صراع الأنبياء مع بني إسرائيل
نتوقف في هذه المحطة مع ثلاثة أنبياء بينهم قرابة ونسب، عاشوا معًا وأرسلهم الله إلى بني إسرائيل، إنهم: انبياء بني اسرائيل زكريا ويحيى وعيسى بن مريم عليهم أفضل الصلاة والسلام
اقرأ المزيدأمتنا الإسلامية غنية بالرجال العظام، المبدعون والقدوات في كل ميدان، نقف لنتعرّف على أحد هؤلاء القامات، إنه الإمام النووي المُحدّث والفقيه واللغوي مُحرِّر المذهب الشافعي ومُهَذِّبُه ومُنَقِّحُه ومُرَتِّبُه
أن تجد عالماً متبحراً في علمٍ من العلوم سهل عليك، لكن من الصعب أن تجد من يعمل بما علم، ويجعل من علمه شعلة إنارة، وإصلاح للمجتمع الذي خربته الأهواء، ومن هؤلاء القلائل “الإمام النووي”
وهو صاحبُ المؤلفات العظام، التي أنارت الطريق للأمة بأسرها، وله أشهر ثلاثة كتب يكادُ لا يخلو منها بيت مسلم، وهي: “الأربعون النووية” و”الأذكار” و”رياض الصالحين”، وقد عزى كثير من العلماء ذلك إلى إخلاصه رحمه الله، فرب عمل صغير تعظمه النية..
هو الإِمام الحافظ شيخ الإسلام محيّ الدين أبو زكريا يحيى بن شرف بن مُرِّى بن حسن بن حسين بن محمد بن جمعة بن حِزَام، النووي نسبة إلى نوى، وهى قرية من قرى حَوْران في سورية، ثم الدمشقي الشافعي، شيخ المذهب وكبير الفقهاء في زمانه.
ولد النووي رحمه اللّه تعالى في شهر المحرم سنة 631 هـ، في قرية نوى من أبوين صالحين.
بدأَ مُبكراً في حفظِ القرآن الكريم، وقراءةِ الفقه على بعضِ أهلِ العلم هناك، وصادفَ أن مرَّ بتلك القرية الشيخ ياسين بن يوسف المراكشي، فرأى الصبيانَ يُكرِهونه على اللعب، وهو يهربُ منهم، ويبكي لإِكراههم ويقرأ القرآن، فذهب إلى والده، ونصحَه أن يفرّغه لطلب العلم فاستجاب له.
وفى سنة 649هـ قَدِمَ مع أبيه إلى دمشق لاستكمال تحصيله العلمي في مدرسة دار الحديث، وسكنَ المدرسة الرواحيّة، وهي ملاصقة للمسجد الأموي من جهة الشرق، وفى عام651هـ حجَّ مع أبيه ثم رجع إلى دمشق.
تميزت حياةُ النووي العلمية بعد وصوله إلى دمشق بثلاثة أمور:
( لقد قاربت السنتين لم اضع فيهما جانباً على الأرض، وكان قوتي فيها جراية المدرسة) يعني بذلك قلة النوم الشديدة، وذلك هو سمت العلماء العظماء، حيث يتركون الراحة وملذات الحياة طلبا للعلم وإفادة الناس،
حتى قال الذهبي في سيرته:
(أن الإمام النووي سئل يوماً كيف ومتى تنام؟ فقال أنكب على الكتب برهة واستيقظ)، فكان لا يضيع عمراً في خلود إلى غفلة أو راحة، وقيل أنه استمر ست سنوات لا يعرف فيها سوى تحصيل العلم والجلوس الى العلماء والمراجعة حتى في ذهابه او إيابه في الطريق، فضرب به المثل في الاجتهاد وعرف به بين الناس.
(نوزع الإمام النووي في النقل عن الوسيط، (كتاب الوسيط)(كتاب في الفقه الشافعي لأبي حامد الغزالي)، فانزعج قليلاً وقال: ( تنازعوني في الوسيط، وقد طالعته (400 مرة).
أخذ النووي الفقه الشافعي عن أكثر من (20 شيخا) كبار علماء عصره، وبفترةٍ وجيزة حفظ الفقه وأتقنهُ، وعرف قواعده وأصوله، حتى عُرف بذلك بين العامة والخاصة، ولم يمضِ وقت كبير حتى كان عَلَم عصره في حفظه للمذهب، وإتقانه لأقوال علمائه، وأعرفهم بعلم الخلاف، وأحقهم بأن يكون محرر المذهب.
