الليث بن سعد – إمام ضيعه تلاميذه
في روائع قصص التابعين عبرٌ وقدوةٌ للشباب في كل زمان، من هؤلاء العظماء الإمام "الليث…
Read moreبعض البشر يضحي بكل القيم من أجل الدنيا، فيقدم على اقتراف المحرمات من أجل المال والقوة، وهناك بعض البشر من يضحي بكل ما يملك، حتى بحريته؛ بحثا عن فكرة الحق.
وأي رائد في هذا المجال أفضل وأعظم من الباحث المسافر الحر المستعبد سلمان الفارسي رضي الله عنه؟!
فما سبب ريادته؟ وبماذا ضحى من أجل فكرته؟ في بضعة أسطر نعيش معه لننهل من خبرته.
ولد سلمان الفارسي في أصبهان من بلاد فارس. كان والده دهقان القرية (رئيسها)، وكانت له القيادة (سياسية ومالية ودينية)، فكان غنياً وجيهاً، وقد اجتهد سلمان في المجوسية فكان قيِّماً على النار (يضرمها حتى لا تنطفئ).
وهذا يدل على مكانة سلمان ودرجته العالية من التدين، فإخلاصه في المجوسية يدل على أهمية الدين والعقيدة في حياته، ومن كان مخلصًا لعقيدته يصعب عليه أن يفارقها إلى عقيدة وفكر يخالفان ما كان يؤمن به.
كان لوالده ضيعة يرعى شؤونها، شُغِل عنها ذات يوم فطلب من سلمان أن يأتي الضيعة ويهتم بها، امتثل سلمان لأمره والده وخرج إلى الضيعة، لكنه في الطريق وجد كنيسة، وسمع أصواتاً وألحاناً تنبعث منها.
دخلت الأصوات إلى قلبه فجلس يستمع خاشعاً بكل جوارحه، وحدث نفسه بأن هذه الأصوات والصلوات خير من الذي نحن عليه (الفطرة السليمة)، ثم بقي حتى ذهب الناس إلى منازلهم، وجلس هو مع الأسقف يسأله عن هذا الدين؟ فأخبره الراهب بشكل مفصل، وأعلمه أنّ أصل دينهم في الشام.
فائدة: في رحلة البحث عن الحق: كلما كان الباطل بعيدًا عن الفطرة، كلما سهل القضاء عليه.
في دين الإسلام: كلمة التوحيد تبدأ بنفي الشريك عن الله (لا إله)، فإذا وصلنا إلى قناعة نفي الشريك؛ عندها نثبت وحدانية الله (إلا الله)، فالله هو المعبود والمقصود.
عاد سلمان إلى والده في المساء، وأخبره ما كان من أمره، فغضب والده ونهره، وأمره ألا يعود إلى الكنيسة أو إلى هذا الكلام مرة أخرى، وخاف عليه كثيرًا فقيده بالسلاسل، لكن قيود سلمان لم تكن فقط هذه السلاسل؟ بل (قيد المجوسية – قيد الغنى – قيد محبة والده له – بالإضافة إلى قيد الحديد حول يديه).
لابد لنا من تسليط الضوء على طريقة معالجة المشكلة (والد سلمان لقضية سلمان) نموذجاً:
المشكلة = هي فكر وعقيدة، هي فكرة عقلية// علاجها = حوار هادئ بناء، يسعى فيه المرء لاقناع الطرف الآخر بفكره، برفق ولين وبيان الجوانب المشرقة فيه.
أما ما فعله والد سلمان فهو ما يفعله كثير من الناس في كل زمان (أسلوب القمع، وتكميم الأفواه، وإغلاق العيون، وإبطال العمل بالعقل)، وهذا الأسلوب الخاطئ سيجعل الطرف الآخر متمسكًا بفكره ومعتقده، بل ومنافحًا عنه.
