الإمام محمد بن إدريس الشافعي ثالث الأئمة الأربعة، وصاحب المذهب الشافعي في الفقه الإسلامي، ومؤسس علم أصول الفقه، وهو إمام في علم التفسير وعلم الحديث وعلم الاختلاف بين الناس..
كان أديباً فصيحاً شاعراً، ورامياً ماهراً، ورحّالاً مسافراً في طلب العلم وتعليمه..
أكثرَ العلماءُ من الثناء عليه، حتى قال فيه الإمام أحمد بن حنبل: (كان الشافعي كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس)..
سلسلة يعدها ويقدمها الدكتور طارق السويدان.. تتحدث عن نفر من العلماء وهبوا أنفسهم لهذا الدين تعلماً، وتعليماً، وجهاداً، وصدعاً بالحق.. كانوا أئمة هدى قادوا الأمة وسطروا صفحات مضيئة عبر تاريخنا الإسلامي.. دعونا نستمع في هذه الحلقة إلى قصة الإمام الشافعي رحمه الله تعالى..
يهدف الدكتور طارق السويدان من خلال هذه السلسلة إلى أن بعيد تشكيل العقل المسلم فيرى القدوات كأنه ينظر إليها، فهذا الإمام الشافعي صاحب الحسب والنسب الذي نشأ يتيماً فقيراً ذات اليد.. لكن الله رزقه أُماً ذكيه عرفت كيف تقوم بتنشئته وتعليمه… فلننظر ماذا صنعت أمُّ الإمام الشافعي في صغره؟!
أحبت أم الإمام الشافعي أن تهديه مفتاح العلوم علمُ اللغة والفصاحة وأحسن الطرق لتعلمها أن يتربى في البادية فعاش بها 17 سنة، ثم عاد إلى مكة وأصبح له فيها مجلس ينشد فيه الشعر والأدب.. فقصده الناس من كل مكان وشهد له كبار علماء اللغة وجعلوا كلامه لغة ومرجعاً يحتجُّ به.
كان الإمام الشافعي رغم فصاحته يجتهد أن تكون ألفاظه مفهومة وسهلة للعوام.. ولكنه إذا جالس العلماء جعلهم ينصتون له.. وصفه الإمام أحمد بن حنبل بأنه فيلسوف في:
تعرض له يوماً اللصوص فلم يتركوا له وعليه شيئاً فثارت نفسه وأنشد شعراً يمدح به ذاته.. فماذا قال؟!
شعر الإمام الشافعي حِكمٌ تعكس تجربته في الحياة:
شعر الإمام الشافعي حِكمٌ تعكس تجربته في الحياة: (شعره في الزهد) كيف تحصله بقتل المطامع؟ وكيف تجمع بين الطموح والعزة ورضى النفس، (شعره في الإيمان وأخلاق) نصائح للمتمسكين بالدنيا، وفيه تحبيب الله عزَّ وجل لعباده، وعدم اليأس من رحمة الله والرجاء به، ومن أرفع وأعظم قصائده (قصيدة دع الأيام تفعل ما تشاء) التي اشتملت على الكثير من الحكم.
تعلم الإمام الشافعي الفقه من الإمام مالك وكان للقاء بينهما قصة فيها عبرة، قال فيه الإمام مالك: سيكون لك شأن من الشأن، في فقهه جمع بين مدرسة أهل الحديث ومدرسة أهل الرأي وكان وسطاً بينهما، وكان الإمام الشافعي حريصاً على طلب العلم وتعليمه وسفره في سبيله.
كانت شخصيته العلمية متكاملة، قال فيه الإمام أحمد: (كان الشافعي كالشمس للدنيا وكالعافية للبدن، فهل لهذين من خلف أو لهما من عوض)، كما اتفق العلماء على حسن سيرته وعلو شأنه وجلال علمه، وكان ذو حكمة وسرعة بديهة أنقذته أثناء بمحاجة الخليفة هارون الرشيد فكيف ذلك؟ دعونا نتابع ما جرى بينهما.
نقف في هذه الحلقة مع مناقشة بين الإمام اسحاق بن راهويه وبين الإمام الشافعي تدل على عمق ودقة علم الإمام الشافعي حتى قال إسحاق: (انفجر لي منه علم)، عنوان هذه المناظرة كان (ما حكم تأجير بيوت مكة؟)، نتعلم من هذه المناظرة قوة المنطق والصبر والأدب، فهيا بنا..
اشترك مع الأئمة الأربعة في حب وتأييد أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، حبٌّ مصدره دينُ الله تعالى مقترن بإجلال لصحابة رسول الله، وكان ذو منهج متفرد في علم الحديث حاجَّ به أهل الرأي حتى سمّاه أهل العراق بناصر السنة.
