التخطيط الاستراتيجي الشخصي وللموارد البشرية
رحلة في رحاب التخطيط الاستراتيجي الشخصي وللموارد البشرية باستراتيجيات وخطوات ومراحل منهجية، يبحر فيها الدكتور…
اقرأ المزيدلقّبه السلطان سليم الأول بخير الدين باشا، وعرف لدى الأوروبيين بـ “بارباروسا” أي ذو اللحية الحمراء، هو أحد أكبر قادة الأساطيل العثمانية وأحد رموز الجهاد البحري، تولى منصب حاكم إيالة الجزائر، ثم عينه السلطان سليمان القانوني كقائد عام لجميع الأساطيل البحرية للخلافة العثمانية.
فما قصة هذه الأدميرال العثماني الذائع الصيت؟
ولد خضر أو ما بات يعرف بلقب خير الدين بربروس سنة 1478 للميلاد، في جزيرة لسبوس اليونانية أو ما تعرف باسم “مدللي” التابعة لولاية الأرخبيل إبان حكم الدولة العثمانية.
والده يعقوب بن يوسف: من بقايا الفاتحين المسلمين الأتراك الذين استقروا في جزيرة مدللي، ووالدته “كاتالينا”: سيدة مسلمة أندلسية.
له ثلاثة إخوة هم: (إسحاق، وعروج، وإلياس)، كان لأمهم الأثر على أولادها في تحويل نشاطهم شطر بلاد الأندلس التي كانت تئنّ في ذلك الوقت من بطش الأسبان والبرتغاليين.
نشأ الإخوة الأربعة في ميديلي نشأة إسلامية جادة، واختار أكبرهم وهو إسحاق طريق طلب العلم ودراسة القرآن الكريم والفقه، مع أن مصادر أخرى أشارت إلى أنه الأخ الأصغر إلياس.
وبحسب مذكرات خير الدين فإن أخاه “إسحاق” كان مقيمًا في قلعة ميديلي، فيما كان هو وعروج مولعين بركوب البحر، وعلى ذلك اقتنى عروج سفينة للتجارة بينما اتخذ خير الدين مركبًا ذا ثمانية عشر مقعدًا.
أخذ عروج وخير الدين يتنقلان ما بين “سلانيك” وجزيرة “أغريبوز” لجلب البضائع وبيعها في ميديلي، لكن طموح عروج كان أكبر من هذه المسافة القصيرة، فغادر ميديلي مع أخيه الأصغر إلياس إلى طرابلس.
” ما دام الموت هو نهاية كل حيّ، فليكن في سبيل الله “، لقد كانت هذه العبارة شعار القبطانين اللذين شغل تاريخهما الغزو والظفر ثم يصورهما الإعلام الغربي قرصانين وقاطعي طريق لتشويه التاريخ الإسلامي، وفي المقابل يشغل أذهان أجيال المسلمين ببطولات الأفلام المزيفة.
اتجه الأخوان عروج وخير الدين إلى الجهاد البحري منذ الصغر، ووجها نشاطهما في البداية إلى بحر الأرخبيل المحيط بمسقط رأسهما حوالي سنة 1510م، لكن شدة الصراع بين القوى المسيحية في بلاد الأندلس وفي شمالي أفريقيا بين المسلمين هناك، والذي اشتد ضراوة في مطلع القرن السادس عشر، قد استقطب الأخوين لينقلا نشاطهما إلى هذه المناطق، وبخاصة بعد أن تمكن الإسبان والبرتغاليون من الاستيلاء على العديد من المراكز والموانئ البحرية في شمالي أفريقيا.
أطلق اسم بربروس على عروج ابتداء ثم ورثه خضر (خير الدين)، و”باربا” تعني اللحية، و”روسا” تعني الشقراء أو الحمراء باللغة الإيطالية، وهو لقب أطلقه عليهما الإفرنج الذين أذهلتهم بطولاتهما.
