الناصر أبو المظفر صلاح الدين الأيوبي قائد معركة حطين، مؤسس الدولة الأيوبية التي وحدت الشام ومصر والحجاز في ظل راية الخلافة العباسية، وكتب الله على يديه فتح بيت المقدس.
أعاده الله للمسلمين وطهره من رجس يهود، صلاح الدين علم عظيم من أعلام المسلمين تمثلت فيه: (النية الخالصة والتوكل على الله عزّ وجل، حبّ للشهادة وجهاد بارز، علم وفقه، تضحية وحرص على وحدة الأمة).
من هو صلاح الدين الأيوبي ؟
ولادة صلاح الدين الايوبي
ولد صلاح الدين في عام (530هـ – 1137م) في قلعة تكريت في العراق، وكان أبوه واليًا على قلعة تكريت، ثم تولى الوزارة في مصر وهو صغير، وهو أحد خريجي المدرسة الإصلاحية التي تربى فيها: نور الدين، وعماد الدين الزنكي، رحمهم الله جميعاً.
صفات صلاح الدين الأيوبي
إيمان صلاح الدين: كان حسن العقيدة، كثير الذكر، شديد المواظبة على صلاة الجماعة، حريصاً على السنن والنوافل، يقوم الليل، ويحب سماع القرآن الكريم، يختار إمام الناس في الصلاة بنفسه،
يبحث عن صاحب الصوت الجميل والخلال الحسنة، كما كان رقيق القلب، خاشع الدمعة، شديد الرغبة في سماع الحديث، كثير التعظيم لشعائر الله، حسن الظن بالله، كثير الاعتماد عليه.
أخلاق صلاح الدين ومعاملته: حسن العشرة، عادلاً رؤوفاً بالناس، رحيماً ناصراً للمظلوم والضعيف، لطيف الأخلاق، طاهر المجلس، طيب الكلام، طاهر السمع، طاهر اللسان، طاهر القلم، يرفض الغيبة والنميمة.
شجاعة صلاح الدين: شديد البأس، مواظباً على الجهاد، عالي الهمة، ذو هدف عال كبير، هجر أهله وسكنه ووطنه لأجل هذا الهدف، قال يوماٍ وهو قرب عكا:
(يجول في نفسي أنَّه بعدما يفتح الله لنا بقية السواحل، أن أطهر البلاد من النصارى، ثم أولي الولاة، وأركب البحر إلى جزائر النصارى في أوروبا، فأفتحها، ثم أتبعهم في أوروبا فلا أبقي على وجه الأرض من يكفر بالله أو أموت).
زهد صلاح الدين: عاش حياة زهد وبساطة في عصر امتلأ بالترف والإسراف، وكان سمحاً فما آذى أحداً في عقيدته إلا من قاتله، لا يحب القتل وسفك الدماء سوى الخونة والمعتدين، عرف بالعطف على كل ضعيف.
ابناء صلاح الدين الايوبي
الملك الأفضل نور الدين علي، ولي العهد (صاحب دمشق).
الملك العزيز عماد الدين عثمان، صاحب مصر.
الملك الظافر مظفر الدين خضر، صاحب بصرى وشقيق الملك الأفضل.
الملك الظاهر أبو المنصور غياث الدين غازي، صاحب حلب.
الملك المعز فتح الدين إسحق.
الملك المؤيد نجم الدين مسعود، أبو الفتح، (صاحب رأس العين) تولاها وغيرها في حياة أبيه.
الملك الأعز شرف الدين يعقوب (من رجال الحديث).
الملك الأشرف عز الدين محمد.
الملك المفضل قطب الدين موسى (من رجال الحديث).
الملك الغالب نصير الدين ملكشاه، أبو الفتح.
الملك الجواد ركن الدين أيوب.
الملك الزاهر مجير الدين داود أبو سليمان، صاحب قلعة البيرة، وهو شقيق غازي.
الملك المُحْسن ظهير الدين أحمد (من رجال الحديث).
