غزوات الرسول بالترتيب واسبابها ونتائجها
نتعلم من غزواة الرسول صلى الله عليه وسلم (الآداب الرفيعة، والأخلاق الحميدة، والعقائد السليمة، والعبادة الصحيحة، وسمو الأخلاق، وطهارة القلب، وحُبَّ الجهاد في سبيل الله والشهادة في سبيله..).
اقرأ المزيدالهجرة النبوية، تلك الرحلة التاريخية التي حملت في طياتها تحولاً جذرياً في مسار التاريخ، كانت نقطة تحول حاسمة في الدعوة الإسلامية.
لقد كانت هذه الهجرة أكثر من مجرد انتقال جغرافي، بل كانت انتقالاً من مرحلة الكفاح والصبر إلى مرحلة البناء والتأسيس.
فمن خلال هذه الهجرة، انتقل الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من مكة المكرمة، حيث واجهوا أشد أنواع الاضطهاد والتعذيب، إلى المدينة المنورة، حيث وجدوا الأمان والدعم لبناء مجتمع إسلامي عادل ومتماسك.
سنقوم برحلة عبر الزمان والمكان لنستكشف هذه الأحداث الهامة ونستلهم منها العبر والعظات.
بعد رسالة مصعب أمر رسول الله ﷺ المؤمنين في مكة بالهجرة إلى يثرب، فبدأوا يتسللون وكان أول من هاجر أبو سلمة، وتتابع في ذلك المؤمنون مستخفين لكن الوحيد الذي أعلن هجرته كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فطاف على أندية قريش حول الكعبة قائلًا: (شاهت الوجوه، من أراد أنْ تثكله أمه فليتبعني خلف هذا الوادي).
جاء أبو بكر الصديق رضي الله عنه يستأذن النبي ﷺ، فقال له رسول الله ﷺ: «انتظر، لعلّ الله يجعل لك صاحبًا» ولم يصرّح بشيء، تأمل أبو بكر أن يكون رسول الله ذاك الصاحب؛ فجهز راحلتين بكامل زادهما على أحسن ما يكون منتظرًا الخبر.
فلما هاجر جميع المؤمنين ولم يبقى إلا: (الضعفاء الذين حبسوا، وأهل بيت النبي ﷺ، وأهل بيت أبي بكر)، جاء الإذن الإلهي للنبي ﷺ بالهجرة.
أحست قريش بأمر الهجرة وأدركت خطورة اجتماع رسول الله ﷺ بأصحابه في يثرب، فدعا أبو جهل سادة قريش لاجتماع في دار الندوة، منع عنه بني هاشم وعبد المطلب وعبد مناف الذين تعهدوا بحماية النبي ﷺ لنسبه منهم،
وبدأت المشاورات فأشار أبو البحتري أنْ يحبس رسول الله ﷺ وأشار آخر أن ينفى، لكن أبا جهل رأى أنْ يقتلْ، ولكن كيف يتخلص من الحماية التي له دون حدوث فتنة وقتال؟
استقر الرأي على أخذ شاب من كل فخذ من أفخاذ قريش، يجتمعون على قتل رسول الله ﷺ فيتفرق دمه بين بطون قرش، فلا يستطيع بنو عبد المطلب مواجهتهم جميعًا ويقبلون الدّية، قال تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنقال:30].
بينما كان رسول الله ﷺ منشغلًا بأمانات قريش التي عنده، يعلّمها علي بن أبي طالب رضي الله عنه ليؤديها لأصحابها، جاءه شباب قريش لقتله فحاصروا داره منتظرين خروجه، فأمر علي بن ابي طالب أنْ ينام في فراشه،
وخرج من بينهم بمعجزة وهم لا يرونه: واضعًا على رؤوسهم التراب، تاليًا آيات من سورة يس {وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ}.
جاء النبي ﷺ دار أبا بكر في ساعة لم يكن يأتيه فيها، فطرق الباب وأمره أنْ يخرج منْ عنده في الدار، فقال أبو بكر: (إنما هما ابنتاي: عائشة وأسماء)، فأخبره أنه قد أذن له بالهجرة، فقال أبو بكر: (الصحبة يا رسول الله؟)، فقال: (الصحبة يا أبا بكر)، تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: (فما رأيت أحدًا يبكي من الفرح قبل ذلك اليوم).
انطلق رسول الله ﷺ مع أبي بكر الصديق في هجرة غيرت مسار التاريخ، تجلت في هذه الرحلة دروس حسن التخطيط والأخذ بأسباب الحياة الدنيا:
وفي صباح اليوم التالي: دخل شباب قريش ليقتلوا رسول الله ﷺ، ففوجئوا بعلي في فراشه فانطلقوا يبحثون عنه فعلموا أنه خرج مع أبي بكر، ثارت ثائرة قريش فأرسلت رجالها في كل اتجاه باحثة عن رسول الله ﷺ، وأعلنوا جائزة من مئة بعير لم يأتيهم به حيًّا أو ميتًا.