هناك فرق جذري بين القرصنة القائمة على السلب والنهب ومجرد الأذى والقرصنة التي تدخل في الحرب البحرية الدفاعية، بهدف ضرب اقتصاديات العدو.
شهد العالم حقبة من تجارة الرقيق التي كانت تستهدف المسلمين في عهد الملك الإسباني شارل الخامس (شاركان) ووسيلته في ذلك فرسان مالطا، لذلك جاءت “القرصنة” الإسلامية كرد فعل على القرصنة الصليبية التي عاثت في البر والبحر فسادًا.
ويتفق المسلمون وحتى أعداؤهم على أن القرصنة الإسلامية كانت جهادًا في سبيل الله في البحر، وشهدت تطورًا مع نهاية القرن الخامس عشر. وانتعشت أكثر على سواحل شمال أفريقيا التي توفر الرسو والتموين والحماية بفضل صخورها العالية ومراسيها الكثيرة وخلجانها وطبيعتها الوعرة.
ذاع صيت الأخوين بربروسا، فاتفقت ممالك الصليبيين على القضاء عليهما، فأطلق التحالف الصليبي حملته على الأخوين بربروس الذين خرجا يقصدان “جنوى”، لكن الرياح أخذتهم إلى سواحل الجزائر، فرسوا أمام قلعة بجاية، والله إذا أراد أمرًا هيأ له أسبابه.
لم يعثر الأسطول الصليبي على الأخوين فتوجه إلى بجاية فوجدهما فيها، لكنهما أدركا بفراستهما أن القتال على الساحل فيه خطورة كبيرة، فقررا ركوب البحر بسرعة، ولما لاحظ ذلك الصليبيون ظنوه الفرار منهم، فطاردوهم إلى عمق البحر وهذا ما كان يريد الأخوان بربروسا، فالتفت سفنهم لترجع مصادمة للعدو مما فاجأ الصليبيين وتعجبوا من هذه المناورة، ثم اندلعت معركة كبيرة بينهم، انتصر فيها الأخوان بربروسا انتصارًا كبيرًا وغنما 4 من السفن من بينها سفينة القيادة وكان المفترض أن يعودا إلى تونس، بعدما فر من تبقى من أسطول الصليبيين واحتمى بقلعة بجاية.
لكن عروج أصر على مطاردة هذه السفن، فرجع إلى قلعة بجاية، التي كانت تزدحم بالجنود الإسبان، فهاجمها واندلعت معركة عنيفة كاد أن يستولي خلالها على القلعة لكنه ما لبث أن أصيب بقذيفة في ذراعه الأيسر فأسقطته بينما استشهد ستون من رفاقه وجرح الكثيرون، انتهز حينها الإسبان الفرصة وفتحوا أبواب القلعة للهجوم على عروج وجنوده.
حزن خير الدين كثيرًا على ما أصابهم وثار غضبًا لينطلق كالأسد مع 300 إلى 400 مقاتل، فأعملوا سيوفهم في الجنود الإسبان حتى قتلوا منهم 300 وأسروا 150 آخرين. في هذه الأثناء كان عروج قد فقد وعيه، فاستدرك خير الدين الجنود ورجع بالسفن، لكن هذه المرة رجع ومعه 14 سفينة بدل 4 سفن.
شن الأخوان هجومًا على سفن الصليبيين في البحر وحرروا الأسرى المسلمين، وكان هذا دأبهم في كل هجوم على سفن الصليبيين تحرير آلاف الأسرى المسلمين، ثم تقدموا لبجاية في نحو (2033) بحارًا و(10) سفن، ومئة وخمسين مدفعًا وآلاف الأسرى للتجديف.
اشتبك الأخوان بربروسا مع الجيش الإسباني المتحصن في القلعة، وقتل فيها الكثير من الإسبان، واستمر القتال (29) يومًا، وشارفت القلعة على الاستسلام لكن نقص المدافع منع من اختراقها.