الملك المعظم فخر الدين تورانشاه (من رجال الحديث).
نصرة الدين مروان.
عماد الدين شادي.
الملك المنصور أبو بكر.
أحوال الأمة في زمن صلاح الدين الأيوبي
كانت البلاد الإسلامية تعيش الضعف والخضوع للصليبيين، فبدأت حركة الإصلاح الديني التي قادها الإمام الغزالي والإمام الطرطوسي، ومن ثمارها ظهر حاكم الموصل “عماد الدين الزنكي” الذي تربى على أيدي العلماء ورضع الجهاد من دروس العلم، وما إن تولى الحكم حتى أعلن:
الوحدة الإسلامية: فدعا الدويلات القريبة منه إلى الوحدة والاجتماع.
الجهاد في الأمة: دعا المجاهدين إلى التوافد إلى الموصل.
انطلق عماد الدين في جهاده، فكتب الله على يديه ضم حلب إلى حكمه، ثم تحرير مدينة “الرها”، فتحركت يد الغدر والخيانة فاغتالته، فقام من بعده ابنه البطل “نور الدين” وتابع مسيرة أبيه، وجعل يعد العدة لتوحيد مصر والشام، وعين على جيشه قادة أبطال من أمثال: (أسد الدين شيركوه، ونجم الدين أيوب -والد صلاح الدين-)، وفتح الله على يده: (دمشق، ثم طرابلس وبعلبك).
صلاح الدين الأيوبي في مصر
اضطربت الأمور في مصر، إذ تحرك النصارى إليها بخيانة من “شاور” وزير الخليفة الفاطمي “العاضد”، فاستنجد بـ “نور الدين الزنكي”، فأرسل له جيشًا بقيادة “شيركوه” الذي اصطحب معه “صلاح الدين”، وهناك استطاع صلاح الدين قتل الوزير الخائن “شاور”، وعيّن الخليفة “العاضد” أسد الدين شيركوه وزيرًا له، فأحبه الناس وأخلصوا له، واستتب الأمن في مصر.
صلاح الدين وزيرًا في مصر
لم يمضِ شهرين حتى توفي “أسد الدين شيركوه”، فاختار الخليفة الفاطمي “العاضد” صلاح الدين الأيوبي وزيرًا ولقبه بالملك الناصر، فقد ظن “العاضد” أنّ صلاح الدين شاب صغير قليل الخبرة يسهل السيطرة عليه، كما أنه غريب عن مصر ليس من أهلها، إلا أنّ صلاح الدين سار على منهج عمه “شيركوه”، فأحسن إلى الناس وأسر قلوبهم بأخلاقه الرفيعة، واستقرت له الأمور فيها.
وصلت أخبار نفوذ “نور الدين” في مصر إلى أوروبا، فأصبحت ممالكهم في فلسطين محاصرة بين الشام ومصر، فتحركت قواتهم وبدأت الهجوم على مصر من ثلاثة محاور: (برًّا من سيناء، وبحرًا من أوروبا وفلسطين)، ووصلت دمياط فحاصرتها، فطلب صلاح الدين المؤازرة من نور الدين فلبّاه بأن:
أرسل له مليون دينار ذهبي، وأسلحة وعتاد.
أشغل القلاع الصليبية وهاجمها في الشام وفلسطين، مما اضطرهم إلى سحب قواتهم البرية.
أمده بشكل خاطف بجيش، فاستطاع الجيشان تحرير دمياط بعد خمسين يومًا من الحصار.
ثم بدأ يقوم صلاح الدين بمناوشات مع الصليبين من الجنوب، وذلك بالتنسيق مع نور الدين الذي كان يناوشهم من الشمال.
