الحج: مشروعيته وحكمه وأسراره
تاريخ النشر: - تاريخ التعديل: - فكر وتوعية - جديدنا

الحج هو أحد أركان الإسلام الخمس، ويعتبر أكبر تجمع بشري في العالم، فالزمان والمكان والمقصود أعظم ما يطلبه الإنسان السليم الفطرة، فالزمان شهر ذي الحجة المحرم من قبل الله، والمكان بيت الله الحرام ، والمقصود هو الله جل جلاله، من خلال إخلاص النية للمولى وتجديد البيعة على طاعته، والعودة بصحف بيضاء من الذنوب والآثام.

  • ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ﴾.
  • ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾.

يعتبر الحج مناسبة دينية كبيرة للمسلمين، إذ يجتمع الحجاج من جميع أنحاء العالم لأداء هذه الفريضة الالتقاء على محبة الله وطاعته، لتعزيز الوحدة الإسلامية وتعظيم قدر الله، ولتجديد النية والتوبة وتحقيق التقرب إلى الله سبحانه وتعالى.

 

تاريخ وأصول الحج

يعود تاريخ الحج إلى عهد سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام، فقد أمره الله أن يبني الكعبة على قواعد آدم عليه السلام، ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ﴾، فالكعبة بنيت في زمن آدم عليه السلام، ثم تهدمت، فلما جاء الأمر من الله لإبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ببناء الكعبة، حفراها على قواعد آدم.

فلما وصلا إلى حجر الزاوية أراد إبراهيم أن يضع حجراً قوياً، فأرسل إسماعيل ليبحث عن الحجر المناسب، فلم يجد ضالته، فلما عاد إلى أبيه وجد عنده حجراً متيناً، فسأله من أين هذا الحجر؟ قال: من الله جل جلاله، فكان هذا الحجر الأسعد، ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾، والقواعد هي الأسس والسواري.

كان إبراهيم كلما بنى جزءاً عاد قليلاً ليتأمل البناء، فكان يقف طويلاً في هذه المكان، فأتى أمر الله باتخاذ هذا المكان مصلى ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾.

الأمر بالنداء للحج

عندما أتمّ سيدنا إبراهيم بناء الكعبة، أمره الله أن يؤذن بالحج، قال الله تعالى ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾ قيل له: أذن في الناس بالحج، قال: (يا رب! وما يبلغ صوتي؟) قال: (أذن وعليّ الإبلاغ).

فصعد إبراهيم خليل الله جبل أبي قبيس وصاح: (يا أيها الناس! إن الله قد أمركم بحج هذا البيت ليثيبكم به الجنة ويجيركم من عذاب النار، فحجوا)؛ فأجابه من كان في أصلاب الرجال وأرحام النساء: لبيك اللهم لبيك! فمن أجاب يومئذ حج على قدر الإجابة؛ إن أجاب مرة فمرة، وإن أجاب مرتين فمرتين؛ وجرت التلبية على ذلك؛ وهذا قول ابن عباس، وابن جبير.

وروي عن أبي الطفيل قال: قال لي ابن عباس: أتدري ما كان أصل التلبية؟ قلت لا! قال: لما أمر إبراهيم – عليه السلام – أن يؤذن في الناس بالحج خفضت الجبال رؤوسها ورفعت له القرى؛ فنادى في الناس بالحج فأجابه كل شيء: لبيك اللهم لبيك.

 

 فوائد الحج الدينية والدنيوية والاجتماعية

قال الله تعالى: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَفما هي هذه الفوائد التي ذكرها الله؟ 

الفوائد الدينية للحج

  • تكفير الذنوب

فمن حج فلم يرتكب ما نهى الله عنه خلال الحج فإن ذنوبه تسقط عن عاتقه، ويعود بلا ذنب كيوم ولادته، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن حجَّ للهِ، فلم يَرفُث ولم يَفسُقْ، رجَع كيوم ولدَته أمُّه) رواه البخاري، كيوم ولدته أمه بلا ذنوب، أما حسناته فتبقى ولا تُمحى.

  • زيادة التقوى

﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ﴾، فالله سبحانه وتعالى غني عن لحمها، ولكن يصل إليه الإخلاص في تقديمها، والاحتساب، والنية الصالحة، وأن يكون القصد وجه الله وحده، لا فخراً ولا رياءاً، ولا سمعةً، ولا مجرد عادة، وهكذا سائر العبادات، إن لم يقترن بها الإخلاص وتقوى الله، كانت كالقشور الذي لا لبّ فيه، والجسد الذي لا روح فيه.

  • أخذ العبر والتزود لكل موقف بما يناسبه

ففي كل ركن من أركان الحج عبرة وفائدة:

  •  تذكر يوم المحشر: فمن وقف على صعيد عرفات لابد أن يذكر هول موقف يوم القيامة، فيضرع إلى الله أن يغفر ما مضى، ويحسن فيما بقي من عمره، فالحج هو الصورة المصغرة لذاك الموقف العظيم، يوم يأتي الناس فرادى كيوم ولدتهم أمهاتهم، لا يغني عنهم والدٌ ولا ولد، إلا من أتى الله بقلبٍ سليم.
  • فاتخذوه عدواً: وعند رمي الجمرات يستشعرون ذاك المعنى العظيم بأن احذروا الشيطان ومكائده ووساوسه، فإن أتاكم فارموه بالاستعاذة، كما رميتموه اليوم بالجمرات.
  • تحقيق مبدأ التوكل: فعند شربه من ماء زمزم سيتعلم مبدأ التوكل على الله، والذي انتهجته هاجر عليها السلام عندما توكلت على ربها، ثم أخذت بالأسباب من خلال البحث عن الماء، فأثابها الله بنبع زمزم من بين قدمي ذاك الطفل الرضيع الذي لا حول له ولا قوة.
  • ترسيخ مبدأ العبودية لله: هذا العبد الذي ترك أهله وأشغاله ولبى نداء الله، ثم خرج يقطع الطرقات تنفيذاً لأمر خالقه، ما أخرجه إلا حبه لمولاه الذي أمره بأداء عبادة الحج، فإن رجع إلى أهله وبيته سيبقى عبداً لمولاه لأن الله أمره بالعبادة الأشق فقام بها على أتم وجه تنفيذاً لأمر المولى سبحانه.
  • تعويد الصبر: واحتساب الأجر من بعد المسافة، ومشقات السفر، ثم تحمل أذى بعض الناس من خلال التدافع، فلا يعتبر المسلم صابراً إذا ابتعد عن مخالطة الناس.

