النهضة والبناء الحضاري
تاريخ النشر: - تاريخ التعديل: - فكر وتوعية - جديدنا

نجاح  الأمم وبناء الحضارات لا يكون إلا من خلال النهضة، ولن نسود العالم ما لم نغيّر ونبدل نحو الأفضل، وهذا التغيير يحتاج إلى قادة، يقول محمد الغزالي: (فالأمم العظيمة ليست إلا صناعة حسنة لنفر من الرجال الموهوبين)، ويحتاج هذا إلى تحويل نصوص ديننا الحنيف إلى سلوك راقٍ يؤثر في الآخرين، يقول مرماديوك: (إن المسلمين يمكنهم أن ينشروا حضارتهم بنفس السرعة التي نشروها بها سابقًا، إذا رجعوا إلى الأخلاق التي كانوا عليها حينما قاموا بدورهم الأول، لأن هذا العالم الخاوي لا يستطيع أن يقف أمام حضارتهم).

 

تعريف النهضة

النهضة: عملية تغيير للواقع، والتغيير في الأمم يقوده (2%) من أبناءها، فينبغي أن ينبع من داخلها {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ}، وهذا واجب شرعي على الأمة الإسلامية، فأعداؤنا يعملون بجد لتحطيمنا وتمزيقنا وإبقائنا في دائرة التخلف.

عناصر مفهوم النهضة

يدور مفهوم النهضة بوصفه عملية تغيير حول أربعة عناصر أساسية وهي:

  1. أين نحن اليوم؟
  2. إلى أين نريد أن نذهب؟
  3. ما هي الخطة للانتقال من هذا الواقع إلى تلك الرؤية؟
  4. ما هي المقاومة التي سنواجهها؟ وكيف سنتغلب على تلك المقاومة؟

 

أسباب النهضة

أمتنا اليوم تعيش واقعًا حرجًا يأخذ بخناق الناس نتيجة عدم الاستقرار، وبالدراسة للواقع وتحليله نجد أن سبب ذلك يرجع إلى خمس أزمات  تدفعنا للسعي إلى النهضة، وهي:

  • أزمة الفكر: الفكر أهم أسس النهضة على الإطلاق، وأهم الأدوات لنشر الفكر: الإعلام والتعليم، ثم يأتي التدريب والتأليف وغيرها، أما الفكر الذي تحتاج لنشره فهو: فكر عقلاني، فكر متجدد، فكر مرن وليس جامد.
  • أزمة القيادة: القيادة ثاني أهم أسس النهضة، فالأمة بأمس الحاجة للقادة في كل مجال من المجالات، وهذا يحتاج إلى برامج التدريب القيادي في مراكز تأهيل وفق خطة ومنهجية علمية.
  • أزمة السلوك: نحتاج إلى مراجعة سلوكنا الإيماني والعبادي، سلوكنا في النظام والنظافة واحترام الوقت، سلوكنا الاجتماعي والذوق والجمال.
  • أزمة التخلف: تخلف في التعليم، تخلف في الصحة، تخلف في الإدارة
  • أزمة الفاعلية: الفرد في أمتنا ضعيف الإنتاجية، وكذلك الشركات والمؤسسات والمنظمات والجماعات والوزارات والدول.

 

أهداف النهضة

  • الوصول إلى أمة موحدة قوية.
  • دخول ميدان التنافس العالمي.
  • صناعة فكر حر يوقف الاستبداد والتدخل الأجنبي.
  • مواجهة الاحتلال الصهيوني.
  • تعزيز العمل الخيري والإغاثي.
  • النهوض بالتعليم الشرعي وصناعة علماء لديهم وعي بالواقع ولهم قدرة على التأثير.

 

النهضة في الإسلام

الإسلام دين شامل يدعونا إلى العمل للآخرة، كما يدعوا إلى الخلافة في الأرض وعمرانها، وفي ثنايا ما يدعوا إليه مقومات تدعونا إلى النهضة وبناء الحضارة، ويتجلى لنا ذلك بأمور:

الدعوة إلى العلم وبيان منزلة العلماء

  • إنّ أول آية نزلت في القرآن الكريم: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1].
  • أشاد بالعلماء: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر:9].
  • الحث على التفكر والتدبر: {أفلا تتفكرون} {أفلا تعقلون} {أفلا يتدبرون} {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [يونس:101].
  • أقسم الله سبحانه بأداة الكتابة: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} [القلم:1].
  • النهي عن اتباع الأهواء والعواطف في مجال العلم: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} (ص:26). {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [ص:26].
  • رفض التقليد الأعمى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} [البقرة:170].

