الإسلاموفوبيا – معناها وحقيقتها
الفوبيا: هي الخوف القهري اللاشعوري غير العقلاني وغير مبرر من موقف أو شخص أو ظاهرة، وعندما نضيف لها كلمة "الإسلام"، يصبح مصطلح "الإسلاموفوبيا" الذي يعني الخوف المبالغ به وغير المبرر من الإسلام.
اقرأ المزيدبدأنا عامًا هجريًا جديدًا، نتمنى أن يكون عامًا مليئًا بالخيرات والنجاحات. في الهجرة النبوية، نجد دروسًا مهمة في التعامل مع التحديات وصناعة الأمل في الظروف الصعبة. النبي صلى الله عليه وسلم واجه العديد من الصعاب والعقبات دون أن ييأس، وهذا يعطينا درسًا قيمًا في الصمود والتفاؤل.
من ثم، نتجه إلى أزمة أخرى تتعلق باللغة العربية وهي غياب الذوق اللغوي وانخفاض مستوى اللغة والإحساس بها. هذه الأزمة تستدعي الاهتمام لأن اللغة هي جزء أساسي من الثقافة والحضارة. يجب علينا الحفاظ على جمال اللغة واحترامها وتعزيز الذوق اللغوي للمساهمة في الحفاظ على هذا الإرث الثقافي الهام.
اشتهر العرب منذ القدم بالبلاغة والبيان والفصاحة والشعر، والمطلع على العربية وعلى غيرها من اللغات يعلم مدى توسعها وشمولها وإبداعها في البلاغة وحسن تركيب الكلام وسحره وبيانه، علاوة على أن فيها من الدقة وتصريف الكلمات واشتقاقها ما لا تجده في غيرها، كما أن الإعراب ميزة إضافية تمتاز بها اللغة العربية، كما أن العرب اشتهروا بمناظراتهم الشعرية والأدبية، والأسواق التي كانوا يقيمونها لذلك كسوق عكاظ، كما اشتهرت عندهم المعلقات وهي أجمل القصائد وأبدعها وأفصحها والتي كانوا يعلقونها على جدار الكعبة المشرفة كما تؤكد بعض الروايات.
والعربي فصيح بطبعه، وما كانوا يتعلمون اللغة كما أصبح الناس يتعلمونها بعد أن دخلها اللحن وأفسدتها اللغات الأخرى بل كان العرب بليغا بطبعه
كما يقول أحدهم
ولست بنحوي يلوك لسانه ولكن سليقيّ يقول فيعرب
أي يقول فيفصح القول لأن الإعراب معناه الإفصاح.
اللغة العربية تعتبر واحدة من أجمل اللغات على وجه الأرض، ويمكن استنتاج هذا الجمال بوضوح من خلال الشعر العربي الرائع. الشعراء العرب عبر العصور قدموا أعمالًا تتناول جمال اللغة العربية بمختلف جوانبه. إليك بعض الأبيات التي تعبّر عن هذا الجمال:
تتميز اللغة العربية بقواعدها الدقيقة والغنية بالمفردات والتعابير، مما يسمح للشعراء بصياغة أبيات تعبّر عن مشاعرهم وأفكارهم بشكل فريد وجميل. إن جمال اللغة العربية يسهم في إثراء التراث الثقافي والأدبي للعالم العربي والإسلامي.
كان للكلمة سحر في نفوس العرب قبل أن تفسد الأذواق وتموت البلاغة، فكانت الكلمة البليغة تفعل فعلها، وتطرب العقول والقلوب والنفوس.
وقد كان العربي البليغ حينما يسمع كلاما فصيخا أو أبيات بليغة يصير لها لبه، وربما أغشي عليه من وقعها وجمالها وسنورد على ذلك أمثلة لنقارن ما سنذكره من بلاغة وفصاحة بما يتلى على مسامعنا كل يوم من كلام ركيك ثقيل باهت.
كان الشاعر ( دعبل الخزاعي ) من أروع وأبدع الشعراء في العصر العباسي وكان شديد الحب لآل البيت حتى يذكر البعض أنه غالى فيهم كثيرا.
ذهب هذا الشاعر البليغ إلى علي بن موسى الرضا وكان علي خليفة المأمون فدخل عليه دعبل وأنشده هذه القصيدة الرائعة البليغة الجميلة والتي يقول في أولها:
مدارس آيات خلت من تلاوة ومنزل وحي مقفر العرصات
لآل رسول الله بالخيف من منى وبالركن والتعريف والجمرات
ديار عفاها كل جون مباكر ولم تعفر الأيام والسنوات
قفا نسأل الدار التي خف أهلها متى عهدها بالصوم والصلوات؟
والتي يقول فيها
إذا ذكروا قتلى ببدر وخيبر ويوم حنين أسبلوا العبرات
إذا وتروا مدوا إلى واتريهم أكفا عن الأتار منقبضات
إلى آخر قصيدته الرائعة التي ألقاها أمام علي الرضا فأغشي على علي من جمالها وروعتها وحسنها!!! فلما أفاق أهداه بردته، وقيل أهداه معها مالا كثيرا.
