دور الأب في تربية الأبناء
فرض الله تعالى للأولاد حقوقاً على والديهم بصفة عامة، وعلى الأب بصفة خاصة، ومنها التنشئة…
Read moreقصص الأنبياء فيها العبر والدروس، وقصتنا اليوم عن قوم تجلى فيهم العناد والكفر ونقض المواثيق والالتفاف على أوامر الله تعالى والإعراض عنها، قوم كلما مات نبيّ فيهم قام نبيّ، أكثروا من قتل الأنبياء ظلمًا وعدوانًا، بنو إسرائيل قوم لا أمان لهم؛ يظهرون الإيمان وأشربت قلوبهم الكفر، أرسل الله إليهم كليمه موسى عليه السلام.
هو موسى عليه السلام بن عمران بن قاهث بن عازر بن لاوي بن (يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام).
يوصف بأنه آدم -شديد السمرة- ضخمًا عريضًا عظيمًا، قويًا بقوة (10) من الرجال، يتأتئ إذا تكلّم يقول عن نفسه: {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي (28) يَفْقَهُوا قَوْلِي}، ويقول عنه فرعون مستهزئًا: {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ}، وفي هذا إشارة إلى أصحاب العوائق أنّ الله يعطي ويأخذ، فهذا موسى عليها السلام لم يمنعه عائقه من أنْ يكون نبيًّا من أولي العزم، فالعوائق ابتلاء من الله عيشوا معه ولا تستسلموا، بل انطلقوا لما فيه صلاح دنياكم وآخرتكم وأمتكم.
موسى عليه السلام من أولي العزم من الرسل، خلّد الله ذكره في أكثر من 70 موضع من القرآن الكريم، تعليمًا للنبي ﷺ والصحابة والمؤمنين، تنقسم قصة موسى عليه السلام إلى جزئين:
كان بنو إسرائيل يعيشون بفلسطين زمن إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام، ثم انتقلوا إلى مصر مع نبي الله يوسف عليه السلام، دخلوها وهم (86) شخص وخرجوا منها (600) ألف.
عاش بنو إسرائيل برفاه زمن يوسف عليه السلام؛ لإكرام فرعون ذلك الزمان له والذي كان العرب يسمّونه “الريّان بن الوليد”، ثم جاء بعده “قابوس بن مصعب” وكان كافرًا ظالمًا أخذ يشتدّ على بني إسرائيل، ثم جاء بعده “الوليد بن مصعب” كما يسمّه العرب واسمه عند المصريين “رمسيس الثاني” وهو من دارت قصة موسى عليه السلام معه.
تجبّر فرعون وأذلّ بني إسرائيل ذلًّا شديدًا، فقسّم الناس طبقات وجعل بني إسرائيل من العبيد {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}، خضع الناس لظلم فرعون وأطاعوه فلم يعترضوا {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ}،
وجد فرعون الخضوع من قومه فازداد تكبّرًا واستعلاءً في الأرض { وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي}، فعبده الناس من دون الله تعالى: {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى}.
وفي أحد الأيام رأى فرعون في منامه: (أنّ نارًا خرجت من بيت المقدس فدخلت بيوت مصر فأحرقتها، ولم تحرق ديار بني إسرائيل)، فجمع الكهنة والسّحرة فأخبروه أنّ الأمر خطير، وأنّ لديهم علم عنْ أحبار بني إسرائيل: (أنّه سيخرج واحد منهم يكون على يديه هلاك فراعة مصر).
عندها أصدر فرعون الأوامر بقتل مواليد بني إسرائيل الذكور، وجنّد المخبرين وهدد القوابل بقتلهنّ وعوائلهنّ إن تسترن على المواليد، فكان ذلك شرّ بلاء وقع ببني إسرائيل.
أما زوجة فرعون “أسيا بنت مزاحم” فكانت من المصرين مؤمنة موحّدة، أراد فرعون الزواج منها فتعللّ أبوها بصغر سنّها لكن فرعون أصرّ وتوعده، فوافقت مُكرهة وعاشت مبغضة له، يقول عنها رسول الله ﷺ أنها ممن كمل من النساء وأنها خير نساء العالمين: (مريم بنت عمران، خديجة بنت خويلد، فاطمة بنت محمد ﷺ، وآسيا بنت مزاحم زوجة فرعون).
