كتاب “سياست نامه”سير الملوك ألّفه “نظام الملك” باللغة الفارسية، وضع فيه أفضل النظم لحكم الولايات التي تتكون منها الدولة، وكيف تصرف الأمور فيها، وسجل فيه أصول الحكم التي تؤدي إلى استقرار البلاد، وضمنه نصائح للسلطان للسير بالعدل بين العباد.
كان من حنكة نظام الملك أنه مارس التدوير الإداري، فكان يقوم بتغيير الولاة مرة كل سنتين أو ثلاثة ضماناً لعدم تلاعبهم في أعمالهم، وكان يصرف مرتبات كبيرة لموظفي الدولة، خشية أن يضطر الموظف إلى الاختلاس من أموال الدولة، أو يستغل منصبه، فلا يترك لهم عذراً.
الأسس الإدارية للدولة الناجحة التي تسهم في تقدمها محور حديثنا عن شخصية نظام الملك، قال عنه الإمام الذهبي: (الوزير الكبير نظام الملك قوام الدين، عاقل، سائس، خبير، متدين، عامر المجالس بالقرّاء والفقهاء).
من هو نظام الملك؟
ولد نظام الملك يوم الجمعة سنة (408هـ الموافق لـ 1017م)، في إحدى قرى “طوس” من نواحي “نيسابور”، نشأ يتيم الأم، وحفظ القرآن الكريم كاملًا وعمره (11) سنة.
تعلم الفقه والحديث واللغة العربية والحساب ونبغ فيها كلها، يقول الإمام السبكي: (كان من أولاد الدّهاقين -رؤساء الفلاحين- وكان يتصف بالفطنة والذكاء وحسن السياسة).
نظام الملك في عهد الب ارسلان
خرج نظام الملك من عند أبيه إلى مدينة “غزنه” فخدم في الديوان السلطاني للسلاجقة، فكان كاتباً نجيباً إليه المنتهى في الحساب.
ترقى في المناصب بعد التقائه بـ “داود بن ميكال بن سلجوق” أخو السلطان السلجوقي “طغرل بك”، فقد كان يحكم خراسان، فلما عمل معه أعجب بكفاءته فألحقه بابنه “ألب أرسلان“، وقال له: (اتخذه والداً ولا تخالفه فيما يشير به).
لما توفي السلطان “طغرل بك” قام وزيره بتعيين ابن أخي السلطان “سليمان بن داود”، لكنه كان طفلاً صغيراً لا يتجاوز عمره (4) سنوات، فلم يرض الناس بذلك.
والتفوا حول “ألب أرسلان”، فدخل الريّ عاصمة الدولة ومعه وزيره “نظام الملك” فصار سلطاناً في ذي الحجة (455هـ الموافق لـ 1063م)، تولى نظام الملك الوزارة وكلفه “ألب أرسلان” بالإشراف على تربية ولده “ملك شاه”.
لم يعد نظام الملك وزيراً وراعياً للعلم والأدب فحسب، بل إنه غدا مسؤولاً عن إعداد القيادات المستقبلية، وهنا تجلى أساسانمن أسس الدولة الناجحة:
اختيار قادة ذوي كفاءة عالية وثقافة متميزة وخلق قويم.
دبّر نظام الملك الوزارة أحسن تدبير، بقي في منصبه (10) سنوات منذ تولي “ألب أرسلان” الحكم، واستمر مع ابنه “ملك شاه” (20) سنة.
أدار فيها مملكة السلاجقة التي تدير الخلافة العباسية على أكمل وجه، وكان عادلًا رفع المظالم ورفق بالرعية، واعتمد سياسة تقريب الرجال الأكفاء الصالحين، فازدهرت الدولة وتوطدت دعائمها وارتفع شأنها واتسعت حدودها.
كانت الدولة السلجوقية من أفضل الدول التي مرت في تاريخ الإسلام، صاحب نظام الملك السلطان في معظم فتوحاته، والتي توّجت بالانتصار على دولة الروم البيزنطيين في معركة “ملا ذكرد” الخالدة، ثم توفي بعدها السلطان “ألب أرسلان” عام (465هـ – 1072م).