صلاح الدين والدولة الفاطمية
في عام (578هـ – 1171م): توفي الخليفة الفاطمي “العاضد”، فصار الحكم الفعلي لصلاح الدين، فأعلن بالتنسيق مع “نور الدين الزنكي” وإلغاء الخلافة الفاطمية التي استمرت لـ (200) سنة،
فانتهى حكم الطائفة الإسماعيلية المنحرفة، وأعاد الخطبة للخليفة العباسي، فاجتمعت الأمة من جديد على خليفة واحد، وعزل القضاة الفاطميين وعين مكانهم قضاة شافعية، فاستتب له الحكم والقضاء في مصر.
محاولة اغتيال صلاح الدين الايوبي
كانت فلول الفاطميين تعد العدة لاغتيال صلاح الدين، فوصلوا إلى أفراد يعملون في قصره، غير أن أحد أتباعه المخلصين علم بأمرهم وأظهر تواطؤه معهم، وجعل يزود صلاح الدين بخططهم،
حتى إذا كان اليوم الموعود فاجئهم صلاح الدين وقتلهم عن آخرهم، لكن تحركاتهم لم تتوقف عند ذلك، فكان صلاح الدين يتريث حتى ينتهي من أمرهم، قبل أن يبدأ بالاستعدادات لمواجهة الصليبيين بشكل حاسم.
تأسيس الدولة الأيوبية
في عام (569هـ – 1174م) توفي نور الدين الزنكي، وانقسم آل زنكي من بعده في الشام فقد أعطوا البيعة لابنه “إسماعيل” وعمره (11) سنة فقط، فبدأت الصراعات على الحكم وتشكلت دويلات، استغل النصارى ذلك وبدأوا يتحركون لاستعادة ما خسروه زمن نور الدين.
صلاح الدين الأيوبي وضم الشام
ضاق صلاح الدين بما يجري في الشام ونفذ صبره فـ:
أعلن نفسه وريثًا لنور الدين، وتوجه على رأس جيشه إلى الشام.
خاض صراعًا مع ولاة الدويلات المنقسمة فيها من جهة.
ومع النصارى الطامعين فيها من جهة أخرى.
ومع الإسماعيليين الفاطميين من جهة ثالثة.
واستمر في ذلك (12) سنة حتى استطاع أنْ يوحد الشام من جديد، وبذلك انتهى حكم آل زنكي وبدأ حكم الأيوبيين.
حصن الكرك
كان النصارى يسيطرون على معظم فلسطين، وكانت سواحلها تشكل أهمية كبيرة لوصول الامدادات بالسفن من أوروبا، أما أقوى وأخطر حصونهم فهو “حصن “الكرك” ويحكمه القائد النصراني “أرناط”، الذي شعر أن صلاح الدين يهدد الوجود النصراني في مصر والشام، فرأى أنْ يشغل صلاح الدين بمعركة جانبية ووصل هذا الخبيث بأفكاره إلى أن يغزو المدينة المنورة ومكة المكرمة.
وصلت أخبار “أرناط” إلى مسامع والي دمشق “عز الدين”، فجهز جيشًا سريعًا ووجهه إلى الكرك ليشغل “أرناط” عن فكرته الخبيثة، وفعلًا استطاع هذا الجيش الصغير تكبيد أطراف “الكرك” خسائر كبيرة، وأجبر “أرناط” على تأجيل فكرته الخبيثة.
إحباط غزو مكة والمدينة
أراد “صلاح الدين” أن يستعد في حال كرر “أرناط” فكرته، فأنشأ أسطولًا بحريًا في البحر الأحمر مهمته حماية الحجاز، لكن “أرناط” وبفكرة خبيثة بنى سفنًا داخل الحصن، ثم فككها إلى أجزاء رئيسية، وبشكل سريّ نقلها إلى ميناء العقبة وأعاد تجميعها، وانطلق بجيشه نحو مكة والمدينة،
وحاول اشغال صلاح الدين بهجمات متفرقة في الشام، لكن الأخبار وصلته وهو يحاصر أحد الحصون فأرسل إلى أخيه العادل، وبدأت المطاردة بين الجيشين، وتمكن الصليبيين من دخول بر الحجاز لكن جيش المسلمين أدركهم بمنطقة “حوراء”، ودارت المعركة هناك وانتصر المسلمون.
