الأخلاق في الإسلام – أنواعها وطرق اكتسابها
الأخلاق في الإسلام عظيم شأنها عالية مكانتها، ولذلك دعا الإسلام المسلمين إلى التحلي بها وتنميتها…
Read moreأمتنا الإسلامية غنية بالرجال العظام، المبدعون والقدوات في كل ميدان، نقف لنتعرّف على أحد هؤلاء القامات، إنه شيخ الإسلام تقيّ الدين الإمام ابن تيمية، مجدّد عصره، ودرّة دهره، وإمام زمانه،
يقول الحافظ السيوطي: (فوالله ما رمقت عيني أوسع علمًا ولا أقوى ذكاءً من رجل يقال له ابن تيمية، مع زهد في المأكل والملبس والنساء، ومع القيام بالحق والجهاد بكل إمكان).
هو أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله، أبو العباس تقيُّ الدّين شيخ الإسلام ابن تيمية، وأما شهرته “ابن تيمية” فاكتسبها منْ أم جدّه “محمد بن الخضر” التي كانت واعظة تسمّى “تيمية”، فنسب إليها، فانظر كيف تخرّج النساء العظيمات رجالًا عظامًا؟!
نشأ الإمام ابن تيمية في أسرة علم عظيمة، فجده أبو البركات مجد الدين عبد السلام بن عبد الله بن تيمية: إمام فقيه محدّث، صاحب المنتقى من أحاديث الأحكام، وله كتاب الأحكام الكبرى، وله عدة كتب في الفقه.
وللتمييز بين شيخ الإسلام وجده: فإن قيل المجد بن تيمية؛ فالمقصود هو الجدّ أبو البركات، وإن قيل شيخ الإسلام ابن تيمية؛ فهو أحمد بن عبد الحليم.
أما أبوه فشهاب الدين أبو المحاسن عبد الحليم بن عبد السلام: قرأ المذهب الحنبلي على والده، حتى أتقنه ودرًّس وأفتى وصنّف، وأصبح شيخ البلد بعد أبيه، وللإمام الذهبي قولٌ جميل:
(كان شهاب الدين من أنجم الهدى، وإنما اختفى بين نور القمر وضوء الشمس) في إشارة إلى أبيه عبد السلام، وابنه شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية، وهو أقل شأناً من أبيه وابنه، وكلهم من أهل العلم.
هناك ظاهرة وهي أنّ أكثر من 90% من أبناء الأسر القيادية يكون قادة، وكذلك أبناء الأسر العلمية يكونون علماء، ليس بالضرورة في نفس مجال علم الآباء، ولكنهم يبدعون في مجالٍ من مجالات العلم.
ولد رحمه الله تعالى في مدينة “حرّان” في الشام، يوم الاثنين (العاشر من ربيع الأول سنة 661 هـ).
يقول الإمام الشوكاني، قال الذهبي في وصف الإمام ابن تيمية: (كان أبيضًا، أسود الرأس واللحية، قليل الشّيب، شعره طويل إلى شحمة أذنيه، عيناه لسانان ناطقان -فيهما بريق وحِدَّة-، ربعة من الرجال -ليس بالطويل وليس بالقصير-، بعيد ما بين المنكبين، جهوري الصوت، فصيحًا، سريع القراءة،
تعتريه حِدّة، سريع الغضب أحيانًا لكنه يقهره بالحلم، كما قال النبي ﷺ «إنما الحلم بالتّحلّم»، نعم عنده استعداد شديد للصدام، لكنه كان يمسك نفسه بالتحلّم.
كما كان عفيف النفس، مقتصداً في ملبسه ومأكله، رغم أنّ أهله حاولوا أن يمدوه، لكنه نشأ صالحًا بارًّا بوالديه، تقيًا ورعًا ناسكًا صوامًا قوّامًا، ذاكرًا لله تعالى في كل أمر وعلى كل حال، رجّاعًا إلى الله تعالى في كل أحواله، وقّافًا عند حدود الله وأوامره ونواهيه، آمرًا بالمعروف ناهيًا عن المنكر،
لا يكاد يشبع من العلم، ولا يرتوي من المطالعة، ولا يمل من الاشتغال والبحث في قضايا العلم، زاهداً في الدنيا وبهرجها، ظهرت عليه علامات النجابة منذ صغره، ذكي فطن، ودلائل عناية الله عز وجل به لائحة).
بدأ الإمام ابن تيمية في تحصيل العلم منذ صغره، درس على أكثر من (200) من الشيوخ والعلماء، وهبه الله عقلاً لمّاحاً ذكياً، وقلبًا نقيًا، شديد الحرص على أوقاته، يعدّ أنفاسه ولحظاته، ولذلك تصدّر للفتيا والتدريس وعمره (20) عامًا،
جلس مكان أبيه بعد وفاته ومازال منذ ذلك الوقت في انتفاع وارتفاع، واستحق الصدارة عن جدارة، وتأثر به علماء عصره، وصبغهم بصبغة: (الالتزام الدقيق بالنص والحديث الصحيح، والابتعاد عن كل أشكال البدع).
