من هو الامام الشافعي وما هي أهم كتبه و مؤلفاته؟
أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، وهو ثالث الأربعة عند اهل السنة والجماعة، وهو من وضع المذهب الشافعي في مقالنا هذا سنتطرق لقصة حياته ولادته ونشأته وأهم كتبه ونختم بوفاته.
اقرأ المزيدإنّ أعظم ما قام به الفاروق عمر بن الخطاب بعد إقامة العدل الشامل في دولة الإسلام: (هو الفتوحات الإسلامية في بلاد الفرس والروم)، والحديث اليوم عن ملحمة عظيمة من ملاحم المسلمين، سطروا فيها أروع البطولات، وهم يواجهون قوة عتيدة، وينتصرون على جيش من أعظم الجيوش عددا وعدة، “معركة القادسية” يوم من أيام الله التي نصر فيها عباده وهزم أعداءه.
كانت الجبهة الداخلية للفرس مضطربة، وكان التنافس على عَرْش المدائن شديدًا، غير أنَّ الفرس كانوا مجمعين على حرب المسلمين، ومنع وصول الإسلام إلى بلاد العراق، فلما مَخَر المسلمون السواد، وفتحوا بعض مدن العراق: (كالحيرة، وعين التمر، والأنبار)؛ أدْركتِ القيادةُ السياسية والعسكرية لدولة الفرس أنَّه لا يمكن مواجهةُ المسلمين والتصدِّي للإسلام والمسلمين بجبهة داخلية مضطربة.
هذا جعلهم يحْزمون أمرهم، ويعقدون عزمَهم على تتويج “يزدجرد” مَلِكًا للدولة الساسانية، فاجتمع إليه الفرس واستوثقوا، وتبارى الرؤساء في طاعته ومعونته، وبذلك توحَّدتِ الجبهة الداخلية لدولة الفرس، وتفرَّغت القيادة السياسية والعسكرية لحرب المسلمين، وطرْدهم من العراق، فكان هذا مما هيَّج أمر “القادسية”.
أعلن يزدجرد حالةَ الطوارئ والاستنفار العام في بلاده، وشَرَع في إعداد جيش قويٍّ زوَّده بعتاد حربي جيِّد، وضمَّ إليه خِيرةَ رجال الفرس العسكريِّين، وأسند قيادته إلى “رستم” لرتبته العسكرية، ولعبقريته في الحرب، ومهارته في القتال.
شرَع “رستم” في إعداد خطَّة عسكرية لضرْب الوجود الإسلامي في العراق، تقوم على الاتصال بالدهاقين وأهل السواد، وتشجيعهم على التمرُّد والعِصيان، فاضطربتِ الأوضاع العامَّة في الحيرة، وغيرها من المناطق التي فتَحَها خالدٌ والمثنَّى؛ وذلك استجابةً لدعوة “رستم”، وتنفيذًا لخطته العسكرية، فنقض أهلُ الذِّمَّة عهودهم وذِممهم، وآذوا المسلمين هناك.
لَما علم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب باجتماع كلمة الفرس على يزدجرد وتتويجه ملكًا عليهم، وعلم بعزْم قيادتي الفُرْس السياسية والعسكرية على حرْب المسلمين، وطرْدهم من العراق، أعلن حالةَ الطـوارئ والاستنفار العام في جزيرة العرب، وذلك لإعداد جيش إسلاميٍّ كبير، فكتب إلى أمراء البلدان، ورؤساء القبائل في جزيرة العرب يأمرهم (ألا تدعوا أحدًا له سلاح أو فرس، أو نجدة أو رأي، إلاَّ انتخبتموه، ثم وجهتموه إلي، والعجل العجل).
