الاعمال التي تبني بيت في الجنة
لا شكّ في أنّ حصول الإنسان على بيت في الدنيا بجهده وعمله يحتاج إلى عمل…
Read moreيمثل الزهد في حياة الفاروق أصلًا من الأصول التي قام عليها دينه القويم، ومن عجيب أثر الزهد في حياته أنه جعله يحيا مع الناس ببدنه فقط، أما قلبه وعقله ففي عالم الآخرة، ومن آثار الزهد في حياته أن الله تعالى ثبّت الحكمة في قلبه، وأطلق بها لسانه وبصّره بعيوبه، ورَغِب في الباقيات الصالحات، وترك الشهوات الفانيات.
ومن القواعد الطبيعية: أنّ الحاكم إذا امتدت يده إلى مال الدولة؛ اتسع الفتق على الراتق، واختلّ بيت المال أو مالية الحكومة، وسرى الخلل إلى جميع فروع المصالح، وجهر المُسِر بالخيانة، وانحل النظام.
ومن المعلوم أنّ الإنسان إذا كان ذا قناعة وعفة عن مال الناس، زاهدًا في حقوقهم، دعاهم ذلك إلى محبته والرغبة فيه، وإذا كان حاكمًا أقبلوا عليه، وأخلصوا في طاعته، وكان أكرم عليهم من أنفسهم.
لقد فهم عمر من خلال: (معايشته للقرآن الكريم، ومصاحبته للنبي الأمين ﷺ، ومن تفكره في هذه الحياة)، أنّ الدنيا دار اختبار وابتلاء، وعليه فإنها مزرعة للآخرة، ولذلك تحرر من سيطرة الدنيا بزخارفها، وزينتها، وبريقها، وخضع وانقاد وأسلم نفسه لربه ظاهرًا وباطنًا، فوصل إلى حقائق استقرت في قلبه ساعدته على الزهد في هذه الدنيا، ومن هذه الحقائق:
استقرت هذه الحقائق في قلب عمر ، فترفَّع عن الدنيا وحطامها وزهد فيها.
– عن عليٍّ رضي الله عنه قال: رأيت عمر بن الخطاب على قَتَبٍ يعدو، فقلت: يا أمير المؤمنين! أين تذهب؟ قال: (بعيرٌ ندَّ من إِبل الصَّدقة أطلبه)، فقلت: أَذْلَلْتَ الخلفاء بعدك! فقال: (يا أبا الحسن! لا تلمني، فو الذي بعث محمَّدًا بالنُّبوَّة، ولو أنَّ عناقًا أُخذت بشاطىء الفرات، لأُخذ بها عمر يوم القيامة).
– يقول الأحنف بن قيس التميمي: أخرَجنا عمر بن الخطاب في سرية إلى العراق، ففتح الله علينا العراق وبلد فارس، فأصبنا فيها من بياض فارس، وخراسان، فجعلناه معنا واكتسينا منها، فلما قدمنا على عمر أعرض عنا بوجهه وجعل لا يكلمنا، فاشتد ذلك على أصحاب رسول الله ﷺ، فأتينا ابنه عبد الله بن عمر – وهو جالس في المسجد -، فشكونا إليه ما نزل بنا من الجفاء من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب.
فقال عبد الله: (إنّ أمير المؤمنين رأى عليكم لباسًا لم يرَ رسول الله ﷺ يلبسه، ولا الخليفة من بعده أبو بكر الصديق، فأتينا منازلنا فنزعنا ما كان علينا، وأتيناه في البِزة التي كان يعهدنا فيها، فقام يسلم علينا على رجل رجل، ويعانق منَّا رجلًا رجلًا، حتى كأنه لم يرنا قبل ذلك).
فقدَّمنا إليه الغنائم فقسمها بيننا بالسوية، فعُرض عليه في الغنائم سلال من أنواع الخبيص من أصفر وأحمر، فذاقه عمر فوجده طيبَ الطعم طيبَ الريح، فأقبل علينا بوجهه وقال: (والله يا معشر المهاجرين والأنصار، ليقتلن منكم الابن أباه، والأخ أخاه على هذا الطعام)، ثم أمر به فحُمل إلى أولاد من قُتلوا بين يديّ رسول الله ﷺ من المهاجرين والأنصار.
– كان عمر لا يأكل إلا الخشن من الطعام، ولا يجمع بين إدامين (الإدامين: ما يأكل بالخبز) قط، ويلبس ثوبًا به أكثر من اثنتي عشرة رقعة.
تلَقَّى عمر الزهد دروسًا عملية تربوية من سيد الزاهدين محمد ﷺ، يروي مسلم فيقول: دخل عمر على النبي ﷺ وهو في مشربة له، فالتفت في بيت رسول الله ﷺ فلم يجد شيئًا يَرُدُّ البصرَ إلا جلودًا قد سطع ريحها، ورسول الله ﷺ مضطجع قد أثرت حبال السرير في جنبه الشريف ﷺ، فتدمع عينا عمر فيقول ﷺ: ما بك يا عمر؟ فيقول: أنت رسول الله وخِيرته من خلقه على هذا، وكسرى وقيصر في الديباج والحرير وما تعلم؟!
فاستوى ﷺ جالسًا وقال: «أفي شك أنت يا بن الخطاب؟! أولئك أقوام عُجِّلَت لهم طيباتهم في الدنيا، أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الأخرى؟! ثم قرأ {وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ}».