ضم حلب والموصل
بعد هذه الحادثة حاصر صلاح الدين الكرك، لكن النصارى ساندوها ولم يكن مستعدًا لمعركة فاصلة معهم، وامتنع والي حلب عن مساندة صلاح الدين، فانسحب وترك حصار الكرك وتوجه نحو حلب ففتحها، ثم بضغط شعبي بقيادة علماء الموصل اضطروا حاكمها للتنازل عنها لصلاح الدين.
حروب صلاح الدين الايوبي ضد الصليبيين
في عام (578هـ – 1182م) بدأ صلاح الدين الأيوبي الإعداد للمعركة الحاسمة، والتي كان قد خطط لها نور الدين الزنكي، فجمع بين جيوش مصر والشام وشكل قوة ضاربة واحدة في مواجهة النصارى الصليبيين، وكانت هذه مقدمات استعادة القدس في معركة حطين.
معركة حطين
تجرأ “أرناط” حاكم حصن الكرك فهاجم قافلة للحجاج المسلمين، فغضب صلاح الدين فألغى اتفاقية الهدنة بينه وبين مملكة القدس، وشعر النصارى بالخطر فاجتمعوا على توحيد قواتهم تحت قيادة الملك “غاي دي لوزينيان”، واجتمع لهم (63) ألف مقاتل.
استدرج صلاح الدين الصليبيين إلى سهل حطين، ومنع الماء عن جيشهم الذي وصل منهكًا، وفي يوم الجمعة (24 ربيع الآخر 583هـ) الموافق شهر (7 سنة 1187م)، التحم الجيشان وبدأ القتال شديدًا من الصباح حتى الليل، ولم يستطع أي من الطرفين هزيمة الآخر.
وفي اليوم التالي: حاول جيش الصليبيين اختراق جيش المسلمين والوصول إلى الماء، لكن صلاح الدين ورجاله الأبطال صمدوا في وجههم، فتقدم “ريموند” حاكم طرابلس بأقوى فرسانه يهاجم أطراف المسلمين، فانسحبوا أمامه وجاءت مجموعة من المسلمين وعزلته عن بقية جيش الصليبيين، فخاف واستمر هاربًا نحو طرابلس.
ثم هبتّ ريح في وجه جيش النصارى، فأمر صلاح الدين جنده أن يشعلوا الحشائش بالنار، فاجتمع على الصليبيين الريح والدخان والعطش والحرّ، فانسحبوا نحو الجبل وبدأ يسقط منهم القتلى ويستسلم الكثيرون،
فقتل (30) ألف وأسر (30) ألف، ولم يبق مع ملكهم سوى (150) فارس يدافعون عنه، ثم تسلل عدد من مقاتلي المسلمين فأسقطوا الخيمة وأسر ملك النصارى، فلما رأى صلاح الدين ذلك خرّ ساجدًا لله رب العالمين.
تحرك صلاح الدين إلى عسقلان، وأدار من خلالها معارك التحرير في فلسطين، وخلال شهرين فقط استطاع أن يفتح: (عكا، والناصرة، وحيفا، ونابلس، وجنين، وبيسان، ويافا، وصيدا، وبيروت، والرملة، وبيت لخم، والخليل)، ثم بدأت الاستعدادات العظيمة لفتح بيت المقدس.
صلاح الدين الايوبي وتحرير بيت المقدس
في عام (583هـ – 1187م): تحرك صلاح الدي بجيشه المنتصر في حطين نحو بيت المقدس فحاصرها، وقد تحصن فيها (60) ألف مقاتل من النصارى الصليبيين، ثم بدأ الهجوم بالمنجنيق ووصل إلى الأسوار فرقة “النقابين” فبدأوا يحفرونها،
وانهارت معنويات النصارى وشعروا بالهزيمة، فأرسل ملكهم إلى صلاح الدين يطلب الأمان، ويتعهد بتسليم الجزية مقابل خروج من فيها بأموالهم وأسلحتهم.
