الثورات الفلسطينية (قصص التضحية والكفاح)
يقول الشيخ رائد صلاح: (ما دامت القدس في خطر فلن ننام، وما دام الأقصى في خطر فلن ننام، وكيف ينام من هو على موعد مع العيد السعيد، مع الحق التليد، مع الوعد الأكيد؟!).
Read moreذكر أحدهم أن عثمان بن عفان رضي الله عنه كان يهوديًا، فقام أحد الأئمة بزيارة هذا الرجل، وقال له أن أحد العلماء يرغب بالزواج من ابنته، وأنه تقي نقي صالح مخلص تتجلى فيه كل صفات الكمال، فقال الرجل: ومن يرد صاحب هذه الصفات؟ فقال العالم: لكنه يهودي، فقال الرجل: أتريدني أن أزوج ابنتي لرجل يهودي؟
فقال هذا العالم: أنت رفضت تزويج ابنتك لرجل يهودي، وتتهم رسول الله أنه زوج ابنتيه لرجل تصفه باليهودي؟ كيف استقام لك ذلك؟ فأقام عليه الحجة واعتذر الرجل عن مقولته في حق سيدنا عثمان، فمن صاحب هذا الحوار والاستدلال بالعقل في بيان صواب هذه المسألة؟ أنه مؤسس مدرسة الفكر العقلي أبو حنيفة النعمان.
إنه النعمان بن ثابت بن المرزبان، نشأ في الكوفة في العراق، في وقت كانت الفرق تموج بالفئات والفرق والمناظرات العقائدية، والفكرية والفقهية، تشرب العلوم من مشارب مختلفة، وتعلم على كثير من المشايخ، فازداد سعة من العلم والمنطق، وصب ذلك كله في دراسته وتدريسه للفقه.
كان للإمام أبو حنيفة رحمه الله منهج فريد في تقرير مسائل الاجتهاد، وذلك عن طريق عرض المسألة على تلاميذه في الدرس ليدلي كلٌّ بدلوه، ويذكر ما يرى لرأيه من حجة، ثم يعقِّب هو على آرائهم بما يدفعها بالنقل أو الرأي، ويصوِّب صواب أهل الصواب، ويؤيده بما عنده من أدلةٍ، ولربما تقضَّت أيام حتى يتم تقرير تلك المسألة.
وهذه هي الدراسة المنهجية الحرة الشريفة التي يظهر فيها احترام الآراء، ويشتغل فيها عقل الحاضرين من التلامذة، كما يظهر علم الأستاذ وفضله، فإذا تقررت مسألة من مسائل الفقه على تلك الطريقة، كان من العسير نقدها فضلًا عن نقضها.
جلس تلميذاه أبو يوسف وزفر عن يمينه ويساره، من صلاة الفجر حتى صلاة الظهر وكل منهما يدلي برأيه في مسألة واحدة فقط، لما انتهى نقاشهما ضرب أبو حنيفة على قدم أبي يوسف مؤيدا له، وهكذا تطور تلاميذه من طور التلقي إلى طور الاساتذة في حضوره.
لذلك كانت مجالسه تتعالى فيها الأصوات، وتحتد النقاشات، وأبو حنيفة يستمع لهم، وكان غيره من العلماء إذا مروا بحلقته يتعجبوا من هذا المجلس وهذا النقاش العلمي، ولهذا برع أبو حنيفة وتلاميذه في التفنن في الاجتهاد وتحديدًا في القياس.
كان الإمام يقول: (إذا لم أجد في كتاب الله ولا سنة رسول الله ﷺ، أخذت بقول من شئت من أصحابه وأدع من شئت، ثم لا أخرج من قولهم إلى قول غيرهم، فإذا انتهى الأمر إلى إبراهيم والشعبي والحسن وابن سيرين وسعيد بن المسيب، فلي أن أجتهد كما اجتهدوا).
هذا منهج الإمام أبي حنيفة:
فمبدأ أبي حنيفة النعمان الأخذ بالنقل (القرآن الكريم والسنة الصحيحة والأدلة)، والعقل (الأدلة المنطقية والبراهين) لكنه يقدم النقل أولاً.
لقي الإمام محمد الباقر أبا حنيفة فقال له: أنت أبو حنيفة الذي غيرت دين جدي؟ فقال اجلس واسمع مني يا إمام:
أيهما أضعف في دين جدك، الرجل أم المرأة؟ فقال: المرأة، فقال أبو حنيفة: أيهما له الضعف في الميراث؟ قال: الرجل، قال أبو حنيفة: لو كنت أعمل بالرأي وأترك دين جدك لقلت المرأة أضعف، فتستحق ضعف ما يستحق الرجل، لكني لم أقل ذلك، لأن حديث النبي ﷺمقدم عندي على رأيي.
ثم قال أبو حنيفة: إنما فعلت ذلك، لأن العراق فيها طوائف وفرق تحب التجديد، فأردت أن أحمل الناس على دين جدك، لكن وفق منهج عقلي علمي، فما كان من الإمام الباقر إلا أن قام وقبل رأس أبي حنيفة.
الرأي: هو الاجتهاد العقلي.
الأثر: هو ما وصلنا من النصوص المأثورة عن الصحابة الكرام رضي الله عنهم، والمجتهدين الكبار من العلماء السابقين رحمهم الله تعالى.
