كيف نفكر؟ مهارات التفكير النقدي والإبداعي.
ف أهمية التفكير النقدي والإبداعي في حياتنا وكيف يمكن دمجهما لتطوير قدراتنا العقلية. اقرأ المقال للمزيد من المعلومات والنصائح
Read moreمن القواعد الطبيعية أن الحاكم إذا امتدت يده إلى مال الدولة؛ اتسع الفتق على الراتق، واختل بيت المال أو مالية الحكومة، وسرى الخلل إلى جميع فروع المصالح، وجهر المُسِر بالخيانة وانحل النظام.
توصف علاقة عمر بن الخطاب مع أهل بيته بأنه: شديدًا في خطابه لأهل بيته، وشديد العناية والرقابة على التزامهم بأحكام الدين، وكان حرصه نابع من معرفته أن الناس تنظر له ولأهله وتترقب أفعله، فيجب عليهم أن يكونوا مثالًا لهم في الالتزام والحرص، وفيما ورد أن عمر كان بعد أن ينهى الناس عن شيء يتوجه لأهله ويقول:
(إني نهيت الناس عن كذا وكذا، والناس إنما ينظرون إليكم نظر الطير إلى اللحم، فإن وقعتم وقعوا، وإن هبتم هابوا، وإني والله لا أوتى برجل منكم وقع في شيء مما نهيت عنه الناس؛ إلا أضعفت له العقوبة لمكانه مني، فمن شاء فليتقدم ومن شاء فليتأخر).
هذه من المواقف الَّتي تدلُّ على ترفُّع عمر عن الأموال العامَّة، ومنع أقربائه وأهله من الاستفادة من سلطانه ومكانته، ولو أنَّ عمر أرخى العنان لنفسه أو لأهل بيته لرتعوا ولرتع من بعدهم، ولكان مال الله تعالى وقفًا على أولياء الأمور.
منع عمر أهله من الاستفادة من المرافق العامَّة التي رصدتها الدَّولة لفئةٍ من النَّاس؛ خوفًا من أن يحابي أهله به، قال عبد الله بن عمر: اشتريت إِبلًا أنجعتها الحِمَى فلمَّا سمنت قدمت بها، قال: فدخل عمر السُّوق فرأى إِبلًا سمانًا،
فقال: لمن هذه الإِبل؟ قيل: لعبد الله بن عمر، قال: فجعل يقول: يا عبد الله بن عمر بخٍ، بخٍ! ابن أمير المؤمنين، ما هذه الإِبل؟ قال: قلت: إِبل اشتريتها، وبعثت بها إِلى الحِمى أبتغي ما يبتغي المسلمون، قال عمر:
فيقولون: ارعوا إِبل ابن أمير المؤمنين، اسقوا إِبل ابن أمير المؤمنين، يا عبد الله ابن عمر!
اُغد إِلى رأس مالك، واجعل باقيه في بيت مال المسلمين.
خرج عبد الله، وعبيد الله ابنا عمر في جيشٍ إِلى العراق، فلمَّا قفلا مرَّا على أبي موسى الأشعري ، وهو أمير البصرة فرحَّب بهما وسهَّل، وقال: لو أقدر لكما على أمرٍ أنفعكما به لفعلت،
ثمَّ قال: بلى ها هنا مالٌ من مال الله أريد أن أبعث به إِلى أمير المؤمنين، وأسلفكماه، فتبيعان به متاع العراق، ثمَّ تبيعانه بالمدينة، فتؤدِّيان رأس المال إِلى أمير المؤمنين، ويكون لكما الرِّبح، ففعلا، وكتب إِلى عمر أن يأخذ منهما المال، فلمَّا قدما على عمر قال: أكلّ الجيش أسلف كما أسلفكما؟
فقالا: لا، فقال عمر : أدِّيا المال وربحه، فأمَّا عبد الله فسكت، وأما عبيد الله فقال: ما ينبغي لك يا أمير المؤمنين! لو هلك المال، أو نقص لضمنَّاه، فقال: أدِّيا المال، فسكت عبد الله، وراجعه عبيد الله، فقال رجلٌ من جلساء عمر يا أمير المؤمنين: لو جعلته قراضًا (شركةً)، فأخذ عمر رأس المال ونصف ربحه، وأخذ عبـد الله وعبيد الله نصف ربح المال.