لكن شاهدنا أن اللغة الجميلة والإبداع فيها كان له سحر ووقع في النفوس.
يقول الشاعر والمحدث عروة بن أذينة شيخ الإمام مالك:
إن التي زعمـت فـؤادك ملها خلقت هواك كما خلقت هوى لها
فبك الذي زعمـت بها وكلاكما يبدي لصاحبه الصبابة كلها
ويبيت بين جوانحي حـبٌّ لهـا لو كان تحـت فراشهـا لأقلها
ولعمرها لو كان حبـك فوقها يوماً وقد ضحيـت إذن أظلها
وإذا وجدت لها وساوس سلـوة شفع الفؤاد إلى الضمير فسلها
بيضاء باكرها النعيـم فصاغها بلبـاقـة فـأدقهـاوأجلهـا
منعـت تحيتها فقلـت لصاحبي ما كان أكثـرها لنـا وأقلها!
فدنا فقـال ، لعلهـا معـذورة من أجل رقبتها، فقلت: لعلها
هذه الأبيات التي بلغ من إعجاب الناس بها أن أبا السائب المخزومي لما سمعها حلف أنه لا يأكل بها طعاما إلى الليل!!
فانظر إلى هذه الأبيات وجمالها ورقتها وروعتها، وقارنها بما يتلوه الشعرء اليوم من قصائد هشة رثة لاتفرق بينها وبين النثر من سوئها وهزالها.
جمال اللغة العربية
بلغ من سحر العربية وجمالها أن الأمراء كانوا يكرمون الشعراء أيما إكرام ويجعلون لهم مكانة عالية رفيعة، ويجزلون لهم العطايا، بل ويطربون لسماع الشعر والأدب والكلام الفصيح، فكم أغنت الفصاحة من عالم وشاعر، وكم فتحت الكلمة البليغة من قلب مغلق.
يذكر أن الشاعر العربي جرير وفد على عبدالملك بن مروان وكان هذا اللقاء أول لقاء بين الخليفة وجرير، فبدأ جرير قصيدته بقوله:
أتصحو أم فؤادك غير صاح
فقال عبدالملك: بل فؤادك أنت.
لكن جرير أكمل قصيدته لأنه يعلم ماسيأتي بعدها من جمال وبلاغة وتشبيه
أتصحو أم فؤادك غير صاح عشية هم صحبك بالرواح
إلى أن وصل إلى هذا البيت الرائع
ألستم خير من ركب المطايا وأندى العالمين بطون راح
فأعجب عبدالملك جدا بهذا البيت وأمر له بمكافأة مجزية.
كان الناس منذ الجاهلية إلى وقت قريب وهم يتلذذون بسماع الكلمات الجميلة المعبرة وكانوا حتى في أغانيهم لا يرضون إلا الكلام الجميل البليغ الفصيح.
وهذه ( سلامة ) المغنية الشهيرة في التاريخ وكانت أيام الأمويين تغني بأجمل الأبيات وأرقها معنى وذوقا
ومن الأشعار التي كانت تتغنى بها:
إن التي طرقتك بين ركائب تمشي بمزهرها وأنت حرام
لتصيد قلبك أو جزاء مودة أن الرفيق له عليك ذمام
باتت تعللنا وتحسب أننا في ذاك أيقاظ ونحن نيام
لكننا للأسف تكوّن لدينا جيل لا يأبه باللغة ولا يتذوق جمالها ولايفرّق بين المعنى الجميل والتشبيه الرائع وبين الكلمة السخيفة الفارغة التي لامعنى لها لافي العربية ولا حتى في العامية المحكية.
وكان القرآن الكريم يتلى حتى على المشركين فيهتزون لقوته وبلاغته ويسدون أسماعهم حتى لايتأثروا فيه!! حتى قال فيه الوليد بن المغيرة وهو مشرك ( والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمورق، وإن أعلاه لمثمر، ومايقول هذا بشر )
لكننا اليوم نقرأ القرآن فلا تهتز لسماعه ولايصلنا جمال كلماته وبلاغته وقوة بيانه، لأننا فقدنا الذوق اللغوي يوم أن ابتعدنا عن لغتنا الجميلة لغة القرآن العظيم.
حتى نثبت ماوصل إليه الذوق اللغوي العام من الفساد وعدم الالتفات ولا الاستمتاع بجمال اللغة والكلمة والتعبير لنقارن بين ماذكرناه قبل أسطر من الشعر الذي كانت تغنيه سلامة في جماله وروعته وكيف كان يطرب لها الخلفاء، بل إننا لانريد أن نبعد المسافة، سنذكر قطعا من أغاني كانت تغنى قبل عشرات السنين فقط ثم نقارنها بأغاني اليوم.
أليس مما كان يغنى حتى طرق مسامع الجميع
سمعت صوتا هاتفا بالسحر نادى من الغيب غفاة البشر
والتي فيها
فما أطال النوم عمرا ولا قصّر في الأعمار طول السهر
كما أن من الأغاني التي كانت تغنى
أكاد أشك في نفسي لأني أكاد أشك فيك وأنت مني
وغير ذلك من الكلمات الراقية والمعاني الجميلة.