رفض صلاح الدين عرض ملك القدس، وذكرهم بالمذبحة التي ارتكبوها يوم احتلالهم القدس قبل (91) سنة،
فقد قتلوا (70) ألف مسلم بعد أن أعطوهم الأمان، فهدد الصليبيون بقتل جميع أسرى المسلمين وحرق القدس بما فيها من مقدسات وأملاك، عندها استجاب صلاح الدين ووافق على تسليم المدينة مقابل: (خروج النصارى بأموالهم دون أسلحتم، وعلى أن يدفع كل واحد منهم دينارا ذهبيًا أو يبقى أسيرًا لدى المسلمين).
تسامح صلاح الدين كثيرًا مع ضعفاء وفقراء ونساء النصارى، وأطلقهم من أمواله الخاصة بعد أن رفض أغنياؤهم مساعدتهم، ودخل المسلمون القدس ليلة الإسراء والمعراج يهللون ويكبرون ويرفعون الأذن في المسجد الأقصى، وقام صلاح الدين بترميم قبة الصخرة وتوسعة المسجد الأقصى، وجاء بالمنبر الذي جهزه نور الدين الزنكي قبل (20) سنة للأقصى.
رفض صلاح الدين هدم كنيسة القيامة بناء على طلب بعض المسلمين؛ انتقامًا لما فعله النصارى بالأقصى فقد جعلوه حظيرة لدوابهم، فرفض صلاح الدين وقال مستنكرًا: (أقرها عمر وأهدمها أنا؟!)، وأقيمت أول خطبة في الأقصى، وعمت الفرحة بلاد المسلمين واستمرت التهنئة بهذا الفتح شهرًا كاملًا.
وبعد القدس توسعت فتوح صلاح الدين فحرر: (اللاذقية، وحصن الكرك الذي أتعب المسلمين، وصفد)، واهتزت أوروبا لخسارة القدس، فبدأت تعدّ حملة صليبية جديدة، فتجمع النصارى في (صور) نتيجة تسامح صلاح الدين، وأوامره بعدم قطع الطريق على الفارين منهم وإطلاقه لملوكهم.
صلاح الدين وحصار عكا
تحرك صلاح الدين إلى (صور) وحاصرها، وخاض أسطوله البحري حربًا مع أساطيل أوروبا لكنه هزم لتفوقها عليه عدة وعديدًا، ثم جاء الشتاء والبرد فانسحب صلاح الدين من (صور) ليعد العدة من جديد.
تحركت الحملات الصليبية وجيوشهم نحو “عكا” وحاصروها لأهميتها: (تقع في وسط الساحل ومنها يستطيعون السيطرة على كامل فلسطين، ومركز تجاري رئيسي)، وكان على رأس هذه الحملة ملوك أوروبا:
ملك ألمانيا “غادريك باربروسا”: غرق في نهر وهو يغتسل في الطريق، فتفرقت حملته فعاد بعضها واستمر الآخر.
ملك إنجلترا “ريتشارد قلب الأسد”: يقول عنه المؤرحون المسلمون (هو رجل زمانه شجاعة ومكرًا وصبرًا).
بلغ عدد القوات الصليبية (250) ألف مقاتل، وأمام هذه الأعداد الهائلة أرسل صلاح الدين يستصرخ المسلمين في كل البلدان، فأرسل إلى الخليفة العباسي يعرض عليه التنازل عن كامل مملكته مقابل نصرة المسلمين في عكا، فأجابه معاتبًا له على لقبه الناصر الذي هو لقب الخليفة.
