إنّ التعرّف على حياةِ هذا العالِم الجليل ومعرفة أسباب نبوغُه وعِلمه، هو استشفافٌ لنموذجٍ فريد لرجل أنجبهُ الإسلامُ العظيم. فمن هو؟ وكيفَ نشأ وتعلّم؟ وما أسبابُ نبوغه في علمه؟
نسب ابن القيم
هو شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي الدمشقي.
ولد في السابع من صفر سنة (691هـ).
أسرة ابن القيم
عائلة “ابن القيم” عائلة علمية:
فوالده هو “أبو بكر بن أيوب بن سعد الزرعي”: كان قيّماً على (المدرسة الجوزية) بدمشق، وقد كان أحد معلّمي ابنه، وكان من علماء دمشق.
وأخوه هو “أبو الفرج زين الدين عبد الرحمن بن أبي بكر”: أصغر من ابن القيم بنحو سنتين، وقد كان هو الآخر عالمًا.
و ابن أخيه “عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن زين الدين عبد الرحمن”: اقتنى أكثر مكتبة عمه ابن القيم.
وابنه “شرف الدين، وجمال الدين عبد الله”: كان عالمًا وخطيبًا، وقد درَّس في المدرسة الصدرية عقب وفاة والده.
وابنه “برهان الدين إبراهيم”: أفتى ودرَّس بالمدرسة الصدرية، وقد كان عارفًا بالنحو، وله شرح لألفية ابن مالك سمّاه “إرشاد السّالك إلى حلّ ألفيّة ابن مالك”.
سبب تسمية ابن القيم الجوزية
كان والده رحمه الله “قَيِّمًا” على “المدرسة الجوزية” بدمشق، والقيّم هو الناظر أو الوصي، وهو ما يُشبه المدير في زمننا هذا، وأطلق عليه ابن قيم الجوزية؛ لأن أبوه قيّم المدرس الجوزية”.
والجدير بالذكر أنّ ابن القيم أو ابن قيم الجوزية ليس هو “ابن الجوزي”، فـابن الجوزي سبق ابن القيم بحوالي (150) عامًا، واسمه: أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي الحسن.
ابن القيم وطلب العلم
كان “ابن القيم” نابغة في العلم محبًا له، وقد اجتهد في تحصيله منذ صغره، وتعلم العلوم بمختلف مجالاتها منذ بداية مسيرته العلميّة، فوصل إلى مراتب عالية في العلم، حيث برع رحمه الله تعالى في: (علوم الحديث، والفِقه، والتفسير، والسيرة، والفرائض، والأصول، والعقيدة)، كما أنه أجاد العربية وفنونها؛ فكان هذا بابًا لسعة فهمه لعلوم الشريعة، من خلال فهم كلام الله تعالى، وحديث رسوله عليه الصلاة والسلام.
يصفه الإمام “ابن حجر” فيقول: (كان جريء الجنان، واسع العلم، عارفًا بالخلاف ومذاهب السلف).
ابن القيم وابن تيمية
كان ابن القيِم من المفتين في المذهب الحنبلي: (برع، وأفتى، ولازم شيخه ابن تيمية حتى كان يعتبر وريثه في العلم)، فمن أعظم النعم على أي عالم من العلماء: أنْ يعطيه الله عز وجل تلميذًا عاقلًا ذكيًا مبدعًا، كما وفق الله تعالى “ابن تيمية” بتلميذه “ابن القيم”.
عاش ابن قيم الجوزية متبعًا لشيخه “ابن تيمية”، ومحافظا على مسلكه في الدّين والعلم، يتعلم من علماء عصره ويأخذون عنه، وكانت مدة ملازمته لابن تيمية (17) عامًا.
بعد وفاة ابن تيمية سار ابن قيم على نهج شيخه في الدعوة إلى القرآن الكريم، وإلى سنّة رسول الله ﷺ، وأخذ يدافع عن مذهب السّلف الصالح، ويحارب البدع أينما وُجدت، وكتب الكثير من المؤلفّات التي تخدم الشريعة الإسلاميّة، وقام بمناظرة أهل البدع والهوى، حتى توفاه الله تعالى.
أعمال ابن القيم العلمية
1- كتب ابن القيم
كان تأليفه متقنًا جدًا، وهذه موهبة حباه الله إياها، فمن أسرار إبداع ابن القيم، منهجه في التأليف الذي يقوم على:
التمكن والإحاطة بالموضوع الذي يؤلف عنه: وهذا ما كان عليه ابن القيم، حتى أنه في بعض القضايا فاق أستاذه ابن تيمية، وما ذاك إلا بسعة إطلاعه.