استجاب المسلمون لاستنفار أمير المؤمنين عمر بن الخطاب؛ فأخذتْ قوافلهم تحطُّ بالمدينة، فازدحمتْ طرق المدينة وسِككُها بالجند، فخرج عمر بالناس، ونزل على ماء يقال له (صرار)، فعسكر به، وعقد مجلس شورى، وأرسل إلى أهل الرأي يستشيرهم في المسألة، فاجتمع إليه وجوه أصحاب الرسول وأعلام العرب وفرسانهم، فاستشارهم، هل يخرج إلى القتال بنفسه، أم يرسل أحدًا مكانه؟
فاجتمعوا على أن يقيمَ عمر في المدينة، ويُسندَ قيادةَ الجيش إلى واحد من الصحابة، ويمدَّه بالجنود، وأشاروا عليه بسعد بن أبي وقَّاص؛ لصُحبته وسَبْقه، ولجرأته وشجاعته في القتال، فأرسل إليه عمر، فلمَّا حَضَر عنده ولاَّه قيادة الجيش، وقال له: (إني قد وليتُك حرْبَ العراق، فاحفظْ وصيتي، فإنك تَقْدَم على أمر شديد كِريه، لا يخلص منه إلاَّ الحق، فعوِّد نفسَك ومَن معك الخير، واعلم أنَّ عتاد الحرْب الصبرُ، فاصبرْ على ما أصابك، تجتمعْ لك خشيةُ الله، واعلم أنَّ خشية الله تجتمع في أمرين؛ طاعته، واجتناب معاصيه).
سار سعد بن أبي وقاص بالجيش متمهلًا، وكان إذا مرَّ بحيٍّ من أحياء العرب نَدَبهم إلى الجِهاد، وكان المثنَّى بن حارثة بذي قار ينتظر وصولَ سعد إليه، لكنّ جُرْح المثنَّى بن حارثة -الذي أصابه يوم الجِسْر- انتفض عليه فمات قبل أن يَلْتقي بسعد، وكان كلُّ واحد منهما مشتاقًا لرؤية صاحبه، لكنه قبل موته قدم وصية لسعد: (ألاَّ يتوغَّل في بلاد الفرْس، وأن يقاتلَهم على حدود أرْضهم، على أدْنى حجر من أرض العرب، وأدنى مدرة من أرض العجم).
وقد أكَّد عمر ذلك في كتابٍ وصل إلى سعد، يأمره بنزول “القادسية”، وأن يأخذَ الطرق والمسالك على الفُرْس، وأن يجعل على أنْقاب “القادسية” مسالح لحراسة المسلمين، ومراقبة العدو، وأمَرَه أن يلزم مكانَه في “القادسية” فلا يَبرحْه، وأن يبدأهم بالشدِّ والضرب، وأن يصف له “القادسية”، ويكتب له بأخباره وأخبار عدوِّه كأنَّه ينظر إليه، وأمَره أن يكون محتاطًا حذرًا، مستعدًا للقاء عدوِّه.
انضمَّ إلى سعد في “القادسية” جندُ المسلمين وقادتهم في العراق، فأصبح عددُ جيش المسلمين في القادسية قريبًا من (36) ألف، يعد جيش المسلمين في “القادسية” أكبر جيش عبأه المسلمون لفتْح بلاد العراق، وكان تعداد جيش الفرس (240) ألف.
ظلَّ سعدٌ مقيمًا بالقادسية شهرًا دون أن يرى أحدًا من الفُرْس؛ لأن رستم كان يعرف قوة المسلمين وحماستهم، فكان يطيل أمد اللقاء بسعد قدر المستطاع، فأراد سعد أن يعلم خبر عدوِّه، فأرسل عيونًا إلى “الحيرة”؛ ليأتوه بخبر الفُرْس، فرجعوا وأخبروه بأنَّ مَلِك الفرس “يزدجرد” قد أعدَّ جيشًا كبيرًا لمنازلة المسلمين وطرْدهم من العراق.
كتب سعد إلى عمر يصف له “القادسية” وما جاورها من البلدان، ويخبره أيضًا أنَّ الفرْس قد أعدوا جيشًا بقيادة رستم وأضرابه، وأقاموا معسكرًا يحاولون إنغاضنا وإقحامنا، ونحن نحاول إنغاضهم وإبرازهم، وأمرُ الله بعدُ ماضٍ.
فكتب عمر لسعد يقول: (لا يكربنَّك ما يأتيك عنهم، ولا يأتونك به، فقد أُلْقي في رُوعي أنكم إذا لقيتم العدوَّ هزمتموهم، فاطرحوا الشك، وآثروا اليقين عليه، واستعِنْ بالله وتوكَّل عليه)، وأمره الوفاء بالعهد، وحذَّره من الغَدْر وعاقبته، وأمره أن يبعثَ إلى ملك الفُرس وفدًا من أهل الرأي والمناظرة والجلد، يدعونه إلى الإسلام.