في هذه الأجواء كانت أمّ موسى عليه السلام في شهورها الأولى حاملًا به، فخافت خوفًا شديدًا فأخفت حملها
ولمّا حضرتها الولادة لم تطلب قابلة، ثم جاءها إلهام من الله تعالى أنْ ترضعه فإن شعرت بالخطر يقترب وضعته في تابوت خشبي في النهر {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}.
وفعلًا جاء الطلب والتفتيش فألقته في النهر وسار به التابوت، وأسلت أخته تتبعه حتى وصل إلى قصر فرعون، فالتقطته الجواري وأعطينه لزوجة فرعون آسيا التي أحبّته أيّما حُبّ {إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (39) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي}.
أراد فرعون قتل موسى لعلمه أنه من بني إسرائيل، ولكن زوجته آسيا ترجته وألحّت عليه فقد كانت لا تنجب، فتركه لها كارهًا له {وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ}، وقال فرعون قرّة عينك لك وليس لي، ولو قال قرّة عين لي لما هلك.
كادت أم موسى عليه السلام تفقد صبرها وتخبر عنه لولا أنْ ثبّتها الله تعالى {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}، بدأ الطفل يبكي طالبًا الرضاعة فكان يرفض جميع المرضعات،
هنا تقدّمت أخته وأخبرتهم عن معرفتها بمرضعة صالحة: {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ}، وهكذا أعاد الله موسى عليه السلام إلى أمّه فسكن فؤادها {فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ}.
عاش موسى عليه السلام بين بيت أمّه وبين قصر فرعون برعاية آسيا، فنشأ مؤمنًا صالحًا ولما بلغ مرحلة الشباب أعطاه الله العلم والحكمة، وكان فرعون كارهًا لموسى ويترقب الفرصة ليتخلّص منه، جاءته الفرصة ففي ذات يوم دخل موسى عليه السلام المدينة وهي خالية من أهلها،
فوجد رجلين يتشاجران، أحدهما مؤمن من بني إسرائيل والآخر كافر من المصريين، فطلب رجل بني إسرائيل النجدة من موسى عليه السلام فأراد فضّ النزاع فدفع المصري ولكنه مات من هذه الدفعة البسيطة.
صُدم موسى عليه السلام مما حصل فطلب المغفرة من الله تعالى فتاب عليه {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ (16) قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}.
بقي موسى عليه السلام في المدينة خائفًا مما سيحصل، بسبب قتله المصري حتى صباح اليوم التالي، وإذ بذات الرجل الإسرائيلي داخل في صراع مع مصري آخر، فغضب منه لمشاجراته ولمّا أراد أن يتدخل ليفضّ النزاع قال له المصري: هل تريد أن تقتلني كما قتلت رجلًا البارحة؟
{فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ (19) فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأَمْسِ إِن تُرِيدُ إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ}، فعلم موسى عليه السلام أنّ الخبر قد انتشر.
وفي هذه الأثناء كان فرعون وحاشيته قد أصدروا الأمر بقتل موسى، فجاءه رجل محبّ له في القصر مسرعًا يحذّره مما دبّر له ونصحه بالخروج من مصر {وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ}، سار موسى عليه السلام قاطعًا سيناء ماشيًا حتى:
{فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (22) وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ}.
هدى الله موسى عليه السلام في الطريق حتى وصل قرية “مدين”، وفي أطراف “مدين” وعند بئر الماء وجد ازدحامًا شديدًا فالرعاة يسقون إبلهم وأغنامهم، ولكنّه شاهد امرأتين تبعدان غنمهما عن الماء فتعجّب وسألهما عن ذلك، فأخبرتاه أنهما لا تزاحمان الرجال لحيائهما وليس عندهما سوا أبيهما الكبير في السنّ،
فتطوّع موسى وسقا لهم، ثم لجأ إلى ظل شجرة يطلب عون الله ومدده { وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (24) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ}.
