سيرة علي بن ابي طالب رابع الخلفاء الراشدين
هو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كِلاب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
اقرأ المزيدفي عالم مليء بالقيادات العظيمة والتضحيات الجليلة، يبرز اسم الصحابي عبد الرحمن بن عوف كنموذج فريد يحتذى به. يُعَدُّ عبد الرحمن بن عوف مثالاً للتاجر الناجح والغني الشاكر الذي جمع بين ثراء الدنيا وزهد الآخرة.
كان أمينًا في أهل السماء وأمينًا في أهل الأرض، وقد كُرِّم بلقب صاحب الهجرتين، حيث هاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة المنورة. علاوة على ذلك، هو أحد العشرة المبشرين بالجنة وأحد الستة أصحاب الشورى، مما يدل على مكانته العالية في صفوف المسلمين.
كان أيضًا من البدريين الذين شهدوا معركة بدر ومن أهل بيعة الرضوان، مما يجعل سيرته ملهمة ومليئة بالدروس.
في هذه المقالة، سنأخذكم في رحلة مثيرة عبر حياة عبد الرحمن بن عوف، لنستكشف سيرة هذا الصحابي الجليل الذي كان من الثمانية السابقين في الإسلام، وكيف أسهم في بناء الأمة الإسلامية.
تابعوا معنا لتغمروا في تفاصيل حياة رجل ترك بصمة لا تُنسى في التاريخ.
رجاحة العقل:
كان عبد الرحمن معروفاً بين قومه برجاحة عقله وسداد رأيه، فكان مستشاراً لخلفاء رسول الله حتى وفاته رضي الله عنه في عهد أمير المؤمنين عثمان بن عفان.
عفة النفس:
ظهرت هذه الخصلة جليةً عندما آخى رسول الله ﷺ بينه وبين سعد بن الربيع، فقال له سعد: (إنّ لي أموالاً أشطرها بيني وبينك، وإن لي زوجتان، أنظر أيهما أحب إليك، فأطلقها فإذا حلّت تزوجتها أنت)، فردّ عليه عبد الرحمن: (بارك لك في أهلك ومالك)، ثم قال: (دلوني على السوق)، فدلوه على السوق، فأتاه فاشترى وباع حتى ربح، فكان من أغنى المسلمين مالاً.
شجاعة عبد الرحمن بن عوف:
شهد عبد الرحمن بن عوف المشاهد كلها مع النبي ﷺ، ولقي في غزوة أحدٍ جراحات كثيرة، وقدّم من البطولات ما تحار به عقول البُلَغَاء، فهو من القلة القليلة الذين ثبتوا مع رسول الله ﷺ، وقد هيأ الله له الملائكة لتقاتل معه وتدافع عنه فقد ورد عن الحارث بن الصُّمة رضي الله عنه: (سألني رسول الله ﷺ وهو في الشِّعب: (هل رأيت عبد الرحمن بن عوف؟)، قلت: نعم يا رسول الله رأيته على جر الجبل وعليه عسكر من المشركين فهويت فرأيتك فعدلت إليك، فقال النبي ﷺ: (أما إنّ الملائكة تقاتل معه)، قال الحارث: فرجعت إلى عبد الرحمن فأخذ بين نفر سبعة صرعى، فقلت له: ظفرت يمينك أكل هؤلاء قتلت؟ قال: (أمّا هذا لأرطأة بن شرحبيل وهذا فأنا قتلتهما، وأما هؤلاء فقتلهم من لم أره!) قلت: صدق الله ورسوله، [الطبراني (3/271) – (3385]، تاريخ دمشق لابن عساكر [35/256) واللفظ له].
الكرم والجود
بعد وفاة رسول الله ﷺ، أهدى عبد الرحمن بن عوف إلى أمهات المؤمنين أرضاً بـيعت بـ (40) ألف دينار، وهذا من شدة حبه لرسول الله ﷺ في حياته وبعد وفاته، فلم يقبل أن تضام زوجات رسول الله ﷺ بعده.
كان ذلك في غزوة تبوك، وكانت قد حضرت صلاة الفجر، فاحتاج رسول الله ﷺ للوضوء، وكان ﷺ شديد الحياء فابتعد عن الجيش كثيراً، حتى كادت الشمس أن تطلع فأقام الصحابة الصلاة، وقدموا عبد الرحمن بن عوف حرصاً منهم على وقت صلاة الفجر، فلما قام عبد الرحمن إلى الركعة الثانية لحق به النبي ﷺ وأتمّ به، فلما سلّم عبد الرحمن والتفت الصحابة ورائهم تفاجؤوا بالنبي ﷺ مؤتماً خلف عبد الرحمن، لكنّ رسول الله ﷺ أقرهم على تصرفهم وحرصهم على أداء الصلاة في وقتها، وكانت هذه من خصائص عبد الرحمن بن عوف إمامته برسول الله ﷺ.
لما حضرت الوفاة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، أوكل إلى ستةٍ من أصحاب النبي ﷺ أن يختاروا رجلاً من بينهم ليكون خليفة للمسلمين، وكان عبد الرحمن بن عوف أحد هؤلاء الستة أصحاب الشورى، فقال لهم: (هل لكم أن أختار لكم وأنتقلُ منها؟)، فقال علي كرم الله وجهه: أنا أول من رضي فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: (أنت أمين في أهل السماء، أمين في أهل الأرض) [الحاكم في المستدرك – 5445].