بعث سعْد إلى يزدجرد وفدًا يدعونه إلى الإسلام، فوصل الوفد إلى المدائن والْتقى بيزدجرد، فتحدَّث “النعمان بن مقرن المزني”، ودعاه إلى الإسلام بلين ولطف، وبيَّن له فضلَ الإسلام ورحمته بالناس، وعدلـه وإنصافه، فقال: (فنحن ندعوكم إلى دِيننا، وهو دين حسَّـن الحَسَن، وقبَّح القُبْح كلَّه، فإن أجبتم إليه خلَّفْنا فيكم كتابَ الله، على أن تَحْكُموا بأحكامه، ونَرجع عنكم وشأنكم وبلادكم، فإن أبيتم فالجزية، فإن أبيتم فالمناجزة).
اعتقد يزدجرد أنَّ حُسن أدب الوفد الإسلامي، وملاطفته في المناظرة دليلٌ على ضعْف المسلمين، فتطاول عليهم وأَخَذ يُذكِّرهم بحياتهم قبلَ الإسلام، وينعتهم بأنهم مِن أشْقَى الأمم، وأقلها عددًا، وأضعفها شأنًا، وأسوئها حالًا، فتصدَّى له قيس بن زرارة، فقال: (يا هذا، إنك وصفْتَنا صِفةً لم تكن بها عالِمًا،
فتحدَّث قيس عن حال العَرَب قبل دخولهم في الإسلام وما كانوا عليه، من ضلال وفُرْقة وذِلَّة، إلا أنَّ الله قد أبدلَ حالهم بالإسلام، فأصبحوا من أفضلِ الأمم عقيدةً، وأحسن الناس خُلقًا، تألَّفت قلوبهم، فاجتمعت كلمتُهم، واستقامتْ حالهم، وعزَّ جانبهم)، ثم قال: (إنَّ الله ورسوله أمَرنا أن ندعوَ مَن يلوننا من الأمم إلى الإسلام، فاخترْ إن شئت أن تُسلِمَ فتنجي نفسك، أو تُعطيَ الجزية عن يدٍ وأنت صاغِر.
لم يفهم يزدجرد هذه الكلمة فقال له: أن تعطينا الجزية فنرفضها ثم تعطينا فنرفضها ثم تعطينا مترجيا قبولها فنقبلها، أو السيف، فقال يزدجرد: (أتستقبلني بمثل هذا؟!) قال: (ما استقبلتُ إلاَّ مَن كلَّمني، ولو كلَّمني غيرُك ما استقبلتُك به)، فغضب يزدجرد، وأخذتْه العِزَّة بالإثم، وكان سيِّئ الأدب، ضيقًا لجوجًا، لا يأخذ برأي ولا مشورة، فأمر الوفد بالانصراف، وقال: (لولا أنكم رسلٌ لقتلتُكم)، ثم أمر بإحضار كيس من تُراب، فقال لرجاله: (احملوه على أشْرف هؤلاء)، فتسابق الوفدُ إلى حَمْله، وتفاءلوا به.
سار رستم فعسكر على نهر العتيق قُبالةَ جند المسلمين، فلمَّا استقرَّ في القادسية واطمأنَّ بها، أرسل إلى سعد بن أبي وقاص يَطلب أن يرسل إليه وفدًا يُفاوضه ويناظره، فأرسل إليه سعد عددًا من الرجال يناظرونه ويَدْعونه إلى الإسلام، ويوضِّحون له سببَ مجيء المسلمين إلى العراق، منهم: “ربعي بن عامر”، وغيره من دُهاة العرب، وذوي الرأي فيهم.
وصل رِبعي بن عامر إلى رستم، فقال له: (ما جاء بكم؟) قال رِبعي: إنَّ الله ابتعثنا لنخرج مَن شاء مِن عبادة العباد إلى عبادة الله، ومِن ضِيق الدنيا إلى سعتها، ومِن جَوْر الأديان إلى عَدْل الإسلام، فأرسلَنا بدِينه إلى خَلْقه ندعوهم إليه، قال رستم: قد سمعتُ مقالتكم، فهل لكم أن تؤخِّروا هذا الأمر حتى ننظرَ فيه وتنظروا؟ قال ربعي: نؤجِّلكم ثلاثةَ أيام، فانظرْ في أمرك وأمرهم، واخترْ واحدة من ثلاث: (الإسلام، أو الجِزية، أو المناجزة).