قامت في زمن أبي حنيفة مدرستين، ما زالتا قائمتان إلى الآن: مدرسة أبي حنيفة هي مدرسة الرأي (العقل) وموطنهم العراق، يقابلها مدرسة الأثر (النقل) وموطنهم الحجاز.
وأبرز مواطن الخلاف بينهما كانت في المعاملات الشرعية وليس في العبادات، فالقضايا الشرعية تندرج تحت صنفين رئيسيين: عبادات ومعاملات.
فالعبادات: من طهارة وصلاة وصيام وزكاة وحج وغيرها، نلتزم فيه بالنص كما جاء لا نجتهد بالعقل، لأننا يجب أن نعبد الله كما يريد هو وليس كما نريد نحن، مثال ذلك: لو أردت أن أصلي المغرب سبع ركعات، أليس أفضل من أن أصليها ثلاث ركعات؟ فيها ركوع أكثر وسجود أكثر، لكن في هذه الحالة نحن نصبح المشرعين وليس الله، وهذا لا يجوز.
إذاً في قضايا العبادات باب الاجتهاد ممنوع ومقفل.
وأما في قضايا المعاملات: فإن كان هناك نص صحيح واضح وصريح المعنى، لا يجوز لنا أن نجتهد ونعمل عقولنا، (والقاعدة الفقهية تقول: لا اجتهاد مع النص)، مثال ذلك: مسألة المواريث التي ذكرها أبو حنيفة للإمام محمد الباقر.
أما إذا كان النص غير واضح أو الحديث غير صحيح، نستعمل العقل لمحاولة الوصول لحكم شرعي:
1- مدرسة الأثر: لا تأخذ بالرأي إلا اضطرارًا، فهم يأخذون بالنص حتى لو كان ضعيفًا، ولا يستخرجون أحكام لمسائل لم تحدث بعد.
أما مدرسة الرأي: يجتهدون في كل نص لم يصح به حديث، ويفترضون مسائل غير واقعية لكن ممكن لها أن تحدث.
2- مدرسة الأثر: كانت تخشى من الجرأة والتهجم على التحليل والتحريم بالرأي، فكانت تعتمد على الحديث ولو كان ضعيفًا.
أما مدرسة الرأي: فكانت تخشى الكذب على رسول الله؛ فلذلك أي حديث مشكوك بصحته يبتعدون عنه، وأقلوا من الرواية، وقالوا بالرأي.
عندما تكلم أبو حنيفة بالرأي لم يأت ببدعة، فهذا “عبد الله بن مسعود” كان يؤثر الفتوى بالرأي على أن يكذب رسول الله ﷺ، والذي قام به أبو حنيفة الاستدلال العقلي بتفاصيله، هو صنع منهجية تفصيلية في الفقه وتوسع في القياس، وبراعة في الاستحسان.
نقل عن “الشافعي” في رسالته قوله: (أما القياس فهو الاجتهاد، هل هما مفترقان؟ فأجاب: بل هما اسمان لمعنى واحد).
وفي قصيدة للإمام الشافعي وتنسب لابن المبارك:
قد زان البلاد ومن عليها إمـام المسـلمين أبو حـنيفة
رأيت العائبين له سفاها خلاف الحق مع حجج ضعيفة
ويقول الشافعي: الناس في الفقه عيال على فقه الإمام أبي حنيفة.
لا يوجد تعارض بين العقل والدين، بين العقل والنص إذا كان هناك منهجية واضحة.
وفي الختام: لا تنس مشاركة هذه المقالة مع الأصدقاء.
كما يمكنك الاستفادة والاطلاع على المزيد من المقالات
الوعي ومفهومه وفوائده و تعلم فنون الإقناع ومهاراته و مفهوم الحضارة والقوانين التي تحكمها
نشأ في الكوفة في العراق، في وقت كانت الفرق تموج بالفئات والفرق والمناظرات العقائدية، والفكرية والفقهية، تشرب العلوم من مشارب مختلفة وتعلم على كثير من المشايخ، فازداد سعة من العلم والمنطق، وصب ذلك كله في دراسته وتدريسه للفقه.
كانت مجالسه تتعالى فيها الأصوات، وتحتد النقاشات، وأبو حنيفة يستمع لهم، وكان غيره من العلماء إذا مروا بحلقته يتعجبوا من هذا المجلس وهذا النقاش العلمي،
ان للإمام أبو حنيفة رحمه الله منهجا فريداً في تقرير مسائل الاجتهاد، وذلك عن طريق عرض المسألة على تلاميذه في الدرس ليدلي كلٌّ بدلوه، ويذكر ما يرى لرأيه من حجة، ثم يعقِّب هو على آرائهم بما يدفعها بالنقل أو الرأي، ويصوِّب صواب أهل الصواب، ويؤيده بما عنده من أدلةٍ، ولربما تقضَّت أيام حتى يتم تقرير تلك المسألة،
يجيب عن نفسه فيقول: (إذا لم أجد في كتاب الله ولا سنة رسول الله ﷺ؟ أخذت بقول من شئت من أصحابه وأدع من شئت، ثم لا أخرج من قولهم إلى قول غيرهم، فإذا انتهى الأمر إلى إبراهيم والشعبي والحسن وابن سيرين وسعيد بن المسيب فلي أن أجتهد كما اجتهدوا).
لا يوجد تعارض بين العقل والدين، بين العقل والنص إذا كان هناك منهجية واضحة.