 

الدعوة إلى العمل والإنتاج

  • العمل عبادة إذا اقترن بالنية الصالحة والإتقان: قال رسول الله ﷺ: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه»، ويقول النبي ﷺ: «إن قامت الساعة، وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليفعل».
  • الحديث عن الصناعات المدنية والعسكرية: فقد ذكر لنا القرآن مادة الحديد التي هي العنصر الأساسي في الصناعة {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [الحديد:25]، وقدواتنا أنبياء الله عليهم السلام عملوا بالصناعة فهذا نبي الله داود {وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [سبأ:10-11]، ونبي الله سليمان { وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ} [سبأ:12].
  • المال عصب الحياة والدعوات: المال نعمة وخير {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [البقرة:180]، أمر بالمحافظة على المال {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء:5].

 

قوانين النهضة والحضارة في القرآن الكريم

  • {وتلك الأيام نداولها بين الناس}: يقول هذا القانون لا خلود لحضارة، وطالما أن الواقع هو قيادة الغرب إذا فالمستقبل للإسلام.
  • {قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ` هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين}: الآية صريحة في أن هناك قوانين حكمت الأمم السابقة، وتأمرنا أن نخالط الناس ونسافر ونبحث عن هذه القوانين، ومن خلال ذلك سنجد أن الذين يكذبون الوحي لا يستقر لهم الأمر، لذلك علينا ألا ننهار إذا رأينا سيطرتهم لفترة من الزمن.
  • {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين}: لن تسيطر حضارة واحدة بشكل دائم ولن يستسلم لها كل البشر، فلو حدث هذا فرضاً لطغت هذه الحضارة وفسدت ولن نجد من يقوّمها، وحكمة الله تجعل هذا لا يكون.
  • {كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز}: إذا وجد قوم يسيرون على منهج الله ومنهج رسله فإنهم حتماً سيغلبون، ولا بدّ أن يسبق هذا النصر جهد بشري وإن كان ضعيفًا.
  • {إن الله لا يغيّرُ ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم}: هذا التغيير يجب أن نفهم أنه على الجهتين: من حالة القوة إلى الضعف، ومن حالة الضعف إلى القوة.

هذه القوانين مترابطة وتحكم البشر بفعلهم، فالله جعل البداية من البشر ثم يأتي التدخل الإلهي {والذين اهتدوا زادهم هدى}، {وأما من اعطى واتقى وصدّق بالحسنى فسنيسره لليسرى}، والعكس صحيح: {وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى}.

 

شروط النهضة

ماذا نحتاج حتى ننهض بأمتنا؟

هذا الموضوع شغل المفكرين فكتبوا فيه الكثير، ومنهم المفكر الجزائري الكبير “مالك بن نبي” الذي كتب كتاب (شروط النهضة)، ولكننا في دراستنا له نحن بحاجة إلى أن نفرق بين أمرين:

  • ماذا نحتاج حتى ننهض؟ (شروط النهضة).
  • ماذا نحتاج بعد أن ننهض؟ (شروط بناء الحضارة).

هاتان مرحلتان مختلفتان، وشروط النهضة مختلفة فيهما.

 

الأمور التي نحتاجها حتى ننهض بالأمة

إن شروط النهضة حتى نفيق من هذا السبات والتخلف الذي نعيشه ثلاث:

  • الدين الحق: ليس الدين المميّع، ليس الدين الذي يؤصل للاستبداد ويجعل الناس يعيشون في خنوع، بل الدين الحق الذي ارتضاه الله لنا، فكرة حقيقية لها منهج واضح وإيمان عميق، دين يحرك الطاقات والإنتاج، دين يعطينا هوية تجعلنا متميزين عن باقي الأمم، دين إذا التزمنا به استجلبنا به النصر من الله تعالى.
  • التحدي: بعكس الذين ييأسون وينشرون اليأس، ويحملون نظرية المؤامرة ( لا نستطيع مواجهة أمريكا واليهود)، فيدعون الأمة إلى الاستسلام، لا بد من إصرار على النهضة والتحرر من المحتلين والطغاة، هذا التحدي ضروري للنهضة.
  • القيادة القوية: ومعايير قوتها ثلاث:

المصداقية: الصادق الأمين.

الرؤية: تعرف ماذا تريد.

الكفاءة: لا يكفي الإيمان والأخلاق والعلم، بل لا بدّ من الكفاءة الإدارية والقيادية.

 

الأمور التي نحتاجها بعد النهضة

  • الدين الحق: لا نستغني عنه قبل النهوض وبعده.
  • العلم: علم عميق، علم معاصر، فهم جديد للشريعة يميز بين: الثوابت التي يجب التمسك بها وعدم المساس بها، وبين المتغيرات التي يجب أن نغيرها وهناك بعض من لا يزال يريد أن يتمسك بتراث الماضي حتى في المتغيرات، نحتاج إلى علم دنيوي متطور منافس، نحتاج إلى التركيز على تطوير مناهج التعليم بشكل كبير، والبحث العلمي بشكل عميق.
  • القوة: هناك ثلاثة أنواع من القوة التي نحتاجها: 1-قوة الوحدة: فالمتفرقون تذهب ريحهم. 2-قوة المعلومات: فهذا عصر المعلومات، والمعلومات قوة يتنافس عليها البشر، كيف نحصل عليها؟ وكيف نستثمرها؟ وكيف نحللها؟ 3-قوة السلاح: الأمة الضعيفة سيضيع حقها.