حينما كان أبو الدرداء في الشام، قدم سيدنا عمر متفقدًا أحوال الرعية، فزار صاحبه أبا الدرداء في منزله ليلًا، فدفع الباب فإذا هو بغير غلق، فدخل في بيت مظلم لا ضوء فيه، فلما سمع أبو الدرداء صوته قام إليه ورحّب به وأجلسه، وأخذ الرجلان يتناوبان الأحاديث، والظلام يحجب كلًا منهما عن صاحبه.
قال له عمر: رحمك الله، ألم أوسِّعْ عليك؟ ألم أبعث إليك؟ قال له أبو الدرداء: أتذكر يا عمر، حديثًا حدثنا به النبي ﷺ؟ قال: وما هو؟، قال: ألم يقل ﷺ: «ليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب؟»، قال: بلى، قال: فماذا فعلنا بعده يا عمر؟ فبكى عمر، وبكى أبو الدرداء.
يقف أمام غنائم كسرى من الفرس، ويقول إنّ قومًا أدوا هذا لأمناء، وتذرف الدموع حَرَّى من عينه، يكفكفها بطرف ثوبه، فينهد باكيًا قائلًا: (فدت نفسي رسول الله ﷺ، هو الأحب إلى الله منا، فدت نفسي أبا بكر، وهو عند الله خير منا، واالَهْفَ نفسي! مَضَوا إلى الله وخلفونا، ولم يَرَوا من زهرة الدنيا شيئًا، ثم فُتِحَ علينا من الدنيا ما ترون، وأخشى أن تكون طيبات عجلت لنا)، فضج المسجد بالبكاء، فما تسمع إلا النشيج والحنين والأنين.
من خلال حياته مع أسرته وأقربائه: يظهر لنا معلم من معالم الفاروق في ممارسة منصب الخلافة، وهو القدوة الحسنة في حياته الخاصة والعامة، حتى قال في حقه علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: (عففت فعفت رعيتك، ولو رتعت لرتعوا)، وكان لالتزامه بما يدعو إليه، ومحاسبته نفسه وأهل بيته أكثر مما يحاسب به ولاته وعماله؛ الأثر الكبير في زيادة هيبته في النفوس، وتصديق الخاصة والعامة له.
إقرا أيضاً: عمر بن الخطاب وحماية الأسرة
وفي الختام: لا تنس مشاركة هذه المقالة مع الأصدقاء.
كما يمكنك الاستفادة والاطلاع على المزيد من المقالات
الحسين بن علي و الأرقم بن أبي الأرقم و معاذ بن جبل
يمثل الزهد في حياة الفاروق أصلًا من الأصول التي قام عليها دينه القويم، ومن عجيب أثر الزهد في حياته أنه جعله يحيا مع الناس ببدنه فقط، أما قلبه وعقله ففي عالم الآخرة، ومن آثار الزهد في حياته أن الله تعالى ثبّت الحكمة في قلبه، وأطلق بها لسانه وبصّره بعيوبه، ورَغِب في الباقيات الصالحات، وترك الشهوات الفانيات.
1-ن عليٍّ رضي الله عنه قال: رأيت عمر بن الخطاب على قَتَبٍ يعدو، فقلت: يا أمير المؤمنين! أين تذهب؟ قال: (بعيرٌ ندَّ من إِبل الصَّدقة أطلبه)، فقلت: أَذْلَلْتَ الخلفاء بعدك! فقال: (يا أبا الحسن! لا تلمني، فو الذي بعث محمَّدًا بالنُّبوَّة، ولو أنَّ عناقًا أُخذت بشاطىء الفرات، لأُخذ بها عمر يوم القيامة).
2-عرض عليه من غنائم العراق سلال من أنواع الخبيص من أصفر وأحمر، فذاقه عمر فوجده طيبَ الطعم طيبَ الريح، فأقبل علينا بوجهه وقال: (والله يا معشر المهاجرين والأنصار، ليقتلن منكم الابن أباه، والأخ أخاه على هذا الطعام)، ثم أمر به فحُمل إلى أولاد من قُتلوا بين يديّ رسول الله ﷺ من المهاجرين
3-كان عمر لا يأكل إلا الخشن من الطعام، ولا يجمع بين إدامين (الإدامين: ما يأكل بالخبز) قط.
يلبس ثوبًا به أكثر من اثنتي عشرة رقعة، به تسلم مفاتيح القدس.
تلَقَّى عمر الزهد دروسًا عملية تربوية من سيد الزاهدين محمد ﷺ، يروي مسلم فيقول: دخل عمر على النبي ﷺ وهو في مشربة له، فالتفت في بيت رسول الله ﷺ فلم يجد شيئًا يَرُدُّ البصرَ إلا جلودًا قد سطع ريحها، ورسول الله ﷺ مضطجع قد أثرت حبال السرير في جنبه الشريف ﷺ، فتدمع عينا عمر فيقول ﷺ: ما بك يا عمر؟ فيقول: أنت رسول الله وخِيرته من خلقه على هذا، وكسرى وقيصر في الديباج والحرير وما تعلم؟!
فاستوى ﷺ جالسًا وقال: «أفي شك أنت يا بن الخطاب؟! أولئك أقوام عُجِّلَت لهم طيباتهم في الدنيا، أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الأخرى؟! ثم قرأ {وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ}».