فن التأليف وإعداد المادة التدريبية
الكتابة من أشرف المهن وهي ليست عشوائية أو اجتهادية ولكنها مدروسة ومنتظمة تسير وفق قواعد ومناهج منضبطة غفل عنها كثير من المختصين، فما هو سر هذه المهنة؟
اقرأ المزيد
الربا داء عضال ينخر في أعماق الاقتصادات حول العالم، وآثاره تلقي بظلالها السلبية على النمو الاقتصادي والاستقرار المالي، فعندما ينتشر الربا في الاقتصاد يحدث التشوه عندما يجد الأفراد والشركات أنفسهم مغرورين بوعود الفائدة السريعة والمضمونة، مما يجعلهم يتجاهلون الاستثمارات الحقيقية والمشاريع الإنتاجية، قال تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة:275]، هذا التحول يؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي وتدهور القطاعات الاقتصادية الحقيقية كالصناعة والزراعة والخدمات.
ليس هناك أثر سلبي فقط على النمو الاقتصادي، بل يمتد تأثير الربا إلى التوزيع غير العادل للثروة، فالثروة تتراكم في أيدي الأثرياء، بينما يزداد الفقراء فقراً، ولا يتوقف تأثير الربا عند هذا الحد، بل يستنزف الفقراء والمحتاجين، حيث يُجبرون على الاقتراض بفوائد مُرتفعة لتلبية احتياجاتهم الأساسية.
إنَّ آثار الربا على الاقتصاد أكثر من مجرد مسألة مالية، فهي تهدد النمو الاقتصادي وتزيد من الفقر وعدم المساواة وتنذر بتفكك المجتمعات، لذلك أعلن الله الحرب على هذا الداء {فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة:279]، واستحقّ جميع من اشترك في هذه الجريمة كونهم ملعونين مطرودين من الرحمة كما جاء في الحديث: (لعن رسول الله ﷺ آكل الربا، وموكلهُ، وكاتبهُ، وشاهديه).
واليوم لا بدَّ من التكاتف والعمل على إيجاد حلَّ يتطلب:
إنّ دراسة تأثير الربا على الاقتصاد الوطني يعتبر موضوعًا مهماً يشغل الباحثين والمهتمين بالشأن الاقتصادي، فتأثير الربا يمتد على العديد من الجوانب الاقتصادية، بدءاً من زيادة الديون الحكومية وصولاً إلى تأثيره في تخريب التنافسية الاقتصادية.
إنَّ زيادة الديون الحكومية هي نتيجة مباشرة للربا، حيث يتراكم الدين مع مرور الوقت بسبب فوائد الربا المستحقة، وتزيد الديون الحكومية عبئاً على الموازنة الوطنية، وتقلل من القدرة على تخصيص الموارد للمشروعات التنموية، بالإضافة إلى ذلك، تؤثر زيادة الديون الحكومية سلبًا على ثقة المستثمرين وقدرتهم على الاستثمار في الاقتصاد الوطني.
إنَّ تأثير الربا على النمو الاقتصادي يمكن أن يكون مدمراً، حيث يؤدي زيادة تكاليف الاقتراض إلى انخفاض الاستثمار والإنتاجية، يُعَدّ الربا عبئًا إضافيًا على المقترضين، سواء كانوا أفرادًا أو شركات، مما يقلل من قدرتهم على الاستثمار وتوسيع أعمالهم. وبالتالي، يعمل الربا كعائق أمام تحقيق النمو الاقتصادي المستدام.
الربا يعزز التراكم والتركيز المالي في أيدي الأثرياء، فعندما يتم تحصيل فوائد مالية عالية على القروض والاستثمارات، يزيد ثروة الأشخاص الذين بالفعل لديهم موارد مالية كبيرة، وبالتالي يتم تركيز الثروة في أيدي القلة القليلة، مما يزيد من الفجوة بين الأثرياء والفقراء.
يؤدي الربا أيضًا إلى تفاقم الفوارق الاقتصادية بين الأفراد والمجتمعات، فعندما يتم تحميل الفقراء والمحرومين فوائد ربوية عالية، بسبب الدوران الدائم للديون فيضطر الأفراد ذوو الدخل المحدود إلى الاقتراض بفوائد عالية لتلبية احتياجاتهم الأساسية، ثم إنهم يجدون أنفسهم في حلقة مفرغة، حيث يجب عليهم سداد الديون ودفع الفوائد، ويتعرضون إلى الاستغلال المالي، وتزداد الفجوة بين الأثرياء والفقراء، وبالتالي، تزداد التوترات الاجتماعية وتقل الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في البلاد.
تؤثر آلية الربا أيضًا على تضخم الأصول وتكوين فقاعات اقتصادية؛ فعندما يتاح التمويل بأسعار فائدة منخفضة، يتزايد الطلب على الاستثمار في الأصول مثل: العقارات والأسهم، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعارها بشكل غير مستدام، ثم ينهار هذا النظام المضطرب، ويتسبب في أزمات اقتصادية تؤثر على الاقتصاد الوطني بأكمله.