أرسل سلمان إلى راهب الكنيسة، بأن يعلمه عن أي قافلة متجهة إلى الشام، فأعلمه ذاك الأسقف عن قافلة متجهة إلى الشام في يوم محدد، فتحايل سلمان على قيوده وتخلص منها، ثم انطلق ولحق بالقافلة إلى الشام.
عندما وصل إلى الشام سأل عن أفضل من يخدم الدين؟ فدلوه على الأسقف، فأتاه وقال له: جئت أخدم هذا الدين، فقبله الأسقف، وأقام عنده في الكنيسة، فكان رجل سوء يأمر الناس بالصدقة للمساكين، ثم يأخذها هو لنفسه، فأبغضه سلمان.
فلما مات الأسقف وحزن عليه الناس، أخبرهم سلمان أنه كان رجل سوء، ودلهم على مكان الذهب والأموال، فلما وجدوا الذهب أخذوا يرجموا جسده الأسقف.
فائدة: هل ترك سلمان فكرة هذا الدين بعد ضلال أحد قدوات ها الدين؟
والجواب لا، لأن العاقل يرتبط بالفكرة لا بالأشخاص، يتبع الفكرة ولا ينفك عنها بزوال الأشخاص أو بضلالهم.
استلم أسقف آخر الكنيسة، ودخل سلمان في خدمته، فكان رجلًا صالحًا تقيًا محبًا للخير، فأحبه سلمان، لكن ما لبث أن حضرته الوفاة، فقال له سلمان: دلني على رجل مثلك؟ فقال: لا أعلم رجلاً بقي على ما أنا عليه إلا في الموصل، فلما مات الأسقف سافر سلمان إلى الموصل.
وصل سلمان إلى الموصل واجتمع بالأسقف، وأخبره خبره، فوافق الأسقف على خدمة سلمان له، فكان بحق مثل صاحبه في الصلاح وخدمة الدين، ثم حضرته الوفاة، فسأله سلمان: من يتبع؟ فدله على رجل في “نصيبين”، فلما مات الأسقف سافر سلمان إلى نصيبين.
فائدة: صاحب الفكرة ينبغي له أن يصحب من يعينه على الالتزام بفكرته، ويأخذ بيده، ويكون سندًا له، ابحث عن الذين يؤمنوا بالقيم والأفكار.
وصل سلمان إلى نصيبين واجتمع بالأسقف، وأخبره خبره، فوافق الأسقف على خدمة سلمان له، فكان بحق مثل صاحب الموصل في الصلاح وخدمة الدين، ثم حضرته الوفاة، فسأله سلمان: من يتبع؟ فدله على رجل في عمورية، فلما مات الأسقف سافر سلمان إلى عمورية.
وصل سلمان إلى الأسقف الموصى به، وأخبره بقصته، فوافق الأسقف على خدمة سلمان له، فكان بحق مثل صاحبه في الصلاح وخدمة الدين، ثم حضرته الوفاة، فسأله سلمان: من يتبع؟ فقال له:
أي بني، والله ما أعلم أصبح أحد على مثل ما كنا من الناس آمرك أن تأتيه، ولكنه قد أظل زمان نبي مبعوث بدين إبراهيم يخرج بأرض العرب، مهجره إلى أرض بين حرّتين بينهما نخل، به علامات لا تخفى:
(يأكل الهدية، ولا يأكل الصدقة، وبين كتفيه خاتم النبوة)، فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل، ثم مات الأسقف.
عند موت راهب عموريّة، صَحب سلمان أُناساً من العرب من قبيلة كلب، وعرض عليهم أن يُعطيهم ما معه من غنم وبقر مقابل أن يأخُذوه معهم إلى بلادهم، فقبلوا بذلك.
عند وُصول القافلة إلى وادٍ بين المدينة والشام يُسمّى وادي القُرى، باعوه إلى رجلٍ من اليهود، فكان عنده ورأى النخل، فرجى أن يكون البلد الذي وصفه له صاحب عمورية، الذي قاله له ما بين لابتيها.