استأجرت قريش من يتقفّى الأثر ووصلوا إلى باب الغار، فقال أبو بكر: (يا رسول الله، لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا)، فقال رسول الله ﷺ: «يا أبا بكر، ما ظنّك باثنين الله ثالثهما)، قال تعالى:
{إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}، إنّ الله معنا رسالة لكل المظلومين أنْ يكونوا مع الله سبحانه وتعالى فإن فعلوا فلا حزن.
بقي رسول الله وأبو بكر في الغار ثلاثة أيام، حتى هدأ طلبهم من قريش التي سكنت إلى فواتهم منها، فجاء “عبد الله بن أريقط” الذي استأجره أبي بكر ليرشدهما فانطلقوا في طريق غير معتاد نحو المدينة.
عندما هاجر الرسول محمد صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، وُرد أنه قال عبارات معبرة تظهر حبه وتعلقه بمكة. من أشهر ما قيل أنه قال: “والله إنك لأحب البلاد إلي ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما سكنت غيرك”. هذه الكلمات تعبر عن عميق حبه لمكة رغم الأذى الذي تعرض له فيها وإجباره على تركها.
مرّ رسول الله وأبو بكر وعبد الله في طريقهم بقبيلة “جشعم”، فرآهم أحد رجالها فذهب لأحد مجالسها وذكر ما رأى وذكر جائزة قريش، كان سراقة بن مالك جالسًا فأدرك صدق الأمر، فأراد أن يستأثر بالجائزة لنفسه فأخبر القوم أنّ من رآهم الرجل رجال يعرفهم ذهبوا يبتغوا بعيرًا لهم، ثم مكث سراقة بين القوم يحدثهم قليلًا ثم استأذن وخرج بفرسه متخفيًا.
انطلق سراقة حتى صار على مقربة رمح من النبي ﷺ وصاحبه؛ فغاصت قدمي فرسه في الرمال وسقط عنها، فغضب وهو الفارس الذي لم يسقط قط، ثم ركبها وانطلق من جديد حتى إذا اقترب غاصت وسقط، فعندها ظنّ أنه ممنوع (تحميه الجنّ حسب اعتقادهم) فطلب الأمان،
فكتب له النبي ﷺ كتابًا بالأمان مقابل ألا يخبر أحدًا، الأمان هذا نجّى سراقة بعد عشرة أعوام لما أُسر في حصار الطائف، فأخبر المسلمين أن يأخذوه لرسول الله ﷺ فمعه كتاب أمان منه، فلما جاءه قال رسول الله ﷺ: «اليوم يوم برّ ووفاء»، فأطلقه.
وفي الهجرة: لمّا همّ سراقة بالانصراف عن رسول الله ﷺ ناداه فقال: «كيف أنت يا سراقة وفي يديك سواريّ كسرى؟!»، أصابه العجب فقال: كسرى أنو شروان؟! قال: «نعم»، فسكت سراقة مذهولًا يُحدّث نفسه:
رجل مطارد من قومه يعده بكنز من كنوز واحد من أعظم ملوك ذلك الزمان، وفعلًا في زمن الفاروق فتحت بلاد فارس وجيء للمدينة بكنوز كسرى، فألبس الفاروق سراقة سواري كسرى وطلب منه أن يخبر الناس بما كان من أمره.
تابع ركب رسول الله ﷺ طريقه، ومرّ بخيمة أعرابية تدعى “أم معبد” تعيش مع زوجها في الصحراء، خلد التاريخ ذكرها؛ لأنه مرّ بها رسول الله ﷺ، ولأنها كانت أدقّ من وصف شكله ﷺ، فلما بلغها كان قد نفذ زادهم فسأله الطعام فقالت: (لو كان عندي طعام لما احتجتم السؤال).
رأى رسول الله ﷺ بطرف خيمتها شاة هزيلة فاستأذن أم معبد أنْ يحلبها، فأخبرته أنها أضعف من ذلك وليس بها من شيء، فأخذ رسول الله ﷺ بضرعها وذكر الله؛ ففاض حتى شرب رسول الله ﷺ وصاحبيه وشربت وترك لها الإناء مليء، ومضى وهي في قمة التعجب مما رأت.
