عثمان بن سليمان شاه التركماني المعروف بعثمان الأول يرجع نسبه إلى التركمان النزالة الرحالة من طائفة التتار.
مولده ونشأته
سنة (656هـ= 1258م) شهدت غزو المغول بقيادة هولاكو لبغداد وسقوط الخلافة العباسية، لكنها السنة التي ولد فيها مؤسس آخر الامبراطوريات الإسلامية “عثمان غازي”.
كان سبب ظهور أسرته على الساحة وصعودهم للملك أن السلاجقة لما تركوا وطنهم من فتنة جنكيز خان ملك التتار، ومالوا إلى جانب بلاد الروم جاء معهم أرطغرل، وكان رجلا شجاعاً، وبصحبته نحو (340) رجلاً من بني جنسه، فعمل في خدمة السلطان “علاء الدين كيقباد بن كيخسرو بن قلج أرسلان بن طغرل السلجوقي” -سلطان بلاد قرمان- فأعجب به لشجاعته، وقربه إليه، ثم زاد في عطائه ومِنَحه بعد أن فتحت على يديه كثير من البلاد.
أمضى أرطغرل باقي عمره في الجهاد والرباط؛ حتى سمي في المصادر التاريخية بـ “غازي الثغور” وبعد وفاته سنة (697) تقريبا كتب السلطان علاء الدين لابنه عثمان بالإمارة من بعده، وأرسل إليه خلعة وسيفا كعادته عند تثبيت الأمراء.
وكان عثمان خير خلف لأبيه، إذ قاد قبيلته وواصل بها غزواته حتى فتح الله له قلعة “قره” سنة 688 هجرية الموافقة سنة 1289 ميلادية، وبعدها منحه السلطان “علاء الدين” لقب بك، وأقطعه جميع الأراضي التي فتحها، وأجاز له ضرب العملة باسمه، وأن يذكر اسمه في خطبة الجمعة، وبذلك صارعثمان ملكاً بالفعل لا ينقصه إلا اللقب.
اسرة عثمان بن ارطغرل
زوجة عثمان بن ارطغرل
يعتبر بعض المُؤرخين أنَّ وُجود اسمين مُختلفين لامرأتين مفاده أنَّ عُثمان كان مُتزوجًا باثنتين على الأقل وهما:
“مال خاتون”، بنت شيخه “آدة بالي”، وقد أنجبت له “أورخان”
“رابعة بالا خاتون”، وهي والدة ابنه “علاء الدين باشا”.
ولكن عدداً كبيراً من المؤرخين ذهبوا إلى تأكيد حقيقة أن لعثمان الأول زوجة واحدة فقط تحت أسماء متنوعة.
ابناء عثمان بن ارطغرل بالترتيب
كان لعثمان (8) من الأبناء، (7) ذكور وبنت واحدة وهم:
أورخان بك
حميد بك
باظارلي بك
علاء الدين باشا
مالك بك
جوبان بك
صاووجي بك
وابنته فاطمة خاتون
شخصية عثمان بن ارطغرل
لقد كانت شخصية عثمان مُتَّزنة وخلَّابة؛ نظراً لإيمانه العظيم بالله واليوم الآخر؛ فلم تَطْغَ قوَّتُه على عدالته، ولا سلطانُه على رحمته، ولا غناه على تواضعه، وأصبح مستحقًّا لتأييد الله وعونه؛ ولذلك أكرمه الله بالأخذ بأسباب التمكين والغلبة، فجعل له القدرة على التصرُّف في آسيا الصغرى؛ وذلك من حيث التدبير والرأي وكثرة الجنود والهيبة والوقار، لقد كانت رعاية الله له عظيمة؛ ولذلك فتح له باب التوفيق، وحقَّق ما تطلع إليه من أهداف وغاية سامية.
جوانب من شخصيته:
الشجاعة
عام (700هـ= 1301م) تم تشكيل حلف صليبي لمحاربة عثمان، واستجابت النصارى لهذا النداء وتحالفوا –فانبرى لهم عثمان بجنوده، وخاض الحروب بنفسه، فشتَّت الجيوش الصليبية، وأصبحت شجاعته مضرب المثل.
الحكمة
وتتجلى في وقوفه مع السلطان علاء الدين ضدَّ النصارى، ومساعدته في افتتاح جملةٍ من مدن منيعة، وعدَّة قلاع حصينة؛ فنال رتبة الإمارة من السلطان السلجوقي علاء الدين، وسمح له بِسَكِّ العملة باسمه، مع الدعاء له في خطبة الجمعة في المناطق التي تحت يده.