يصلح أن يقال عن عبد الرحمن أنه قائد متخصص في الاقتصاد، وكيف لا وقد دعا له النبي الكريم بالبركة فكان لو اشترى التراب لربح فيه، وذلك أن النبي ﷺ أعطاه ديناراً يشتري له به شاة، فاشترى له به شاتين، فباع إحداهما بدينار، وجاءه بدينار وشاة، فدعا له بالبركة في بيعه، وكان لو اشترى التراب لربح فيه، [البخاري – 3642].
لما هاجر عبد الرحمن إلى المدينة المنورة، ترك ماله وتجارته في مكة المكرمة، فلم يرض أن يكون عالةً على غيره، فاستلف درهماً وأخذ يبيع ويشتري حتى ربح، فلما مات كان عنده (8) ملايين دينار، وهذا كبر دليلٍ على قدرته الفائقة في قيادة الاقتصاد.
غناه هذا لم يمنعه أن يكون شاكراً لأنعم الله عليه، فكان يجود بماله في سبيل الله، على فقراء المسلمين، وفي تجهيز الجيوش المتجهة لإعلاء راية التوحيد، وإخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.
كان لعبد الرحمن بن عوف الأثر الأكبر في نشر دعوة الإسلام، فكان ماله بين يدي رسول الله ﷺ ينفقه كيف الهجرة الأولى والثانية إلى الحبشة
تعرض عبد الرحمن بن عوف لإيذاء المشركين شأنه شأن بقية الصحابة الذين أوذوا في الله، فاستأذن النبي ﷺ في الخروج خارج مكة هرباً بدينه، فأذن له النبي ﷺ بالخروج مع من خرج إلى الحبشة، ثم عاد إلى مكة فلبث فترة، ثم عاد إلى الحبشة مهاجراً الهجرة الثانية.
عاد عبد الرحمن من الحبشة ثم ما لبث أن امتثل لأمر رسول الله ﷺ بالخروج إلى المدينة المنورة، لإقامة دولة الإسلام، وكان نعم المعين لرسول الله ﷺ في نشر دعوته.شاء، فاستحق بشارة رسول الله له بالجنة، وكان ينفق من ماله الشيء الكثير على فقراء المسلمين، وعلى أي أمرٍ يؤدي إلى رفع راية التوحيد.
حضر عبد الرحمن بن عوف الغزوات كلها مع رسول الله ﷺ، فكان من أهل بدرٍ، ومن أصحاب بيعة الشجرة، وحضر فتح مكة، وخرج إلى جانب رسول الله في غزوة تبوك، وانتقل رسول الله إلى جوار ربه وهو راضٍ عن عبد الرحمن.
أمّره رسول الله ﷺ على سرية دومة الجندل، وأوصاه أن يأتي القوم فيدعوهم إلى الإسلام ويصبر على دعوته لهم، وألا يغلّ، ولا يغدر، لا يقتل وليداً، فسار عبد الرحمن إلى دومة الجندل، وأقام فيهم ثلاث ليالٍ يدعوهم إلى الإسلام، فشرح الله صدور القوم للإسلام، وكان أول من أسلم زعيمهم الأصبغ بن عمرو الكلبي.
لما استلم أبو بكر خلافة المسلمين كان نعم المعين لخليفة رسول الله ﷺ.
أوصى رسول الله ﷺ عبد الرحمن بن عوف في سرية دومة الجندل، أن يأتي أهلها، فيدعوهم إلى الإسلام، فإن أسلم القوم أوصاه بالزواج من بنت زعيمهم الأصبغ، وفعلاً دخل القوم في الإسلام فخطب عبد الرحمن تماضر بنت الأصبغ، فقبلت وتزوجها وأنجبت له أبو سلمة التابعي الجليل فقيه المدينة.
آثر عبد الرحمن أن يكون معاوناً أميناً لخلفاء المسلمين، وهو الذي رفض أن يكون خليفةً بعد عمر بن الخطاب على الرغم من اختيار الفاروق له من بين الستة المؤهلين لقيادة الأمة.
في عهد عمر بن الخطاب كان عبد الرحمن ابن عوف مستشاراً أميناً له، خرج مع أمير المؤمنين عمر إلى منطقة الجابية ليلتقي أبا عبيدة وقادة الجيوش التي كانت تقاتل الروم في أرض الشام، وكان ذلك عند حدوث طاعون عمواس، وهو الذي أيد رأي أمير المؤمنين في عدم الدخول إلى أرض الطاعون، مؤكداً ذلك بحديثٍ سمعه من رسول الله ﷺ، فسُرّ سيدنا عمر بن الخطاب لأن من وافقه ونقل الحديث عن رسول الله هو أمين السماء والأرض.
لما فتحت بلاد فارس، اختلف الصحابة في جواز أخذ الفدية من المجوس أم لا؟ فأتى الجواب الشافي على لسان عبد الرحمن بن عوف أنّ رسول الله أخذ الجزية من مجوس هجر.
من أغنى الصحابة هو الغني الشاكر عبد الرحمن بن عوف.
قال رسول الله ﷺ عن عبد الرحمن بن عوف: أنه يدخل الجنة - وهو من الصابرين الذين ذكرهم رسول الله عندما قال لزوجاته لا يحنوا عليكن بعدي إلا الصابرون [تخريج مشكل الآثار - 3566]
لم يصح أي حديث عن رسول الله أن عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبواً، أما ما ورد من أحاديث فلا يخلو أحدها من بطلان أو كذب.