جاء الفرج لموسى عليه السلام فإذا بواحدة من المرأتين تأتيه وسمتها الحياء -هذا حال المرأة المؤمنة والحياء خلق يحبّه الرجال في النساء-، وأخبرته أنّ أباها يريد إعطائه أجرًا لسقيه الماء، فسار موسى أمامها وكانت ترشده للطريق بواسطة الحصى، ثم التقى بنبي الله شعيب وأخبره قصته فطمأنه،
ثم طلبت إحدى المرأتين -وكانت حكيمة- من أبيها أن يستأجر موسى لقوّته وأمانته {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ}.
فعرض شعيب على موسى عليهما السلام أنْ يعمل عنده، ولكنه ليس لديه أموال يعطيها له لذلك سيزوّجه إحدى ابنتيه ويكون مهرها أجرة عمل (8) سنوات وإنْ أحبّ موسى أتمها إلى (10) سنوات، فوافق موسى عليه السلام، سئل رسول الله ﷺ هن أي الأجلين قضى موسى، فأخبر أنه أتمّ 10 سنوات.
بعد أنْ قضى موسى عليه السلام ما عليه اشتاق لأهله، فأخذ زوجته وانطلق قاصدًا مصر وفي الطريق تاه وضاع وكان البرد شديد، ثم رأى من بعيد نارًا، فترك أهله يقصدها عساه يأتي لهم بالدفء، أو يجد عندها من يرشده إلى الطريق {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (10) إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى}.
وصل إلى النار وإذ بها في أصل شجرة فتعجّب من ذلك، فلمّا اقترب منها جاءه النداء العظيم نداء مباشر جليل من ربّ العالمين، في جبل الطور والشاطئ الأيمن في بقعة مباركة {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى (12) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (13) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (14) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (15) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (16) فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لاَ يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى}.
اختار الله سبحانه وتعالى موسى عليه السلام رسولًا، وأعطاه الآيات المعجزة الدالة على صدقه، فأمر أن يلقي عصاه فما إن فعل حتى تحولت إلى حيّة عظيمة فهرب موسى فزعًا، ثم دعاه المولى فأمسك بذلها فعادت عصى كما كانت، ثم أمره أن يدخل يده من الثياب تحت إبطه فلما أخرجها صارت بيضاء دون مرض،
ثم أمره أن يذهب رسولًا من الله يدعوا فرعون وقومه إلى الإيمان {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (18) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (19) قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى (20) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (21) قَالَ خُذْهَا وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُولَى (22) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى (23) لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى (24) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى}.
هنا طلب موسى عليه السلام العون من الله تعالى في مهمّته فأجابه: فهو كان يتأتئ في كلامه فأصبح إذا دعا الناس إلى الإيمان انطلق لسانه بالدعوة، وطلب من الله تعالى أنْ يرسل معه أخاه هارون، فكانت السيدة عائشة تقول: أعظم شفاعة في الدنيا شفاعة موسى لأخيه هارون أصبح بها نبيًا
{قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (26) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (27) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي (28) يَفْقَهُوا قَوْلِي (29) وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي (30) هَارُونَ أَخِي (31) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (32) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (33) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (34) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (35) إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا (36) قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى}.
جاء أمر الله تعالى لموسى وهارون عليهما السلام بمهمّتين:
التقى موسى وهارون عليهما السلام بفرعون، فهنا جعل فرعون يذكّر موسى عليه السلام بما مضى: كيف تربّى في قصره؟ وكيف قتل رجلًا وهرب؟ {قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (19) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ}، فأجابه عليه السلام بمنتهى القوة مدافعًا عن نفسه وقومه، منبّه له عن أصل المسألة وهي ظلمه لبني إسرائيل وقتله أبناءهم {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ}.
انقل الحديث إلى فحوى الدعوة التي جاء بها موسى عليه السلام، فسأله فرعون عن الله تعالى فجعل موسى عليه السلام يخاطبه بكلام في منتهى البيان والمنطق {قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى (50) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (51) قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى (52) قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لّا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى (53) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلا وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى (54) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُولِي النُّهَى (55) مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى}.