الإخلاص
عندما لمس سكان الأرضي القريبة من إمارة عثمان إخلاصه للدين؛ تحرَّكوا لمساندته والوقوف معه؛ وذلك لتوطيد دعائم دولة إسلامية تقف سدًّا منيعًا أمام الدول المعادية للإسلام والمسلمين.
الصبر
تجلت هذه الصفة عندما شرع في فتح الحصون والبلدان؛ ففي سنة (707هـ – 1308م) فتح (حصن كته، وحصن لفكة، وحصن آق حصار، وحصن قوج حصار)، وفي سنة (712هـ= 1312م) فتح (حصن كبوه وحصن يكيجه طرا قلوا، وحصن تكرر بيكاري.. وغيرها من الحصون)، وقد توَّج فتوحاته هذه بفتح مدينة “بورصة” في عام (717هـ= 1317م)؛ وذلك بعد حصار صعب وشديد دام عدَّة سنوات، كان من أصعب ما واجهه عثمان في فتوحاته.
الجاذبية الإيمانية
وتظهر هذه الصفة عندما احتكَّ به “أقرينوس” قائد بورصة فاعتنق الإسلام، وأعطاه السلطان عثمان لقب (بك)، وأصبح من قادة الدولة العثمانية البارزين فيما بعدُ، وقد تأثَّر كثيرٌ من القادة البيزنطيين بشخصية عثمان ومنهجه، الذي سار عليه حتى امتلأت صفوف العثمانيين منهم؛ بل إن كثيرًا من الجماعات الإسلامية انخرطت تحت لواء الدولة العثمانية؛ كجماعة “غزياروم” (أي غزاة الروم)، وجماعة “الإخيان” (أي الإخوان)؛ وهم جماعة من أهل الخير، وجماعة “حاجيات روم” (أي حجاج أرض الروم)؛ وكانت جماعة على فقهٍ بالإسلام ومعرفة دقيقة بتشريعاته، وكان هدفها معاونة المسلمين عمومًا والمجاهدين خصوصًا وغير ذلك من الجماعات.
العدل
تروي معظم المراجع التركية التي أرَّخت للعثمانيين أن أرطغرل عهد إلى ابنه عثمان مُؤَسِّس الدولة العثمانية بولاية القضاء في مدينة قرة جه حصار؛ وذلك بعد الاستيلاء عليها من البيزنطيين في عام (684هـ= 1285م)، وأنَّ عثمانَ حَكَمَ لبيزنطيٍّ نصرانيٍّ ضدَّ مسلمٍ تركيٍّ، فاستغرب البيزنطيُّ؛ وسأل عثمان: «كيف تحكم لصالحي وأنا على غير دينك؟!» فأجابه عثمان: «بل كيف لا أحكم لصالحك، والله الذي نعبده، يقول لنا: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: 58]». فاهتدى الرجل وقومه إلى الإسلام، لقد استخدم عثمان العدل مع رعيَّتِه وفي البلاد التي فتحها، فلم يُعامل القوم المغلوبين بالظلم أو الجوار، أو التعسُّف أو التجبر، أو الطغيان أو البطش.
الوفاء
كان شديد الاهتمام بالوفاء بالعهود، فعندما اشترط أميرُ قلعة أولوباد البيزنطية -حين استسلم للجيش العثماني- ألا يمرَّ من فوق الجسر أيُّ عثمانيٍّ مسلم إلى داخل القلعة، التزم بذلك، وكذلك مَنْ جاء بعده.
التجرد لله في كل أعماله وفتوحاته
فلم تكن أعماله وفتوحاته من أجل مصالح اقتصادية أو عسكرية أو غير ذلك، بل كانت فرصة لتبليغ دعوة الله ونشر دينه؛ ولذلك وصفه المؤرِّخ أحمد رفيق في موسوعته المطبوعة باللغة التركية (التاريخ العام الكبير) بقوله: «كان عثمان متدينًا للغاية، وكان يعلم أن نشر الإسلام وتعميمه واجب مقدس، وكان مالكًا لفكر سياسي واسع متين، ولم يُؤَسِّس عثمان دولته حبًّا في السلطة؛ وإنما حبًّا في نشر الإسلام».