غير أنَّ رستم أراد مطاولةَ سعد في اللِّقاء، فأرسل إليه يطلب رسولًا آخر، فأرسل إليه سعدٌ “المغيرةَ بن شُعْبة”، فلمَّا وصل المغيرة تحدَّث إلى رستم مؤكِّدًا مقالة مَن سبقه مِن رسل المسلمين، فاعتقد رستم أنَّ المسألة يمكن أن تُسوَّى بالمال، فتصدَّى له المغيرةُ،
وحسم المسألة بقولـه: (إنَّ الله بعث إلينا نبيه فسعِدْنا بإجابته واتباعه، وأمَرَنا بجهاد مَن خالف أمرَنا، وأخبرنا أنَّ مَن قُتِل منا على دينه فله الجنة، ومَن عاش مَلَك وظَهَر على مَن خالفه، ونحن ندعوك أن تؤمن بالله وبرسوله وتدخل في دِيننا، فإن فعلتَ كانتْ لكم بلادكم، ولا يدخل عليكم فيها أحدٌ إلاَّ مَن أحببتم، وإن أبيتَ ذلك، فالجزية عن يَدٍ وأنت صاغِر، وإن أبيت فالسيف بيننا وبينكم، والإسلامُ أحبُّ إلينا منهما)، فاستشاط رستم غضبًا، وقال: (لا صُلح بيننا وبينكم)، فأصبح اللِّقاءُ العسكريُّ بين المسلمين والفرس أمرًا لا مفرَّ منه.
دامت معركة القادسية أربعة أيام، كانت من أشد الأيام على جند المسلمين وجند الفرس، فالمسلمون يريدون نشر دين الله، والفرس يدافعون عن دولتهم العتيدة.
أصابت سعد دمامل في فخذيه وإليتيه منعته من قيادة المعركة في أرضها، فكان ينام على وجهه وفي صدره وسادة، ويقود المعركة من فوق قصره، فلما صلى المسلمون الظهر، وكبر الرابعة فزحف الجميع، وبدأ القتال والتلاحم.
صاح سعد بن أبي وقاص رافعًا صوته قائلًا: الله أكبر، فكبر من ورائه المسلمون جميعًا، وتحفز المسلمون للقتال، ثم كبر سعد التكبيرة الثانية: (فاصطفت الصفوف، ورفعت السيوف من الأغماد، واستعد الناس للقتال)، ثم كبر سعد التكبيرة الثالثة: (فخرجت كتيبة الفرسان، أفضل مجاهدي المسلمين من ناحية القتال المهاري، على أشد الخيول ضراوةً إلى ساحة القتال، يطلبون المبارزة ليحفزوا المسلمين، وينشطوهم وتخفض الروح المعنوية للجيش المقابل، عن طريق قتل أكبر عدد ممكن من الأبطال)، فلما كبر الرابعة: (زحف الجميع، وبدأ القتال والتلاحم).
لما رأت خيل المسلمين الفيلة نفرت، وركز الفرس بـ (17) فيلًا على قبيلة “بجيلة” فكادت تهلك، فأرسل سعد إلى “بني أسد” أن دافعوا عن بجيلة فأبلوا بلاء حسناً وردوا عنهم هجمة الفيلة، ولكن الفيلة عادت للفتك بقبيلة بني أسد، فنادى “سعد” عاصم بن عمرو التميمي ليصنع شيئًا بالفيلة؛ فأخذ رجالاً من قومه فقطعوا حبال التوابيت التي توضع على الفيلة فارتفع عواؤها فما بقي لهم فيل إلا أعري وقتل أصحابه ونفّس عن قبيلة أسد، واقتتل الفريقان حتى الغروب وأصيب من أسد تلك العشية (500) كانوا ردء للناس.
تعجب سعد بن أبي وقاص لما رأى الأفيال من فوق القصر وأنها فوق طاقة المسلمين، فنادى على عاصم بن عمرو التميمي الذي يقود ميسرة القلب، وقال له: ألا لك في الفيلة من حيلة؟ فقال: بلى والله، فانتخب عاصم أفضل فرقة من قبيلة تميم، وكانوا من أفضل القبائل رميًا بالسهام، وبدأت هذه الفرقة برمي قائدي الفيلة بالسهام، فكان كل فيل حاملاً تابوتًا كبيرًا عليه أكثر من قائد، وقسَّم عاصم من معه إلى فرقتين: فرقة ترمي قُوَّاد الفيلة بالسهام، والأخرى تندس داخل الجيش الفارسي لتقطع أحزمة التوابيت التي فوق الأفيال.