نظام الملك في عهد ملك شاه
ظهرت قوة نظام الملك واتسع نفوذه، عندما دبّ الخلاف بين أفراد البيت السلجوقي، لكن كفة “ملك شاه” رجحت بسبب مساندة الوزير نظام الملك له، فحكم وعمره (20) سنة وعمر وزيره الذي ربّاه (55) سنة، فكان يجله ويثق به، فألقى إليه مقاليد الأمور وقال: (قد رددت الأمور كلها كبيرها وصغيرها إليك فأنت الوالد).
إنّ استمرار نظام الملك في منصب الوزارة لمدة ثلاثة عقود؛ يعكس قدراتٍ استثنائية في التعامل مع مختلف القوى والظروف، فمنصب الوزارة عادة ما يكون محفوفًا بالمخاطر وتقلب الأحوال، ولا يخلوا من حسد الأقران، وكيد الكائدين، وصراع أسرة الحكم على المناصب.
إنجازات نظام الملك
اهتم نظام الملك بالإدارة فصنعت الإدارة حضارة، وسخر نظام الملك علمه لصناعة ثقافة للأمة، كما أشرف بنفسه على رسم سياسة الدولة الداخلية والخارجية، فكان أحد أبرز القادة الأوائل في علم الإدارة عبر تاريخنا الإسلامي.
بناء العلاقة بين السلطان والوزير
أدت هذه العلاقة التي بناها إلى ازدهار الدولة، واتساع حدودها فشملت البلاد الشام وجزء كبير من بلاد الروم وآسيا الصغرى، وترامت أطرافها من حدود الهند والصين شرقًا إلى البحر المتوسط غربًا، ومن البحر الأسود شمالًا إلى الخليج العربي جنوبًا.
أعادت الهيبة للخلافة العباسية، يقول العلامة أبو شامة في كتابه الروضتين: (فَلَمَّا ملك السلجوقية جددوا من هَيْبَة الْخلَافَة مَا كَانَ قد درس، لَا سِيمَا فِي وزارة نظام الْملك، فَإِنَّهُ أعَاد الناموس والهيبة إِلَى أحسن حالاتها).
التنظيمات الإدارية والعمران
نظام البريد: يشكل بنك المعلومات والاتصالات والاستخبارات الذي اعتمد عليه نظام الملك، فكان يرسل العيون لجميع الجهات في هيئة تجار وسيّاح، وعين في كل مدينة رجلًا نزيهًا تقيًا يراقب الوالي والقاضي والمحتسب، فنجح بإحباط عدد من المؤامرات ضد الحكومة المركزية، فلا نجاح لدولة إذا خفيت حقائق الأمور عن صنّاع القرار فيها.
العمران والإنتاج: اهتم بإصلاح الأراضي الزراعية، فوزع المكافآت على كل من يصلح أرضًا، وأحسن تنظيمها وإدارتها، كما اهتم ببناء منشآت المدينة، فبنيت في زمنه الكثير من المساجد وعلى رأسها اهتمامه بعمارة الحرمين الشريفين، وبنى المستشفيات.
المدارس النظامية
كان نظام الملك أول من أنشأ المدارس النظامية في العالم الإسلامي، فشرع بعمارة المدرسة النظامية في بغداد سنة (457هـ)، وبعدها بسنتين عمم هذه التجربة، فكانت النموذج الأول للتعليم الكامل المؤسسي.
وبدء نورها المعرفي يشع في أرجاء الأمة، فتخرج منها وعمل فيها مجموعة من كبار العلماء من أمثال: (ابن عسكر، والعز بن عبد السلام، وأبو حامد الغزالي، وإمام الحرمين الجويني، وابن الجوزي).
كانت هذه المدارس تعطي معاني: (العلم، والفقه، والقيم، والأخلاق، وتغرس حبّ الشهادة والجهاد)، فكان منها (عماد الدين الأصفهاني وبهاء الدين شداد) اللذين خدما السلطان صلاح الدين الأيوبي، ودرس فيها (عبد الله بن تومرت) مؤسس دولة الموحدين في المغرب العربي.
