عمر بن الخطاب وفتح مصر
أعظم ما قام به أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بعد إقامة العدل الشامل في دولة…
اقرأ المزيد(وحق الإنجيل إن كان قد قدم أميرهم فقد دنا هلاككم؛ لأننا نجد في العلم الذي ورثناه، أن الذي يفتح الأرض بالطول والعرض، هو الرجل الأسمر، الطويل الأحور، المسمى بعمر، صاحب نبيهم، فإن كان قدم فلا سبيل لقتاله فسلموا له، ولا بد لي أن أشرف، فإن كان هو فاستسلموا له)، هذا وصف كبير أساقفة بيت المقدس في حق أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضوان الله عليه.
فكيف تم تحرير بيت المقدس؟ وما الذي دفع الروم لتسليم هذه المدينة المقدسة للمسلمين؟
لما انتهى أبو عبيدة بن الجراح من فتح دمشق، احتار إلى أين يتجه: (إلى قيسارية، أم إلى بيت المقدس)، فأبو عبيدة يعرف أهمية هذه المدن على حد سواء، والتي قاومت كل محاولات المسلمين في الفتح، فكتب إلى الخليفة عمر للحصول على التعليمات، فهو غير قادر على اتخاذ قرار بشأن هذه المسألة.
فجاءه أمر الخليفة لهم بفتح القدس، ففرح المسلمون، لأنهم كانوا ينتظرون الصلاة في المسجد الأقصى، وفقا لذلك، كتب أبو عبيدة إلى أهلها -أهل إيلياء- يدعوهم إلى الله وإلى الإسلام، أو يبذلون الجزْية، أو يؤذنون بحربٍ، فأَبوا أن يُجيبوا إلى ما دعاهم إليه، فركب إليهم في جنوده، وكان قد سيّر نحو القدس سبعة جيوش، على رأسهم: (يزيد، وخالد، وشرحبيل، ومعاوية).
كان “عمرو بن العاص” قد ضرب حصارًا شديدًا على المدينة المقدسة، وكان “أرطبون الروم” قد فرّ إلى بيت المقدس، فلما وصلت إليه الأخبار عن تجمع الجيوش الإسلامية لفتح المدينة المقدسة، أحس بالخوف الشديد، فهو لم ينس هزيمته المذلة أمام عمرو بن العاص في “معركة أجنادين”، وقد كان عمرو لوحده، فكيف إذا اجتمع عمرو بن العاص وأبو عبيدة وخالد بن الوليد؟!
ولمّا وصل أبو عبيدة مع جيش الشام أخذ المسلمون بالتكبير، فظن الروم أن أمير المسلمين قد وصل، فأخبروا كبير الأساقفة، فقال:
(وحق الإنجيل، إن كان قد قدم أميرهم فقد دنا هلاككم، لأننا نجد في العلم الذي ورثناه، أن الذي يفتح الأرض بالطول والعرض، هو الرجل الأسمر، الطويل الأحور، المسمى بعمر، صاحب نبيهم، فإن كان قدم فلا سبيل لقتاله فسلموا له، ولا بد لي أن اشرف، فإن كان هو فاستسلموا، وان كان غيره فقاتلوا فلن يفتحوها)،
فلما رأى أبا عبيدة عرف أنه ليس بفاتح القدس، وأعطى للجنود الأوامر بالقتال.
طال حصار القدس واستمر (4) أشهر، قطع فيها المسلمين على الروم كافة سبل النجاة وضيقوا عليهم، ولكن الروم لم يستسلموا، ثم بعد ضيق شديد أصابهم طلب كبير الأساقفة من المسلمين عبر الرسائل أن يصفوا له أميرهم، فلما وصفوه ووجد الروم أن وصفه مطابقًا للوصف الموجود في كتبهم المقدسة، عرف أن هزيمة الروم آتية لا محالة.
بعث أسقف القدس للمسلمين يتساءل عن سبب فتحهم للقدس، فأجابه أبا عبيدة بأنها بلاد الأنبياء ومسرى الرسول ﷺ، وأنهم لن يتركوها أبدًا إلى أن يملكهم الله إياها كما ملكهم غيرها، فسألهم عن مطلبهم؟،
فأجابوا: إحدى ثلاث: (إما الإسلام، أو الجزية والصلح، أو القتال)، فرضي الأسقف بالصلح، ولكنه قال لهم بأن لا يدخلها إلا عمر، فقال عمرو بن العاص: (أنا عمرو)، فقالوا: بل اسمه مكون من (3) حروف وليس (4).