إقرا أيضا: فتنة المسيح الدجال

علاقة النهضة بالحضارة

العلاقة بين النهضة والحضارة علاقة ترابط واستمرار وتكامل، تنطلق من خطوات أهمها الآتي:

  • تحديد الموقع: أين نحن اليوم؟ وماذا نملك من مقومات الحضارة؟ وماذا ينقصنا؟ وما هي نقاط قوتنا وضعفنا؟
  • تحديد خطتنا الاستراتيجية: ماذا نريد أن نحقق؟ ونضع تاريخاً محدداً لذلك؟
  • نبعث الأمل ونبث الحماس: فالنصر قادم وهذا تحليل للحضارة والتاريخ ومسار الأمم.
  • نركز على الفكر والهوية من جديد: لا نهتم بالمباني الضخمة والمظاهر الأخاذة، المهم نشر الفكر والدعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتقويم الانحرافات الفكرية.
  • التخصص: وذلك بالتخلص من الفرد الذي يرد أن يعمل كل شيء.

 

وفي الختام: لا تنسى مشاركة هذه المقالة مع الأصدقاء

كما يمكنكم الاستفادة والاطلاع على المزيد من المقالات:

صناعة الحضارة و مهارة القراءة السريعة و مهارات إدارة الوقت وتنظيمه بفاعلية

ما هي النهضة؟

النهضة: عملية تغيير للواقع، والتغيير في الأمم يقوده (2%) من أبناءها، فينبغي أن ينبع من داخلها {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ}، وهذا واجب شرعي على الأمة الإسلامية، فأعداؤنا يعملون بجد لتحطيمنا وتمزيقنا وإبقائنا في دائرة التخلف

ما أهمية النهضة في وقتنا الحاضر؟

أمتنا اليوم تعيش واقعًا حرجًا يأخذ بخناق الناس نتيجة عدم الاستقرار، ولن نسود العالم ما لم نغيّر ونبدل نحو الأفضل، وهذا التغيير يحتاج إلى قادة، يقول محمد الغزالي: (فالأمم العظيمة ليست إلا صناعة حسنة لنفر من الرجال الموهوبين)، ويحتاج هذا إلى تحويل نصوص ديننا الحنيف إلى سلوك راقٍ يؤثر في الآخرين،

ماذا نحتاج حتى ننهض؟

-الدين الحق: ليس الدين المميّع، ليس الدين الذي يؤصل للاستبداد ويجعل الناس يعيشون في خنوع،
-التحدي: بعكس الذين ييأسون وينشرون اليأس، ويحملون نظرية المؤامرة
-القيادة القوية:

ماذا نحتاج بعد النهضة؟

الدين الحق: لا نستغني عنه قبل النهوض وبعده.
العلم: علم عميق، علم معاصر، فهم جديد للشريعة يميز بين: الثوابت التي يجب التمسك بها وعدم المساس بها، وبين المتغيرات التي يجب أن نغيرها وهناك بعض من لا يزال يريد أن يتمسك بتراث الماضي حتى في المتغيرات، نحتاج إلى علم دنيوي متطور منافس، نحتاج إلى التركيز على تطوير مناهج التعليم بشكل كبير، والبحث العلمي بشكل عميق.
القوة: هناك ثلاثة أنواع من القوة التي نحتاجها: 1-قوة الوحدة: فالمتفرقون تذهب ريحهم. 2-قوة المعلومات: فهذا عصر المعلومات، والمعلومات قوة يتنافس عليها البشر، كيف نحصل عليها؟ وكيف نستثمرها؟ وكيف نحللها؟ 3-قوة السلاح: الأمة الضعيفة سيضيع حقها.

كيف تؤثر النهضة على الحضارة؟

العلاقة بين النهضة والحضارة علاقة ترابط واستمرار وتكامل، تنطلق من خطوات أهمها الآتي:

تحديد الموقع: أين نحن اليوم؟ وماذا نملك من مقومات الحضارة؟ وماذا ينقصنا؟ وما هي نقاط قوتنا وضعفنا؟
تحديد خطتنا الاستراتيجية: ماذا نريد أن نحقق؟ ونضع تاريخاً محدداً لذلك؟
نبعث الأمل ونبث الحماس: فالنصر قادم وهذا تحليل للحضارة والتاريخ ومسار الأمم.
نركز على الفكر والهوية من جديد: لا نهتم بالمباني الضخمة والمظاهر الأخاذة، المهم نشر الفكر والدعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتقويم الانحرافات الفكرية.
التخصص: وذلك بالتخلص من الفرد الذي يرد أن يعمل كل شيء.

اترك تعليقاً