الزهد في حياة عمر بن الخطاب
تاريخ النشر: - تاريخ التعديل: - سيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه قصص الصحابة - جديدنا

يمثل الزهد في حياة الفاروق أصلًا من الأصول التي قام عليها دينه القويم، ومن عجيب أثر الزهد في حياته أنه جعله يحيا مع الناس ببدنه فقط، أما قلبه وعقله ففي عالم الآخرة، ومن آثار الزهد في حياته أن الله تعالى ثبّت الحكمة في قلبه، وأطلق بها لسانه وبصّره بعيوبه، ورَغِب في الباقيات الصالحات، وترك الشهوات الفانيات.

ومن القواعد الطبيعية: أنّ الحاكم إذا امتدت يده إلى مال الدولة؛ اتسع الفتق على الراتق، واختلّ بيت المال أو مالية الحكومة، وسرى الخلل إلى جميع فروع المصالح، وجهر المُسِر بالخيانة، وانحل النظام.

ومن المعلوم أنّ الإنسان إذا كان ذا قناعة وعفة عن مال الناس، زاهدًا في حقوقهم، دعاهم ذلك إلى محبته والرغبة فيه، وإذا كان حاكمًا أقبلوا عليه، وأخلصوا في طاعته، وكان أكرم عليهم من أنفسهم.

 

أسباب زهد عمر بن الخطاب في الدنيا

لقد فهم عمر من خلال: (معايشته للقرآن الكريم، ومصاحبته للنبي الأمين ﷺ، ومن تفكره في هذه الحياة)، أنّ الدنيا دار اختبار وابتلاء، وعليه فإنها مزرعة للآخرة، ولذلك تحرر من سيطرة الدنيا بزخارفها، وزينتها، وبريقها، وخضع وانقاد وأسلم نفسه لربه ظاهرًا وباطنًا، فوصل إلى حقائق استقرت في قلبه ساعدته على الزهد في هذه الدنيا، ومن هذه الحقائق:

  1. اليقين التام بأننا في هذه الدنيا أشبه بالغرباء أو عابري سبيل: كما قال النبي ﷺ: «كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ».
  2. هذه الدنيا لا وزن لها ولا قيمة عند الله إلا ما كان منها طاعة: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ.
  3. عمرها قد قارب على الانتهاء: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ. قَالَ: وَضَمَّ السَّبَّابَةَ وَالْوُسْطَى.
  4. الآخرة هي الباقية: وهي دار القرار، كما قال الله تعالى على لسان مؤمن آل فرعون: {يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ  مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} [طه:39-40].

استقرت هذه الحقائق في قلب عمر ، فترفَّع عن الدنيا وحطامها وزهد فيها.

 

مواقف من زهد عمر بن الخطاب

– عن عليٍّ رضي الله عنه قال: رأيت عمر بن الخطاب على قَتَبٍ يعدو، فقلت: يا أمير المؤمنين! أين تذهب؟ قال: (بعيرٌ ندَّ من إِبل الصَّدقة أطلبه)، فقلت: أَذْلَلْتَ الخلفاء بعدك! فقال: (يا أبا الحسن! لا تلمني، فو الذي بعث محمَّدًا بالنُّبوَّة، ولو أنَّ عناقًا أُخذت بشاطىء الفرات، لأُخذ بها عمر يوم القيامة).

– يقول الأحنف بن قيس التميمي: أخرَجنا عمر بن الخطاب في سرية إلى العراق، ففتح الله علينا العراق وبلد فارس، فأصبنا فيها من بياض فارس، وخراسان، فجعلناه معنا واكتسينا منها، فلما قدمنا على عمر أعرض عنا بوجهه وجعل لا يكلمنا، فاشتد ذلك على أصحاب رسول الله ﷺ، فأتينا ابنه عبد الله بن عمر – وهو جالس في المسجد -، فشكونا إليه ما نزل بنا من الجفاء من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب.

فقال عبد الله: (إنّ أمير المؤمنين رأى عليكم لباسًا لم يرَ رسول الله ﷺ يلبسه، ولا الخليفة من بعده أبو بكر الصديق، فأتينا منازلنا فنزعنا ما كان علينا، وأتيناه في البِزة التي كان يعهدنا فيها، فقام يسلم علينا على رجل رجل، ويعانق منَّا رجلًا رجلًا، حتى كأنه لم يرنا قبل ذلك).

فقدَّمنا إليه الغنائم فقسمها بيننا بالسوية، فعُرض عليه في الغنائم سلال من أنواع الخبيص من أصفر وأحمر، فذاقه عمر فوجده طيبَ الطعم طيبَ الريح، فأقبل علينا بوجهه وقال: (والله يا معشر المهاجرين والأنصار، ليقتلن منكم الابن أباه، والأخ أخاه على هذا الطعام)، ثم أمر به فحُمل إلى أولاد من قُتلوا بين يديّ رسول الله ﷺ من المهاجرين والأنصار.

– كان عمر لا يأكل إلا الخشن من الطعام، ولا يجمع بين إدامين (الإدامين: ما يأكل بالخبز) قط، ويلبس ثوبًا به أكثر من اثنتي عشرة رقعة.