رغم البيان وقوة الحجّة من موسى عليه السلام إلا أنّ فرعون تعنّت واستكبر، فعندها حان وقت المعجزات والآيات، فألقى موسى عصاه فإذا هي ثعبان هائل، ثم أخرج يده فإذا هي تشع نورًا، انبهر فرعون وحاشيته بما رأوا ثم انتكسوا فاتهم موسى بأنه ساحر يريد إخراج بني إسرائيل بسحره،
ثم انتقل فرعون لتحدي موسى بلقاء بينه وبين كبار السحرة في مملكة فرعون، فقبل موسى التحدي على أنْ يكون في يوم العيد وعلى مرآ من الناس جميعًا {وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى (57) قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى (58) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لّا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنتَ مَكَانًا سُوًى (59) قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى}.
وفي اليوم الموعود اجتمع الناس، وكان لقاء موسى مع أربعين ساحرًا ربّاهم فرعون على السحر منذ الصغر، فحذّرهم موسى {قَالَ لَهُم مُّوسَى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى}، اختلف السحرة فيما بينهم لعلمهم عن عجز سحرهم أمام المعجزات،
ثم اتفقوا على التوحّد معًا بعد أن وعدهم فرعون بأجر ومكانة عظيمة {فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى (63) قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (64) فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى}.
بدأ المشهد العظيم موسى عليه السلام أمام صف واحد من أربعين ساحرًا، ألقوا عصيّهم وحبالهم فسحروا أعين الناس، حتى موسى عليه السلام أخافه المشهد، ووصف الله فعلهم أنه سحر عظيم، وطمأن موسى عليه السلام {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى (68) قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الأَعْلَى (69) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى}.
ما إنْ رأى السحرة المعجزة حتى سقطوا ساجدين لله تعالى مؤمنين، غضب فرعون واتهم السّحرة بالتواطؤ مع موسى عليه السلام، وتوعّدهم بالعقاب الأليم الشديد، ولكن الإيمان استقرّ في قلوبهم لوضوح الإعجاز الذي كان أمامهم،
فلم يرضخوا لفرعون الذي بطش بهم {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (71) قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (72) قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}.
بعد أن بطش فرعون بالسّحرة أراد أنْ يقتل موسى عليه السلام، خوفًا على دين أتباعه المصريين فالتجأ موسى عليه السلام إلى الله تعالى {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ (27) وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ}،
فسخّر الله له رجلًا من آل فرعون يدافع عنه، واستطاع أنْ يقنع فرعون أنْ يترك موسى عليه السلام {وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ}.
صبّ فرعون غضبه من جديد على بني إسرائيل، لكنهم الآن أصبحوا تحت قيادة نبيهم موسى على السلام، الذي جعل يحثّهم على الصبر {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (129) قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}، واستمرّت سخريته وتكذيبه بالله تعالى، حتى أنه طلب من وزيره هامان أن يبني له برجًا عليًا ليطلع إلى رب موسى عليه السلام.
هنا جاء النصر الإلهي والعذاب العام على فرعون وقومه، وشمل (9) أنواع من الآيات والمعجزات والعذابات:
كانت هذه الآيات تصيب المصريين ولا تصيب بني إسرائيل، وكان فرعون والمصريّون مع كل آية يتهمون موسى وبني إسرائيل بالشؤم، ثم يأتون موسى عليه السلام يرجونه أنْ يكشف عنه الأذى فيؤمنوا ويتركوا بني إسرائيل يهاجروا معه، فلما يكشف البلاء ينقضون عهودهم.
{وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (131) فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (132) وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (133) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ (134) وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُواْ يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (135) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ}.
بعد معجزة وبلاء الدم رضخ فرعون وسمح لموسى عليه السلام أنْ يهاجر ببني إسرائيل، فاستعدوا بسرعة وانطلقوا ليلًا بهجرة عظيمة (600) ألف إنسان من مصر إلى فلسطين، في هذه الأثناء ندم فرعون فمن سيهدمه والمصريون؟!