لما عاد أبو معبد ورأى الحليب سألها فقالت: مرّ بي رجل مبارك، فطلب منها أن تصفه لها، فقالت:
ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه -واسع أبيض جميل-، حسن الخلق، لم تعبه فَجْلة -ما عنده كرش-، ولم تَزُر به صَعْلة -ليس نحيفًا صغير الرأس-، وسيم قسيم، في عينيه دعج -شديدة السواد والبياض-،
وفي أشفاره وَطَف -رموشه طويلة-، وفي صوته صحل -حدّة-، وفي عنقه سطع -طول ونور-، أحور -واسع العينين-، أكحل، أزج أقرن -حاجباه مقوسان طويلان دقيقان فيهما اتصال-، شديد سواد الشعر.
إذا صمت علاه الوقار، وإن تكلم علاه البهاء، أجلّ الناس وأبهاهم من بعيد، وأحسنه وأحلاه من قريب، حلو المنطق: (فصل، لا نزر، ولا هذر)، كأن منطقه خرزات نُظمن يتحدرن،
رِبعة: لا تقحمه عين من قِصر، ولا تشنؤه من طول، غُصن بين غصنين، فهو أنظر الثلاثة منظرا وأحسنهم قدرا، وله رفقاء يحفّون به، إذا قال استمعوا لقوله، وإذا أمر تبادروا إلى أمره، محفود محشود، لا عابس ولا مفَنَّد.
أخذت رحلة الهجرة قرابة أربعة أيام، كان أهل المدينة خلالها يخرجون صباحًا ينتظرون قدومه حتى تعلوهم الشمس فيرجعون، هذه التحركات هيأت شعور من في المدينة جميعًا أنّ القادم سيكون له أمر الحكم فيها، وفي يوم الإثنين (12) ربيع الأول وصل رسول الله المدينة فنوّرت به ﷺ.
وصل ﷺ بعد الظهر وأهل المدينة قد رجعوا إلا رجل من اليهود رآه فصاح بهم: (يا بني قيلة، هذا جدكم قد جاء)، فجاؤوا إليه مسرعين ينشدون:
طلع البدر علينا من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا ما دعا لله داع
أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع جئت شرّفت المدينة مرحبًا يا خير داع
هجرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، والمعروفة بالهجرة النبوية، تُعد حدثًا محوريًا في تاريخ الإسلام. وقعت هذه الهجرة في عام 622 ميلادي وكانت بمثابة تحول كبير في تاريخ الإسلام للأسباب التالية:
تُعتبر هجرة الرسول لحظة حاسمة أكدت على الصبر، الإيمان، والتضحية في مواجهة الصعاب، وهي تُذكر المسلمين بأهمية الوحدة والدعم المتبادل.
وفي الختام: لا تنس مشاركة هذه المقالة مع الأصدقاء
كما يمكنكم الاستفادة والاطلاع على المزيد من المقالات:
السيرة النبوية الشريفة و الإسراء والمعراج و وصف الرسول ﷺ – كأنك تراه
حمل الآن تطبيق السيرة النبوية للدكتور طارق السويدان mp3 للإستماع له بدون انترنت
تتمثل أسباب الهجرة النبوية في:
• قطعت قريش على الدعوة السبل وضيّقت عليها الخناق.
• توجه رسول الله ﷺ لدعوة القبائل في مواسم الحج، حتى أسلم (12) رجل من يثرب.
• انتشرت دعوة الإسلام في يثرب بشكل واسع، ثم كانت بيعة العقبة الثانية التي تعهد بها أهل يثرب المؤمنون بحمل الدعوة ونصرتها.
• عمّ الإسلام يثرب حتى لم يبقى فيها بيت إلا وفيه مسلم عدا يهود، فعندها أرسل مصعب بن عمير رضي الله عنه إلى رسول الله ﷺ يدعوه إلى القدوم إليهم.
دخل رسول الله المدينة يوم 12 ربيع الأول، سنة 1 هـ الموافق 27 سبتمبر سنة 622م، وعمره يومئذٍ 53 سنة، وهو بداية تاريخ الهجرة النبوية.
استغرقت رحلة الهجرة النبوية قرابة أربعة أيام.
اسم الغار الذي مكث فيه النبي في رحلة الهجرة هو غار ثور.
الجائزة التي وضعتها قريش لمن يأتيها بالنبي هي مئة بعير.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيرا على هذا الجهد الذي بذلتموه لنشر الاسلام ،
وحب وتقدير ى الخالص الى استاذنا الفاضل الدكتور طارق السويدان والله انا احبه في الله وادعوا له التوفيق والنجاح ،
عندي طلب صغير منكم ، هل بامكانكم ان تكتب محاضرات والدروس مشكولة حتى يسهل علينا للذين لا ينطقون باللغة العربية أن تستفيد منها ،
تحياتي لكم جميعا
اخوكم
شعبان الكوردي
ن النرويج