كما يقلل الربا من الاستثمارات الإنتاجية في المجتمع، عندما يكون هناك تركيز على تحقيق الربح السريع والفوائد السريعة على حساب الاستثمارات الطويلة الأمد والمشاريع الإنتاجية، فيتم تحويل الموارد المالية بشكل أكبر نحو الاستثمارات غير الإنتاجية والمضاربات المالية، مما يقلل من النمو الاقتصادي الحقيقي ويعوق تنمية القطاعات الحقيقية.
اقرأ أيضاً : الفرق بين الربا والفائدة ” دليل محدث “
تأثير الربا على الاستثمار والابتكار يكون سلبيًا، حيث يقلل من قدرة الأفراد والشركات على الاستثمار وتمويل المشاريع الجديدة، ويعتبر الربا عائقًا للتنمية الاقتصادية والابتكار التكنولوجي.
تحفيز الاستثمار القصير الأجل يعتبر تأثيرًا سلبيًا للربا، حيث يشجع على:
تأثير الربا على التنافسية الاقتصادية سلبي أيضًا، فعندما:
اقرأ أيضاً : التخلف الاقتصادي: مظاهره واسبابه
هناك من يقول اليوم في موضوع فوائد البنوك : إنّ الحكمة في تحريم الربا والتي هدفها منع ظلم الدائن للمدين أو المقرض للمقترض واستغلال حاجته بفرض الزيادة الربوية عليه لم تعد قائمة اليوم، فالبنك الحديث الذي يعطيه الناس أموالهم ليستثمروها، يستغل هذه الأموال في التجارة والصناعة وغيرها من ألوان الاستثمار، وذلك بعد دراسة الجدوى والاحتمالات حتى لا يتعرض للخسارة، فإن خسرت صفقة عوضتها صفقات أخرى رابحة، ولو خسرت كلها عوضها البنك المركزي.
أجاب على هذا السؤال شيخنا العلاّمة يوسف القرضاوي رحمه الله فقال ما خلاصته:
بداية: “الأصل المطرد أن نبني الأحكام الشرعية على العلة لا على الحكمة؛ وهب أننا بنينا الحكم على الحكمة لا على العلة، فيجب أن تكون الحكمة جامعة مانعة، تستوعب كل الصور ولا تقصر عن بعضها، وحصر الحكمة في استغلال المقرض الغني للمقترض الفقير الذي يأخذ القرض لحاجته وقوته وقوت عياله حصر غير صحيح”.
إن الحكمة في تحريم الربا هي: “المال لا يلد المال بذاته، والنقود لا تلد نقوداً، وإنما ينمو المال بالعمل وبذل الجهد”.
والإسلام لا يحرم على الناس أن يملكوا المال، ويستكثروا منه، ما دام يُؤخذ من حلِّه، ويُنفق في حقه، وبهذا شرّع الإسلام تعاون رأس المال والعمل لمصلحة الطرفين ومصلحة المجتمع أيضاً، ومقتضى هذه المشاركة أنْ يتحمل الطرفان النتيجة، أياً كانت، ربحاً أو خسارة، فإن كان الربح كثيراً، كان بينهما على ما اتفقا عليه، وإن قل الربح قل نصيبهما معاً بنفس النسبة، وإن كانت الخسارة أصابت كلا منهما: رب المال في ماله، والعامل في جهده وتعبه، هذا هو العدل الكامل: الغرم بالغنم، والخراج بالضمان.
إنَّ الحكمة الواضحة في تحريم الربا هي “تحقيق الاشتراك العادل بين المال والعمل”، وتحمل المخاطرة ونتائجها بشجاعة ومسؤولية، وهذا هو عدل الإسلام: فلم يتحيز إلى العمل ضد رأس المال، ولا إلى رأس المال ضد العمل، فهو يمثّل عدل الله الذي لا ينحاز إلى فريق ضد آخر.
اقرأ أيضاً : التخطيط الاستراتيجي الشخصي وللموارد البشرية
إن الربا يترك أثرًا سلبيًا على الاقتصاد الوطني من خلال زيادة الديون الحكومية، تأثيره على النمو الاقتصادي، توزيع الثروة، الفوارق الاقتصادية، تضخم الأصول والاستثمار والابتكار، وضرب التنافسية الاقتصادية.
بشكل تلقائي فإن الربا يجعل عملية التحكم بحجم النقد أمراً غير قابل للتحقق.
في الإسلام: المال مال الله والناس مستخلفون فيه، وألا تكون الأموال دولة بين الأغنياء هدف رئيسي، ويحرم الإسلام كنز المال وعدم إنفاقه على الفقراء والمحتاجين، ويكره طغيان الغني، ويدعو إلى العمل، وتوفير العمل لكل قادر، كما أنّ أفضل الكسب كسب الرجل من يده، وإن الله يحب العبد المحترف ويكره العبد البطال، والربا هو داء المال العضال الذي يهدم كل ما سبق.