بشر المريسي من كبار علماء المعتزلة وصف الإمام الشافعي بأنه رجل معه نصف عقل أهل الدنيا، قدم مصر فأحبه أهلها وأحبهم وافتتنوا بحبه واشتهر وذاع صيته فيهم؛ فكانت حلقته فيها أعظم حلقاته وأكثرها تنوعاً، وفي مصر كتب أكثر كتبه وجمع فيها كتابه العظيم (الأمَ)، فكان لزيارته مصر دورٌ في تغير حياته.
كان منهجه التوقف عند حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يأخذ بالإجماع وأصّل له فوضع المقاييس والمعايير الضابطة والناظمة له، وكذلك لاوبين بالأدلة كيف أن الأخذ بالقياس شرعي وبين شروطه وضوابطه، ورفض القول بالاستحسان ورده بالأدلة.
كان ذو سماحة وحسن خلق ينطلق منها فيتوقف ولا يرد على السفهاء، همه ظهور الحق ويحب أن يظهر من محاوره، كان كريماً غاية في الكرم طرفٌ من الجود رغم قلة ذات يده، وكان في يده كرم لا تبقي له مالاً، ولا يأتي عليه يوم لا يتصدق، مات فقيراً رحمه الله.
الإمام الشافعي يقولون فيه مرح لطيف وهو صاحب نكته وسرعة بديهة، وكان يفتي بالشعر أحياناً ومنها أبيات في العشق والحب، وعاش (قصة الثعلب والدجاجة)، وكان له لطائف تتعلق بالفراسة (قصة الخسيس).
الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، جزأ الليل فيكتب في ثلثه الأول ويصلي في الثاني وينام في الثالث، كان شديد التحكم بشهوته فيذم الشبع، تكلم في أصول العلم والورع والصبر والعمل وقال: غاية كل أمر هو…..، وآيات الرياسة الخمس، وأسوأ ما يحمله الإنسان إلى الآخرة، وكان يحب علم الطب ويحث عليه.
يحصي ياقوت الحموي للإمام الشافعي 147 كتاباً، ومما أحصاه له الإمام ابن حجر: كتاب الرسالة القديمة، والرسالة الجديدة، واختلاف العلم، وإبطال الاستحسان، واختلاف مالك والشافعي، واختلاف العراقيين، والمبسوط، والمسند، والحجة، ومن أهم كتبه (كتاب الأم) الذي يضم فقه ومذهبه وهو كتاب فقه شمولي.
أشهر كتاب الإمام الشافعي على الإطلاق من ناحية الموضوع والإبداع هو (كتاب الرسالة) طراز فريد في المنهج العلمي وكيفية الاستنباط، الناظر فيه يرى قدرة عقلية غير عادية، وكان للإمام الشافعي عدد كبير من التلاميذ أصبحوا أئمة ومنارات للناس.
أشهر تلاميذه في العراق: الإمام أحمد بن حنبل، الإمام أبو ثور الكلبي الذي كان من أعظم الناس في الحلال والحرام، والإمام الزعفراني الذي كان من أهل اللغة، الإمام أحمد بن محمد الأشعري وكان من أوائل من سمي بالشافعي، والإمام الكرابيسي. أما أشهر تلاميذه في مصر: الإمام أبو يعقوب البويضي أوصاه الإمام الشافعي بإدارة حلقته بعد وفاته،
في مصر من أشهر تلاميذه: الإمام الربيع بن سليمان المرادي راوي كتاب الرسالة، الإمام الربيع بن سليمان الجيزي وكان سمحاً، والإمام المزني قال عنه الشافعي: لو ناظر الشيطان لغلبه، والإمام يونس بن عبد الأعلى.
وفي مصر من أشهر تلاميذه: الإمام حرملة التوجيبي الذي كان مضيفاً للإمام الشافعي، والإمام محمد بن عبد الله بن عبد الحكم وكان يحبه الإمام الشافعي.
ولما قسى قلبي وضاقت مذاهبي.. جعلت الرجا مني لعفوك سلما.. هكذا ودع الدنيا رحمه الله وجمعنا به في رحمته تعالى.
الإمام الشافعي ملأ طباق الأرض علماً..
وأثبت للناس أن الوصول القمم العلمية يكون: بالعطاء والجد والكد موصولاً بالإخلاص والخبرة..
في الختام لا تنسى مشاركة هذه المقاطع مع الأصدقاء..
المصدر : قناة اليوتيوب للدكتور طارق السويدان