يقول “عبد الرحيم بن الحسن الإسنوي” في طبقاته: (وهو (أي النووي) محرر المذهب ومهذبه، ومنقحه ومرتبه، سار في الآفاق ذكره، وعلا في العالم محله وقدره، صاحب التصانيف المشهورة المباركة النافعة).
ويقول “ابن كثير”عنه: (شيخ المذهب، وكبير الفقهاء في زمانه).
ويقول “الذهبي”: (كان رأساً في معرفة المذهب).
ويقول قاضي صفد “محمد بن عبد الرحمن العثماني” : (شيخ الإسلام، بركة الطائفة الشافعية، محيي المذهب ومنقحه، ومن استقر العمل بين الفقهاء فيه على ما يرجحه).
ويقول “أبو العباس شهاب الدين بن الهائم”: (الإمام العلامة الحافظ، الفقيه النبيل، محرر المذهب ومهذبه، وضابطه ومرتبه).
ويقول تلميذه “ابن العطار”: (كان حافظاً للمذهب الشافعي وقواعده وأصوله وفروعه، ومذاهب الصحابة والتابعين، واختلاف العلماء ووفاقهم وإجماعهم، وما اشتهر من ذلك جميعه وما هُجر، سالكاً في كلها طريقة السلف).
وكان النوويّ مع سعةِ علمه وقوة براهينه، لا يرى الجدال ولا يحبُ أهله ويعرض عنهم، قال “الذهبي” في سير أعلام النبلاء: (وكان من سعة علمه عديمَ النظير، لا يرى الجدال، ولا تعجبه المبالغة في البحث، ويتأذى ممن يجادل ويعرض عنه)، وقال في موضع آخر: (كان لا يتعانى لغط الفقهاء وعياطَهم (أو غياظَهم) في البحث بل يتكلم بتؤدة ووقار).
من أعظم ما اجتمعَ عليه النوويّ، هو اجتماعهُ على الفقه والحديث معاً، فقلما تجدُ محدثاً فقيهاً، ولقد قال عنه “ابن العطار” في ذلك ( سمع البخاري، ومسلم وسنن أبي داوود والترمذي، وسمع النسائي وموطأ ابن مالك، ومسند الشافعي ومسند أحمد ابن حنبل والدارمي وأبي عوانة وأبي يعلي الموصلي وسنن ابن ماجه،
والدار قطني والبيهقي وشرح السنة للبغوي، ومعالم التنزيل للبغوي، وكتاب الأنساب للزبير ابن بكار، والخطب النباتية، ورسالة القشيري، وعمل اليوم والليلة لابن السني، وكتاب آداب السامع والراوي للخطيب).
لقد كان النووي مُحدثاً عظيماً، له الكثير من التلاميذ، فقد قال عنه “الذهبي”: ( حدَّث عنه “ابن أبي الفتح”، و”المزي” و”ابن العطار”) كما أخذَ عنه المُحدث “أبو العباس أحمد بن فرح الإشبيلي”، فلقد كان النووي رحمه الله كما قال عنه ابن العطار أنه كان حافظاً لحديث رسول الله عارفاً بأنواعه كلها، من صحيحه وسقيمه وغريب ألفاظه وصحيح معانيه واستنباط فقهه.
تعد دار الحديث الأشرفية أشهر دار في بلاد الشام لعلم الحديث، وأول شيخ لها “تقي الدين بن الصلاح“، ووقف عليها الملك الأشرف الأوقاف، وجعل بها نعل النبي محمد، ومن شرط واقفها في الشيخ أنه إذا اجتمع من فيه الرواية ومن فيه الدراية قُدّم من فيه الرواية،
وظاهرٌ أن من اجتمعَ فيه الروايّة والدرايّة أولى بمشيختها ممن فيه إحداهما، والمتعارف عليه ألا يلي مشيختها إلا عظيم وقته بالعلم وخصوصاً علمَ الحديث، ومن لُقب بشيخ دار الحديث فقد نال في العلم أجلَّ الألقاب.
يقول “قطب الدين اليونيني“: (والذي أظهره وقدّمه على أقرانه ومن هو أفقه منه: كَثرةُ زهده في الدنيا، وعظم ديانته وورعه، وليس فيمن اشتغل عليه من يلتحق به).
وقال “تاج الدين السبكي“: (قال والدي: إنه ما دخلها (أي دار الحديث الأشرفية) أحفظ من “المزي”، ولا أورع من “النوويّ” و”ابن الصلاح”) وقال “تاج الدين” أيضاً: (ودرّس (أي النوويّ) بدار الحديث الأشرفية وغيرها ولم يتناول فلساً واحداً).