فكتب أبو عبيدة كتابا إلى عمر، فاستشار عمر الناس في ذلك:
فهوي ما قال عليٌّ، وسار بالجيوش نحوهم، واستخلف على المدينة عليَّ بن أبي طالب، وخرج إلى الشام وعلى مقدمة الجيش: العباس بن عبد المطلب.
كتب عمر إلى أمراء الأجناد أن يُوافُوه بالجابية -منطقة في هضبة الجولان- ليومٍ سمَّاه لهم، ويستخلفوا على أعمالهم، فكان أول مَن لقيه يزيد بن أبي سفيان، وأبو عبيدة، ثم خالد بن الوليد، عليهم الحديد الذي غنموه من الروم، حديد مخلوط بالديباج والحرير، فنزل وأخذ الحجارة ورماهم بها،
وقال: (ما أسرع ما رجعتم عن رأيكم! إياي تستقبلون في هذا الزيِّ وإنما شبعتم مذ سنتينِ! وبالله لو فعلتُم هذا على رأس المائتين لاستبدلتُ بكم غيرَكم)، فقالوا: (يا أمير المؤمنين، إنّ علينا السلاح، وهؤلاء الروم لا يرهبهم إلا هذا اللباس، قال: نعم إذًا).
كان هذا اللقاء العظيم لهؤلاء القادة العظام بعد انقطاع زاد عن سنتين، منذ خرجوا فاتحين للبلاد، وأقاموا معسكرا في الجابية، وبينما هم يجتمعون، إذا بقطعة من الخيل تلمع سيوفهم قادمة باتجاه معسكر المسلمين، فهب الجند للاستعداد، فقال عمر: لا تراعوا إنهم مستأمنون، فإذا هم أهل القدس، قدموا إلى عمر ليفاوضوه على تسليم القدس، واتفقوا على المصالحة.
وجاءه رجل من يهود دمشْق فقال له: (السلام عليك يا فاروق، أنت صاحب إيلياء، لا والله لا ترجع حتى يفتح اللهُ إيلياء)، حتى اليهود يعلمون أن الذي يفتح بيت المقدس هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
فلما بلغ بيت المقدس خرج إليه أسقفها، وكتب عمر رضي الله عنه لهم الأمانَ، فسلم الأسقف مفاتيح القُدس لعمرَ بن الخطاب رضي الله عنه، وتَمَّ الفَتْحُ، ودخل عمر بيت المقدس من الباب الذي دخل منه رسول الله ﷺ ليلة الإسراء، وصَلَّى فيه مستقبلًا القبلة.
ثُمَّ بَكَى الأسقف فقال له عمر: (لا تحزن، هَوِّنْ عليك، فالدنيا دواليك، يومٌ لك ويومٌ عليك)، فقال الأسقف: (أظننتني على ضياع الملك بكيت، والله ما لهذا بكيت، وإنما بكيتُ لما أيقنت أن دولتكم على الدهر باقية، ترق ولا تنقطع، فدولةُ الظلم ساعة، ودولةُ العدلِ إلى قيام الساعة، وكنت حسبتها دولة فاتحين تمر ثم تنقرض مع السني).
ثم دعاه الأسقف لتفقد كنيسة القيامة، فلبى عمر دعوته، وأدركته الصلاة وهو فيها، فالتفت إلى الأسقف وقال له: (أين أصلي؟)، فقال: (مكانك صل) فقال: (ما كان لعمر أن يصلي في كنيسة فيأتي المسلمون من بعدي ويقولون هنا صلى عمر ويبنون عليه مسجدًا)، وابتعد عنها رمية حجر وفرش عباءته وصلى.
ثم عاد أمير المؤمنين وأضاف إلى “العهدة العمرية” بندا: عدم مساس المسلمين للموضع الذي صلى به عمر.
دخل أمير المؤمنين إلى القدس سنة (16 هـ)، دخلها صلحا لا حربا، لأن الإسلام دين يدعو إلى التسامح وحفظ الأرواح لا إزهاقها، ويدعو إلى نبذ الفتن، ومحاربة الظلم والجور على مر الأزمان.
خلال إقامته في القدس، أخذ أمير المؤمنين يتجول باحثا عن المسجد الأقصى، فلم يجده فسأل الأسقف عنه فقيل له: (أهو ذاك الذي كان يعظمه اليهود؟)
فقال: (نعم)، فدلّه عليه، فوجده وقد جعله النصارى مكب نفايات، فشمر عمر عن ساعديه، وبدأ ينظف ويكنس المسجد، فلما رآه المسلمون شرعوا جميعا في تنظيفه، ووضع عباءته وصلى عليها ركعتين، وأذن بلال في المسجد الأقصى، وكان لم يؤذن منذ وفاة النبيﷺ.