تدريس الموضوع الذي يؤلف عنه: وقد درس “ابن القيم” في “المدرسة الجوزية” و”المدرسة الصدرية”.
حسن التقسيم واختيار الفهرس والعناوين.
كان رحمه الله دائرة معارف تمشي على رجلين: فلم يتوقف عن التأليف حتى في أسفاره بعيدًا عن داره ومكتبته، وكان يحرص على أداء الحجّ ويكرره كلّ عام، والحجّ مناسبة عظيمة ليلتقي بعلماء البلاد البعيدة، إذ كانوا يجتمعون في موسم الحج، فيأخذوا من بعضهم، وفي الحجّ ومن خلال إقامة ابن القيم بجوار بيت الله الحرام، كان يشرع في تأليف كتبه.
يروي عن قصة تأليفه لكتاب “مفتاح دار السعادة”: (وكان هذا من بعض التحف التي فتح الله بها علي، حين انقطاعي إليه عند بيته، وإلقاء نفسي ببابه، مسكينًا، ذليلاً، وتعرّضي لنفحاته في بيته..).
وحول استشفاءه بماء زمزم يقول: (أصابني أيام بقائي في مكة، أسقام مختلفة، ولا طبيب، ولا أدوية، فكنت أستشفي بالعسل، وماء زمزم، ورأيت فيها من الشفاء أمرًا عجيبًا)، فكان يكثر من ذكر ماء زمزم في تأليفه، وكان يستغل كل أوقاته وحالاته في التأليف.
وهذه بعض كتبه التي ألفها في أسفاره:
روضة المحبين ونزهة المشتاقين.
مفتاح دار السعادة ومنشور ألوية العلم والإرادة.
زاد المعاد في هدي خير العباد: وهو كتاب رائع في سيرة رسول الله الشخصية.
بدائع الفوائد.
تهذيب سنن أبي داود.
الفروسية.
هواية جمع الكتب
كان ابن القيم مغرماً بجمع الكتب، فحصل منها ما لا يحصر، ومما يدل على ذلك:
عندما ألّف كتابه “اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية”، رجع إلى (100) كتاب يستقي منها المعلومات، وهذه قضية تدل على حجم المكتبة التي كان يقتنيها.
في كتابه “أحكام أهل الذمة”، وهذا موضوع متخصص جدًا، ذكر له (30) مرجعًا.
في كتابه “الروح”، وهو من أعظم الكتب التي تحدثت عن أحوال الروح، ذكر له مراجع كثيرة جدًا.
هذا الرجل العظيم: كان يجمع الكتب ويقرأ الكتب على الشيوخ ويؤلف الكتب.
2-الإمامة والتدريس
إمامته “بالمدرسة الجوزية”: يقول “ابن كثير” عنه: (هو إمام الجوزية وابن قيّمها).
تدريسه “بالمدرسة الصدرية”: ويفيد “ابن كثير” فيقول: (وفي يوم الخميس درس بالصدرية صاحبنا الإمام العلامة محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي إمام الجوزية).
3-فتاوى ابن القيم الجوزية
أفتى “ابن القيم” بأن “الطلاق الثلاث بكلمة واحدة يقع طلقة واحدة”، وهذا هو اختيار شيخه “ابن تيمية”، فحصل له بسبب ذلك مشاكل مع القضاة.
أنكر “ابن القيم” شد الرحال لزيارة “قبر النبي إبراهيم(الخليل)”، فأوذي بسبب هذا وسجن يقول “الذهبي”: وقد حُبِس مُدَّة وأُوذِيَ لإنْكارِه شدّ الرّحل إلى قَبْر الخَلِيل، ومعلوم من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد..) وليس من بينها قبر الخليل، وبقي يقاوم هذه البدعة حتى قام بإلغاءها.
ويذكر أن هذه السجنة هي نفسها التي سُجن فيها مع شيخه ابن تيمية، وذلك بسبب ما أفتى به من المنع من شدّ الرّحل إلى قبور الأنبياء، حيث إنّه سجن مع شيخه ابن تيمية في سِجن القلعة، ولكن في حجرة أخرى وخرج من السجن عقب وفاة ابن تيمية.
