لدينا آمال وطموحات بالإضافة إلى عوائق كبيرة في محاولة نهضة هذه الأمة، كلنا نتمنّى أنْ ترجع الأمة لقيادة البشرية من جديد، كلنا نتمنى أن نرى التوحيد يسود الأرض جميعًا، ولكنّ هذا الأمر ليس بالأماني وإنّما بالجدّ والعمل، وبداية العلاج هي بحُسن التشخيص وفهم المشكلات ثم معالجتها.
القيادات الشابة
الأزمات
يقسّم الدكتور طارق السويدان الأزمات التي تمر بها الأمة إلى أربع أزمات:
الأزمة الأولى- أزمة التخلّف: هذه الأزمة واضحة في كل المجالات التي تعيشها الأمة، وإذا حاولنا عمل شيء في بعض الجوانب فإننا نقتصر على المظاهر، ولكن أطناب التخلف تجعلنا نرزح تحتها.
الأزمة الثانية- أزمة الإنتاجية: هناك دراسات تقدّر إنتاجية الإنسان العربي في اليوم بنصف ساعة، هذا في الدول التي فيها مشاريع وأعمال/ أما في غيرها فتقدّر بـ 5 دقائق.
الأزمة الثالثة- أزمة القيادة: وهي لا تشمل الناحية السياسية فحسب، بل تشمل جميع جوانب الحياة.
الأزمة الرابعة- أزمة الهوية: نريد من جهة أن نتقدم ونتطور، ومن جهة أخرى نريد أنْ نبقى عربًا ومسلمين، ولكن للأسف في كثير من الأحيان باسم التقدم والحضارة، نتخلّى عن كوننا عربًا ومسلمين.
الأمل في الأجيال القادمة
الأمل في عزّ الأمة وفي نهضتها هو في إنشاء جيل يقود الأمة نحو المجد ونحو النصر، أنْ يفنى الجيل الذي استعبد عقله وهو لا يزال يتظاهر بالحضارة، ويستبدل بجيل ينشأ في أجواء حرية وإبداع وعطاء وإنتاج، فعندها يكون لدينا أمل أن تنهض الأمّة.
الشباب والقيادة والتغيير
القيادة: هي عملية تحريك الناس نحو الهدف، وتتمثل أزمة القيادة بوضوح بأزمة الهدف، فماذا نريد أن نكون؟ وما هي نوعية الدولة التي نريد أنْ ننشئ؟
الدول العالمية استطاعت أن تنجح: عندما حددت لها هوية، وحددت لها هدفًا، ولكنّ عدم وضوح الهدف لدينا يجعل الناس تتبع كل ناعق، فالمولى سبحانه قال عن فرعون: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ}، {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ}.
لكي نغير هذا الوضع: يجب أن نتعامل مع الإنسان الذي سيغير واقع المؤسسات وواقع الدول، لن يغيّر واقعنا المباني الجميلة ولا التكنولوجيا العالية ولا المظاهر، سيغيرنا الإنسان إذا رُبّي بطريقة صحيحة، وحتى يقودنا الشباب بطريق صحيح لا بد أن تتغير عنده (القناعات والفكر والقيم): كيف تفكر وبم تؤمن، مشكلة السياسة فكر ومشكلة الاقتصاد فكر أي أزمة نجد أساسها الفكر.
صناعة الشباب الصالح
كثير من الشباب اليوم بدأوا يتبنون فكراً غربيًا انبهارًا بالمنتصر، كما هي حال الشعوب المغلوبة على مدى التاريخ، هذا سيبقينا في أزمة إلى أنْ تتغير الأفكار، وكثير من الآباء والأمهات لا يربّون أبناءهم وإنما يرعونهم، فالرعاية هي تقديم الاحتياجات، أما التربية فهي علاج الخلل وتنمية المزايا في الأمور الآتية:
غرس العقيدة الفكر والقيم.
بناء الاهتمامات النافعة ومتابعتها.
تنمية المهارات.
العلاقات والأصحاب الصالحين.
القدوات: الإنسان يحاول تقليد من يقتدي به، فالمصيبة كبيرة إن كانت القدوات سيئة.
صناعة الشباب القائد
الرؤيا المرشدة: ماذا يتمنى أن يكون؟ ما هو المجال الذي سيبرز فيه؟ ما هي الإنتاجات والمشاريع العظيمة التي سيقدّمها للأمة؟ يقول مصطفى صادق الرافعي: (إنْ لم تزد شيئًا على الدنيا، كنت أنت زائدًا على الدنيا)، وجميع الدراسات تشير إلى: إنَّ الذي لا يملك رؤية لنفسه، لن يستطيع وضع رؤية لمؤسسته أو دولته.