كانت حياته قصيرة، فلقد عاش (45 عاما)، زاخرة بالإنتاج المهم، ألف في الفقه والحديث وشرح الحديث واللغة والمصطلح والتراجم، والتوحيد، وقد جعل الله لها القبول في كل أنحاء العالم، وهذا الإنتاج الغزير يأتينا، بعد أن أمر النوويّ بغسل كراريسه (1000 كراسة) خطها بيده،
يقول “ابن العطار” الذي قام بغسلها بأمرالإمام النووي: ( لم أخالف أمره، فغسلتها وفي قلبي حسرات ) أمره بمسحها لأنه كان يظنّ أن ّ فيها عدم دقة، (لك أن تتخيل كم كان علم الإمام النووي رحمه الله).
قال “الإسنوي وابن الملقن”: (ليته أكمله ونقصت كتبه كلها).
وقال “ابن كثير” في تاريخه: (إنه لو كمل لم يكن له نظير في بابه، فإنه أبدع فيه وأجاد، وأفاد وأحسن الانتقاد، وحرر الفقه في المذهب وغيره، والحديثَ على ما ينبغي، واللغة والعربية، وأشياء مهمة، لا أعرف في كتب الفقه أحسن منه. قال: على أنه يحتاج إلى أشياء كثيرة تزداد عليه، وتضاف إليه).
وقال “العثماني” (قاضي صفد): «إنه لا نظير له، ولم يصنف مثله، ولكن ما أكمله ولا حول ولا قوة إلا بالله، إذ لو أكمله ما احتيج إلى غيره (أي في فقه الشافعية)، وبه عرف قدره واشتهر فضله).
ومن أشهر مؤلفاته:
قال “الذهبيّ”: (الشيخ الإمام القدوة، الحافظ الزاهد، العابد الفقيه، المجتهد الرباني، شيخ الإسلام، حسنة الأنام).
وقال “ابن كثير”: (الشيخ الإمام، العلامة الحافظ، الفقيه النبيل، محرر المذهب ومذهبه، وضابطه ومرتبه، أحد العباد والعلماء الزهاد، كان على جانب كبير من العلم والعمل والزهد والتقشف، والاقتصاد في العيش والصبر على خشونته، والتورع الذي لم يبلغنا عن أحد في زمانه ولا قبله بدهر طويل).
وقال الشيخ “شمس الدين بن الفخر الحنبلي”: (كان إماماً بارعاً حافظاً متقناً، أتقن علوماً جمة وصنف التصانيف الجمة، وكان شديد الورع والزهد، تاركاً لجميع الرغائب من المأكول إلا ما يأتيه به أبوه من كعك وتين).
وأرخه الشيخ “قطب الدين اليونيني” وقال: (كان أوحد زمانه في العلم والورع والعبادة والتقلل وخشونة العيش، واقف الملك الظاهر بدار العدل غير مرة، فحُكي عن الملك الظاهر أنه قال: أنا أفزع منه).
وقال “تاج الدين السبكي “: (شيخ الإسلام، أستاذ المتأخرين، وحجة الله على اللاحقين، والداعي إِلى سَبِيل السالفين. كَانَ يحيى رَحمَه الله سيداً وَحَصُوراً، وليثاً على النَّفس هصوراً، وزاهداً لم يبال بخراب الدُّنْيَا إِذا صير دينه ربعاً معموراً،
لَهُ الزّهْد والقناعة، ومتابعة السالفين من أهل السنة والجماعة، والمصابرة على أَنْوَاع الْخَيْر، لَا يصرف سَاعَة فِي غير طَاعَة، هَذَا مَعَ التفنن فِي أَصْنَاف الْعُلُوم، فقهاً ومتونَ أَحَادِيث وَأَسْمَاءَ رجال ولغةً وتصوفاً وَغيرَ ذَلِك).