 

 الفوائد الاجتماعية للحج

  •  تحقيق مبدأ الوحدة والمساواة

الغاية واحدة: كل من آمن بالله الواحد، لابد له من تلبية نداء مولاه، والسفر إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج التي أمر الله بها، وغايتهم الوحيدة عبادة الله سبحانه وتعالى.

مبدأ المساواة: فالغني والفقير، والكبير والصغير، الرئيس والمرؤوس، كلهم يرتدون زياً واحداً، يؤدون نفس المناسك، في نفس المكان، ملبين نفس النداء، دون أي تمييز بينهم.

  • تقويم السلوك

فالحج في حقيقته ما هو إلا جهاد النفس والهوى، وتعويدها على ضبط الانفعالات، ومواجهة المواقف بهدوء وتروي، فإن نجح المسلم بكبح جماح نفسه في الحج، أصبح قدراً على كبح جماحها في بقية أيامه، وعندها ستقل المشاحنات والمصادمات بين أفراد المجتمع.

  • التعاون بين أفراد المجتمع الواحد

وأي مكان أعظم من بيت الله سبحانه وتعالى ليتربى المسلم على مد يد العون لأخيه المسلم، فكم من كبير محتاج لمن يمسك يده في هذه الأماكن، وكم من ضعيف لا يقوى على حمل متاعه قد لبى نداء ربه بلا معين، فيأتي دور المسلم القوي ليمد يد العون لمن يحتاجها رغبة فيما عند الله سبحانه وتعالى. 

  • ترسيخ أسس النظام

الحج يعمل على تعليم النظام، والترتيب، فمناسك الحج لا تتم إلا في وقت معين من السنة، في مكانٍ واحد، يلبون رباً واحداً، غايتهم واحدة، قبلتهم واحدة، إمامهم واحد.

 

الفوائد النفسية للحج

  • العلاج بالتأمل

إن وقوف الحجاج على جبل عرفات يعتبر نوعاً من العلاج بالتأمل، والعلاج بالتأمل يعتبر من أهم أنواع العلاج النفسي، لما له من قوة عجيبة في تنظيم عمل الجسم، ومعالجة كل أنواع الاضطرابات النفسية والعصبية.

  • تفريغ الشحنات السلبية

كل إنسان لديه شحنات سلبية في داخله، لابد من التخلص منها، حتى لا تسبب قلقاً وأرقاً وعدم استقرار في حياة هذا الفرد، وهنا يأتي دور الحج في تفريغ هذه الشحنات السلبية، وإعادة شحن النفس البشرية بشحنات إيجابية، تعود بالنفع على هذا الفرد وعلى مجتمعه من حوله.

 

وفي الختاملا تنس مشاركة هذه المقالة مع الأصدقاء

كما يمكنكم الاستفادة والاطلاع على المزيد من المقالات:

وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم  و أحداث يوم القيامة

و الموت والبرزخ في القرآن والسنة

 

المصادر والمراجع

  1. القرآن الكريم
  2. أسرار الحج والعمرة للدكتور طارق السويدان.
  3. الجامع لأحكام القرآن للقرطبي
  4. تفسير القرآن العظيم لابن كثير

 

الأسئلة الشائعة

ماهي الحكمة من مشروعية الحج ؟

ماهي الحكمة من مشروعية الحج ؟
إقرار الوحدانية لله تعالى.
تهذيب النفوس وتقويمها.
تذكير بمواقف يوم القيامة بغية التوبة قبل الموت.
كثرة ذكر الله سبحانه وتعالى.
تذكير بوحدة المصير لكل المسلمين من شرق المعمورة إلى غربها.

ما هي أهداف فريضة الحج؟

كثرة ذكر الله تعالى.
تحصيل التوبة لمن أحسن النية والتزم أوامر الله.
لتبادل المنافع بين العباد.

لماذا أمرنا الله بالحج في وقت واحد ومكان واحد؟

للتذكير بأن الرب واحد، والدين واحد، وأن الناس سواسية لا فرق بين أحد منهم عند الله إلا بالتقوى، وتنظيماً لعمل المسلمين من خلال تقويم سلوكهم.

ما هي رمزية مناسك الحج؟

تذكير بمنازل الآخرة، فكل إنسان أت يوم القيامة وحده، وسيقف في أرض المحشر وحده، فلابد من إعداد النفس للنجاة من ذاك الموقف.
تذكير بقصة الفداء من الله تعالى لإسماعيل عليه السلام.
تذكير بأهمية التوكل على الله تعالى مع الأخذ بالأسباب، كما فعلت السيدة هاجر عندما توكلت على الله لكنها أخذت تبحث عن الماء بين الصفا والمروة حتى من الله عليها بنبع زمزم بين يدي رضيعها إسماعيل.

اترك تعليقاً