الزكاة في رمضان: فرصة لتحسين حياة المسلمين ودعم المحتاجين
ركن عظيم من أركان الإسلام، كان سبباً عظيماً من أسباب حروب الردة التي قام بها…
اقرأ المزيدغزوة حنين معركة عظيمة جرت بعد أنْ أكرم الله تعالى نبيه المصطفى ﷺ بفتح مكة، وهزمت فيها قبيلة هوازن القوة الكبيرة المتبقية في جزيرة العرب والمعادية للإسلام، وتجمع للمسلمين فيها من الأموال والغنائم الهائلة ما لم يتجمع لهم من قبل، وغدا المسلمون بعدها القوة الضاربة في جزيرة العرب دون منازع.
بدأت قبيلة هوازن تستعد لقتال المسلمين، بعد أن علمت بانتصار المسلمين على قريش سيدة قبائل العرب، وانضم إلى هوازن بعض القبائل الأخرى من ثقيف وبكر وغيرهم بقيادة مالك بن عوف، فتحرك النبي ﷺ لقتالهم في اليوم الثاني من أيام العيد، فلم يكن ﷺ يرغب بقتال هوازن داخل مكة؛ فبالإضافة إلى أنَّ مكة أرض حرم، فإنّ أهلها حديثو عهد بالإسلام، ولو حدث القتال داخل مكة فإنه لن يأمن غدرهم، لذلك تحرك باتجاه الطائف وتحركت هوازن إلى مكة، فكان لقاء الجيشين على الطريق في وادي أوطاس قرب حنين.
وصلت هوازن أولًا إلى حنين فعسكرت به تنتظر المسلمين، وكان مالك بن عوف قد أمر مقاتليه أن يصطحبوا أموالهم ونسائهم حتى يثبتوا ولا يفرّوا، وكان في جيش هوازن عظيم من حكماء العرب “دريد بن الصمّة” قد تجاوز الـ (100) من عمره، فدعا القائد مالك الذي كان شابًا لم يتجاوز (24) من عمره، فأمره بإعادة النساء والأطفال إلى الطائف، لأنّ المهزوم في المعركة لا يوقفه شيء.
أصرّ مالك على رأيه ووضع سيفه على الأرض ووجه نصله إلى صدره وقال: (إما تطيعونني وإما أقتل نفسي)، فأطاعوه، فقال دريد: (هذا أمر لم أرغب عنه ولم أشهده)، ثم سأل دريد عن المكان فقالوا: حنين، فقال: نعم المنزل، ثم نادى مالك فقال: (إن لم تطعني في الأولى فأطعني في الثانية، أكمن لهم وانصب الكمائن)، فأطاعه مالك في ذلك، ثم أمره أن يجمع الإبل الزائدة لديه ويجعلها مع النساء والأطفال في المؤخرة؛ فيظن من يراهم أنهم جزء من الجيش.
كان عدد مقاتلي هوازن (20) ألف مقاتل، أما رسول الله ﷺ فخرج بـ (10) آلاف من أصحابه الذين حضروا فتح مكة، وانضم إليهم ألفان من طلقاء أهل مكة حمية لملاقاة هوازن، فبلغ جيش المسلمين (12) ألفًا.
عسكر المسلمون في الهضبة قرب وادي حنين، وأرسل النبي ﷺ لأعلى الهضبة عينًا ليراقب فلم يرى شيئًا، أما هوازن فعسكرت في بطن الوادي، فتحتّم على المسلمين أن ينزلوا فرقًا، ويتجمعوا داخل الوادي قبل بدء القتال.
بعد طلوع الفجر: أمر النبي ﷺ خالد بن الوليد أن يقود فرقة من بني سليم بالهبوط نحو الوادي؛ لتأمين المكان لبقية الجيش، فما إنْ نزلت هذه الفرقة حتى ظهرت الكمائن التي وضعتها هوازن، فأصيب خالد رضي الله عنه وسقط، وبدأ بنو سليم الذين أسلموا حديثًا بالهرب مدبرين.