محاربين عثمان بن ارطغرل
الغازي “عبدُ الرحمٰن”
“آقچه خوجة”
“قُونور ألب”
“درغوث ألب”
“حسن ألب”
“صالتوق ألب”
“آيكود ألب”
“آق تيمور”
“قره مُرسل”
“قره تكين”
“صامصا چاويش”
و”الشيخ محمود”.
فتوحات عثمان بن ارطغرل
انتقال السلطة
فتح مدن “اينه كولي” و”يني شهر” و”كوبري حصار” و”بلجك” وغيرها.
عام 1300 م هاجم التتار مدينة قونية، وقتل أثناء تلك الهجمة علاء الدين وابنه غياث الدين، ولم يكن على الساحة من يخلفه غير عثمان لقدرته وكفاءته، فانفتح بذلك المجال أمامه، واستأثر بجميع الأراضي التي كان يستحوذ عليها علاء الدين من قبل، ولقب نفسه بادي شاه آل عثمان، وجعل مقر ملكه مدينة “يكى شهر” أي المدينة الجديدة، وأخذ في تحصينها وتحسينها.
واصل توسيع دائرة أملاكه، وحاول فتح قلعتي “ازميد” و”ازنيك” ولما لم يتمكن من فتحهما عاد إلى عاصمته.
اشتغل فترة بتنظيم أمور بلاده، حتى إذا أمن اضطرابها تجهز مرة أخرى للقتال، وأرسل إلى جميع أمراء الروم غير المسلمين ببلاد آسيا الصغرى يخيرهم بين ثلاثة أمور، الإسلام أو الجزية أو الحرب، فأسلم بعضهم وانضم إليه، وقبل بعضهم بدفع الجزية له..
وحاول الباقون أن يستعينوا عليه بالتتار، فهيأ لمحاربتهم جيشا جرارا تحت إمرة ابنه أورخان، فسار إليهم هذا الشبل، ومعه عدد ليس بقليل من أمراء الروم، ومن ضمنهم “كوسه ميخائيل” صديق عثمان الذي اختار الإسلام دينا..
فتح بورصة
استطاع أورخان بمن معه أن يشتت شمل جموع التتار التي حشدت له، وقد شجعه هذا النصر السريع على المبادرة بفتح مدينة “بورصة” فقصدها سنة 717 هـ الموافقة سنة 1317م، وحاصرها نحو عشر سنوات حتى استسلمت له من غير ما حرب ولا قتال، وذلك بعد أن فتح كل ما حولها من القلاع والحصون، ولم يتعرض لأهلها بسوء.
ولما رأى حاكمها “افرينوس” حسن المعاملة ونبل الخلق من الفاتحين الجدد أعلن إسلامه، فمنحه عثمان لقب بك، وصار من مشاهير قواد دولته الفتية.
ثم واصل أورخان بأمر أبيه التوغل بجيوشه في ممتلكات الإمبراطورية البيزنطية، وساعده على ذلك رغبته في الجهاد من جهة، ومن جهة أخرى أنه كان ملمّاً بالأوضاع العامة بها.
وكان توغله فيها من خلال البحرين: البحر الأسود وبحر مرمرة، ثم سعى إلى فصل أراضيها بعضها عن بعض، وقطع الصلة بين مناطقها ليضعف من مقاومتها، ويسهل عليه افتتاحها.
كانت سياسة عثمان في توغله داخل الدولة البيزنطية قائمة على: مواجهة كل إقليم على حدة، واتباع أسلوب الحصار طويل المدى، ثم إقامة الحاميات العسكرية في المناطق التي يتم فتحها ليضمن عدم تمردها عليه، ثم نشر الإسلام بين أفرادها، فضلا عن المعاملة الحسنة التي كان يعامل بها أهل كل منطقة بعد أن تسقط في يده..
فتح القلاع
كانت فتوحاته السريعة غالبا ما تلجئ أعداءه إلى التحالف ضده، فبعد حصار قواته لمدينة “كبري حصار” واستسلام حاكمها له، ثم تضييقه الخناق على قلعة “أزنيق” اتفق حاكم “بروسه” مع حكام “أطره نوس أوادربانوس” و”كستل وكته” على مهاجمة مدينة “يكي شهر” عاصمة ملكه الجديدة؛ ليقضوا على دولته قضاء مبرما، ولكن يقظته جعلته يستعد لغزوهم قبل أن يغزوه، وخرج إليهم بنفسه على رأس جيشه، والتقى بهم عند قلعة ” قيون حصار “ ولم يكتف بهزيمتهم، وإنما تتبع أثرهم حتى التقى بهم ثانية عند مكان يسمى “ديمبوز” وأوقع بهم هزيمة نكراء قتل فيها أمير مدينة “كستل” بينما فر أمير “أطره نوس” وأمير “بروسه” لينجوا من قتل محقق.