أخلاق ابن القيم
يقول عنه تلميذه ابن كثير: “كان حسن القراءة والخلق، كثير التودد، لا يحسد أحدا ولا يؤذيه ولا يستعيبه، ولا يحقد على أحد، وبالجملة كان قليل النظر في مجموعه وأموره وأحواله، والغالب عليه الخير والأخلاق الفاضلة”.
كانت أخلاقه سمحة وهادئة، إلا في حالة الرد على المبتدعة فكان شديد الرد عليهم، وهذا خلق أستاذه “ابن تيمية” رحمه الله، وقد ألّف فيهم الكتب الشديدة، التي تبطل ادعاآتهم وزيف أقوالهم.
من أقواله التي تدل على عظيم أخلاقه: (من أساء إليك، ثم جاء يعتذر عن إساءته، فإن التواضع يوجب عليك قبول معذرته، حتى وإن كانت معذرته عن باطل، وتَكِل سريرته إلى الله عز وجل، كما فعل رسول الله ﷺ في المنافقين).
عبادة ابن القيم
قال “ابن رجب”: (كان رحمه الله، ذا عبادة وتهجد، وطول صلاة إلى الغاية القصوى، وتأله ولهج بالذكر، وشغف بالمحبة، والإنابة، والاستغفار، والافتقار إلى الله، والانكسار له، والإطراح بين يديه على عتبة عبوديته، لم أشاهد مثله في ذلك، ولا رأيت أوسع منه علمًا، ولا أعرف بمعاني القرآن والسنة وحقائق الإيمان منه، وليس هو بالمعصوم، ولكن لم أر في معناه مثله، وقد امتحن وأوذي مرات، وحبس مع الشيخ تقي الدين في المرة الأخيرة بالقلعة منفردًا عنه، ولم يفرج عنه إلا بعد موت الشيخ”.
كان يكثر من تضرعه لله بالدعاء، وابتهاله له، وافتقاره وانكساره إليه.
وقال “ابن حجر”: (وكان إذا صلى الصبح جلس مكانه يذكر الله حتى يتعالى النهار)، ويقول “ابن القيم”: (هذه غدوتي لو لم أقعدها سقطت قواي).
يقول “ابن القيم”: (بالصبر والفقه تنال الإمامة بالدين).
كان يكثر من ذكره لله تعالى، فقد كان ملازمًا للذكر والاستغفار.
كان يحرص على أداء الحجّ ويكرره في كل عام.
رحم الله الإمام العظيم “ابن القيم الجوزية” و”شيخه ابن تيمية”
وفي الختام: لا تنس مشاركة هذه المقالة مع الأصدقاء.
كما يمكنك الاستفادة والاطلاع على المزيد من المقالات
كان والده "قَيِّمًا" على "المدرسة الجوزية" بدمشق، والقيّم هو الناظر أو الوصي، وهو ما يُشبه المدير في زمننا هذا، وأطلق عليه ابن قيم الجوزية؛ لأن أبوه قيّم المدرس الجوزية".
هل هو نفسه ابن الجوزي
ليس هو "ابن الجوزي"، فـابن الجوزي سبق ابن القيم بحوالي (150) عامًا،
ما علاقة ابن القيم وابن تيمية
كان ابن القيِم من المفتين في المذهب الحنبلي: (برع، وأفتى، ولازم شيخه ابن تيمية حتى كان يعتبر وريثه في العلم)، ومن أعظم النعم على أي عالم من العلماء: أنْ يعطيه الله عز وجل تلميذًا عاقلًا ذكيًا مبدعًا، كما وفق الله تعالى "ابن تيمية" بتلميذه "ابن القيم".
ما الذي يميز كتب ابن القيم عن غيره
كان تأليفه متقنًا جدًا، يقوم على: 1-التمكن والإحاطة بالموضوع الذي يؤلف عنه. 2-تدريس الموضوع الذي يؤلف عنه. 3-حسن التقسيم واختيار الفهرس والعناوين
ما هي أعمال ابن القيم العلمية
التأليف، والإمامة والتدريس في المدرسة الصدرية، و تصدره للفتوى،
لماذا سجن وأين
أفتى بالمنع من شدّ الرّحل إلى قبور الأنبياء، حيث إنّه سجن مع شيخه ابن تيمية في سِجن القلعة، ولكن في حجرة أخرى وخرج من السجن عقب وفاة ابن تيمية.