فأمر بجمع الجيش ليتبعوهم ويمنعوهم، فانطلقوا {فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (58) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (59) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (60) فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ}،
وكان اللقاء عن الفرع الغربي من البحر الأحمر، فلمّا تراءى الجمعان ظهر ضعف الإيمان من بني إسرائيل لكن موسى عليه السلام كان ثابت اليقين بنصر الله {فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (62) قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}.
هنا جاء الأمر لموسى عليه السلام فضرب البحر بعصاه، فانشق البحر حتى وصل الشقّ إلى الطرف الآخر من البخر، وتشكل طريق يابس بين جبلين عظيمين من الماء {فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ}،
توقف فرعون أمام هذا المشهد العجيب ثم أقحم الله فرسه فتبع بني إسرائيل وتبعه جيشه، ولما خرج بنو إسرائيل من الطريق في البحر جاء أمر الله فغرق فرعون وجنوده {فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (79) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى}.
هذا شأن الطغيان السياسي يهلك العباد في الدنيا قبل الآخرة، وفي المياه وهو يغرق أعلن فرعون إيمانه ولكن فات الوقت ولم يقبل منه، بل جعل الله جسده آية للناس أجمعين علّهم يتعظون عبرة للطغاة والمتجبّرين {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (92) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُون}.
بعد نجاة بني إسرائيل من فرعون وعبورهم البحر، مروا على قوم يعبدون الأصنام فطلبوا من موسى عليه السلام أنْ يجعل لهم ما يعبدوه مثلهم، سبحان الله!! بنو إسرائيل أكثر الأقوام رؤية للمعجزات ولكن الإيمان لا يصل قلوبهم وإنما هم يسيرون مع مصالحهم {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (139) إِنَّ هَؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (140) قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ}.
وفي طريق الهجرة أمر الله موسى عليه السلام أن يأتي إلى جبل الطور حيث كانت بعثته، فترك قومه بقيادة أخيه هارون وأسرع للقاء ربّ العالمين، فصام (30) يومًا ثم أفطر فلما سأله المولى عن ذلك فأخبره أنه لا يريد أن يكون لفهمه رائحة عند اللقاء، فأمره الله أنْ يتمّ صيامه بـ (10) أيام فخلوف فم الصائم عند الله أطيب من المسك {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً}.
فلما أتمّ موسى عليه السلام (40) يومًا كلّمه الله تعالى، فطمع عليه السلام أنْ يرى المولى سبحانه، فأخبره أنّه لن يستطيع أنْ يتحمل شيء من الرؤية، وليبين له تجلّى لجبل أمامه فاهتزّ وتفتت الجبل أمام عينيه، فسقط موسى عليه السلام مغشيًّا عليه،
ولما استيقظ سبّح الله وعظّمه { وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ}.
عندها أعطاه الله التوراة شريعة لقومه مكتوبة في ألواح {كَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ}.
قاد هارون عليه السلام بني إسرائيل أثناء غياب موسى عليه السلام، فلما تأخر عن العودة بعد (30) يومًا اضطربوا وسألوا هارون فأخبرهم لعّلهم ارتكبوا معصية، فتذكروا أنّ نساءهم كنّ يستعرن الذهب من المصريات أثناء المناسبات وبقي هذا الذهب معهم عندما هاجروا، فجمعوا هذا الذهب ودفنوه فجاء رجل يدعى “السامري” فاستخرج الذهب وصنع منه عجلًا،
ثم أخذ قبضة من تراب خيل جبريل عليه السلام لم أخذ موسى فرماها على العجل فصار يصدر صوتًا، فلما رآه بنو إسرائيل أخبرهم أنّ هذا هو إلههم الذي ذهب موسى ليراه، فصدّقوه وجعلوا يعبدون العجل، وجعل هارون ينهاهم عن هذا الانحراف والضلال لكنهم لم يستجيبوا له، ثم فكّر أنْ يخرج بهم ويلحق بموسى لكنه خشي أن ينقسم بنو إسرائيل بينه وبين السامري، فقرر أنْ ينتظر موسى مكانه.