في هذه الأثناء كان بقية الجيش الإسلامي يهبط الوادي، ولا يدري بما جرى مع بنو سليم، فعمّت الفوضى واضطرب نظام الجيش، استغل قائد هوازن المشهد وأمر بالهجوم العام، فعمّت الهزيمة جيش المسلمين وتفرق شملهم، وهرب بعضهم ولم يتوقف حتى بلغ مكة.
ثبت رسول الله ﷺ ومعه أعداد قليلة من راسخي الإيمان، فجعل ينادي ويجتمع له كبار الصحابة يلتفون ويقاتلون حوله، وكان فيمن جاء العباس عمه الذي كان عالي الصوت، ففرح به وجعل يصيح بالمسلمين، فلم يلتفت الكثير منهم، ثم أمره أن ينادي أصحاب السمرة “الشجرة وبيعة الرضوان”، فجعلوا يجتمعون حتى بلغ عدد من يقاتل مع النبي ﷺ (100).
ثم جاء المدد الإلهي فنزلت الملائكة إلى الأرض المعركة، لكنها لم تقاتل كما فعلت في بدر: فرأى المسلمون سوادًا يأتي من السماء فينزل إلى الأرض حتى يبلغ الوادي فإذا هو نمل أسود كبير، أما الكفار فرأوا أعدادًا كبيرة من الفرسان على الخيول البرق يلبسون الثياب البيض، فدبّ الرعب في قلوبهم.
عاد الكثير من جيش المسلمين للقتال وبدأ جيش هوازن بالفرار ، فأمرهم رسول الله ﷺ بمطاردة هوازن، فوقف مالك بن عوف مع عدد من جيشه خارج حنين يجمع الصفوف ليعاود القتال، فأدركته بنو سليم فثبت، ثم مجموعة من الأنصار فثبت، ثم جاء الزبير بن العوام رضي الله عنه يقود مجموعة من المهاجرين ففر مالك والتجأ إلى أحد الحصون، وانتهت المعركة بنصر عظيم للمسلمين.
قال الله تعالى: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ (26) ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَن يَشَاء وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [التوبة:25-27].
لم يرد النبي ﷺ الاكتفاء بحنين، فأخر توزيع الغنائم، وأمر الناس بالتحرك نحو الطائف موطن الخطر، وجعل على مقدمة الجيش خالد بن الوليد رضي الله عنه بعد أن شفي بمعجزة رسول الله ﷺ، وكثير من العلماء لا يعدون الطائف معركة جديدة إنما استمرار لحنين.
تحصن أهل الطائف ووصل إليهم رسول الله ﷺ فحاصرها، وأرسل يزيد بن زمعة رسولًا يفاوضهم، فطلب الأمان زيادة في الحرص فأعطوه الأمان ثم لما تماكنوا منه قتلوه، فغضب رسول الله ﷺ لذلك وعرف أنهم عازمون على القتال، ثم خرج رجل منهم هو أخ للشاعر الشهير “أمية بن ابي الصلت” يستكشف المحيط، فأسره أخ ليزيد اسمه يعقوب بن زمعة وجاء به إلى النبي ﷺ فأسلمه إليه فقتله بأخيه.
ثم حاولت مجموعة من أبطال المسلمين اقتحام الحصن، فردهم أهله بالنبال وأصابتهم الجراح فاضطروا للرجوع، فأمر النبي ﷺ بعدة أمور عسكرية، منها:
كان زعيم الطائف “عروة بن مسعود الثقفي” قد ذهب إلى الأردن يجمع السلاح لحرب المسلمين، وقائد هوازن مالك بن عوف متحصن في “ألية”، فصار زعيم الطائف “عبد ياليل” الذي آذى النبي ﷺ عندما جاء الطائف داعيًا إلى الإسلام، فاستعطف النبي ﷺ طالبًا منه التوقف عن قطع الأشجار فقبل ذلك.
حاول المسلمون اقتحام الحصن فصنعوا “دبابة” لها سلم يجرها 100 مقاتل، فأخرج أهل الطائف منجنيقًا فرموها بالحجارة حتى تكسرت، ثم خرج خالد بن الوليد يدعوهم للمبارزة فما خرج له أحد، واستمرت المحاولات (20) يومًا والمسلمين غير قادرون على اقتحام الطائف.