وكانت فكرة عاصم أن تفقد هذه الفيلة توجهها لتتجه نحو الجيش الفارسي. واستطاعت هذه الفرقة أن تصيب طائفة كبيرة من قواد الأفيال، واستطاعت الفرقة التي اندست في الجيش الفارسي أن تقطع أحزمة توابيت الأفيال، وكلما وقع تابوت تقدموا إليه وقتلوا من فيه، وحدث ذلك في معظم التوابيت الثلاثة عشر.
أصبح المسلمون على تعبئة واستعداد لاستئناف القِتال، ومنازلة الفرس في يوم أغواث، وقد بدأ المسلمون يومَهم بنقْل شهدائهم إلى وادي مشرق ودفنهم في مقابر هُيِّئت لهم، ونقل الجرحى إلى مكان هُيِّئ لعلاجِهم، قبل هذه المعركة بأيام وصلت رسالة إلى أبي عبيدة بن الجراح – أمير الجيوش الإسلامية في الشام- أن يرسل مددًا من الشام إلى العراق لنجدتهم، فأرسل أبو عبيدة (6,000) مقاتلٍ على مقدمتهم القعقاع بن عمرو التميمي، وكان هذا سببًا عظيمًا في فرحة المسلمين واستبشارهم بالنصر؛ لأن القعقاع من أفضل المقاتلين المسلمين، ومن أشدهم ضراوة،
قال عنه أبو بكر الصديق: (إن صوت القعقاع في الجيش أفضل من ألف رجل). وقال أيضًا: (لَا يُهْزَمُ جَيْشٌ فِيهِمْ مِثْلُ هَذَا)، فكانت هذه بشرى لجيش المسلمين، وكان على رأس الآلاف الستة هاشم بن عتبة بن أبي وقاص وهو ابن أخي سعد بن أبي وقاص، وعلى المقدمة القعقاع.
في صباح هذا اليوم وصلت الفرقة القَعْقَاعِيَّة، التي تتكوّن من (1000) مقاتلٍ، لَمَّا وصل القعقاعُ بفرقته إلى ميدان المعركة كان القِتال قد نشب بين المسلمين والفُرْس، فقام القعقاع بمناورة عسكرية لرفْع الرُّوح المعنوية لدَى المسلمين، فقسَّم فِرقته إلى أعشار، وهم (1000) فارس وانطلق أول عشرة ومعهم القعقاع فلما وصلوا تبعتهم العشرة الثانية، وهكذا حتى تكامل وصولهم في المساء، فألقي الرعب في قلوب الفرس، فقد ظنوا أن مائة ألف قد وصلوا من الشام فهبطت هممهم ووهنوا، وحذَا حذوَ القعقاع قادة مدد الشام جميعهم.
عندما نزل القعقاع إلى أرض القتال طلب المبارزة، فخرج له قائد قلب الجيش الفارسي (بهمن جاذويه ذُو الْحَاجِبِ) وبهمن هذا هو الوحيد الذي انتصر على المسلمين من قبل في موقعة الجسر، وقتل أبا عبيد بن مسعود الثقفي، وسليط بن قيس، فتبارزا وقتل القعقاع بهمن.
ثم تقدم القعقاع يطلب المبارزة 30 مرةً في هذا اليوم؛ فقتل وحده في الكَرِّ والفَرِّ ثلاثين فارسيًا، وكل ذلك ولم يلتقِ الجيشان، واستمرت المبارزة حتى صلاة الظهر، ثم بدأ الفريقان يلتحمان مع بعضهما البعض في قتال شديد، وقد كان الالتحام في اليوم السابق من ناحية الفرس تجاه المسلمين، إلا أنه في هذا اليوم تقدم المسلمون ناحية الفرس، وضغطوا عليهم في بداية القتال عكس اليوم السابق، ثم استمر القتال بمنتهى القوة والشدة بين الطرفين من صلاة الظهر حتى منتصف الليل دون انقطاع.