بعد هذا النصر المبين التفت عثمان إلى دولته، واستراح من الغزو قليلاً، فشيد قلعتين بالقرب من مدينة بروسه، جعل على إحداهما ابن أخيه آق تيمور أميراً، وعلى الأخرى أحد مماليكه.
استخلف أورخان ليرعى أمور دولته، ثم سار هو بنفسه قاصدا قلعة “لبلبنجي” ولفكه “جادرلق” فاستولى عليها بلا حرب، وأخضع بعد ذلك من “يكيجه حصار” و”آق حصار” و”تكفور بكاري” بلا حرب أيضاً، وضم الجميع لأملاكه..
ثم عاد سريعاً إلى عاصمته، وبعث ابنه أورخان وبعض قواده إلى قلعة “قره جيش” فحاصروها حتى استولوا عليها، وأسروا حاكمها، ثم تابعوا غزوهم ففتحوا الجهات المجاورة لها، واستولوا على مدينة “طوز بازاري” وقلعة “قره تكبه” كما فتحوا عدة جهات في أطراف “أزميد”، وختموا أعمالهم بفتح مدينة “أزنيق”.
وفاة عثمان بن ارطغرل
تُوُفِّيَ الغازي عثمان عام (726هـ= 1326م)، وقد عهد لابنه أورخان بالحُكم من بعده، وقد كانت حياة عثمان جهادًا ودعوةً في سبيل الله، وكان علماء الدين يُحيطون بالأمير، ويُشرفون على التخطيط الإداري والتنفيذ الشرعي في الإمارة.
مات رحمه الله بعد حياة عامرة بالغزو والجهاد، حيث قضى في السلطنة ما بين 26 و27 سنة
ولقد حفظ لنا التاريخ وصية عثمان لابنه أورخانوهو على فراش الموت، وكانت تلك الوصية دلالة حضارية ومنهجية شرعية سارت عليها الدولة العثمانية فيما بعدُ، يقول عثمان في وصيته:
يا بني؛ إيَّاك أن تشتغل بشيء لم يأمر به الله ربُّ العالمين، وإذا واجهتْكَ في الحُكْم معضلة فاتَّخذ من مشورة علماء الدين موئلاً..
يا بني؛ أحطْ مَنْ أطاعك بالإعزاز، وأَنْعِمْ على الجنود، ولا يغرَّك الشيطان بجندك وبمالك، وإيَّاك أن تبتعد عن أهل الشريعة!
يا بني؛ إنك تعلم أن غايتنا هي إرضاء الله ربِّ العالمين، وأنَّ بالجهاد يَعُمُّ نور ديننا كل الآفاق، فتَحْدُثُ مرضاة الله –عز وجل..
يا بني؛ لسنا من هؤلاء الذين يُقيمون الحروب لشهوة الحكم أو سيطرة أفراد؛ فنحن بالإسلام نحيا ونموت، وهذا يا ولدي ما أنت له أهل.
قبر عثمان بن ارطغرل
حسب وصيته، دفن عثمان في “سوغوت”، ثم بعد عامين ونصف، نقل رفاته إلى بورصة.
الأسئلة الشائعة
كم عدد زوجات عثمان بن ارطغرل؟
تعددت الروايات فمنهم من قال زوجة واحدة لها عدة ألقاب، ومنهم من قال زوجتين.
كيف كانت نهاية عثمان بن ارطغرل؟
قضى مرض النقرس على أوصاله التي تعودت حمل السلاح والقتال والفروسية والصبر على صعوبات التنسك والعباد
من هو مؤسس الدولة العثمانية الحقيقي؟
عثمان غازي بن أرطغرل رحمه الله تعالى
المصادر والمراجع
السلوك لمعرفة دول الملوك للمقريزي.
الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط، د علي محمد الصلابي.
التاريخ العثماني – المفاهيم الخاطئة والحقائق، أحمد أكغندوز، سعيد أوزتورك.
تاريخ سلاجقة الروم في آسيا الوسطى، محمد سهيل طقوش، 2020.