فجاء أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى رسول الله ﷺ باقتراح، فأخبره ﷺ أنّ الله لم يأذن بفتح الطائف {وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا} [الفتح:21]، فأمر الناس بالرحيل، وحاول بعض الفتيان المتحمسين أن يأذن لهم بمحاولة أخيرة، فأذن لهم لكنهم لم يفلحوا وعادوا منكسرين، وطلبوا من رسول الله أن يدعو عليهم فقال: «اللهم اهدِ ثقيفًا وائتني بهم»، ثم رحل ورحل المسلمون جميعًا.
كانت غنائم حنين عظيمة، فأمر النبي ﷺ بجمعها في معسكر قريب من مكة بمنطقة “الجعرانة”، وبلغت:
وبعد أنْ رجع النبي ﷺ من حصار الطائف إلى منطقة “الجعرانة” حيث الغنائم:
السيرة النبوية د. طارق السويدان | مقاطع صوتي mp3 بجودة عالية (suwaidan.com)
رأى الأنصار كيف توزع الغنائم أمام أعينهم، وتعجبوا أنه لم يكن لهم فيها نصيب، فوجدوا في ذلك على أنفسهم فاجتمعوا إلى سيدهم سعد بن عبادة، وأصابتهم الخشية أن يغادرهم رسول الله ﷺويرجع إلى مكة موطنه، فانطلق سعد ودخل على رسول الله فقال: (يا رسول الله، إنّ هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت، قسمت في قومك وأعطيت عطايا عظاما في قبائل العرب، ولم يكن في هذا الحي من الأنصار منها شيء).
قال: «فأين أنت من ذلك يا سعد؟» قال: يا رسول الله، ما أنا إلا من قومي، قال: «فاجمع لي قومك»، فاجتمع الأنصار فأتاهم رسول الله، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال:
«يا معشر الأنصار، ما قالة بلغتني عنكم، وجدة وجدتموها في أنفسكم، ألم آتكم ضُلاَّلا فهداكم الله بي، وعالة فأغناكم الله بي، وأعداء فألف الله بين قلوبكم؟» قالوا: الله ورسوله أمنُّ وأفضل، ثم قال: «ألا تجيبوني يا معشر الأنصار؟» قالوا: بماذا نجيبك يا رسول الله، لله ولرسوله المن والفضل.
قال: «أما والله لو شئتم لقلتم فلصَدَقْتم ولصُدِّقتُم: أتيتنا مكذَّبا فصدقناك، ومخذولا فنصرناك، وطريدًا فآويناك، وعائلا فآسيناك، أوجدتم عليَّ يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعة من الدنيا تألفتُ بها قومًا ليسلموا، ووكلتكم إلى إسلامكم، ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاء والبعير، وترجعون برسول الله إلى رحالكم؟
فوالذي نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت امرءًا من الأنصار، ولو سلك الناس شعبًا وواديًا، وسلكتْ الأنصار شعبًا وواديًا لسلكتُ شعب الأنصار وواديها، الأنصار شعار والناس دثار، اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار».
فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم، وقالوا: رضينا برسول الله قسمًا وحظًّا، ثم انصرف رسول الله ﷺ وتفرقوا.
وفي الختام: لا تنس مشاركة هذه المقالة مع الأصدقاء.
كما يمكنك الاستفادة والاطلاع على المزيد من المقالات:
الرسول الإنسان و الإسلام ببساطة و السيرة النبوية الشريفة
بدأت قبيلة هوازن تستعد لقتال المسلمين، بعد أن علمت بانتصارهم على قريش سيدة قبائل العرب، وانضم معها بعض القبائل الأخرى من ثقيف وبكر وغيرهم بقيادة مالك بن عوف.
عدد مقاتلي هوازن (20) ألف مقاتل.
وبلغ جيش المسلمين (12) ألفًا.
كان النبي ﷺ بحاجة للسلاح فاستعان بـ صفوان بن أمية أحد كبار تجار السلاح في مكة وكان مشركًا، فقال صفوان: أغصب يا محمد؟ فقال: بل عارية مضمونة.
ورد ذكر غزوة حنين في سورة التوبة.
قال: «اللهم اهدِ ثقيفًا وائتني بهم».