لم تظهر الفِيَلة في ميدان المعركة يومَ أغواث؛ لانشغال الفرْس بإصلاح التوابيت، التي أصابها ضررٌ بالِغ يوم أرماث، وكان هذا اليوم لصالح المسلمين، بفضل الخدع الحربية التي قام بها القعقاع وغيره، واستطاع القعقاع أن يبعد سلاح الخيل الفارسي من ميدان القتال، ذلك أنه عمد إلى الجمال فألبسها خرقاً وبرقعها بالبراقع، فصار لها منظرًا مخيفًا، عندما رأتها خيل الفرس نفرت وفرت هاربة، وركب المسلمون أكتاف الفرس، فلحقتهم خسائر كبيرة، وعندها سدَّد المسلمون ضرباتٍ قوية لقوَّات الفرس، وقتلوا كثيرًا منهم، كان عدد شهداء المسلمين (2000) وكانت خسائر الفرس (10000) بين جريح وميت.
كان القعقاع بن عمرو قد أشار على سعد بتغيير ألوية الجيش: فجعل الميمنة ميسرة والميسرة ميمنة والقلب مقدمة، وكان القَعْقاع قد بات ليلةَ عَمَواس يُسرِّب أصحابه إلى خارج مَيْدان المعركة، دون أن يعلم به أحد، فلمَّا أصبح الناس يومَ عَمَاس، أقْبَلوا مائةً مائةً، كل فِرْقة تتبع أختها، وكلَّما دخلت فرقة كبَّرت، فكبَّر الناس بتكبيرها، وقد حذَا أخوه عاصمٌ حَذْوَه، فلما وصل أمير مددِ الشام هاشم بن عتبة بن أبي وقاص حذَا حذَوْهما، فتجدَّد رجاءُ الناس في النصر.
عادت الفِيلة مرة أخرى إلى مَيْدان المعركة في يوم عَمَاس، فلحق المسلمين منها أذًى كثير، مما جعل سعدَ بن أبي وقَّاص يُرسل إلى عدد من مُسلِمة الفُرْس، فسألهم عن مقاتِل الفِيَلة، فأخبروه بأنَّ مقاتلها في مشافِرها وعيونها، فأرسل سعدٌ إلى القعقاع وعاصم ابْنَي عمرو، فقال لهما: (اكْفياني الفِيل الأبيض)، وأرسل إلى حمَّال والرُّبيَّل الأسديين، وقال لهما: (اكفياني الفِيل الأجرب)، فقتلوا الأبيض، وأصابوا الأجرب.
فصاح الفِيلان صياحَ الخِنزير، ثم ولَّى الأجربُ، فوثب في نهر العتيق، فاتَّبعه الفِيَلة فخَرَقتْ صفوف الجيش الفارسي، فعبرت العتيق في أثرِه، ووصلتْ إلى المدائن في توابيتها، وهلك مَن فيها، فلمَّا ذهبتِ الفيلة، وخلت ساحة المعركة منها، تفرَّد المسلمون بالفُرْس، فاقتتلوا بالسيوف قتالًا شديدًا، وأعاد المسلمين خدعة الجمال المبرقعة المخيفة، لكنها هذه المرة لم تنجح في اخافة خيول الجيش الساساني بل ثبتت خيولهم ولم تتراجع.
لم يكن في أيام القادسية مثل يوم عماس في البلاء والشِّدَّة والصبر، وقد صَبَر الفريقان فيه على ما أصابهم صبرًا شديدًا.
لَمَّا جنَّ ليل عماس لم يتوقَّف القتال، ولم يتحاجزِ الفريقان كعادتهما في يومي أرماث وأغواث، بل استقبلوا اللَّيل استقبالاً ، وذلك أن القعقاع هجم على الفرس بغير إذن سعد، فلما رآه سعد قال: (اللهم اغفر للقعقاع وانصره فإني قد أذنت له وإن لم يستأذنّي)، وكذا فعل بنوا أسد، فدعا لهم سعد، وكذلك فعلت عدة قبائل كانت متشوقة للقتال، فكان سعد يعطيهم الاذن بينه وبين الله، حتى لا يغضب الله عليهم لتحركهم بدون إذن سعد.
