اللهُ هو الغنيّ الوهّاب الرّزاق، يُعطي ويمنح بغيرِ حساب، يُقدّر الرزق لعلمِه بالأسباب، دعونا نتعرّف على بعضِ الإحصاءات في العالم اليوم:
أفقرُ (40%) من سكان العالم يحصلون فقط على (5%) من الدخل العالمي.
يُسيطر (20%) من أغنياء العالم على ثلاث أرباع الدخل العالمي.
(300) ألف طفل يموتون يوميًا بسبب الفقر.
فكان الانشغالُ بالرزق أمر طبيعيّ، فهيا بنا نتعرّف على قوانينِ وأسباب وموانعِ الرزق، من خلالِ هدي كتاب الله وسنةِ رسوله عليه أفضل الصلاة والسلام.
الرزق مكتوب
لا شكَّ أن الرزق مكتوب ومقدّر لكل مخلوق، وقد أمَر الله تعالى القلم عند بداية الخلق بأن يكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة وكل ذلك موجود في اللوح المحفوظ، فإن عِلم الله وسع كل شيء ما كان وما سيكون وما لم يكن، ومن بين ذلك أعمال الإنسان ورزقه وأجله وكل ما يتعلق به من أمور، لكن هذا العلم لا يعني إجبار الإنسان وسلب حريته في العقيدة والعمل.
قال تعالى في كتابه الكريم: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ}، فصحيحٌ أن الرزق مكتوب معلوم وهو من القضاء والقدر، لكن هذا الرزق مقترن بمجموعة من الشروط والأسباب التي يجب على الإنسان العمل بها مع التوكل على الله.
ولكن ما هي تلك الشروط؟
وما هي أسباب جلب الرزق وموانعه؟
هذا ما سنناقشه في السطور القادمة.
الرزق في الإسلام وكيف نظر إليها
لطالما شغلت قضية الرزق عقول الناس جميعاً وكانت همّهم الأول، ونرى كيف أن المرء يسعى ويزاحم الآخرين في سبيل تأمين رزقه وحاجاته، لذلك أولى الإسلام اهتماماً كبيراً لهذا الجانب،
فالانشغال في الرزق أمرٌ طبيعي، لكن له حدودٌ شريعة يجب الوقوف عندها، وعلينا أن نتعلم شكر الله على نعمه وأرزاقه، ومن أسماء الله الحسنى التي تجلّت فيها صفات الرزق: (الرزّاق – الوهّاب – الفتّاح – المُقيت – الغنيُّ – المغني).
حقيقة الرزق
قد يأخذ الرزق أشكالاً مختلفة، فهو نعمة بالنسبة للمؤمنين الذين يوظّفونه في طاعة الله وطلب مرضاته، وفي نفس الوقت فإن الرزق قد يأتي على هيئة عقابٍ لأهل الضلال الذين يوسع الله عليهم في الدنيا ويمهلهم إلى الآخرة.
عندما سُئل الإمام أحمد بن حنبل، أيكون المرءُ زاهداً وعنده ألف دينار؟ أجاب إجابةً عجيبة حيث قال: (نعم، بأن تكون الدنيا في يده وليست في قلبه)، فقالوا وما علامة ذلك؟ فقال: (علامة أن الدنيا ما زالت في يك ولم تصل إلى قلبك أنها إذا زادت لم تفرح وإذا نقصت لم تحزن).
استعجال الرزق
أمر الله عباده بالسعي والأخذ بالأسباب مع التوكل عليه في النتائج، فالرزّق مقدّر في وقته المناسب، بغض النظر عن الطريقة التي سيأتي من خلالها، لذا فإن استعجال الرزق قد يوقع الإنسان في الخطأ، فبدل أن يصبر على رزقه ويأكله حلالاً يستعجله ويأخذه حراماً، وهو في الحالتين قد كُتب له.
الرزق لمن سعى وليس لمن دعا
يزعم البعض أن رزقهم آتٍ لمجرّد أنهم يتضرّعون إلى الله ويدعونه، لكن هذا من صور الجهل والتواكل، ولطالما ربط الإسلام الرزق بالسعي والعمل مهما كان بسيطاً،
فعندما أمر الله سيدتنا مريم أن تهزّ جذع النخلة وهي امرأة ضعيفة على وشك الولادة، كان يعلم أن فعلها هذا لا تأثير له، لكنه يحثّ على العمل الأخذ بالأسباب، كذلك الأمر عندما أمر موسى عليه السلام أن يضرب البحر بعصاه حتى انشق.
قال تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)، لذلك فالرزق يحتاج إلى بذل الجهد والمحاولات وعدم اليأس من كرم الله، إلى جانب الدعاء والتوكّل على الله.
أنواع الرزق
أرسل عابد الحرمين الفضيل بن عياض إلى الإمام مالك يقول له: (أراك انشغلت بتعليم الناس عن العبادة، ولو تفرّغت للعبادة لكان خيرًا لك)، فأجابه الإمام مالك مصححًا لهذا المفهوم برسالة يقول فيها:
(إنّ الله وزّع الأرزاق: فمنهم من حبب الله له الصدقة، ومنهم من حبب الله له العلم، ومنهم من حبب الله له العبادة، ومنهم من حبب الله له الجهاد، وكلّ ميسّر لما خلق له).