فبينما سلمان عنده إذ قدم عليه ابن عم له من بني قريظة، فابتاعه منه فأخذه إلى المدينة، وعندها رأى سلمان النخل الذي وصفه له الراهب.
هذا الباحث عن فكرته سلمان الفارسي: احترقت بدايته بين أسفار وخدمة لرجال الكنائس الصالح منهم والطالح، ثم احتراقه بسجن الرق والعبودية وهو الحرّ الغني، لكن الله كافأه وأشرقت نهايته بوقوفه أمام أعظم رجال التاريخ وأحبهم إلى الله سبحانه وتعالى، حتى غدا من آل بيت رسول الله.
نعم وصل إلى فكرته ومعتقده ومبتغاه في النهاية.
طلب النبي ﷺ من سلمان أنْ يكاتب سيده على التحرر من رقّه، فطمع سيده اليهودي وطلب منه بيضة من الذهب، فطلب النبي ﷺ من أصحابه أن يعينوا سلمان على نيل حريته، فلبوا النداء وجمعوا له الأموال والذهب، وأعتقوا أخاهم.
فتحرر في السنة الثالثة للهجرة، وغاب عن النبي ﷺ فقط في غزوتي بدر وأحد بسبب رقه، لكنه شهد مع النبي كل غزواته، وتوفي رسول الله ﷺ وهو عنه راض.
عمّر سلمان حتى خلافة عثمان رضي الله عنهم، عاش أكثر من (120) عامًا.
وأخيراً إذا آمنت بفكرة فعليك أن تعيش لأجلها، وتضحي لأجلها بلا تردد، ثم تموت لأجلها
وفي الختام: لا تنس مشاركة هذه المقالة مع الأصدقاء
كما يمكنكم الاستفادة والاطلاع على المزيد من المقالات:
الايمان وأهدافه و الإمام أبو حنيفة وعلاقة العقل بالدين و جائزة نوبل (علاقة الديناميت بالانسانية)
كان والده دهقان القرية (رئيسها)، وكانت له قيادة (سياسية ومالية ودينية)
كان لوالده ضيعة يرعى شؤونه، شُغِل عنها ذات يوم فطلب من سلمان أن يأتي الضيعة ويهتم بها، في الطريق وجد كنيسة، وسمع أصواتا وألحانا تنبعث منها، دخلت الأصوات إلى قلبه فجلس يستمع خاشعا بكل جوارحه، وحدث نفسه بأن هذه الأصوات والصلوات خير من الذي نحن عليه (الفطرة السليمة)،
بحثا عن الدين الحق الذي أخبره عنه الراهب أن مصدره الشام
ليلتحق بالأسقف الذي بقي على دين ابراهيم كما أخبره أسقف الشام
عند موت راهب عموريّة، صَحب سلمان أُناساً من العرب من قبيلة كلب، وعرض عليهم أن يُعطيهم ما معه من غنم وبقر مقابل أن يأخُذوه معهم إلى بلادهم، فقبلوا بذلك. عند وُصول القافلة إلى وادٍ بين المدينة والشام يُسمّى وادي القُرى، باعوه إلى رجلٍ من اليهود، فكان عنده ورأى النخل، فرجى أن يكون البلد الذي وصفه له صاحب عمورية، الذي قاله له ما بين لابتيها.
أراد أن يختبر العلامات الدالة على نبوة الرسول، فأتاه بتمر وقال له هو من تمر الصدقات، فما أكل منه النبي وقربه لأصحابه، فقال سلمان هذه واحدة.
ثم أتاه بتمر وقال هذا هدية فأكل منه النبي، فقال وهذه الثانية.
ثم كان يتحين الفرصة لرؤية خاتم النبوة بين كتفي رسول الله وتم له ذلك والنبي في بقيع الغرقد، فأسلم سلمان.