عندَما صلَّى المسلمون العشاء، كبّر سعد وكبّر المسلمون خلفه، واجتلدوا بالسيوف تلك الليلةَ من أولِها حتى الصباح، وقد انقطع الكلام بين المسلمين والفُرْس تلك الليلة، فكان كلامهم الهرير (يكبرون الله بأصوات خفيفة)، وقد أفرغ عليهم الصبر إفراغًا، ولم يكن قتالٌ بليل بالقادسية سوى ليلة الهرير، وتُعرف أيضًا بليلة القادسية من بيْن تلك الليالي، وكان قتالا شديدا من قبل الطرفين، فالمسلمون يقاتلون لأجل دينهم، والفرس يقاتلون من أجل دولتهم (دولة امتدت مئات السنين معرضة للزوال)، واستمر القتال طوال الليل، وأصبح الصباح وما زالوا يقاتلون، واستمروا في قتالهم طيلة يومهم الرابع.
في صباح هذا اليوم وعندما تيقَّن المسلمون أنهم المُنتصِرون، أراد القعقاع بن عمرو استثمار حالة النصر الأكيدة، فصرخ في الجيش الإسلامي، فقال:
(إن الدبرة بعد ساعة لمن بدأ القوم، فاصبروا ساعة واحملوا، فإن النصر مع الصبر فآثروا الصبر على الجزع).
سمع الناس كلام القعقاع فاجتمع القادة وصمدوا لقتال الفرس، واشتدتْ وطأة القتال بين المسلمين والفُرس، وكان القتال كله في قطاع الجيش الفارسي، كما كان الجيش الإسلامي بكامله في قطاع الجيش الفارسي، يضغط عليه عند نهر العتيق، الذي يقع خلف الجيش الفارسي، وكان الجيش الفارسي يتكون من خمسة قطاعات، منها قطاع البيرزان وقطاع بهمن، وكلاهما دون رئيس ودون قائد؛ لأن البيرزان وبهمن قُتِلا، وبقي رستم في منتصف الجيوش في قطاع بهمن حيث تقع خيمته التي يقيم فيها.
قام القعقاع بتدبير خطة حتى ينهي القتال الشديد على المسلمين وعلى الفرس؛ ففكَّر في أمر كان المثنى بن حارثة قد فكر فيه من قبلُ، فكر أن يأخذ قبيلة تميم وهي قبيلته، فأخبر هلال بن علقمة التميمي، هل لك إلى رستم؟ فوافق هلال، وأخذا معهما مجموعة من نجباء المسلمين من المقاتلين، من كتيبة الفرسان ويدك بهم قلب الجيش الفارسي، وكان يرأسه بهمن جاذويه.
وكان هدف القعقاع بن عمرو أن يفصل الميمنة عن الميسرة؛ فتنقطع الاتصالات بين الفريقين، ومن الممكن بعد ذلك أن يفقدوا السيطرة، ويفقدوا صلتهم بقائدهم، وكان هدف القعقاع أن يصل إلى رأس الأفعى؛ يصل إلى رأس رستم قائد الفرس، ويقول: (إذا قتلت رستم ضاعت معنويات الجيش الفارسي كله).
وبدأت بالفعل عملية من أصعب العمليات، لأن قبيلة تميم كلها تقريبًا (300)، ورستم يجلس خلف (100,000) ألف من جنود الفرس، لكن من فضل الله على المسلمين أن المساحة العرضية لأرض القادسية كانت ضيقة، فكان الجيش الفارسي مرتبًا في صفوف بعضها وراء بعض، وقد أسهم ذلك في إلحاقِ الهزيمة بالفرس.
وبدأ القعقاع ومعه قبيلة تميم في الضغط على الفرس، ويبدأ قلب الفرس في الانهيار تدريجيًا أمام الضغط الشديد للمسلمين، وفي الوقت نفسه تمارس قبائل بني قحطان اليمنية الضغط على ميمنة الفرس بقيادة الهرمزان، وتضغط قبيلة قيس على مهران في الميسرة؛ حتى لا تلتف ميسرة أو ميمنة الفرس حول الجيش الإسلامي من الخلف، وصلت الكتيبة إلى مقر رستم واستبسلوا في قتال الفرس الذين يحمون قائدهم، حتى وصل إليه القعقاع وهلال فقتلاه.
