الامام النووي المحدث والفقيه واللغوي
أمتنا الإسلامية غنية بالرجال العظام، المبدعون والقدوات في كل ميدان، نقف لنتعرّف على أحد هؤلاء…
اقرأ المزيدمن أكبر أنواع الخيانة: تعيين قادة بلا خلق، ولا كفاءة، ولا رؤيا مستقبلية.
كيف لرجل عاش دهرًا تقبّل السلاطين عتبة داره، وتمشي العساكر في خدمته ليلًا ونهارًا، كيف له أن يقدم وطنه قربان ولاء وعربون انتماء لأعداء دينه وأمته؟!
ما الذي يحرك النفوس نحو الخيانة؟ هل هي نوازع الطمع الشديد؟ هل الحصول على ما يظنه مجدًا تليدًا؟ ما الثمن الذي يريده الخائن لقاء خيانته؟ وما هو مآل ومصير من سوّلت له نفسه ليكون من الخائنين لوطنه وشعبه؟
مؤيد الدين بن العلقمي، وزير الخليفة العباسي المستعصم بالله، كان داهيةً، حازماً خبيراً بسياسة الملك من الطراز الأول، وكان قبل ذلك “أستاذ دار الخلافة”، وهو منصب استحدثه الخلفاء العباسيون يوازي الآن رئيس الديوان، فكان له دور في تعيينات القادة والوزراء، وكان له خصوم مثل: قائد الجيش “دويدار” وغيره.
نشب خلاف طائفي بين السنة (أهل البصرة) والشيعة (أهل الكرخ)، فقام أهل السنة بالإغارة على الكرخ، ونهبوا الدور ومن بينهم دار ابن العلقمي ودور أقاربه، فأثار ذلك حفيظة ابن العلقمي، وأضمر في نفسه الانتقام، واعتبرها فتنة طائفية، وخاصة أن أهل السنة كانوا مدعومين من قبل قائد الجيش دويدار وابن الخليفة أيضًا.
الخيانة من أكبر الكبائر: وقد ذم الله الخيانة في القرآن الكريم، قال الله جل في علاه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾، وقول الله تعالى ﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ﴾، وقال تعالى: ﴿ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ﴾.
وفي قانون السياسة: إذا تم العبث بأمن الدولة، والتآمر على حقوق المواطنين، وتسليم البلاد للأجنبي، وخلق حالة من الفوضى، تسهّل تدخل الدول الأجنبية فيها، فإن هذا يسمى “الخيانة العظمى” وعقوبتها الإعدام.
في هذه الأثناء كان التتار يسيطرون على البلاد الواحدة تلو الأخرى، فقام ابن العلقمي بمراسلة هولاكو ملك التتار، مشجعا إياه على دخول بغداد، والقضاء على الخلافة العباسية متمثلة بالخليفة المستهتر السيء السمعة ذو الشخصية الضعيفة، فتردد هولاكو، وكان تردده لأن بغداد مدينة كبيرة ومحصنة ومليئة بالجند، فقد كان عدد الجند آنذاك (100) ألف.
قام الوزير ابن العلقمي بإقناع الخليفة المستعصم بتسريح الجيش، بذريعة أنَّ نفقات الجيش أصبحت كبيرة، وبالفعل وافق الخليفة على تسريح الجيش، فكان الوزير يستدعي الآلاف من الجند إلى الديوان كل شهر، ويقوم بتسريحهم، ونفيهم من بغداد، وقطع الرواتب والمستحقات عنهم، فزاد ذلك في كرههم لابن العلقمي، ولم يبق من الجيش سوى (10) آلاف فقط.
ينتمي إلى الطائفة الإسماعيلية، قام بالخيانة مرتين:
توجه هولاكو نحو بغداد ومعه (200) ألف من المقاتلين المدربين أعلى تدريب، والمجهزين بأحدث أنواع الأسلحة، وكانت الأخبار تتوافد إلى قصر الخلافة أن جيش التتار يقترب من بغداد، ولكن الوزير كان يخفي عن الخليفة هذه الأخبار.
وصل جيش هولاكو وأحاط ببغداد، وبدؤوا يرمونها بالنبال، والخليفة لا يدري ماذا يحدث خارج قصره، إلى أن وقع سهم بجارية كانت ترقص له، فأمر أن تغلق نوافذ القصر وأبوابه، حتى لا تصل السهام إلى الداخل، (أي استهتار أعظم من هذا الاستهتار والخذلان).
يقول المدافعون عن ابن العلقمي: أنه كان حريصًا على الخلافة، فاقترح على الخليفة أن يراسل هولاكو ويعتذر منه ويرسل له ألاف الهدايا، فقام قائد الجيش دويدار واعترض، وأقنع الخليفة أنه بفعله هذا سيتسبب بضعف الخلافة، فقام الخليفة بإرسال بعض الهدايا فقط مما أغضب هولاكو، ولم يرض إلا بمجيء الخليفة والركوع أمامه وطلب الاعتذار.
أشار ابن العلقمي على الخليفة بالاعتذار من هولاكو وقال: دعني أخرج إليهم وآخذ لك الصلح، فخرج ووثق الصلح لنفسه من التتار ورجع إلى الخليفة وقال: إن هولاكو وافق على الصلح وأن يعود إلى بلاده ويجعلك حاكما باسمه، ويرغب في أن يزوج بنته بابنك،
فاخرج إليه مع الأعيان، فخرج الخليفة مع الأعيان، وكان عددهم (700) من القضاة والفقهاء والعلماء ورؤوس الدولة، فلما وصلوا إلى مقر هولاكو تم فصلهم عن الخليفة، وأدخل لوحده على هولاكو، أما الأعيان فتم قتلهم.
