دور الشباب في نهضة الأمة: دور محوري في بناء المستقبل والتحديات العالمية
أمتنا هذه أمة عظيمة، استطاعت أن تقود البشرية لفترة طويلة، ثم تخلفت لما يقارب (400)…
اقرأ المزيدكتب الله على الإنسان في هذه الدنيا مواجهة أبواباً من الابتلاء خيره وشرّه، وسخّر له مفاتيحاً لهذه الأبواب؛ كالصبر مفتاح الخير والفَرَج.
فما هو الصبر وما هي أنواعه؟ وما هو الصبر الجميل؟ وما هي ثمرات الصبر في الإسلام؟
هذا ما سنتعرف عليه في هذا المقال.
الصبر صفة عظيمة وخُلق من أخلاق الأنبياء وأولو العزم منهم، وأثنى الله سبحانه وتعالى على الصابرين حتى وعدهم بدخول الجنة من غير حساب، والصبر هو خير وأوسع عطاء يمكن أن يناله الإنسان من الله.
جاء تعريف الصبر في المعجم الوسيط بمعنى التجلُّد وحسن الاحتمال، والصبر على المكروه أي احتماله دون جزع، ورمضان هو شهر الصبر، لما فيه من صومٍ وحَبْس النفس عن الشهوات.
وقيل أنّ أصل الكلمة من جاء من الشدة والقوة، ومنه جاءت كلمة الصِّبر (بكسر الباء) أي الدواء المر.
تنوعت تعريفات الصبر بين تجرع المرارة من غير تذمر والوقوف مع البلاء بحسن أدب دون شكوى، والثبات على أحكام كتاب الله وسنّة نبيه، وسكون الخاطر عند المصيبة، وهو الصبر الجميل المحمود.
وحدد الإمام ابن القيم معناً جامعاً للصبر في كتابه “عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين” فقال: الصبر؛ هو حبس النفس عن الجزع، وحبس اللسان عن التشكي، وحبس الجوارح عن المعاصي.
وجاء ذكر الصبر في القرآن الكريم في أكثر من مئة مواضع أحصاها العلماء، ليبّن الله لنا أهمية الصبر وأنواعه وعِظَم أجر وثواب الصابرين والمتصبّرين.
وقد أمر الله سبحانه المؤمنين أن يستعينوا بالصبر والصلاة في حياتهم، ليكون الصابر في معيّة الله، إذ قال سبحانه: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَوٰةِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ} [البقرة – 153].
وعن أبي سعيد الخدري: (إنَّ نَاسًا مِنَ الأنْصَارِ سَأَلُوا رَسولَ اللَّهِ ﷺ فأعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ فأعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ فأعْطَاهُمْ، حتَّى نَفِدَ ما عِنْدَهُ، فَقَالَ: ما يَكونُ عِندِي مِن خَيْرٍ فَلَنْ أدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، ومَن يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، ومَن يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ، ومَن يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وما أُعْطِيَ أحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ) [ صحيح البخاري – 1469].
ويختلف الصبر في مفهومه عن الحلم، فالصبر يكون على ما لا حيلة للإنسان اتجاهه، أمّا الحِلم فهو أقوى، فمثلاً قد يكون لديك القدرة على إنفاذ غضبك أو قول تعليق لاذع مثلاً؛ ولكنك تتخلق بالحلم بتمنع نفسك عن ذلك.
وتتلخص أهمية الصبر بأنه جامعٌ لكل الصفات الحميدة والخصال الفاضلة، ومن أمثلة ذلك:
وتظهر أهمية الصبر بأن ذكره الله تعالى في العديد من آيات القرآن الكريم، لأهمية الصبر في حياة الإنسان الدنيوية والأخروية، فلا نجاح في الدنيا إلا بالصبر، ولا فلاح في الآخرة بالصبر.
ومن أعلى دلالات أهمية الصبر أنه كان من الصفات التي يتحلى بها الأنبياء والرسل وبالأخص أولوا العزم من الرسل، إذ قال الله تعالى في محكم تنزيله: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف – 35].
ليخاطب نبيه محمد ﷺ ليثبّته في طريق أداء الرسالة، كما صبر أولوا العزم من الرسل قبله، وقال الطبري في تفسيره؛ أنّ أولوا العزم : “كانوا الذين امتُحِنوا في ذات الله في الدنيا بِالمحَن، فلم تزدهم المحن إلا جدّاً في أمر الله، كنوح وإبراهيم وموسى ومن أشبههم”.
وجاء الصبر في القرآن بخمس صيغ مختلفة خاطب الله فيها رسوله ﷺ وجميع عباده، وهي:
للصبر أقسام كثيرة، جمعها وصنّفها العالم الجليل ابن القيم في كتابه “عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين“، الصبر وفق تصنيفه ينقسم بحسب عدّة اعتبارات على الشكل الآتي:
الصبر منهج الأنبياء ومن يقتدي بهم من المؤمنين، وله أنواع كثيرة، كما له أقسام، وصنّف ابن القيم الصبر على ثلاثة أنواع وهي:
وقال ابن القيم: إن الصبر على ثلاثة أنواع: صبر بالله، وصبر لله، وصبر مع الله.