عندما خرج الظاهرُ بيبرس لقتالِ التتار بالشام طلبَ فتاوى العلماء بأنهُ يجوز أخذُ مالٍ من الرعيّة ليستنصر به على قتال العدو، فكتب له فقهاء الشام بذلك، فقال: “هل بقي أحد؟” فقالوا: “نعم، بقي الشيخ محيي الدين النوويّ”، فطلبه فقال: “اكتب خطك مع الفقهاء”، فامتنع وقال: ، فقال: “ما سبب امتناعك؟” فقال: “أنا أعرفُ أنكَ كنت في الرق للأمير بندقدار، وليس لك مال،
ثم مَنّ الله عليك وجعلك ملكاً، وسمعت أن عندك ألف مملوك كلهم عنده حياصة من ذهب، وعندك مئتا جارية، لكل جارية حق من الحلي، فإذا أنفقت ذلك كله، وبقيت مماليكك بالبنود الصوف بدلاً عن الحياصات الذهب وبقيت الجواري بثيابهن دون الحلي، ولم يبق في بيت المال شيء من نقد أو متاع أو أرض، أفتيتك بأخذ المال من الرعية،
وإنما يُستعان على الجهاد وغيره بالافتقار إلى الله تعالى، واتباع آثار نبيه صلى الله عليه وسلم” فغضب السلطان من كلامه وقال: “اخرج من بلدي” يعني دمشق، فقال: “السمع والطاعة”، وخرج إلى نوى، فقال الملك: (اقطعوا وظائف هذا الفقيه ورواتبه) قالوا: (ماعنده وظيفة ولا راتب)، قال: ( فمن أين يأكل؟) قالوا: ( والده يرسل إليه )..
عاشَ الإمام النووي آخر حكم الأيوبيين وكل عصر الظاهر بيبرس، وبميزّ على كل أقرانه في القرن السابع المزدهر بالعلماء، الذي كان فيه ابن الصلاح والرافعي وابن يعيش والقفطي وابن خلكان وياقوت الحموي وأبو شامة… وغيرهم، وفاقهم كلهم رحمه الله تعالى.
لم يعمر الشيخ طويلا، ولم يزد عمره عن خمس وأربعين سنة، ففي سنة (676)هـ رجع إلى نوى بعد أن ردّ الكتب المستعارة من الأوقاف، وزار مقبرة شيوخه، فدعا لهم وبكى، وزار أصحابه الأحياء وودّعهم، وبعد أن زار والده زار بيت المقدس والخليل، وعاد إلى نوى فمرض بها وتوفى في 24 رجب.
لما بلغ نعيه إلى دمشق ارتجّت هي وما حولها بالبكاء، وتأسف عليه المسلمون أسفاً شديداً، وتوجّه قاضى القضاة “عزّ الدين محمد بن الصائغ “وجماعة من أصحابه إلى نوى للصلاة عليه في قبره، ورثاه جماعة من العلماء رثاءً حاراً.
وهكذا انطوت صفحة من صفحات عَلَمٍ من أعلاَم المسلمين، بعد جهاد في طلب العلم، ترك للمسلمين كنوزاً من العلم، لا زال العالم الإسلامي يذكره بخير، ويرجو له من اللَّه تعالى أن تناله رحماته ورضوانه.. فرحمه الله رحمة واسعة وجمعنا به مع نبينا في جنات النعيم، {مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا}.
وفي الختام: لا تنس مشاركة هذه المقالة مع الأصدقاء.
كما يمكنك الاستفادة والاطلاع على المزيد من المقالات
قصص الصحابة و الأئمة الأربعة و قصص التابعين والمبدعون
لأنه ولد في قرية نوى من قرى حوران في الشام.
1- الجدّ في طلب العلم والتحصيل في أول نشأته وفى شبابه.
2- سعَة علمه وثقافته: كان يقرأ كلَّ يوم اثنى عشر درساً على المشايخ شرحاً وتصحيح.
3- غزارة إنتاجه:حيث اعتنى بالتأليف، يل أنه لو قسم عدد الصفحات التي سطرها قلمه على عدد أيام عمره من الولادة للوفاة لكان الناتج (40 صفحة) لكل يوم!!.
محرر مذهب الامام النووي.
اجتماعهُ على الفقه والحديث معاً، فقلما تجدُ محدثاً فقيهاً،
- أعظم كتبه فهو (كتاب المجموع)
-رياضُ الصالحين من كلام سيد المرسلين.
-الأذكار المنتخَب من كلام سيد الأبرار(بع الدار واشتر الأذكار).
-الأربعون النوويّة،
-بستان العارفين.
-المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج.
-روضة الطالبين وعمدة المفتين.
-منهاج الطالبين وعمدة المفتيين.
-التبيان في آداب حملة القران.
-الإيضاحُ في المناسك.
-العمدة في تصحيح التنبيه.
-التقريب والتيسير في معرفة سنن البشير النذير.
التحرير في ألفاظ التنبيه، لأبي اسحق الشيرازي ومناقب الشافعي.
-أدب المفتي والمستفتي.
-دقائق الروضة.
-دقائق المنهاج.
-رؤوس المسائل وتحفة طلاب الفضائل.
-مسائل تخميس الغنائم.
-مختصر أسد الغابة.
-مختصر آداب الاستسقاء.
45 سنة