كيف تكون أب
قد يبدو العنوان مفاجئاً للكثيرين: كيف تكون أب؟ ولا شك أنّ المقصود لا ظاهر المعنى،…
اقرأ المزيدالإسلام لم ينتقص من مكانة المرأة؛ وإنما رفع من شأنها ومكانتها، وصار شأنها قرآناً يُتلى، وصار مكانة خالدة في التاريخ، خلّدها الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم، ومن أعظم النساء أم المؤمنين خديجة بنت خويلد، الطاهرة وزوجة النبي صلى الله عليه وسلم وأمّ أولاده، إحدى النساء الكاملات في التاريخ، فلم يكمل من النساء إلا أربع:
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير نسائها مريم، وخير نسائها خديجة».
جعل الله لنساء النبي صلى الله عليه وسلم مكانة خاصة في ديننا، وذكرهن في القرآن الكريم: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}، وقال تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} فوجّهنا إلى أنَّ:
هي خديجة بنت خويلد بن أسد القرشية، وأمها فاطمة بنت زائدة العامرية، كنيتها أم القاسم، لقبت في الجاهلية بالطاهر، وخديجة بنت خويلد أول زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم وهي أول امرأة تدخل الإسلام.
كانت خديجة قد تزوجت من رجلين وتوفيا قبل رسول الله، ولها ولد يدعى: (هند بن أبي هالة)، وكانت امرأة جميلة شريفة غنية عاقلة حكيمة تجمعت لها صفات الشرف، أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان يتيماً فقيراً لا يطمع بامرأة من هذا المستوى الاجتماعي، وتأخر زواجه لفقره واشتغاله برعي الغنم، ثم بدأ يعمل بالتجارة، وسمعت خديجة بأمانته فطلبته في تجارة لها.
خرج رسول الله بتجارة خديجة مع غلامها ميسرة إلى الشام، فباع ما فيها ثم اشترى بضائع وباعها في مكة فربح مرّتين، وجاء بكلّ الأرباح إلى خديجة فسرّت بذلك وأعجبت بأمانته وما بلغها عنه من الأخلاق الرفيعة التي ذكرها لها غلامها ميسرة.
فحدّثت خديجة امرأة تدعى (نفيسة) برغبتها الزواج من رسول الله ولكنها كانت مترددة بسبب فارق السّن، فهي بعمر الأربعين ورسول الله بعمر 25.
جاءت نفيسة إلى رسول الله وسألته عن تأخره في الزواج، أخبرها أن ذلك بسبب ضيق ذات اليد، فقالت له نفيسة: هل لك في المال والجمال والشرف والكفاءة؟
قال: مَنْ؟ قالت: خديجة بنت خويلد.
قال: أنّى لي بخديجة؟ -كانت ترفض أشراف القوم الذي كانوا يتقدّمون لها -، قالت: أنا لك بها.
وهنا تعلمنا السيدة خديجة أنه لا مانع من أن تقوم بالمرأة باختيار الزوج المناسب لها بنفسها وتسعى في ذلك.
وفعلاً تم الزواج المبارك ورزق المصطفى منها: بالأولاد (القاسم وعبد الله)، والبنات (زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة)، وعاشا حياة سعيدة هانئة لا مشاكل فيها.
وحُبّب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم التحنّث -الانقطاع للعبادة- فكان يذهب إلى غار حراء ويبقى فيه أياماً، وكانت خديجة ترعاه فترسل له من يحرسه وترسل له الزاد، واستمر على ذلك لسنوات حتى بلغ سنّ الـ 40.
وبينما رسول الله في الغار يتعبّد إذ ينزل عليه جبريل عليه السلام، فيقول: اقرأ، قال: ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال:
اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}.
رجع رسول الله يرجف فؤاده خائفاً، ودخل على خديجة وهو يقول: «زملوني، زملوني»، فغطّته حتى هدأ وذهب عنه الروع والخوف، وأخبرها بما جرى معه وقال: «لقد خشيت على نفسي»، فقالت خديجة:
(كلا والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكَلّ، وتكسب المعدوم، وتُقري الضيف، وتُعين على نوائب الحق).