ثم أمر بعدها أمير المؤمنين ببناء المسجد، فبناه المسلمون من خشب يتسع لثلاثة آلاف مصلي، وبدأ المسلمون يتوافدون للصلاة فيه، قَام عمر بوضع حجر الأساس للصخرة التي صعد منها الرسول ﷺ مع المَلَك جبريل قبل أقل من (20)عاما في رحلة السماوات إلى الملأ الأعلى؛ والمعروفة باسم الإسراء والمعراج، وبُني “مسجد عمر” في نفس البقعة التي صلى فيها.
خرج أمير المؤمنين من المدينة المنورة مع غلام له على بعير واحد، وكانوا يتناوبون على ركوبه، كان بإمكانه أن يخرج وخلفه جيوش مجيشه، وفي موكب مهيب من الفرسان، لكنه أراد أن يترك رسالة إلى ملوك الأرض عن التواضع والعزة بالله وحده لا بغيره.
لما بلغ عمر جبل المكبر كبّر، وكبر الجند لتكبير عمر، فرحين بقدوم أمير المؤمنبن، وكان أهل ايلياء ينتظرون موكبًا مهيبًا لأمير المؤمنين، الذي قضى على وجود الروم في غالب بلاد الشام،
وأخذوا يسألون المسلمين أين عمر؟ فلم يعرفوه لأنه لما وصل القدس كان دور الغلام ليركب البعير، وأراد الغلام أن يقدم أمير المؤمنين عليه، لكنه أبى ودخل القدس ماشيًا يجر البعير،
فلما رآه أبو عبيدة لم يحتمل ذلك، فاستعجل إلى أمير المؤمنين وقال: (يا أمير المؤمنين قد صنعت اليوم صنعًا عظيمًا عند أهل الأرض، فهل لك أن …) فضربه عمر في صدره مؤنبًا،
وقال قولته التي تحمل كل معاني العزة، فقال: (أما لو قالها غيرك يا أبا عبيدة، لقد كنا قومًا أذلاء فأعزنا الله بالإسلام، وكنا ضعافًا فقوانا الله).
هال الروم ذاك المنظر من هيئته، وقال الأسقف لقومه: (إن أحداً في الدنيا لا يستطيع الوقوف في وجه هؤلاء القوم، فسلموا لهم تنجوا)، وبذل سلم الروم للمسلمين وكتب العهد بينهم،
وكانت “العهدة العمرية” والتي ما زالت موجودة ومحفوظة إلى اليوم في كنيسة القيامة، والتي أعطى فيها أمير المؤمنين للروم الأمان في القدس، وآمن عبادتهم وكنائسهم ومقدساتهم بأنها لا تهدم ولا تمس.
واشترط عليهم أن لا يسكن معهم بإيلياء أحدًا من اليهود، ومنع اليهود من دخول القدس وكان المنع بطلب من النصارى أنفسهم، ووافق أمير المؤمنين على ذلك، فكان ذلك شاهدًا على أخلاق المسلمين ورحمتهم، وها هي قد عرفت القدس أرحم فاتح لها، على خلاف الملوك ممن كانوا يغزون القدس فيهدموها كاملة ويقتلوا أهلها.
بيت المقدس، واحدة من أهم المدن في التاريخ الإسلامي، شهدت عدة فتوحات خلال العصور المختلفة:
هاتان هما الفتوحات الرئيسية لبيت المقدس التي سجلها التاريخ الإسلامي.
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل ايلياء من الأمان: أعطاهم أمانًا لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم، سقيمها وبريئها وسائر ملتها، أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقص منها ولا من حيزها، ولا من صلبهم، ولا من شيء من أموالهم ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم، ولا يسكن بايلياء معهم أحد من اليهود، وعلى أهل ايلياء أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن.
وعليهم أن يخرجوا منها الروم واللصوص: فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم، ومن أقام منهم فهو آمن وعليه مثل ما على أهل ايلياء من الجزية، ومن أحب من أهل ايلياء، أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلى بيعهم وصلبهم، فإنهم آمنون على أنفسهم حتى يبلغوا مأمنهم، ومن كان بها من أهل الأرض، فمن شاء منهم قعد، وعليه مثل ما على أهل ايلياء من الجزية، ومن شاء سار مع الروم، ومن شاء رجع إلى أهله، لا يؤخذ منهم شيء، حتى يحصد حصادهم.
وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين: إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية شهد على ذلك، كتب وحضر سنة 15 هـ، عمر بن الخطاب خالد بن الوليد – عبد الرحمن بن عوف – معاوية بن أبي سفيان.
وفي الختام: لا تنس مشاركة هذه المقالة مع الأصدقاء.
كما يمكنك الاستفادة والاطلاع على المزيد من المقالات
معارك المسلمين مع الروم و فتح القسطنطينية و تاريخ الأندلس
في زمن الفاروق عمر بن الخطاب سنة 16ه.
بعد حصار شديد للمدينة طلب كبير الأساقفة من المسلمين وصف أميرهم، فلما وجد الروم أن وصفه مطابقًا للوصف الموجود في كتبهم المقدسة، عرف أن هزيمة الروم آتية لا محالة. فرضي الأسقف بالصلح، ولكن لا يدخلها إلا عمر أولا.
هو كتاب الأمان الذي كتبه أمير المؤمنين لأهل القدس ونصه: بسم الله الرحمن الرحيم
هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل ايلياء من الأمان: أعطاهم أمانًا لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم، سقيمها وبريئها وسائر ملتها، أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقص منها ولا من حيزها، ولا من صلبهم، ولا من شيء من أموالهم ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم، ولا يسكن بايلياء معهم أحد من اليهود، وعلى أهل ايلياء أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن.
وعليهم أن يخرجوا منها الروم واللصوص: فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم، ومن أقام منهم فهو آمن وعليه مثل ما على أهل ايلياء من الجزية، ومن أحب من أهل ايلياء، أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلى بيعهم وصلبهم، فإنهم آمنون على أنفسهم حتى يبلغوا مأمنهم، ومن كان بها من أهل الأرض، فمن شاء منهم قعد، وعليه مثل ما على أهل ايلياء من الجزية، ومن شاء سار مع الروم، ومن شاء رجع إلى أهله، لا يؤخذ منهم شيء، حتى يحصد حصادهم.
خرج أمير المؤمنين من المدينة المنورة مع غلام له على بعير واحد، وكانوا يتناوبون على ركوبه، لما وصل القدس كان دور الغلام ليركب البعير، وأراد الغلام أن يقدم أمير المؤمنين عليه، لكنه أبى ودخل القدس ماشيًا يجر البعير،كان بإمكانه أن يخرج وخلفه جيوش مجيشه، وفي موكب مهيب من الفرسان، لكنه أراد أن يترك رسالة إلى ملوك الأرض عن التواضع والعزة بالله وحده لا بغيره.
بحث عنه عمر فلم يجد فلما سأل عنه قيل (أهو ذاك الذي كان يعظمه اليهود؟) فقال: (نعم)، فدلّه عليه، فوجده وقد جعله النصارى مكب نفايات، فشمر عمر عن ساعديه، وبدأ ينظف ويكنس المسجد، فلما رآه المسلمون شرعوا جميعا في تنظيفه، ووضع عباءته وصلى عليها ركعتين، وأذن بلال في المسجد الأقصى، وكان لم يؤذن منذ وفاة النبيﷺ.
قَام عمر بوضع حجر الأساس للصخرة التي صعد منها الرسول ﷺ مع المَلَك جبريل قبل أقل من (20)عاما في رحلة السماوات إلى الملأ الأعلى؛ والمعروفة باسم الإسراء والمعراج
عند دخول عمر بن الخطاب القدس في العام 16 هـ، تسلم مفاتيح المدينة بطريقة سلمية. كان دخوله مميزًا بالتواضع واحترام الأديان الأخرى.
تم تحرير القدس على يد القائد الإسلامي أبو عبيدة بن الجراح والجيوش الإسلامية، وتسلم الخليفة عمر بن الخطاب مفاتيح المدينة بعد ذلك.
لا توجد أقوال محددة موثقة لعمر بن الخطاب عن القدس خلال هذا الحدث. ومع ذلك، كان معروفًا بتقديره الكبير للمدينة كموقع مقدس في الإسلام والديانات الأبراهيمية الأخرى.
فتح بيت المقدس كان جزءًا من الفتوحات الإسلامية المبكرة. كان هدف الفتح توسيع الدولة الإسلامية ونشر الإسلام، وكذلك تأمين هذا الموقع المقدس للمسلمين
المصادر والمراجع