 

قصص عن زهد عمر بن الخطاب

  • لما أُتي عمر بن الخطاب بكنوز كسرى: (بساط كسرى وسواريه وجواهره وحلله وأمواله)، قال عبد الله بن الأرقم: ألا تجعلها في بيت المال حتى نقسمها؟ قال: لا والله، لا أظلها سقف بيت حتى أمضيها، فأمر بها فوضعت في صرح المسجد، وباتوا عليها يحرسونها، فلما أصبح أمر بها، فكشف عنها، فرأى ما فيها من البيضاء والحمراء ما كان يتلألأ منه البصر، وبينما هو كذلك إذ بعينه تذرف الدموع حَرَّى يكفكفها بطرف ثوبه، ويدهش الصحابة، فقال له عبد الرحمن بن عوف: ما يبكيك يا أمير المؤمنين؟ فو الله إن هذا ليوم شكر، ويوم فرح؟! فقال عمر: ويحك إن هذا لم يعطه قوم قط إلا ألقي بينهم العداوة والبغضاء.
  • ما أروع الفاروق في عام الرمادة، وهو يشارك الناس المحنة زاهدًا في مطعمه، يروي أسلم مولاه رحمه الله فيقول: أصاب الناس عام سنة، فغلا فيها السمن، وكان عمر يأكله، فلما قلّ، قال: لا آكله حتى يأكله الناس، فكان يأكل الزيت فقال: يا أسلم، اكسر عني حره بالنار، فكنت أطبخه له فيأكله فيتقرقر بطنه عنه فيقول: (تقرقر، لا والله لا تأكله حتى يأكله الناس)، أي روعة تلك؟! أميرالمؤمنين وحاكم المسلمين، طعامه الخبز والزيت.
  • خطب في الناس يوما فقال: أيها الناس ما تفعلون إذا ملت برأسي إلى الدنيا هكذا؟ وأمال رأسه على كتفه (دلاله على أن الدنيا قد تزينت في رأسه)، فلم ينطق أحد، فأعادها ثلاثا ما تقولوا؟ فقال له أحدهم: إن ملت برأسك للدنيا هكذا؛ قلنا لك بسيوفنا هكذا، وأشار كأن يضرب عنقه، فقال عمر: (الحمد لله الذى جعل من أمة محمد ﷺ من يُقوِّم عمر).
  • بعد الهزائم المتتالية التي مٌني بها هرقل من عمر بن الخطاب، أرسل رسوله لمقابلة خليفة المسلمين، فذهب الرسول يمشى في طرقات المدينة، يبحث عن قصر أمير المؤمنين، و كلما سأل أحدهم قال له: أذهب في هذا الطريق و ستجده في طريقك، و ظل هكذا حتى أشار له أحدهم: أترى الرجل تحت الشجرة هناك؟ ذاك هو أمير المؤمنين، أي رجل هذا النائم يتصبب عرقًا، من يضع نعليه تحت رأسه، فقال رسول هرقل المقولة الشهيرة: ”حكـمـــت فعــــدلت فأمنــــــت فنمـــت يا عمر، وملكنـــــــا فظلمنــــــــا فسهــرنــــــا فخفنــــا؛ فانتصرتم علينا يا مسلمين”.

 

زهد عمر بن الخطاب والسنة النبوية

تلَقَّى عمر  الزهد دروسًا عملية تربوية من سيد الزاهدين محمد ﷺ، يروي مسلم فيقول: دخل عمر على النبي ﷺ وهو في مشربة له، فالتفت في بيت رسول الله ﷺ فلم يجد شيئًا يَرُدُّ البصرَ إلا جلودًا قد سطع ريحها، ورسول الله ﷺ مضطجع قد أثرت حبال السرير في جنبه الشريف ﷺ، فتدمع عينا عمر فيقول ﷺ: ما بك يا عمر؟ فيقول: أنت رسول الله وخِيرته من خلقه على هذا، وكسرى وقيصر في الديباج والحرير وما تعلم؟!

فاستوى ﷺ جالسًا وقال: «أفي شك أنت يا بن الخطاب؟! أولئك أقوام عُجِّلَت لهم طيباتهم في الدنيا، أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الأخرى؟! ثم قرأ {وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ}».

 

زهد عمر وأبو الدرداء

حينما كان أبو الدرداء  في الشام، قدم سيدنا عمر متفقدًا أحوال الرعية، فزار صاحبه أبا الدرداء في منزله ليلًا، فدفع الباب فإذا هو بغير غلق، فدخل في بيت مظلم لا ضوء فيه، فلما سمع أبو الدرداء صوته قام إليه ورحّب به وأجلسه، وأخذ الرجلان يتناوبان الأحاديث، والظلام يحجب كلًا منهما عن صاحبه.