صلة الرحم: عن النبي ﷺ أنه قال: «من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه».
كثرة الصدقة: فقد قال تعالى: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}، وقال ﷺ: «ما نقص مالٌ من صدقة».
الإكثارُ من الحجِ والعمرة والمتابعةُ بينهما: قال ﷺ: «تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب، كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة».
الدعاء: كان النبي ﷺ يسأل الله الرزق الطيب فإذا أصبح قال: «اللهم إني أسألك علما نافعا ورزقا طيبا وعملا متقبلًا».
موانع الرزق و لماذا يحبس الرزق ؟
الرزق بيد الله وحده، يوسع على من يشاء ويضيق على من يشاء، وبرز هذا في قوله تعالى: ﴿اللّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقَدِرُ﴾، وعندما يُحبس الرزق عن أحدٍ من العباد فلابدّ أن هناك حِكمة وراء ذلك، سواءً كان هذا المنع لمصلحة المرء أم عقاباً له.
كما أنّ هناك بعض الأسباب التي توجب العقاب على الإنسان، وتكون من موانع الرزق منها:
الذنوب والمعاصي: قال رسول الله ﷺ: «وإنّ الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه».
التواكلُ وعدم الأخذِ بالأسباب: قالعمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لا يقعدنّ أحدكُم عن طلبِ الرزق وهو يقول: اللهم ارزقني، وقد علم أن السماء لا تُمطر ذهبًا ولا فضة).
حفظُ النعم وعدم الإسراف فيها وتضييعها: قال ﷺ: «يا عائشة أحسني جوارَ نعمِ الله عليكِ فإنها قل إنّ نفرَت عن قوم فكادت ترجِعُ إليهم».
أكلُ المالِ الحرام: قال رسول الله ﷺ لسيدنا سعد بن أبي وقاص: «يا سعد أطب مطعمكَ تكُن مُستجاب الدعوة، والذي نفس محمدٍ بيده إنّ العبدَ ليقذِفُ اللُقمة الحرام في جوفهِ ما يُتقبل منهُ عملث أربعين يومًا، وأيما عبدٍ نبتَ لحمهُ من سحت فالنار أولى به».
آيات عن الرزق و معنى الرزق في القرآن
الله هو الرزاق فلا نتذلل لأحد من أجل رزق: {إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}.
الدعوة إلى عدم الانشغال بطلب الرزق عن العبادات: {رِجَالٌ لّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ}.
احاديث عن الرزق
الرزق مكفولٌ فلا همّ: قال رسول الله ﷺ: «إنَّ الروح الأمين قد ألقى في رُوعي، أنه لن تموت نفسٌ حتى تستوفي رزقَها)، وفي الحديث: (يقول ابن آدم: مالي مالي وهل لك يا بن آدمَ من مالك، إلا ما أكلتَ فأفْنيتَ، أو لبِستَ فأبليتَ، أو أعطيتَ فأمضيتَ).
عطاءُ من لا يخشى الفقر: غنِم المسلمون في غزوةِ حُنين الكثير، فجاء رجلٌ أعرابيّ إلى النبي ﷺ يسأله، يقول أنس بن مالك رضي الله عنه: ما سُئِلَ رسُولُ اللَّه ﷺ عَلَى الإِسْلامِ شَيئاً إِلا أَعْطاه، وَلَقَدَ جَاءَه رَجُلٌ فَأَعطَاه غَنَماً بَينَ جَبَلَينِ، فَرَجَعَ إِلى قَومِهِ فَقَالَ: يَا قَوْمِ أَسْلِمُوا فَإِنَّ مُحَمداً يُعْطِي عَطَاءَ مَنْ لا يَخْشَى الفَقْرَ،
وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيُسْلِمُ مَا يُرِيدُ إِلاَّ الدُّنْيَا، فَمَا يَلْبَثُ إِلاَّ يَسِيرًا حَتَّى يَكُونَ الإِسْلامُ أَحَبَّ إِلَيه منَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، فهناك من الناس من لا يقتنعُ إلا بالفكرِ والمنطِق، وهناكَ من الناس من يشترى بالمال، وهناكَ من تُحركهُ العواطف والروحانيات، إذن الكثير من الناس يُحركهم الجود والكرم ويزرع في نفوسِهم معاني الحب والتقدير للمُعطي.
أعطاني حتى صار أحبّ الناس إليّ: ورثَ صفوان بن أمية بن خلف الكُرهَ والعداوة للإسلام مِن أبيه الذي قُتلَ في غزوة بدر، فحاربَ الرسول ﷺ بكل طاقتِه، في غزوةِ أُحد وفي غزوةِ الأحزاب،
وكانَ من الذين شَاركوا في عمليّة القِتال في داخلِ مكة المُكرمة، ثم كانَ خروجُ رسول الله ﷺ إلى حُنين، واحتاجَ إلى الدروعِ والسلاح، وكان صفوان بن أُمية من تجار السلاح المعروفين في مكة، فاستقرضهُ بالثمن.