وممن تأثر به الإمام المزي وكان أكبر منه سنًا وأكثر منه باعًا في علم الحديث، ومن تلاميذه: (ابن القيم، والذهبي، وابن كثير)، ومما ساعده على التفوق على أقرانه، وسيادته على أهل زمانه، أنه ما اشتغل في شيء من أمور الدنيا، يقول البزار:
(ما رأينا من العلماء من قنع من الدنيا مثلما قنع هو، لم يسمع عنه أنه رغب في زوجة حسناء، ولا سريّة حوراء -لم يتزوج-، ولا إلى دار فوراء، ولا إلى مماليك ولا جواري، ولا بساتين ولا عقار، ولا شدَّ على دينار ولا درهم، ولا رغب في دواب ولا ثياب، ولا ساعيًا في تحصيل حتى المباحات).
طلب منه جماعة من أهله -والده وإخوته- أن يذهب معهم يوم إجازة ليتنزه، لكنه تهرب منهم، فلما عادوا آخر النهار، أخبروه بكمية السرور التي حصّلوها، وعاتبوه على عدم الذهاب معهم، فقال لهم: (أنتم ما زدتم شيئًا، ولا جددتم شيئًا، أنا في غيبتكم حفظت هذا المجلد “كتاب جَنَّة الناظر وجُنَّة المناظر”).
يصفه الإمام البزار فيقول: (أمّا تعبده فإنه قلّ أنْ سُمِعَ بمثله، لأنه كان قطع جل وقته وحياته فيه، حتى أنه لم يجعل لنفسه شاغلة تشغله عن الله سبحانه وتعالى، كان في ليله منفردًا عن الناس خاليًا بربه،
مواظبًا على تلاوة القرآن الكريم، فإذا دخل الصلاة ترتعد أعضاؤه حتى يميل يمنى ويسرى، لا يكلم أحدًا من بعد صلاة الفجر بغير ضرورة، بل يبقى في ذكر وتسبيح ودعاء، يكثر من تقليب بصره نحو السماء، حتى ترتفع الشمس وتزول).
نظر إلى الدنيا نظرة ازدراء فتلاشت عنده مظاهرها وتجلت له حقيقتها، فأراح نفسه من تعب الدنيا، ووجه شأنه كله لله سبحانه وتعالى، فأفرغ القلب من الشهوات، وملأه بمحبة الله ومحبة رسوله، ففتح الله عليه منذ صغره، وصار شعاره في الحياة خدمة الدين وخدمة العلم، فكلّ من ذكر سيرته وصفاته أجمع على هذه الصفة.
عاش في فترة انتشار المغول في بلاد المسلمين، فكان رحمه الله تعالى من الذين جاهدوهم، إذا رأى من بعض المسلمين هلعًا أو جبنًا شجّعه وثبته وبيّنَ له فضل الجهاد والمجاهدين، يجول أمام الجيش كأعظم الشجعان، ويهجم على العدو بنفسه، لا يخاف الموت، شارك في فتح عكا، وكان له دور في فتح المسلمين لعكا، بجهاده وعلمه وتثبيته لقلوب الناس.
يقول أحد حجاب الأمراء: (قال لي الشيخ يومًا: يا فلان أوقفني موقف الموت، فسقته إلى مقابلة العدو وهم منحدرون، تلوح أسلحتهم من تحت الغبار، وقلت هذا موقف الموت، فدونك وما تريد،
فرفع الشيخ طرفه إلى السماء، وحرّك شفتيه طويلاً، ثم انبعث وأقدم على القتال، وما رأيته بعد ذلك، إلا بعد أن فتح الله علينا ونصرنا، ودخل جيش الإسلام، وعاد إلى دمشق عندها رأيته).
كانت محنه مع العلماء نتيجة تمسكه بالحق الذي يثبت عنده بالدليل القاطع، فكان ذلك سببًا في خصومة بعض العلماء ممن خالفه في آرائه، وخاصةً علماء مصر، وهذه مشكلة ابن تيمية إنْ خالف خالف بقوة،
وبعض العلماء -مع الأسف- لا يتق الله في المخالفة، فإن خالفه أحدٌ أخذ يبدأ بالوشاية، والاستهزاء وتحريض الحكام عليه، فكان ابن تيمية أكثر العلماء تعرضاً للسجن في تاريخ أمتنا، بعضهم عده أنه سجن (21) مرة، بسبب مواقفه وآراءه.