وذكر ابن القيم في مدارج السالكين “أنّ الصبر مذكور على ستة عشر نوعاً”، ونقل عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى أنه قال: “الصبر في القرآن في نحو تسعين موضعاً، وهو واجب بإجماع الأمة، وهو نصف الإيمان”.
مراتب الصبر والإيمان
يرتبط الصبر بالإيمان، ومنزلة الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، ولا إيمان لمن لا صبر له، كما أنه لا جسد لمن لا رأس له.
وعن صهيب بن سنان الرومي رضي الله عنه أنه قال، قال رسول الله ﷺ: (عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له). [صحيح مسلم – 2999].
وجاء في كتاب “الصبر والثواب عليه” لابن أبي الدنيا، أنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: “إن أفضل عيش أدركناه بالصبر، ولو أنّ الصبر كان من الرجال كان كريماً“.
وللصبر مراتب كما للإيمان، وذكرها ابن القيم على النحو التالي:
ومن درجات الكمال في الصبر؛ الصبر الجميل، والذي يكون صافياً لا شكوى معه، وجاء في عدة مواضع من القرآن الكريم.
وقال الله عز وجل على لسان يعقوب عليه السلام: {وَجَاؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18].
وقالها يعقوب ثانية في قوله تعالى: {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [يوسف: 83].
كما أمر الله نبيه ﷺ بالصبر الجميل في قوله تعالى: {فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا} [المعارج: 5].
أفضل أوقات الصبر هي في أول لحظة من وقوع المصيبة، فقد جاء في السيرة النبوية عن أنس بن مالك رضي الله أنّه قال:
(مَرَّ النبيُّ ﷺ بامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ، فَقالَ: اتَّقِي اللَّهَ واصْبِرِي قالَتْ: إلَيْكَ عَنِّي، فإنَّكَ لَمْ تُصَبْ بمُصِيبَتِي، ولَمْ تَعْرِفْهُ، فقِيلَ لَهَا: إنَّه النبيُّ ﷺ، فأتَتْ بَابَ النبيِّ ﷺ، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ، فَقالَتْ: لَمْ أَعْرِفْكَ، فَقالَ: إنَّما الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى) [صحيح البخاري – 1283].
شهدت البشرية واحدة من اعظم قصص الصبر التي كان بطلها نبي الله أيوب عليه السلام، حتى بات صبره مضرباً للأمثال.
وكان أيوب عليه السلام من شدّه صبره لا يدعو أن يرفع الله عنه البلاء؛ بل كان حامداً شاكراً لله سبحانه، حتى عندما طلبت منه زوجته أن يدعو الله ليرفع عنه المرض والبلاء الذي استمر معه لمدة 80 سنة؛ قال لها: (إني أستحي أن أسأل الله حتى يمضي علينا في الشدّة كما مضى في الرخاء).
أعظم ثمرات الصبر في الإسلام هي ما وعد به الله سبحانه وتعالى عباده في قوله: { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [الزمر: 10]، وقوله تعالى: { وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [النحل: 96].
فإذا كان للحسنة بالحساب عشرة أمثال؛ فإن الصبر يكون بغير حساب، وقد رويَ عن الصحابي الجليل علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: “إنك إن صبرت جرى عليك القلم وأنت مأجور، وإن جزعت جرى عليك القلم وأنت مأزور”.
وذكر ابن القيم العديد من فوائد وثمرات الصبر نذكر منها:
إن الصبر يؤدي إلى النتائج الكبيرة العظيمة في الدنيا والآخرة، فإذا أردت النتائج الكبيرة التي تحتاج إلى وقت وجهد وإصرار، فأنت تحتاج إلى الصبر.
ولا يمكن تحقيق نتائج كبيرة عظيمة خلال وقت قصير، فهي تحتاج إلى الوقت والصبر، والشيء السريع الوحيد الذي يعطي نتائج كبيرة هو الكوارث، مثل الزلازل التي تعطي نتائج كبيرة ولكن كارثية.
فلا يوجد نتائج كبيرة إلا بوقت كبير وجهد وإصرار كبير.. وصبر.
من اروع ما قيل في الصبر نصف الإيمان.
قال النبي ﷺ عن الصبر: (ما أُعْطِيَ أحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ) [ صحيح البخاري - 1469].
فوائد الصبر في حياة الإنسان كثيرة ومنها؛ أنه يعينه على مصاعب الحياة وأنه سبب للتمكين في الأرض، ويورث الهداية في القلب.
أمر الله بالصبر لأنه يعزز الإيمان عند الإنسان ويعينه في الدنيا وسبب لنيل الرضا ودخول الجنة بغير حساب في الآخرة.
السبيل إلى الصبر يكون بأخذ أسبابه؛ مثل زيادة الإيمان وفهم حقيقة الدنيا وإدراك ثواب الصبر.