وفي نهاية لقاء موسى برب العالمين أخبره بعبادة قومه العجل، فرجع إليهم مسرعًا وهو غضبان ووضع ألواح التوراة جانبا وبدأ التحقيق في مسألة عبادة العجل:
بعد أن انتهى موسى من العجل وهدأ الغضب عنه، أخذ ألواح التوراة ودعا قومه إلى العهد والإيمان بما فيها، فرفض بنو إسرائيل، فحذّرهم موسى عليه السلام فسمعوا وعصوا، عندها اهتزّ جبل الطور ثم ارتفع في السماء وصار فوقهم، ولما رأوا الهلاك قالوا سمعنا وأطعنا {وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
ثم اختار موسى (70) رجلًا من قومه لم يعبدوا العجل للقاء الله والاعتذار منه، فلما وصلوا جبل الطور اهتزّ بهم فجعل موسى يدعو الله طالبًا المغفرة حتى سكن الجبل {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ}.
ثم جاءت غمامة غطّت المكان، وجعل موسى يكلم ربه وهم يسمعون، فلما فرغ أخبروه أنهم لن يؤمنوا ويطيعوا حتى يروا الله جهرة، فنزل غضب الله بهم وبصاعقة قتلوا جميعًا، ثم دعا موسى الله تعالى وتضّرع فهؤلاء خيار بنو إسرائيل، فأحياهم الله جميعًا {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ (56) ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.
أمر الله موسى عليه السلام أنْ يسير ببني إسرائيل إلى بيت المقدس، وهناك كان يعيش في القدس قوم عماليق فرفض بنو إسرائيل الاستجابة لموسى عليه السلام ودخول بيت المقدس طالما هؤلاء الناس فيها،
حاول معهم فرفضوا وأصروا وقالوا اذهب أنت ورب فقاتلا {يا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ (22) قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (23) قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (24) قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (25) قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ}.
هنا دعا عليم موسى عليه السلام، فحرّم الله عليهم دخولها (40) سنة، وكتب عليهم الشتات في الأرض يسيرون بلا مأوى {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ}.
في سنوات التيه الأربعين أرسل الله لهم المعجزات التي تعينهم على حياتهم هذه:
في وقت التيه مات الجيل الذي عبد العجل، ومات هارون عليه السلام، وحصلت قصة لقاء موسى بالخضر، وقصة البقرة، وفي نهايته مات موسى عليه السلام، وطلب قبل موته من الله أن يكون دفنه أقرب ما يكون إلى بيت المقدس، يقول النبي ﷺ: «دفن عند الكثيب الأحمر -على الطريق إلى القدس- فلو كنتُ ثَمَّ لأريتُكُم قبرَهُ».
وفي الختام: لا تنس مشاركة هذه المقالة مع الأصدقاء.
كما يمكنك الاستفادة والاطلاع على المزيد من المقالات
آدم عليه السلام و نوح عليه السلام و إبراهيم عليه السلام
أبو بكر الصديق أول الخلفاء الراشدين و سيرة عمر بن الخطاب
و سيرة عثمان بن عفان و سيرة علي بن ابي طالب
هو موسى بن عمران بن قاهث بن عازر بن لاوي بن (يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام).
رأى فرعون في منامه: (أنّ نارًا خرجت من بيت المقدس فدخلت بيوت مصر فأحرقتها، ولم تحرق ديار بني إسرائيل)، فجمع الكهنة والسّحرة فأخبروه أنّ الأمر خطير، وأنّ لديهم علم عنْ أحبار بني إسرائيل: (أنّه سيخرج واحد منهم يكون على يديه هلاك فراعة مصر).