لما حكم الملك الناصر وعاد إلى القاهرة واسترد حكمه، كان يحبّ الإمام ابن تيمية ويؤمن بأفكاره، يقول ابن كثير: (سمعت الشيخ تقي الدين ابن تيمية يذكر ما كان من السلطان، وأنّ السلطان استفتى الشيخ في قتل بعض القضاة الذين تكلموا في ابن تيميه، ولأنهم أفتوا في عزل الملك الناصر، ففهم الشيخ مراد السلطان،
فأخذ يعظم القضاة والعلماء وينكر أنْ ينال من أحدهم بسوء، وقال له: إنْ قتلت هؤلاء لا تجد مثلهم، فقال له السلطان: لكنهم آذوك وأرادوا قتلك مرارًا، فقال ابن تيمية: من آذاني فهو في حلّ، ومن آذى الله ورسوله فالله ينتقم منه، أنا لا أنتصر لنفسي، فما زال بالسلطان حتى صفح عنهم).
يقول ابن مخلوف قاضي المالكية: (ما رأينا مثل ابن تيمية، حرضنا عليه فلم نقدر عليه، وقدر علينا فصفح عنا، وحاجج عنا).
كانت له مواقف شديدة ضد التتار الذين حكموا الشام، طبعا لجأ التتار إلى وسيلة حتى يخففوا المعارضة بوجودهم وهي ادعائهم أنهم مسلمين، لكنهم كانوا يشربون الخمور ويفعلون المنكرات، فكان يقف في وجههم، مما أدى إلى مشاكل بينه وبين الحكام فكانوا يسجنوه.
طبعًا حتى وهو في سجنه كان يدعو إلى الله تعالى بين المساجين، ويعلمهم الدين والفقه، ويصلي بهم، وصنع لهم مدرسة علمية داخل السجن، بل كان يؤلف ويكتب فلم يكن السجن مشكلة كبيرة له، ويقول: (ماذا يفعل بي أعدائي؟ سجني خلوة، نفيي سياحة، قتلي شهادة، أنا جنتي في صدري).
كل هذه المواقف جعلت من الإمام ابن تيمية رمزًا للتشدد بالنسبة لبعض الناس، ولكنّ الحقيقة أنه شديد على الباطل فيما يعتبر أنه حقّ بالدليل من الآيات والأحاديث الصحيحة، وعلى نهجه سار كثير من العلماء إلى يومنا هذا، فيعتبرونه مرجعهم في فهم الدّين والوقوف في وجه الباطل.
وله كتب كثيرة في شتى العلوم.
يرويها الحافظ ابن كثير تلميذه، يقول: (اتفق موته في سحر ليلة الاثنين، ليلة العشرين من ذي القعدة سنة 728 هجرية، مات في السجن، وذلك أنهم أصدروا قرارًا لأول مرة بمنع الكتب عنه،
ومنع الأوراق التي يكتب عليها، فلم يعد يستطيع أن يدرس أو يؤلف، والإنسان إذا حُرِم من هدفه من الحياة؛ لم يعد للحياة قيمة، فقضى وقته في هذه الفترة في قراءة القرآن، وختم القرآن (8 مرة وثلاثة أرباع تقريبًا).
فلما أسلم روحه لله، ونادى عليه المنادي، ودخل الناس إلى سجنه أخذوا يصلون عليه، وشيعوه إلى قبره بمشهدٍ حضره مئات الألوف، اجتمع الناس على حبهم لابن تيمية وتقديرهم له، وقام بعض العلماء الكبار بإكمال الختمة التي لم يختمها، إكرامًا لهذا العالم الجليل رحمه الله تعالى.
وفي الختام: لا تنس مشاركة هذه المقالة مع الأصدقاء.
كما يمكنك الاستفادة والاطلاع على المزيد من المقالات
قصص الصحابة و الأئمة الأربعة و قصص التابعين
هو أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله، أبو العباس تقيُّ الدّين شيخ الإسلام ابن تيمية، وأما شهرته “ابن تيمية” فاكتسبها منْ أم جدّه “محمد بن الخضر” التي كانت واعظة تسمّى “تيمية”، فنسب إليها.
ولد رحمه الله تعالى في مدينة “حرّان” في الشام، يوم الاثنين (العاشر من ربيع الأول سنة 661 هـ).
- فتاوى ابن تيمية
- الفتاوى الكبرى
- كتاب في تعارض النقل والعقل
- الصارم المسلول على شاتم الرسول
- في منهاج السنة النبوية،
في سحر ليلة الاثنين، ليلة العشرين من ذي القعدة سنة 728 هجرية، مات في السجن، وذلك أنهم أصدروا قرارًا لأول مرة بمنع الكتب عنه، ومنع الأوراق التي يكتب عليها، فلم يعد يستطيع أن يدرس أو يؤلف، والإنسان إذا حُرِم من هدفه من الحياة؛ لم يعد للحياة قيمة، فقضى وقته في هذه الفترة في قراءة القرآن، وختم القرآن (8 مرة وثلاثة أرباع تقريبًا).
سجن (21) مرة، بسبب مواقفه وآراءه.