انطلقت خديجة مع رسول الله حتى أتت ورقة بن نوفل ابن عمها، وكان قد تنصر في الجاهلية وكان شيخًا كبيراً قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن عم، اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: يا ابن أخي، ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله ما رأى، فقال له ورقة:
(هذا الناموس الذي نزَّل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعًا، ليتني أكون حيًا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله: أو مُخرِجِيَّ هم؟ قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عُودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا).
كانت خديجة رضي الله عنها أول أسلم من الخلق أجمعين، فنالت مرتبة يتمنّاها الرجال والنساء، وبلغت في ذلك مكانة رفيعة سامية، وأسلم كلّ من كان في بيتها: علي بن أبي طالب، وزيد بن حارثة، وأبناؤها وبناتها، وبدأت مرحلة الصراع والمواجهة في الدعوة إلى الله تعالى، فكانت تحمل عبء مساندة رسول الله.
عاشت أم المؤمنين خديجة مع رسول الله ربع قرن: 15 عامًا قبل البعثة و10 أعوام بعدها، وفي هذا ردّ على كل من يقول إن رسول الله كان مزواجاً، فلو كان كذلك لعدّد وهو شابّ، ولكن كل زيجاته اللاحقة كان لها سبب:
عن أم المؤمنين عائشة قالت: «كان النبي ﷺ إذا ذكر خديجة أثنى عليها فأحسن الثناء، فغِرتُ يوماً فقلت: ما أكثر ما تذكرها، حمراء الشّدق قد أبدلك الله عز وجل بها خيراً منها، قال: ما أبدلني الله عز وجل خيراً منها:
استأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة على رسول الله ﷺ، فعرف استئذان خديجة فارتاح لذلك، وقال: «اللهم هالة بنت خويلد».
تقول أم المؤمنين عَائِشَةَ: مَا غِرْتُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ إِلَّا عَلَى خَدِيجَةَ وَإِنِّي لَمْ أُدْرِكْهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ إِذَا ذَبَحَ الشَّاةَ، يَقُولُ: «أَرْسِلُوا بِهَا إِلَى أَصْدِقَاءِ خَدِيجَةَ» قَالَتْ: فَأَغْضَبْتُهُ يَوْمًا، فَقُلْتُ: خَدِيجَةَ فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنِّي قَدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا».
أتى جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم مرّة فقال: «يا رسول الله، هذه خديجة قد أتتك معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربّها عزّ وجل ومنّي، وبشّرها ببيت في الجنّة من قصب لا صخب فيه ولا نَصَب».
ولما حوصر المسلمون في شعب أبي طالب، ومنع عنهم الطعام والشراب، كان ابن أخيها حكيم بن حزام يأتيها بالطعام فتوزعه على المسلمين، وكانت الحصن لرسول الله في بيته، بذلت جهدها ومالها وتربيتها لأبنائها، وفرّغت رسول الله لهمّ الدعوة إلى الله، ثم صبرت على فقد ابنيها (القاسم وعبد الله).
توفيت خديجة رضي الله عنها عام 10 للبعثة، بعد وفاة أبي طالب عم رسول الله بـ 3 أيام، وسميّ هذا العام “عام الحزن”، رحم الله خديجة ورفع شأنها في الجنّة، وجعلنا من المقتدين بإيمانها وإخلاصها وحبّها للنبي صلى الله عليه وسلم.
وفي الختام: لا تنس مشاركة هذه المقالة مع الأصدقاء.
كما يمكنك الاستفادة والاطلاع على المزيد من المقالات:
كانت ديانه خديجة بنت خويلد قبل الاسلام على دين الحنيفية دين إبراهيم عليه السلام.
ميسرةغلام خديجة. ذكر في السّيرة، وكان رفيقَ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في تجارة خديجة قبل أن يتزوجها. وحكى بعضَ أدلة نبوته.
كان لقب خديجة بنت خويلد ( الطاهرة ) لما عرفت به من الطهر والعفة.
اسم ابو خديجة بنت خويلد هو خويلد بن أسد بن عبد العزَى بن قصي بن كلاب القرشي الأسدي.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير نسائها مريم، وخير نسائها خديجة».
خديجة بنت خويلد رضي الله عنها.
قالت: (كلا والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكَلّ، وتكسب المعدوم، وتُقري الضيف، وتُعين على نوائب الحق).