التوازن: بالأجزاء الأربعة التي يتشكل منها الإنسان: (الروح – العقل – العاطفة – الجسد)، فأي إنسان لديه مشكلة في أحد هذه الأربع؛ سيكون لديه مشكلة في قيادة الآخرين.
يقول ستيفن كوفي: بعض الناس من شدة حرصه على صحته يمارس الرياضة 4-5 ساعات في اليوم، ولا يدري المسكين أنه ضيّع من عمره 4-5 ساعات، الرياضة يكفيها نصف ساعة في اليوم، يريد أن يكون صحيحًا حتى ينتج وهو يضيع ساعات العمر؟!
والنبي ﷺ رفض أن يكون الإنسان صاحب تطرف في العبادة: قصة الثلاثة الذين قرروا الإفراط في التعبّد، فقال: «من رغب عن سنّتي فليس من أمّتي».
وسيدنا عمر رأى رجلًا طوال يومه في المسجد، فسأل من ينفق عليه؟ قالوا: أخوه، قال: أخوه خير منه.
والشفاء رأت مجموعة من الناس: يمشون الهوينى، ويتكلمون بصوت خافت، ويأكلون القليل من الطعام، وثيابهم مرقّعة، فتعجبت وقالت: من هؤلاء؟ قالوا: قوم نُسّاك، قالت: (والله لقد رأيت عمر بن الخطاب، كان إذا مشى أسرع، وإذا تكلم أسمع، وإذا أطعم أشبع، وإذا ضرب أوجع، وهو الناسك حقًّا).
التحكم بالذات: فلا يكون الشباب إمّعة «إذا أحسن الناس أحسنوا، وإذا أساؤوا أساؤوا، وإنما وطّنوا أنفسكم»، القائد يتحكم بنفسه ولا يتركها للآخرين يسيرونها كما شاؤوا، وأسوء تربية للشباب تكون بقتل القيادة وروحها فيهم: فيلغي الأب والأم شخصية الأبناء، ولا يجعلون لهم قرارًا.
القدرة على التأثير في الآخرين: تحتاج هذه القدرة للعديد من المهارات منها: (بناء العلاقات، وفن الإقناع).
التزكية: يتجاوز الدين المظاهر إلى القلوب فيصفّيها، والاستقامة نهجه، والاستغفار ذكره، والقرآن خُلقه، والله عزّ وجل نُصبَ عينيه.
الاستخلاف: مهمة القائد المسلم تتجاوز القائد التقليدي، فالله عزّ وجل جعل المؤمنين خليفته ينوبون عنه في حكم الأرض وعمرانها، والنبي بُعث رحمة للعالمين، ويوسف عليه السلام في حواره مع صاحبي السجن بيّن قائلًا: {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}، فالدّين القيم أن يكون الحكم لله ولا نعبد إلا إيّاه، وهو الذي يأتينا بالاستخلاف؛ فتكون الأرض دولتنا، والعمران مهمتنا، والشريعة قانوننا، وهذه هي فلسفة القائد المسلم.
وهناك حقائق تحكم وتسيّر الحياة، والتنبيه لها ضروري وخاصّة عندما تكون الأمّة في أزمات، وهذه الحقائق تقول: ليس كل مسلم قائد، وليس كل قائد مسلم محبوبٌ وفعّال.
علامات الشباب المؤهلين للقيادة
القيادة تظهر في أول 7 سنوات من حياة الإنسان، لذلك دور الأبوين كبير جدًا في ملاحظتها ورعايتها، وهناك 4 علامات تجعل من الأبناء مؤهلين للقيادة بشكل غير عادي:
الفطرة: وهي موهبة يعطيها الله سبحانه وتعالى، يقول النبي ﷺ للأحنف بن قيس: «إنّ فيك خصلتان يحبّهما الله ورسوله: الحلم والأناة»، فسأل الأحنف سؤالًا عجيبًا فقال: يا رسول الله أهما خصلتان تخلّقت بهما؟ أم هما خصلتان جبلني الله عليهما؟ فكان جوابه ﷺ: «بل هما خصلتان جبلك الله عليهما»، قال: الحمد لله الذي جبلني على خَلّتين يحبهما الله ورسوله.
التربية القيادية للأطفال: لها منهجية نستطيع من خلالها جعل الأطفال قادة.