بقي صلاح الدين صامدًا على مشارف عكا ينتظر المدد، وأول مدد وصل هو الأسطول المصري الذي أرسله العادل أخو صلاح الدين، واستطاع هزيمة أسطول صغير للصليبيين وانضم إلى صلاح الدين، انتعشت عكا بهذا المدد واستأنف القتال، وانتشرت جثث القتلى وفاحت الروائح فأصاب المرض صلاح الدين لكنه ظل يقاتل، وظلت المناوشات عدة أشهر على مشارف عكا.
وصلت الإمدادات من ابن صلاح في حلب، ومن حاكم الموصل “علاء الدين بن مسعود الزنكي”، ومن ملك المغرب، وحاول أهل عكا مباغتة النصارى ففتحوا الأبواب وأحرقوا خيمهم، ثم عمد النصارى إلى بناء أبراج خشبية ليتسلقوا بها أسوار عكا، فأحرقها شاب صغير من جيش صلاح الدين بمواد كيميائية خلطها بالنفط.
اشتد الحصار على “عكا” وطال لسنتين، فأرسل حاكم عكا يفاوض النصارى على تسليم المدينة، مقابل السماح لأهلها بالخروج آمنين لكنهم رفضوا، فقاتل أهل “عكا” ببسالة حتى أجبروا الصليبين على قبول الصلح، ففتح أهل “عكا” الأبواب للصليبيين فدخلوها، لكنهم نكثوا بعهودهم وأسروا أهلها وقتلوهم في مذبحة استنكرها مؤرخوا أوروبا أنفسهم.
نحو القدس من جديد
بعد سقوط “عكا” توجه الصليبيون إلى: (حيفا، ويافا، وأرسوف، واللد، والرملة) فسقطت بأيديهم، علم صلاح الدين بهدف الصليبيين، فترك المعارك الجانبية معهم وتوجه إلى القدس، فتحصن فيها وأرسل يجمع كامل القوات فيها،
درس ملك إنكلترا “ريتشارد قلب الأسد” الموقف في القدس، فأمر بالانسحاب من القدس ودبّ الخلاف بين الصليبين وعلى رأسهم “كومراج” حاكم صور، الذي أرسل يصالح صلاح الدين فقامت طائفة الحشاشين من جديد باغتياله.
عندها قام ريتشارد ببدء التفاوض مع صلاح الدين، وكان شرطه الوحيد تسليم القدس للصليبين، لكن صلاح الدين رفض ذلك وأعلن الجهاد واستطاع السيطرة على “يافا”،
ويقدر الله أن تصل الى ريتشارد أخبار انقلاب أخيه عليه في إنكلترا وإعلان نفسه ملكًا عليها، عندها وافق “ريتشارد” على التنازل عن القدس، مقابل الهدنة لمدة ثلاثة سنين وثلاثة شهور، وبقاء مدن الساحل بيد النصارى من “صور” إلى “يافا”.
بعد فشل هذه الحملة الصليبية: صار اسم صلاح الدين رعبًا لأوروبا، فقد قتل أثناء معاركها (150) ألف مقاتل، وبالهدنة عمّ الأمن والاستقرار في المنطقة، وبدأ صلاح الدين بأعمال الإصلاح.
مواقف صلاح الدين الأيوبي
سأل صلاح الدين القاضي والفقيه المؤرخ ابن شداد -وكان ملازمًا له-: أيّ موتة أشرف؟
فأجابه: الموت في سبيل الله، فقال صلاح الدين: (غاية الأماني أن أموت أشرف الممات، تمنيت من سنين أن يقتلني أحد وأنا أقاتل، والآن صارت الهدنة وعمّ الهدوء، وإني أتمنى أن أموت في سبيل الله شهيدًا).
أراد صلاح الدين الحجّ إلى بيت الله الحرام، فأرسل له قاضي مصر يقول: (التفت لأحوال المسلمين، اترك الحجّ، البلاد خربت، والاقتصاد انهار، الفتن بدأت تشتعل، فلا تنشغل بالحج وتترك البلاد، فهذا أعظم من الحج)، وفعلًا استجاب صلاح الدين وترك الحج.