كان عمر رضي الله عنه يقسم المال، ويفضِّل بين النَّاس على السَّابقة والنَّسب، ففرض لأسامة بن زيد (4,000)، وفرض لعبد الله بن عمر (3,000)،
فقال: يا أبت! فرضت لأسامة بن زيد (4,000)، وفرضت لي (3,000)؟ فما كان لأبيه من الفضل ما لم يكن لك! وما كان له من الفضل ما لم يكن لي! فقال عمر : إِنَّ أباه كان أحبَّ إِلى رسول الله ﷺ من أبيك، وهو كان أحبَّ إِلى رسول الله ﷺ منك!
أقام عمرو بن العاص حدَّ الخمر على عبد الرحمن بن عمر بن الخطَّاب، يوم كان عامله على مصر، ومن المألوف أن يقام الحد في السَّاحة العامَّة للمدينة، لتتحقَّق من ذلك العبرة للجمهور، غير أنَّ عمرو بن العاص أقام الحدَّ على ابن الخليفة في البيت، فلمَّا بلغ الخبر عمر كتب إِلى عمرو بن العاص:
(من عبد الله عمر أمير المؤمنين إِلى العاص بن أبي العاص: عجبت لك يا بن العاص، ولجرأتك عليَّ، وخلاف عهدي، أما إِنِّي قد خالفت فيك أصحاب بدرٍ ممَّن هو خيرٌ منك، واخترتك لجدالك عنِّي، وإِنفاذ عهدي، فأراك تلوثت بما قد تلوثت، فما أراني إِلا عازلك فمسيء عزلك، تضرب عبد الرَّحمن في بيتك، وقد عرفت أنَّ هذا يخالفني؟
إِنَّما عبد الرحمن رجلٌ من رعيَّتك، تصنع به ما تصنع بغيره من المسلمين، ولكن قلت: هو ولد أمير المؤمنين، وقد عرفت أنْ لا هوادة لأحدٍ من النَّاس عندي في حقٍّ يجب لله عليه، فإِذا جاءك كتابي هذا فابعث به في عباءةٍ على قتبٍ حتَّى يعرف سوء ما صنع).
فلما قدم عبد الرحمن على أبيه الفاروق في المدينة جلده عمر، وعاقبه من أجل مكانه منه، ثم أرسله فلبث شهرًا صحيحًا، ثم أصابه قدره، فيحسب عامة الناس أنه مات من جلد عمر، ولم يمت من جلده، ولم يجلده عمر حدًا لأنه أقيم عليه الحد في مصر من قبل عمرو بن العاص، وإنما كان ضرب عمر تأديبا من أب لابنه.
فالفاروق لا يبالي على من وقع الحق، على ولده أم على غيره من الناس، فهو رجل لا تأخذه في الله لومة لائم، لذلك كان ينهى أهله أشد النهي حذرًا من وقوعهم في مخالفته.
أهدى أبو موسى الأشعري لامرأة عمر “عاتكة بنت زيد” سجادة، أراها تكون ذراعًا وشبرًا، فرآها عمر عندها، فقال: أنَّى لك هذه؟ فقالت: أهداها لي أبو موسى الأشعري، فأخذها عمر فضرب بها رأسها، حتَّى نفض رأسها،
ثمَّ قال: عليَّ بأبي موسى وأتْعِبُوه، فأتي به وقد أُتعب، وهو يقول: لا تعجل عليَّ يا أمير المؤمنين! فقال عمر: ما يحملك على أن تهدي لنسائي؟ ثمَّ أخذها عمر فضرب بها فوق رأسه، وقال: خذها فلا حاجة لنا فيها.
قسم مروطًا بين نساء أهل المدينة، فبقي منها مرطٌ جيِّدٌ، فقال له بعض مَنْ عنده: يا أمير المؤمنين! أعط هذا بنت رسول الله ﷺ الَّتي عندك ـ يريدون أمَّ كلثوم بنت عليٍّ، فقال عمر: أمُّ سليطٍ أحقُّ به ـ وأمُّ سليط من نساء الأنصار ممَّن بايع رسول الله ﷺ ـ قال عمر: فإِنَّها كانت تزفر لنا القرب يوم أحدٍ.
قال عاصم بن عمر: أرسل إِليَّ عمر يرفأ (مولاه)، فأتيتُه وهو جالسٌ في المسجد، فحمد الله عزَّ وجلَّ وأثنى عليه، ثمَّ قال: (أمَّا بعد، فإِنِّي لم أكن أرى شيئًا من هذا المال يحلُّ لي قبل أن أليه إِلا بحقه،
ثمَّ ما كان أحرم علي منه حين وليته، فعاد أمانتي، وإِنِّي كنت أنفقت عليك من مال الله شهرًا، فلست بزائدك عليه، وإِنِّي أعطيت ثمرك بالعالية منحةً، فخذ ثمنه، ثمَّ ائت رجلًا من تجَّار قومك، فكن إِلى جانبه، فإِذا ابتاع شيئًا فاستشركه، وأنفق عليك، وعلى أهلك)، قال: فذهبتُ، ففعلت.
