل المعركة

شكّل خالد جيشه ونظّمه: (ميمنة وميسرة، وقلبًا، ومؤخرة)، فجعل على الميمنة “معاذ بن جبل، وعلى الميسرة “سعيد بن عامر، وعلى المشاة في القلب “أبا عبيدة بن الجراح”،

وعلى الخيل “سعيد بن زيد”، وأقبل خالد يمر بين الصفوف لا يستقر في مكان، يحرض الجند على القتال، ويحثهم على الصبر والثبات، ويشد من أزرهم، حتى إن إشارة البدء للجيش الإسلامي، كانت قتال خالد بن الوليد نفسه، فلم يقاتلوا إلا عندما رأوه يحمل على القوم: (إذا حملتُ على القوم فاحملوا).

أما الجيش الرومي فقد كان قائده وردان في المؤخرة، وقد كان هذا ديدنهم في كل المعارك، مثلما فعل رستم في القادسية أيضًا، فهكذا يؤمِّنُ نفسه تمامًا، وجعل قادته الرجالة في المقدمة، يليهم الخيل، واصطف الجيش في كتائب، ومد صفوفهم حتى بلغ كل صف نحو ألف مقاتل.

رهبان في الليل فرسان في النهار

أرسل الروم أحد الجواسيس من العرب الموالين لهم إلى الجيش الإسلامي، اسمه ابن هزارز -وقد أسلم بعد ذلك- فدخل ولم يعرفه أحد، وقد وصاه القائد الرومي “تذارق” أن يأتيه بخبر القوم، فمكث يومًا وليلة، ثم عاد إليهم فقال: (والله إني وجدتهم، رهبانًا بالليل، فرسانًا بالنهار، لو سرق ابن ملكهم قطعوا يده، ولو زنى رُجِم، لإقامة الحق فيهم).

فقال القائد الرومي: (لئن كنت صدقتني، فَلَبَطْن الأرض خيرٌ من لقاء هؤلاء على ظهرها، ولوددتُ أن حظِّي من الله أن يخلِّي بيني وبينهم، فلا ينصرني عليهم ولا ينصرهم عليَّ).

أحداث معركة أجنادين

بعد صلاة الفجر من يوم (27 من جمادى الأولى 13 هـ – 30 من يوليو 634م) أمر خالد جنوده بالتقدم حتى يقتربوا من جيش الروم، وأقبل على كل جمع من جيشه يقول لهم:

(اتقوا الله عباد الله، قاتلوا في الله من كفر بالله، ولا تنكصوا على أعقابكم، ولا تهنوا من عدوكم، ولكن أقدموا كإقدام الأسد وأنتم أحرار كرام، فقد أبيتم الدنيا واستوجبتم على الله ثواب الآخرة، ولا يهولكم ما ترون من كثرتهم، فإن الله منزل عليهم رجزه وعقابه، ثم قال: أيها الناس إذا أنا حملت فاحملوا).

وكان خالد بن الوليد يرى تأخير القتال حتى يصلوا الظهر وتهب الرياح، وهي الساعة التي كان رسول الله ﷺ يحبّ القتال فيها، ولو أدى ذلك أن يقف مدافعًا حتى تحين تلك الساعة،

فاستغل الروم الفرصة وبدأوا هم بالهجوم، فهجمت ميمنة الجيش الرومي على ميسرة جيش المسلمين فرقة سعيد بن عامر، فثبتت لها فرقة سعيد دفاعًا عن المسلمين فقط، ولكنها لم تهاجم؛ لأن خالدًا لم يعط الأمر ببدء القتال بعد!!

وبعد ذلك تحركت ميسرة الجيش الرومي إلى ميمنة المسلمين فرقة معاذ بن جبل وثبت لها أيضًا، وظل الحال كذلك فترة من الزمان، حتى قال ضرار بن الأزور لخالد بن الوليد: يا خالد إن رماح الروم تنال منا!! فهم قد بلغ بهم الجهد من الدفاع، وفي الوقت ذاته لا يريدون أن يخالفوا أمره، ولكن خالد رد عليه: اصبر فإن في الصبر رجاء!

ظهور خبرة خالد العسكرية

كان خالد بن الوليد يرى الميسرة والميمنة لدى كلا الجيشين قد هاجمتا، فيكون من اليسير على قلب جيشه بقيادته أن يتقدم إلى قلب جيش الروم، مما يعجل وييسر من وصوله إلى قائد الروم (وهو يعلم أنه في مؤخرة جيشه)،

ويعلم أنه إذا قتل قائدهم، فإن الجيش لن يصمد لحظة، وسيفكر في الهرب، وسيكون قد انتصر عليهم، بخلاف الجيش الإسلامي الذي يحمل عقيدة، ويقاتل من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا، ولأنه يحب الموت كما يحب هؤلاء الحياة .

يريد أن يضرب نقطة ضعفهم، بقتل قائدهم العام، وهذا ما حدث فعلًا، بعد أن تقدمت ميمنة جيش الروم وميسرته، غدا الطريق خاليًا للوسط أمام جيش المسلمين، فأشار خالد بالبدء بأن حمل عليهم بنفسه، وقال: “احملوا عباد الله على من كفر بالله”، فكان كمن أزاح صخرة أمام الطوفان، فاقتحم المسلمون جيش الروم كالسيل الهادر، وقاتلوهم قتالًا عنيفًا شديدًا.