ثم أراد هولاكو قتل الخليفة، فطلب منه المستعصم أن يعفو عنه مقابل (كل أملاكه ونصف مال الخلافة كل عام)، فمال قلب هولاكو لهذا الرأي وإذ بابن العلقمي يغير له رأيه بقوله: (لن يستديم لكم هذا الأمر إلا سنة أو سنتين ثم يقطع الأعطيات من جديد)،
فما زال به حتى أمر بقتل الخليفة، فقيل لـهولاكو: إنَّ هذا إن أريق دمه تظلم الدنيا ويكون سبب خراب ديارك، فإنه ابن عم رسول الله ﷺ وخليفة الله في أرضه، فقام الخائن الثاني “نصير الدين الطوسي الإسماعيلي” وقال: اقتله بحيث لا يراق دمه، فوضع في كيس وبقي يضرب حتى مات.
دخل المغول بغداد وعاثوا فيها فسادًا، وقاموا بقتل الكثير من المسلمين، ولم ينج إلا أهل الذمة، واليهود، ومن استجار بهم، ومن دخل دار ابن العلقمي الخائن.
استمر القتل في بغداد قرابة (40) يومًا، وأحرقوا مكتبة بغداد، ومنعوا الصلاة وعطّلوا الجمع والجماعات، وهدموا المباني والمساجد، وأريقت الخمور في المساجد والجوامع، ومنع المسلمون من الإعلان بالأذان، وجعلوا من الكتب جسرًا يعبرون عليه إلى الضفة الثانية.
أُسند الحكم في بغداد لابن العلقمي، لكن حكمه لم يدم سوى بضعة أشهر فقط، ثم عزل وساءت أوضاعه، لأن التتار بالغوا في إهانته وهذا مصير كل خائن، أُهين ابن العلقمي على أيدي التتار بعد دخولهم، وقد شوهد يركب دابّته ومن ورائه جنود من التتار يدفعونه ويتسلون به،
فنظرت له امرأة وقالت له (أيهٍ يابن العلقمي، أهكذا كان بنو العباس يعاملونك؟) فمات كَمَدًا وحسرة على مجد ضيَّعه، وسُلطة بدّدها، بعدما ارتمى تحت أقدام العدوّ، وباع دينه وأُمّته..
وأخيراً، يمكنكم الاستفادة، والاطلاع على المزيد من المقالات:
نابليون والصدمة الحضارية و المغول وسقوط الدولة العباسية و صناعة الثورة والانقلاب عليها ومعركة عين جالوت
مؤيد الدين ابن العلقمي، وزير الخليفة العباسي المستعصم بالله، كان داهيةً، حازماً خبيراً بسياسة الملك من الطراز الأول، وكان قبل ذلك “أستاذ دار الخلافة”، وهو منصب استحدثه الخلفاء العباسيون يوازي الآن رئيس الديوان، فكان له دور في تعيينات القادة والوزراء،
نشب خلاف طائفي بين السنة (أهل البصرة) والشيعة (أهل الكرخ)، فقام أهل السنة بالإغارة على الكرخ، ونهبوا الدور ومن بينهم دار ابن العلقمي ودور أقاربه، فأثار ذلك حفيظة ابن العلقمي، وأضمر في نفسه الانتقام، واعتبرها فتنة طائفية، وخاصة أن أهل السنة كانوا مدعومين من قبل قائد الجيش دويدار وابن الخليفة أيضا.
مراسلة ابن العلقمي للتتار.
التحايل على الخليفة وتسريح الجيش
أُسند الحكم في بغداد لابن العلقمي، لكن حكمه لم يدم سوى بضعة أشهر فقط، ثم عزل وساءت أوضاعه، لأن التتار بالغوا في إهانته وهذا مصير كل خائن، أُهين ابن العلقمي على أيدي التتاربعد دخولهم، وقد شوهد يركب دابّته ومن ورائه جنود من التتار يدفعونه ويتسلون به، فنظرت له امرأة وقالت له (أيهٍ يابن العلقمي، أهكذا كان بنو العباس يعاملونك؟) فمات كَمَدًا وحسرة على مجد ضيَّعه، وسُلطة بدّدها، بعدما ارتمى تحت أقدام العدوّ، وباع دينه وأُمّته..
إذا تم العبث بأمن الدولة، والتآمر على حقوق المواطنين، وتسليم البلاد للأجنبي، وخلق حالة من الفوضى، تسهّل تدخل الدول الأجنبية فيها، فإن هذا يسمى “الخيانة العظمى” وعقوبتها الإعدام.
كتاب (سقوط الدولة العباسية) رسالة دكتوراة للدكتور سعد حذيفة الغامدي، تعيد النظر في أحداث سقوط الدولة العباسية واتهام ابن العلقمي والشيعة بالتآمر مع المغول والتي يتعامل معها الأكثر وكأنها من المسلمات التاريخية.. ليتبين له أن الخيانة والتآمر إنما هي تهمة صاغها الدواة دار الصغير (أحد الوزراء للمستعصم) والذي كان حاقدًا عليه وأن ابن العلقمي كان وزيرًا مقربًا للمستعصم وكان مستقيمًا وورعًا بشهادة المؤرخ سبط ابن الجوزي (سني المذهب). وكم من الشخصيات التاريخية ألصقت بها التهم زورا وبهتانا
والدكتور سعد الغامدي لم يأت بهذه الاستنتاجات من أم رأسه وإنما نقب في المصادر العربية والأجنبية ليتفاجأ بحجم الكذب الذي مارسه بعض مؤرخي المسلمين ضد هذه الشخصية.