عندها أصدر فرعون الأوامر بقتل مواليد بني إسرائيل الذكور،
"أسيا بنت مزاحم" فكانت مؤمنة موحّدة، أراد فرعون الزواج منها فتعللّ أبوها بصغر سنّها لكن فرعون أصرّ وتوعده، فوافقت مُكرهة وعاشت مبغضة له، يقول عنها رسول الله ﷺ أنها ممن كمل من النساء وأنها خير نساء العالمين: (مريم بنت عمران، خديجة بنت خويلد، فاطمة بنت محمد ﷺ، وآسيا بنت مزاحم زوجة فرعون).
اءها إلهام من الله تعالى أنْ ترضعه فإن شعرت بالخطر يقترب وضعته في تابوت خشبي في النهر
وصل إلى قصر فرعون، فالتقطته الجواري وأعطينه لزوجة فرعون آسيا التي أحبّته أيّما حُبّ
أراد فرعون قتل موسى لعلمه أنه من بني إسرائيل، ولكن زوجته آسيا ترجته وألحّت عليه فقد كانت لا تنجب، فتركه لها كارهًا له ، وقال فرعون قرّة عينك لك وليس لي، ولو قال قرّة عين لي لما هلك.
بدأ الطفل يبكي طالبًا الرضاعة فكان يرفض جميع المرضعات،
هنا تقدّمت أخته وأخبرتهم عن معرفتها بمرضعة صالحة: وهكذا أعاد الله موسى عليه السلام إلى أمّه فسكن فؤادها
وجد رجلين يتشاجران، أحدهما مؤمن من بني إسرائيل والآخر كافر من المصريين، فطلب رجل بني إسرائيل النجدة من موسى عليه السلام فأراد فضّ النزاع فدفع المصري ولكنه مات من هذه الدفعة البسيطة. في صباح اليوم التالي، وإذ بذات الرجل الإسرائيلي داخل في صراع مع مصري آخر، فغضب منه لمشاجراته ولمّا أراد أن يتدخل ليفضّ النزاع قال له المصري: هل تريد أن تقتلني كما قتلت رجلًا البارحة؟
فعلم موسى عليه السلام أنّ الخبر قد انتشر.
أصدر فرعون الأمر بقتل موسى، فجاءه رجل محبّ له في القصر مسرعًا يحذّره مما دبّر له ونصحه بالخروج من مصر
وصل قرية "مدين"، شاهد امرأتين تبعدان غنمهما عن الماء فتعجّب وسألهما عن ذلك، فأخبرتاه أنهما لا تزاحمان الرجال لحيائهما وليس عندهما سوا أبيهما الكبير في السنّ،
فتطوّع موسى وسقا لهم، فإذا بواحدة من المرأتين تأتيه وسمتها الحياء وأخبرته أنّ أباها يريد إعطائه أجرًا لسقيه الماء، فعرض شعيب على موسى عليهما السلام أنْ يعمل عنده، ولكنه ليس لديه أموال يعطيها له لذلك سيزوّجه إحدى ابنتيه ويكون مهرها أجرة عمل (8) سنوات وإنْ أحبّ موسى أتمها إلى (10) سنوات،
بعد أنْ قضى موسى عليه السلام ما عليه اشتاق لأهله، فأخذ زوجته وانطلق قاصدًا مصر وفي الطريق تاه وضاع وكان البرد شديد، ثم رأى من بعيد نارًا، فترك أهله يقصدها عساه يأتي لهم بالدفء، أو يجد عندها من يرشده إلى الطريق، وصل إلى النار وإذ بها في أصل شجرة فتعجّب من ذلك، فلمّا اقترب منها جاءه النداء العظيم نداء مباشر جليل من ربّ العالمين، في جبل الطور والشاطئ الأيمن في بقعة مباركة، اختار الله سبحانه وتعالى موسى عليه السلام رسولًا،
فأمر أن يلقي عصاه فما إن فعل حتى تحولت إلى حيّة عظيمة فهرب موسى فزعًا، ثم دعاه المولى فأمسك بذلها فعادت عصى كما كانت، ثم أمره أن يدخل يده من الثياب تحت إبطه فلما أخرجها صارت بيضاء دون مرض،
بسم الله ماشاء الله تبارك الرحمن
جزاكم الله خيرا الجزاء ورزقكم الله الفردوس الاعلى من الجنة