قال له عمر: رحمك الله، ألم أوسِّعْ عليك؟ ألم أبعث إليك؟ قال له أبو الدرداء: أتذكر يا عمر، حديثًا حدثنا به النبي ﷺ؟ قال: وما هو؟، قال: ألم يقل ﷺ: «ليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب؟»، قال: بلى، قال: فماذا فعلنا بعده يا عمر؟ فبكى عمر، وبكى أبو الدرداء.

 

زهده أمام غنائم كسرى

يقف أمام غنائم كسرى من الفرس، ويقول إنّ قومًا أدوا هذا لأمناء، وتذرف الدموع حَرَّى من عينه، يكفكفها بطرف ثوبه، فينهد باكيًا قائلًا: (فدت نفسي رسول الله ﷺ، هو الأحب إلى الله منا، فدت نفسي أبا بكر، وهو عند الله خير منا، واالَهْفَ نفسي! مَضَوا إلى الله وخلفونا، ولم يَرَوا من زهرة الدنيا شيئًا، ثم فُتِحَ علينا من الدنيا ما ترون، وأخشى أن تكون طيبات عجلت لنا)، فضج المسجد بالبكاء، فما تسمع إلا النشيج والحنين والأنين.

 

(عففت فعفت رعيتك، ولو رتعت لرتعوا)

من خلال حياته مع أسرته وأقربائه: يظهر لنا معلم من معالم الفاروق في ممارسة منصب الخلافة، وهو القدوة الحسنة في حياته الخاصة والعامة، حتى قال في حقه علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: (عففت فعفت رعيتك، ولو رتعت لرتعوا)، وكان لالتزامه بما يدعو إليه، ومحاسبته نفسه وأهل بيته أكثر مما يحاسب به ولاته وعماله؛ الأثر الكبير في زيادة هيبته في النفوس، وتصديق الخاصة والعامة له.

إقرا أيضاً: عمر بن الخطاب وحماية الأسرة

وفي الختام: لا تنس مشاركة هذه المقالة مع الأصدقاء.

كما يمكنك الاستفادة والاطلاع على المزيد من المقالات

الحسين بن علي و الأرقم بن أبي الأرقم و معاذ بن جبل

كيف كان الزهد في حياة عمر بن الخطاب؟

يمثل الزهد في حياة الفاروق أصلًا من الأصول التي قام عليها دينه القويم، ومن عجيب أثر الزهد في حياته أنه جعله يحيا مع الناس ببدنه فقط، أما قلبه وعقله ففي عالم الآخرة، ومن آثار الزهد في حياته أن الله تعالى ثبّت الحكمة في قلبه، وأطلق بها لسانه وبصّره بعيوبه، ورَغِب في الباقيات الصالحات، وترك الشهوات الفانيات.

بعض مواقف الزهد التي حصلت في حياة عمر بن الخطاب؟

1-ن عليٍّ رضي الله عنه قال: رأيت عمر بن الخطاب على قَتَبٍ يعدو، فقلت: يا أمير المؤمنين! أين تذهب؟ قال: (بعيرٌ ندَّ من إِبل الصَّدقة أطلبه)، فقلت: أَذْلَلْتَ الخلفاء بعدك! فقال: (يا أبا الحسن! لا تلمني، فو الذي بعث محمَّدًا بالنُّبوَّة، ولو أنَّ عناقًا أُخذت بشاطىء الفرات، لأُخذ بها عمر يوم القيامة).
2-عرض عليه من غنائم العراق سلال من أنواع الخبيص من أصفر وأحمر، فذاقه عمر فوجده طيبَ الطعم طيبَ الريح، فأقبل علينا بوجهه وقال: (والله يا معشر المهاجرين والأنصار، ليقتلن منكم الابن أباه، والأخ أخاه على هذا الطعام)، ثم أمر به فحُمل إلى أولاد من قُتلوا بين يديّ رسول الله ﷺ من المهاجرين
3-كان عمر لا يأكل إلا الخشن من الطعام، ولا يجمع بين إدامين (الإدامين: ما يأكل بالخبز) قط.

كيف كانت ثياب عمر بن الخطاب؟

يلبس ثوبًا به أكثر من اثنتي عشرة رقعة، به تسلم مفاتيح القدس.

كيف ذكر زهد عمر في السنة النبوية الشريفة؟

تلَقَّى عمر  الزهد دروسًا عملية تربوية من سيد الزاهدين محمد ﷺ، يروي مسلم فيقول: دخل عمر على النبي ﷺ وهو في مشربة له، فالتفت في بيت رسول الله ﷺ فلم يجد شيئًا يَرُدُّ البصرَ إلا جلودًا قد سطع ريحها، ورسول الله ﷺ مضطجع قد أثرت حبال السرير في جنبه الشريف ﷺ، فتدمع عينا عمر فيقول ﷺ: ما بك يا عمر؟ فيقول: أنت رسول الله وخِيرته من خلقه على هذا، وكسرى وقيصر في الديباج والحرير وما تعلم؟!

فاستوى ﷺ جالسًا وقال: «أفي شك أنت يا بن الخطاب؟! أولئك أقوام عُجِّلَت لهم طيباتهم في الدنيا، أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الأخرى؟! ثم قرأ {وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ}».

اترك تعليقاً