سيرة عمر بن الخطاب ثاني الخلفاء الراشدين فاروق الأمة
سيرة عمر بن الخطاب قبل الإسلام وما هي مهنة عمر بن الخطاب قبل الإسلام وقصة اسلامه ولماذا سمي عمر بن الخطاب بالفاروق وكيف اصبح عمر بان الخطاب خليفة
اقرأ المزيدمن عبق السجود ولحظات الخشوع، عندما يلتقي العبد بربّه، تأتي لذة العبادة كملاذ للروح ودواء للقلوب، وتزيل الغموم وتتناثر الهموم، في تلك اللحظات يشعر العبد بقرب الله ورضاه، تلك هي السعادة الحقيقية التي لا تعادلها سعادة.
لذة العبادة فيها سكينة النفس، وهي واحة الروح التي تصغر فيها الدنيا بما فيها، ويعظم في جنباتها شوق لقاء العبد بربه في الآخرة، فتعالوا بنا نطوف في أرجائها.
إنّ أول طريق الوصول إلى لذة العبادة هو: مجاهدة النفس على العبادة، وحملها على الطاعة، قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [سورة العنكبوت: 69]، فإذا كان الله معك؛ حصل لك كل مأمول، وقال ثابت البناني رحمه الله: ” كابدت الصلاة عشرين سنة وتنعمت بها عشرين سنة “.
ويلخص لنا هذا المعنى الإمام ابن القيم فيقول: ” السالك في أول الأمر يجدُ تعب التكاليف، ومشقّة العمل لعدم أُنْس قلبه بمعبوده، فإذا حصل للقلب روح الأنس؛ زالت عنه تلك التكاليف والمشاق فصارت قرة عين له وقوة ولذة “.
من شؤم الذنوب والمعاصي أنها تحرم صاحبها لذة العبادة، وكلنا غير معصوم وحالنا أننا نقع في الذنوب والمعاصي، سؤال تأملت فيه: كيف وأنت تؤمن بالله تعالى تقع في المعاصي والذنوب؟!
إنّ أعظم معنى مِنْ معاني المعاصي هو أنه بها تتجلّى أسماء وصفات عُلى لله تعالى لا يمكن أن تظهر إلا بها، فكيف سيتجلى معنى (العفو – الغفور – شديد العقاب..)، والله يحب أن تظهر أسماؤه (اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفو عنا).
المعاصي سوء علينا أن نبتعد عنه، ولكن إذا وقعنا فبالتوبة تنقلب إلى خير يورثنا التواضع والانكسار والخشوع بين يدي المولى، وبالتالي لذة في عبادتنا لخالقنا سبحانه.
{ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء}، فربنا سبحانه لا يقبل عملاً غير خالص لوجهه الكريم، وأكد لنا ذلك حديث رسول الله ﷺ فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله ﷺ: قال الله تبارك وتعالى: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) [رواه مسلم].
فعندما نعرف ربنا حق المعرفة، نتوجه إليه دون سواه، فنأنس بقربه راجين حبه، قيـل لمالك بن مغفـل – وهو جالس في بيته وحده -: ألا تستوحش؟ قال: أَوَ يستوحش مع الله أحد؟!
وكان حبيب أبو محمد يخلو في بيته ويقول: ” مَنْ لم تقرَّ عينه بك فلا قرّت عينه، ومن لم يأنسْ بك فلا أَنِـس “، وقـال ذو النـون – رحمه الله -: ” من علامات المحبين لله أنْ لا يأنسوا بسواه ولا يستوحشوا معه “.
كلُّ ما اتصل بالله فهو الباقي، ومن ذهب يبتغي سواه انقطع، وكلما قوي طمع العبد في الله وفضله ورحمته قويت عبوديته له وحريته مما سواه، وكما قيل: (استغن عمن شئت تكن نظيره، وأفضل إلى من شئت تكن أميره، واحتج إلى من شئت تكن أسيره).
فحقيقة العبادة هي أنْ نحوّل حياتنا كلها لله تعالى، بل ومماتنا {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [سورة الأنعام: 163].