التجربة العملية في سن مبكرة: حياة الرفاهية وعدم تحمل المسؤولية تقتل القيادة في النفوس، كما أن العلوم الإنسانية هي التي تصنع القادة وليس العلوم التطبيقية، وارتفاع مؤشر الدرجات في الثانوية ليس معيارًا لبلوغ الدرجات العليا في القيادة، ويجب أن نبدأ بسن الطفولة؛ لأن تربيتهم فيها أسهل، والمعاني ستكون أعمق، والفرصة أكبر لديهم للإنتاج، ولأن الطريق طويل في التعلم والتطبيق.
الاستعانة والتوكل على الله سبحانه؛ فأعظم القادة عجزوا أحياناً عن التأثير في أقرب الناس لهم {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا}.
أين يصنع القادة الشباب ؟
يصنعون في البيت:الطفل المحروم من العاطفة لا يكون قائدًا لذلك دور الأم كبير، ودفعهم إلى مجالسة الكبار، وبناء الشخصية والتربية بمعالجة الخلل وإضافة المزايا، وزرع القيم والعقيدة.
في المدرسة: دورها اكتشاف القدرات وتنميتها، وزرع القيم والعقيدة، وثقافة العلوم الإنسانية.
في المجتمع وخاصة في الإعلام:
أجريت دراسة عن صاحب أكبر تأثير في الشباب، وكانت المقارنة بين: (الإعلام – المدرسة – الأبوين – المربي أو الشيخ)، والنتيجة كان دور الإعلام هو الأكبر وبفارق كبير عن الأمور الأخرى، لذلك على إعلاميي الأمة دور كبير في زرع القيم والعقيدة، وضبط السلوك، فلا يدعون الساحة للمنحرفين باسم الحرية الشخصية، فربنا توعد الذين يحبّون أن تشيع الفاحشة وهم الذين يتكلمون في أعراض الناس.
في مركز صناعة القادة والتدريب القيادي: يتم التركيز على 10 أمور:
العقيدة والأخلاق والالتزام الشرعي.
بناء العقلانية والمنطق والحكمة والوعي والبحث العلمي.
فن إدارة الذات وتحديد الأهداف في الحياة وإدارة الوقت.
توسيع الثقافة في العلوم الإنسانية.
تطوير فن بناء العلاقات والشخصية الإيجابية.
تعلم فنون التأثير والإقناع.
التمكن من فنون الريادة وتحسين الصورة.
مهارات القيادية والفنية.
معايشة القادة والمؤثرين.
التطبيق والممارسة.
أسأل الله لكم ولكل من تحبّون: حسن التأسي بالنبي ﷺ في كونه قائداً قد ربّى قادة.
وفي الختام: لا تنس مشاركة هذه المقالة مع الأصدقاء.
كما يمكنك الاستفادة والاطلاع على المزيد من المقالات:
1- غرس العقيدة الفكر والقيم. 2- بناء الاهتمامات النافعة ومتابعتها. 3- تنمية المهارات. 4- العلاقات والأصحاب الصالحين. 5- القدوات.
كيفية صناعة الشباب القائد؟
1- الرؤيا المرشدة. 2- التوازن. 3- التحكم بالذات. 4- القدرة على التأثير في الآخرين.
كيفية صناعة الشباب المسلم؟
- الإيمان والتوحيد: عقيدته راسخة، الآخرة هدفه، والتوكل سمته. - الاتباع: الرسول قدوته، والشرع حدوده، والنص مصدره. - التزكية: يتجاوز الدين المظاهر إلى القلوب فيصفّيها، والاستقامة نهجه، والاستغفار ذكره، والقرآن خُلقه، والله عزّ وجل نُصبَ عينيه. - الاستخلاف: مهمة القائد المسلم تتجاوز القائد التقليدي، فالله عزّ وجل جعل المؤمنين خليفته ينوبون عنه في حكم الأرض وعمرانها.
ما علامات الشباب المؤهلين للقيادة؟
- الذكاء. - المبادرة. - الجرأة. - الجدّية.
أين يصنع القادة الشباب؟
1- يصنعون في البيت: الطفل المحروم من العاطفة لا يكون قائدًا لذلك دور الأم كبير، ودفعهم إلى مجالسة الكبار، وبناء الشخصية والتربية بمعالجة الخلل وإضافة المزايا، وزرع القيم والعقيدة. 2- في المدرسة: دورها اكتشاف القدرات وتنميتها، وزرع القيم والعقيدة، وثقافة العلوم الإنسانية. 3- في المجتمع وخاصة في الإعلام. 4- في مركز صناعة القادة والتدريب القيادي.
شكرا جزيلا وجزاكم الله خيرا