طلب منه أخوه العادل قطعة أرض في حلب، فقال له: (أظننت أن البلاد تباع؟ أو ما علمت أن البلاد لأهلها المرابطين بها، ونحن خزنة المسلمين وحراس أموالهم).
انجازات صلاح الدين الايوبي
كان تاريخه مجدًا للمسلمين فاستطاع أن يحرر فلسطين عدا أجزاء من ساحلها.
أعاد أمجاد الأمة بتحرير القدس بعد (91) عام من احتلالها.
حكم بلاد الشام (19) عامًا، وحكم مصر (24) عامًا، قضى منها (16) عامًا في جهاد.
أواخر أيام صلاح الدين الأيوبي
بعد عودة صلاح الدين من استقبال الحجاج شعر بالتعب الشديد، فأصابته الحمى والصداع الشديد، فعاده ابن شداد والقاضي الفاضل، فطلب صلاح الدين ماءً فاترًا فأتوه أولًا بماء حار، فلم يستطع أن يشربه، ثم أتوه بماء بارد فلم يستطع عليه أيضًا، ولم يزيد إلا أن قال: ائتوني بماء فاتر.
فقال القاضي: (والله، لو أن ملكًا آخر طلب مرتين، ولم يفعل له لغضب وصرخ ولربما عاقب، أبشر بهذه الأخلاق يا ابن شداد، فقد أشرف المسلمون على مفارقتها).
وفاة صلاح الدين الأيوبي
عام (589هـ – 1193م) توفي صلاح الدين الأيوبي رحمه الله تعالى، بعد مرض استمر (12) يوم، ونزل في قبره القاضي وجعل إلى جنبه سيفًا وقال: (هذا السيف لتتوكأ عليه في الجنة)، فحزن عليه المسلمون في كل مكان، وألّفت في أخلاقه الكتب حتى في أوروبا.
ورثاه الأدباء والشعراء، ومن ذلك قولهم:
أين الذي مذ لم يزل مخشيّة مرجوةً رهباته وهباته؟
أين الذي كانت له طاعاتنا مبذولةً ولربه طاعاته
أين الذي عنت الفرنج لبأسه ذلا، ومنها أدركت ثاراته؟
بالله أين الناصر الملك الذي لله خالصةً صفتْ نياته؟
ما كنت أعلم أن طودًا شامخًا يهوي ولا تهوي بنا مهواته
لو كان في عصر النبي لأنزلت في ذكره من ذكره آياته
وفي الختام: لا تنس مشاركة هذه المقالة مع الأصدقاء.
كما يمكنك الاستفادة والاطلاع على المزيد من المقالات:
الملك الأفضل نور الدين علي، ولي العهد (صاحب دمشق). الملك العزيز عماد الدين عثمان، صاحب مصر. الملك الظافر مظفر الدين خضر، صاحب بصرى وشقيق الملك الأفضل. الملك الظاهر أبو المنصور غياث الدين غازي، صاحب حلب. الملك المعز فتح الدين إسحق. الملك المؤيد نجم الدين مسعود، أبو الفتح، (صاحب رأس العين) تولاها وغيرها في حياة أبيه. الملك الأعز شرف الدين يعقوب (من رجال الحديث). الملك الأشرف عز الدين محمد. الملك المفضل قطب الدين موسى (من رجال الحديث). الملك الغالب نصير الدين ملكشاه، أبو الفتح. الملك الجواد ركن الدين أيوب. الملك الزاهر مجير الدين داود أبو سليمان، صاحب قلعة البيرة، وهو شقيق غازي. الملك المُحْسن ظهير الدين أحمد (من رجال الحديث). الملك المعظم فخر الدين تورانشاه (من رجال الحديث). نصرة الدين مروان. عماد الدين شادي. الملك المنصور أبو بكر.
أين توفي صلاح الدين الأيوبي؟
في دمشق بعد عودته من استقبال الحجاج شعر بالتعب الشديد، فأصابته الحمى والصداع الشديد،