وخرج صفوان مع المسلمين إلى حُنين ليرعى أسلحته، وانكسر المسلمون في أول الأمر، ثم أُتبع الانكسار بانتصار مهيب، وجمع المسلمون غنائم لم يسمع بها العرب قبل ذلك،
ووجد رسول الله ﷺ صفوان ينظر إلى شِعْبٍ من شِعاب حُنين، قد مُلِئ إبلاً وشياه، وقد بَدَتْ عليه علامات الانبهار والتعجُّب، فقال له ﷺ: «أَبَا وَهْبٍ، يُعْجِبُكَ هَذَا الشِّعْبُ؟»، قال صفوان: نَعَمْ، قال الرسول ﷺ: «هُوَ لَكَ وَمَا فِيهِ»!!
أذهلت المفاجأة صفوان ولم يجد إلا أن يقول: ما طابت نفس أحد بمثل هذا إلا نفس نبي، أشهد أنه لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله!! وكان بعدها يقول: والله لقد أعطاني رسول الله ﷺ، وأعطاني وإنه لأبغض الناس إليَّ، فما برح يعطيني حتى صار أحبَّ الناس إليَّ!!
وختامًا: حين تنضج ثمار الشجرة تسقط لتعطي غيرها، وحين يفيض الماء في الوادي يعطي الحياة لكل ما حوله، بني هذا العالم على العطاء؛ فحين يسفر الصباح ينزل إلى الدنيا ملكان: (يدعو الأول للمنفقين بالخلف، ويدعو الثاني للمسكين بالتلف).
عنوان يوضع كل يوم لأننا وحدنا من بين الكائنات من منحه الله الحرية أن يعطي أو أنْ يمنع، فلا الشجرة تملك أن يحبس ثمرها، ولا الماء بيده ألا يروي ويهب الحياة، جعل الله سلامة نظام الكون في العطاء، واضطراب هذا الكون في المنع والإمساك، وعلّق الأمر به مباشرة فجعل العطاء تجارة معه سبحانه لئلا يختلّ هذا النظام.
وفي الختام: لا تنس مشاركة هذه المقالة مع الأصدقاء.
كما يمكنك الاستفادة والاطلاع على المزيد من المقالات
يجيب الإمام مالك برسالة يقول فيها: (إنّ الله وزّع الأرزاق: فمنهم من حبب الله له الصدقة، ومنهم من حبب الله له العلم، ومنهم من حبب الله له العبادة، ومنهم من حبب الله له الجهاد، وكلّ ميسّر لما خلق له).
ما أسباب الرزق؟
1-تقوى الله تعالى والتوكل عليه. 2-المحافظة على الصلاة. 3-دوام الاستغفار. 4-صلة الرحم. 5-كثرة الصدقة. 6-الإكثارُ من الحجِ والعمرة والمتابعةُ بينهما. 7-الدعاء.
ما هي موانع الرزق؟
1-الذنوب والمعاصي. 2-التواكلُ وعدم الأخذِ بالأسباب. 3-حفظُ النعم وعدم الإسراف فيها وتضييعها. 4-أكلُ المالِ الحرام.
الزوج الصالح أحد أنواع الرزق، ويجب أن يبذل المرء جهده في البحث عنه والأخذ بالأسباب مع الدعاء والتوكل على الله.
كيفية جلب الرزق؟
يتطلب الرزق بذل الجهد والسعي المستمر دون اليأس من كرم الله، مع الدعاء والتوكل على الله تعالى.
لماذا الرزق يتأخر؟
يتأخّر الرزق لحكمة أرادها الله لنفع عباده أو لرفع ضررٍ عنهم.
لماذا الرزق قليل؟
رزق الإنسان مكتوبٌ ومقدّر، ولكن على الإنسان السعي في طلب الرزق، ومن موانع الرزق: 1-الذنوب والمعاصي. 2-التواكلُ وعدم الأخذِ بالأسباب. 3-حفظُ النعم وعدم الإسراف فيها وتضييعها. 4-أكلُ المالِ الحرام.
الرزق ما معنى؟
يشمل الرزق كل ما أعطاه الله للإنسان من نعم ماديّة ومعنوية مثل: ما رزقنا الله من الحواس والجوارح. دوامُ الصحّة والعافية. اِمتلاك القدرات العقلية والمواهب الفريدة. وجود الزوج والأولاد. الصحبة الصالحة. نيل المحبّة والقبول بين الناس. التوفيق على العبادة والطاعة. المال.
هل الرزق مكتوب ولا يمكن يتغير بالسعي والاجتهاد؟
بالطبع الرزق مكتوب، لكنه مقترن بشروط السعي والتوكل على الله ويتغيّر مع تغيّرها.
هل الرزق يزيد وينقص؟
إن زيادرة الرزق ونقصانه بيد الله، إذ قال تعالى: {اللّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقَدِرُ}.
هل الرزق يتغير بالدعاء؟
الدعاء والتوكل على الله في طلب الرزق واجب، لكن يجب ان يقترن بالسعي والعمل والأخذ بالأسباب.