جيء إِلى عمر بمال، فبلغ ذلك حفصة أمَّ المؤمنين، فقالت: يا أمير المؤمنين! حقُّ أقربائك من هذا المال، قد أوصى الله عز وجل بالأقربين من هذا المال، فقال: يا بنية! حقُّ أقربائي في مالي، وأمَّا هذا ففي سداد المسلمين، غششتِ أباكِ، ونصحتِ أقرباءكِ، قومي.
عن قتادة قال: كان معيقيب على بيت مال المسلمين في خلافة عمر بن الخطاب، فكنس بيت المال يومًا فوجد فيه درهمًا، فدفعه إلى ابنٍ لعمر ، قال معيقيب: فانصرفت إلى بيتي فإذا رسول عمر قد جاءني يدعوني، فجئت فإذا الدرهم في يده فقال لي:
ويحك يا معيقيب أوجدت علي في نفسك شيئًا؟ قال: قلت: ما ذاك يا أمير المؤمنين؟ قال: أردت أن تخاصمني أمة محمد ﷺ في هذا الدرهم.
من خلال حياة عمر مع أسرته وأقربائه، يظهر لنا مَعْلَمٌ من معالم الفاروق في ممارسة منصب الخلافة، وهو القدوة الحسنة في حياته الخاصَّة والعامَّة، حتَّى قال في حقِّه عليُّ بن أبي طالب: (عَفَفْتَ، فَعَفَّتْ رعيَّتُك، ولو رتعت لرتعوا).
وكان لالتزامه بما يدعو إِليه، ومحاسبته نفسه، وأهل بيته أكثر ممَّا يحاسب به ولاته، وعمَّاله كان له الأثرُ الكبير في زيادة هيبته في النُّفوس، وتصديق الخاصَّة والعامَّة له.
هذا هو عمر الخليفة الرَّاشد، الَّذي بلغ الذِّروة في القدوة، ربَّاه الإِسلام فملأ الإِيمان بالله شغاف قلبه، إِنَّه الإِيمان العميق، الَّذي صنع منه قدوةً للأجيال، ويبقى الإيمان بالله، والتَّربية على تعاليم هذا الدِّين، سببًا عظيمًا في جعل الحاكم قدوةً في أروع ما تكون القدوة من هنا إِلى يوم القيامة.
إقرا أيضاً: بين عظيما الإسلام عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد
وفي الختام: لا تنس مشاركة هذه المقالة مع الأصدقاء.
كما يمكنك الاستفادة والاطلاع على المزيد من المقالات
الأحنف بن قيس وأبو ذر الغفاري و النجاشي ملك لا يظلم عنده أحد
توصف علاقة عمر بن الخطاب مع أهل بيته بأنه: شدته في خطابه لأهل بيته، وشديد العناية والرقابة على التزامهم بأحكام الدين، وكان حرصه نابع من معرفته أن الناس تنظر له ولأهله وتترقب أفعله، فيجب عليهم أن يكونوا مثالًا لهم في الالتزام والحرص.
جعل يقول: يا عبد الله بن عمر بخٍ، بخٍ! ابن أمير المؤمنين، ما هذه الإِبل؟ قال: قلت: إِبل اشتريتها، وبعثت بها إِلى الحِمى أبتغي ما يبتغي المسلمون، قال عمر:
فيقولون: ارعوا إِبل ابن أمير المؤمنين، اسقوا إِبل ابن أمير المؤمنين، يا عبد الله ابن عمر!
اُغد إِلى رأس مالك، واجعل باقيه في بيت مال المسلمين.
لا بل كان شديدا عليهم، من ذلك قضية ابنه عبد الله وعبيد الله لما خرجا في غزو على العراق وعادا ببضاعة رأس مالها من خراج العراق عائد إلى بيت مال المسلمين، لم يرض عمر بذلك، وأمر أولاده ألا يأخوا الربح، إلى أن أشار عليه أحد الصحابة أن يجعلها مضاربة ويقسم لهم ولبيت مال المسلمين من الربح.
كان يرفض أي هدية تقدم لهن.
بل هو رجل بلغ ذِّروة المجد والخلود عندما جعل من نفسه القدوة، ربَّاه الإِسلام فملأ الإِيمان بالله شغاف قلبه.
لم يكتف برعاية أهل بيته! بل كان راعيا مؤتمنا على كل المسلمين.