ولا يحيق المكر السيء الا باهله

كان الروم في أجنادين بقيادة “وردان”، وحاول وردان دعوة خالد بن الوليد للتفاوض، ولكنه أعد حيلة لقتله لكن هذه الحيلة لم تنطلي على المسلمين، فجهز خالد مجموعة من المسلمين بقيادة (ضرار بن الأزور) فهجموا على جنود وردان وقتلوهم،

ولبس ضرار درع الروم ووصل إلى وردان، وخلع خوذته فعرف وردان أنه (الشيطان عاري الصدر)، وقتل ضرار وردان قائد الروم وأخذ يصيح الله أكبر.

استمر القتال بين الفريقين وقتًا قليلًا، فما صبر الروم لهم فواقًا -أي مدة حلب الناقة، أو ما بين ضم اليد على ضرع الناقة لحلبها وبسطها-، أي هذه الفترة اليسيرة جدًّا،

وانتصر الجيش الإسلامي انتصارًا عظيمًا، ووصل الجيش الإسلامي -كما خطط خالد بن الوليد- إلى خيمة قائدهم العام، الذي قال: “والله ما رأيت يومًا في الدنيا أشدَّ عليَّ من هذا”، وكانت آخر كلماته إذ اجتُثَّ رأسه بعد هذه الكلمة.

المواقف البطولية في معركة أجنادين

وفي هذه المعركة أبلى المسلمون بلاءً حسنًا، وضربوا أروع الأمثلة في طلب الشهادة، وإظهار روح الجهاد والصبر عند اللقاء، وبرز في هذا اليوم من المسلمين:

الشيطان عاري الصدر”ضرار بن الأزور”، وكان يومًا مشهودًا له، وبلغ جملة ما قتله من فرسان الروم ثلاثين فارسًا، خلع درعه من صدره، ورمى الترس من يده وخلع قميصه ، وأصبح عاري الصدر حتى يخف وزنه، وأخذ يقتل في الروم فقتل معظمهم، وفر الباقون، فأطلقوا عليه لقب الشيطان عاري الصدر .

نتائج معركة أجنادين

  • بلغ عدد القتلى الروم في هذه المعركة نحو (3 آلاف) قتيل، من أصل (100) ألف تقريبًا، وبمجرد أن قُتِلَ قائده، لم يكن من بقية الجيش إلا أن فرُّوا في الطرق المتشعبة الكثيرة الموجودة حول أجنادين، ولكن الجيش الإسلامي لم يتركهم، بل أخذوا في تتبعهم في هذه الطرق (قتلاً وأسرًا).
  • كان بين المسلمين من (14 إلى 24) شهيد فقط على اختلاف الروايات.
  • كانت معركة اجنادين أول لقاء كبير بين جيوش الخلافة الراشدة والروم البيزنطيين في الصراع على الشام، وجرت بحوالي سنتين قبل اللقاء الفاصل والحاسم في معركة اليرموك عام 636 ميلادي.

إقرا أيضاً: أحداث وفتن آخر الزمان يرويها خير الأنام

وفي الختام: لا تنس مشاركة هذه المقالة مع الأصدقاء.

كما يمكنك الاستفادة والاطلاع على المزيد من المقالات

تاريخ الأندلس و معارك المسلمين مع الروم و الخلافة العثمانية – دولة حملت الراية

الأسئلة الشائعة

لماذا سميت معركة أجنادين بهذا الاسم؟

سميت معركة أجنادين بهذا الاسم نسبة للمنطقةٌ واقعةٌ بين الرّملة وبيت جبرين، وقريبة من مدينة الفالوجة، وتجدر الإشارة إلى أنّ لفظ أجنادين يُقرَأ بفتح الدال أو كسرها، وكان قد عسكر الجيش الإسلامي الجيش الرومي هناك.

في عهد أي خليفة حصلت معركة أجنادين؟ومن كان قائد جند المسلمين؟

حصلت معركة أجنادين في عهد الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وكان قائد الجيش سيف الله المسلول خالد بن الوليد رضي الله عنه.

ما سبب معركة أجنادين؟

بعد سقوط بُصرى استنفر هرقل قواته، وأدرك أن الأمر جد لا هذر فيه، فحشد العديد من القوات الضخمة، وبعث بها إلى بصرى حيث شرحبيل بن حسنة في قواته المحدودة، وفي الوقت نفسه جهّز جيشًا ضخمًا، ووجّهه إلى أجنادين من جنوب فلسطين، وانضم إليه نصارى العرب والشام.

متى حدثت معركة أجنادين؟ ومن هو قائد الروم ؟

حدثت معركة أجنادين في عام (27 من جمادى الأولى 13 هـ ، 634م).
قائد الروم وردان.

ما نتائج معركة أجنادين؟

كان من نتائج معركة أجنادين ان انتصر المسلمون وقتلوا قائد الروم واعدادا كبيرة منهم، بلغ عدد القتلى الروم في هذه المعركة نحو (3 آلاف) قتيل، من أصل (100) ألف تقريبًا،

من هو قائد جيش المسلمين في معركة اجنادين؟

قائد جيش المسلمين في معركة أجنادين هو سيف الله المسلول خالد بن الوليد

اترك تعليقاً