يضعنا الرحّالة ابن جبير في صورة ما رأى من عظمة هذه المدارس النظامية، فقد رأى ببغداد وحدها أكثر من (30) مدرسة يصفها فيقول: (إنه ما فيها مدرسة إلا وهي بقصر يشابه القصور البديعة بل تقل عنها هذه القصور).
كما أنشأ نظام الملك مدرسة عسكرية فريدة، لم يكن اهتمامها منصبّا على فنون الحرب والقتال فحسب، وإنما جعلها تزرع التربية الإيمانية والأخلاقية عند الجنود، فأوجدت عقيدة عسكرية تحمي البلاد ولا تقهرها.
صفات نظام الملك
لعلّ البعض يتصور أنّ: نظام الملك شخصية مشغولة بأمور الملك عن العبادة، وهذا لا أساس له من الصحة، فإن نظام الملك لم يجلس قط إلا على وضوء، ولا توضأ إلا وتنفل وقرأ القرآن الكريم.
وكان يصوم الإثنين والخميس، يقول عنه المؤرخ الكبير ابن الأثير: (كان نظام الملك عالمًا دينًا، جوادًا، عادلًا، حليمًا، كثير الصفح عن المذنبين، طويل الصمت، إذا سمع المؤذن أمسك عن كل كلام، فإذا فرغ لم يبدأ بشيء حتى يصلي، وهذه غاية حال المنقطعين إلى العبادة في حفظ الأوقات).
اغتيال نظام الملك
في رمضان عام (485هـ): خرج “نظام الملك” مع السلطان “ملك شاه” من أصبهان قاصدًا بغداد، و كان صائمًا فأفطر في الطريق، جاءه طفل مستغيثًا فلما اقترب منه رماه بسكين في قلبه، وكان آخر ما قاله: (لا تقتلوه قاتلي فإني قد عفوت عنه)، ثم نطق الشهادة ومات، فحُمل إلى أصبهان ودفن فيها.
لم يقتله أعداء الأمة من الخارج، وإنما اغتالته فرقة الحشاشين الإسماعيلية من دخلها، وهي التي اغتالت: (عماد الدين ونور الدين الزنكي)، وبعد وفاته بـ (35) يوم توفي السلطان “ملك شاه” فانطوت صفحة من أكثر صفحات الأمة تألقًا وازدهارًا.
قال عنه المؤرخ ابن عقيل: (نظام الملك بهر العقول جودًا وكرمًا وعدلًا وإحياءً لمعالم الدين، كانت أيامه أيام دولة أهل العلم، ثم ختم له بالقتل وهو في طريقه إلى الحج ومات في رمضان، مات ملكًا في الدنيا ملكًا في الآخرة).
“نظام الملك” يعلم حكام الدنيا إلى اليوم نظام الملك.
وختامًا- يقول الدكتور طارق السويدان: (لا يكفي أنْ يكون للقائد أهداف سامية وأخلاق حميدة، بل لا بدّ له من الكفاءة العالية).
وفي الختام: لا تنس مشاركة هذه المقالة مع الأصدقاء
كما يمكنكم الاستفادة والاطلاع على المزيد من المقالات:
نظام الملك وزير سلجوقي ألّف كتاب "سياست نامه" سير الملوك ووضع فيه أفضل النظم لحكم الولايات التي تتكون منها الدولة، وكيف تصرف الأمور فيها، وسجل فيه أصول الحكم التي تؤدي إلى استقرار البلاد، وضمنه نصائح للسلطان للسير بالعدل بين العباد.
اين ولد نظام الملك؟
ولد نظام الملك يوم الجمعة سنة (408هـ الموافق لـ 1017م)، في إحدى قرى "طوس" من نواحي "نيسابور".
كم مدة بقاء نظام الملك في الوزارة؟
دبّر نظام الملك الوزارة أحسن تدبير، فبقي فيها (10) سنوات أثناء حكم "ألب أرسلان"، واستمر مع ابنه "ملك شاه" (20) سنة، أدار فيها مملكة السلاجقة التي تدير الخلافة العباسية على أكمل وجه.
من اول من أنشأ المدارس النظامية؟
كان نظام الملك أول من أنشأ المدارس النظامية في العالم الإسلامي.