فلما رأى الجالينوس خطورة الموقف؛ أمر مَن بقي من مُقاتلي الفرس بالانسحاب نحو نهر العتيق وعبوره نحو المدائن، وبالفعل بدؤوا بالانسحاب، ولكنهم وقعوا في فخ النهر؛ حيث لحق بهم المسلمون بالرماح والنَّبل فقتلوا منهم الألوف وهم في النهر، وهجم ضرار بن الخطاب وزهرة بن الحوية أن يقتلا جالينوس.
ووصل ضرار إلى راية الفرس العظمى “درفش كابيان” وكانت راية كبيرة ارتفاعها (8) أمتار، وكانت المرة الأولى منذ عقود التي تسقط فيها راية الفرس.
وانتصر المسلمون في هذه المعركة العظيمة، وكانت بداية نهاية الفرس العظمى، وأرسل سعد “زهرة بن حويه”، خلف فلول الفرس للقضاء عليهم، وقام بتنظيم جيشه من جديد، وانتصر المسلمون بفضل الله، لأنهم لا يريدون إلا رضاه، وإعلاء راية التوحيد.
معركة القادسية واحدة من المعارك الحاسمة في التاريخ الإسلامي التي وقعت بين المسلمين والإمبراطورية الساسانية. يختلف عدد المسلمين المشاركين في معركة القادسية بين المصادر المختلفة، لكن يُقدر عمومًا أن عددهم كان بين 20,000 إلى 30,000 مقاتل تحت قيادة القائد العسكري الإسلامي سعد بن أبي وقاص. هذه الأرقام تأتي من المصادر التاريخية والروايات القديمة، وقد يكون هناك بعض الاختلاف في الأعداد الدقيقة بسبب طبيعة نقل التاريخ والتقاليد الشفهية.
أرسل سعد إلى عمر يبشره بنصر الله، وكان عمر ينتظر الفتح بفارغ الصبر، يقف خارج المدينة، على الجهة التي من طرف فارس، من الصباح حتى حر الظهيرة، فلما وصل البشير إلى المدينة المنورة، وكان مسرعا لاِخبار عمر وهو لا يعرفه، فسأله عمر: من أين أتيت؟ فقال الرجل: من جهة فارس، وهو لا يلتفت لعمر، فقال عمر: يرحمك الله مالخبر؟
فقال: الفتح الفتح، وهو متجه إلى المدينة، وعمر يجري وراءه: يرحمك الله حدثني، فقال: هزم الله المشركين، فلما دخل المدينة مسرعا وعمر يجري خلفه، أخذ الناس يسلمون على عمر: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فوقف الرجل وقال لعمر: من أنت؟ فقال: عمر بن الخطاب، فقال: يرحمك الله فهلا أعلمتني؟ قال عمر: لا بأس عليك يا أخي.
إقرا المزيد: معركة نهاوند وسبب تسميتها فتح الفتوح
وفي الختام: لا تنس مشاركة هذه المقالة مع الأصدقاء.
كما يمكنك الاستفادة والاطلاع على المزيد من المقالات
معارك المسلمين مع الروم و فتح القسطنطينية و تاريخ الأندلس
قائد المعركة الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص.
حدثت في زمن الخليفة عمر بن الخطاب.
الفرس كانوا مجمعين على حرب المسلمين، ومنع وصول الإسلام إلى بلاد العراق، أعلن يزدجرد حالةَ الطوارئ والاستنفار العام في بلاده، وشَرَع في إعداد جيش قويٍّ زوَّده بعتاد حربي جيِّد، وضمَّ إليه خِيرةَ رجال الفرس العسكريِّين، وأسند قيادته إلى "رستم" لرتبته العسكرية، ولعبقريته في الحرب، ومهارته في القتال.
أعلن الخليفة حالةَ الطـوارئ والاستنفار العام في جزيرة العرب، وذلك لإعداد جيش إسلاميٍّ كبير يواجه جيش الفرس.
جيش الفرس (240) ألف مقاتل.
جيش المسلمين (36) ألف مقاتل.
أربعة أيام سميت:
اليوم الأول (أرماث)
اليوم الثاني (أغواث)
اليوم الثالث (عماس)
ليلة الهرير
اليوم الرابع (يوم القادسية)
القعقاع بن عمرو، و هلال بن علقمة التميمي
ما اصل قصة دفع عمر بين الخطاب رضي الله عنه دراهم للجنود الذين لم يصابوا