إنَّ معرفة أسماء الله المرتبطة بالعبادة والتفكر في معانيها يغير قناعاتنا ومفاهيمنا، وبالتالي سيغير سلوكنا من أقوال وأفعال، فكلما ازدادت معرفة العبد بأسماء الله الحسنى وصفاته العُلى، ازداد الإيمان بالله في قلبه، وازدادت محبته وخشيته لله، وسعد في الدنيا والآخرة.
قال ابن القيم في طريق الهجرتين: “ليست حاجة الأرواح قطُّ إلى شيءٍ أعظمَ منها إلى معرفة باريها وفاطرها، ولا سبيل إلى هذا إلا بمعرفة أوصافه وأسمائه، فكلَّما كان العبد بها أعلم كان بالله أعرف، وله أطلب، وإليه أقرب، وكلَّما كان لها أنكر كان بالله أجهل، وإليه أكره، ومنه أبعد، والله يُنزِل العبد من نفسه حيث يُنزله العبدُ مِن نفسه. فالسيرُ إلى الله مِن طريق الأَسماءِ والصفات شأنُه عجبٌ، وفتْحُه عجبٌ، صاحبُه قد سِيقتْ له السعادةُ وهو مُسْتَلْقٍ على فراشه غيرُ تَعِبٍ ولا مَكْدُودٍ، ولا مُشتَّتٍ عن وطَنه ولا مُشرَّدٍ عن سَكَنِه”.
التدبر والتفكر يورثان العبد أنواعاً من العبودية لله تعالى، ومنافع جَمّة في أمر دينه، قد تفوق بعض العبادات الظاهرة؛ وذلك أن التفكر من العبادات القلبية، والعبادات القلبية أصل عبادات الجوارح وباعثها.
قال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [سورة آل عمران: 190-191].
فالتفكر يُوقع صَاحبه من الإيمان على مَالا يوقعه عَلَيْهِ الْعَمَل الْمُجَرّد؛ فإنّ التفكر يُوجب لَهُ انكشاف حقائق الأمور وظهورها لَهُ، وتميز مراتبها فِي الْخَيْر وَالشَّر، وَمَعْرِفَة مفضولها من فاضلها، وأقبحها من قبيحها، وَمَعْرِفَة أسبابها الموصلة إليها، وَمَا يُقَاوم تِلْكَ الأسباب وَيدْفَع مُوجبهَا، والتمييز بَين مَا يَنْبَغِي السَّعْي فِي تحصيله، وَبَين مَا يَنْبَغِي السَّعْي فِي دفع أسبابه.
وَكَذَلِكَ إِذا فكر فِي عواقب الأمور، وَتجَاوز فكره مباديها: وَضعهَا موَاضعهَا، وَعلم مراتبها، فَإِذا ورد عَلَيْهِ وَارِد الذَّنب والشهوة، فَتَجَاوز فكره لذته، وَفَرح النَّفس بِهِ، إلى سوء عاقبته، وَمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ من الألم والحزن الَّذِي لَا يُقَاوم تِلْكَ اللَّذَّة والفرحة، وَمن فكر فِي ذَلِك: فَإِنَّهُ لَا يكَاد يقدم عَلَيْهِ.
كما أنّ الصبر والمثابرة على الطاعات والتنقل بين أصنافها وأنواعها من: (صلاة، وصيام، ودعاء، وإنفاق، وطلب علم..)، يورث القلب محبة الله تعالى.
فقد جاء في الحديث: (وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه) [رواه البخاري].
فمن اجتهد في التقرب من الله رقَّاه من درجة الإيمان إلى درجة الإحسان، فيصير يعبد الله على الحضور والمراقبة كأنه يراه، فيمتلئ قلبه بمعرفة الله ومحبته وعظمته وخوفه ومهابته وإجلاله والأنس به والشوق إليه؛ حتى يصير هذا الذي في قلبه من المعرفة مشاهَداً له بعين البصيرة.
إنّ البعد عن الذنوب والمعاصي ومجاهدة النفس على الطاعة، والإكثار من النوافل، والتدبر والتفكر بعظمة الله وأسمائه الحسنى وصفاته العلى مع فهم معانيها، لهو خير طريق لتحصيل لذة العبادة والقرب من المولى جلّ في علاه.
لتشر بلذة العبادة عليك بالمداومة على الطاعات والقربات، مستحضراً قلبك وفكرك، مخلصاً في طلبك رضى الله دون كل ما سواه.