لكن قارن ما كان يغنى وذوق الناس في ذلك الوقت بالاستماع إلى الغناء الراقي والذي يدل على رقي اللغة والكلمة لديهم وبين مايغنى اليوم من كلمات سخيفة خفيفة تقتل كل معاني الإحساس عند الناس
أيعقل أن يكون مما يغني ( أركب الحنطور واتحنطر ) وهذه كلمات تطرق أسماعنا في كل مكان عام نذهب إليه وتكاد تقتلنا من سوئها وغلظها ورداءتها لكننا لا نملك أن نمنع الناس وهم في مجتمعاتهم وأسواقهم وسياراتهم من تشغيلها، ممايدل على أن الذوق والجمال والإحساس لم يمت عند المغنين فقط بل عند عامة الناس.
وبالله عليك قلي مامعنى ( كامننا كامننا ) والتي كانت مطلع أغنية اشتهرت وأزعجونا بها في كل مكان؟؟
أم هل تسمي مايتلى في أغلب الأمسيات اليوم شعرا إذا ما قارنته بشعراء العرب المبدعين ولا أريد أن أقارنه بالمتنبي ولا المعري بل بالمبدعين المتأخرين كعمر أبي ريشة وأبي القاسم الشابي وغيرهم الكثير، فأين غالب شعر اليوم من شعر أولئك المتقدمين والمتأخرين؟!!
لايمكننا أن نضع اللوم على أحد بعينه، فالجميع شارك في هذه المهزلة التي وصلنا إليها، المناهج الحكومية، العلماء ( سواء علماء اللغة أو علماء الشريعة )، الشعراء، الناس أنفسهم لم ينكروا هذا التغير واستحسنوه بل ودعموه.
وفي ختام هذه الزاوية نسأل الله سبحانه أن يحيينا لنرى ونسمع غير مانراه اليوم ونسمعه، ويعود للكلمة رونقها، وللعربية جمالها، وللبلاغة مكانتها، ويعود الذوق العام جميلا كما كان، والله الموفق لأقوم سبيل.
د. طارق محمد السويدان
مقالات قد تهمك
فاطمة الزهراء ابنة النبي صلى الله عليه وسلم
ماريا القبطية الام الحنون لابن النبي صلى الله عليه وسلم
الاضحية كل ما تريد معرفته عنها
- اشتهر العرب منذ القدم بالبلاغة والبيان والفصاحة والشعر، والمطلع على العربية وعلى غيرها من اللغات يعلم مدى توسعها وشمولها وإبداعها في البلاغة وحسن تركيب الكلام وسحره وبيانه، علاوة على أن فيها من الدقة وتصريف الكلمات واشتقاقها ما لا تجده في غيرها، كما أن الإعراب ميزة إضافية تمتاز بها اللغة العربية.
- كما أن العرب اشتهروا بمناظراتهم الشعرية والأدبية، والأسواق التي كانوا يقيمونها لذلك كسوق عكاظ، كما اشتهرت عندهم المعلقات وهي أجمل القصائد وأبدعها وأفصحها والتي كانوا يعلقونها على جدار الكعبة المشرفة كما تؤكد بعض الروايات.
كان للكلمة سحر في نفوس العرب قبل أن تفسد الأذواق وتموت البلاغة، فكانت الكلمة البليغة تفعل فعلها، وتطرب العقول والقلوب والنفوس.
وقد كان العربي البليغ حينما يسمع كلاما فصيخا أو أبيات بليغة يصير لها لبه، وربما أغشي عليه من وقعها وجمالها.
- عدم تذوق جمال القرآن وروعته وبلاغته وحتى عدم فهم معانيه البسيطة.
- الانصراف عن الشعر الجميل والأدب الراقي والنثر البليغ إلى الكتابات السطحية والشعر السخيف.
- الانحطاط حتى في لغة التخاطب اليومية والتي تحولت لدى البعض إلى ألفاظ كلها سب وتجريح وسوء أدب.
- كان العلماء يقولون ( من تعلم العربية رق طبعه ) ولعل أحد مظاهر غياب التذوق الجمالي للعربية ما نشاهده ونلمسه من غلظ الطباع عند البعض وقسوتها وعدم تأثرها بالمعاني الرقيقة والإنسانية.
لايمكننا أن نضع اللوم على أحد بعينه، فالجميع شارك في هذه المهزلة التي وصلنا إليها، المناهج الحكومية، العلماء ( سواء علماء اللغة أو علماء الشريعة )، الشعراء، الناس أنفسهم لم ينكروا هذا التغير واستحسنوه بل ودعموه.
كتاب (وحي القلم) للأديب العظيم مصطفى صادق الرافعي، والذي يعتبر من أعظم إبداعاته وهو كتاب يستحق القراءة بكل المقاييس، وستعيش معه جمال الكلمة والتعبير واللغة.