أرسل الإسبان تعزيزات كبيرة، فانسحب الأخوان بربروسا إلى جيجل وتمركزوا يراقبون حركة التعزيزات، وكانوا قد دخلوها وسيطروا عليها مسبقًا كخطوة مهمة في استراتيجيتهم التوسعية.
أثناء رصدهم للتعزيزات المرسلة للجزائر، لاحت في الأفق (10) سفن كبيرة مشحونة بالأسلحة والمعدات العسكرية، وبدأ الهجوم على قوافل التعزيزات بصيحات التكبير والتهليل، وانطلقت معركة كبيرة، انتهت بانتصار الأخوين وغنيمة كل السفن، ولم يبق من جنود الصليبيين سوى (78) أسيرًا. فاستخدمهم الأخوان للتجديف.
قاد الأخوان السفن الإسبانية برايات صليبية نحو بجاية، فظن الجنود المتحصنون بقلعة بجاية أن المدد قد وصل، فرفعوا لهم القبعات تحية وفرحة. فما أن فتحت البوابات وهرع الإسبان لاستقبال المدد الزائف، حتى خرج البحارة بصيحات التكبير، فأصاب الإسبان الهلع، واضطربت صفوفهم فما لبثت أن فتحت القلعة وأضحى الإسبان يطالبون بالأمان.
بعد فتح القلعة جاء جميع قادة وشيوخ المنطقة من بجاية ونواحيها مبايعين لخير الدين وعروج فأصبحا ملكين على هذه البلاد، وفرح الأخوان بالنصر وشكرا الله أن أبدلهما عن ملك تونس بدولة جديدة لهما، وكانا قد لقيا فيها من البارود ما يسد حاجتهما لمزيد من الغزو.
عام 1516 شن الشقيقان هجوماً على مدينة الجزائر التي بسط عروج سيطرته عليها.
اعترف العثمانيون بهذه التطورات الجارية على الأرض في شمال إفريقيا وعرضوا الدعم المالي والسياسي على الأخوين الأمر الذي مكنهما من تعزيز مكاسبهما.
ثم عرضت الدولة العثمانية منصب حاكم الجزائر على عروج ومنصب أمير البحر في غرب المتوسط على خير الدين ولكن لم يكن اندماج الشقيقين تاما في الدولة العثمانية.
وفي عام 1518 لقي عروج حتفه في قتال الإسبان الذين استعادوا السيطرة على مدينة الجزائر، وفي ذلك الوقت تقدم خير الدين، الذي حمل لقب بربروس، لقتال الإسبان وطلب مساعدة العثمانيين ونجح في السيطرة مجددا على المدينة التي تحولت تدريجيا لأول دولة للقراصنة والتي تنامى استقلالها العسكري والسياسي بمرور الزمن عن الدولة العثمانية.
وكان العثمانيون قد استخدموا الجزائر في وقت لاحق كقاعدة عمليات متقدمة لهم في غرب البحر المتوسط، وفي ذلك الوقت ارتبط بربروس رسميا بالدولة العثمانية.
وفي عام 1522 استولى السلطان العثماني سليمان القانوني على جزيرة رودس، ونصب بربروس حاكماً عليها.
وبعد استيلاء بربروس وقواته على تونس عام 1531، جعله القانوني الأدميرال الأكبر (قبطان باشا) للدولة العثمانية، وصار يعمل رئيسا لأركان حرب البحرية العثمانية.
أعظم أعمال خير الدين بربروس بنظر الكثيرين كانت تلبية نداء الأندلسيين المسلمين لإنقاذهم من حملات الإبادة الإسبانية، حيث كان لبربروس موقف مشرف تجاه مسلمي الأندلس الذين كانوا يعانون من الاضطهاد والتميز العنصري في أقسى صوره على يد الكنيسة الكاثوليكية واتباعها إثر سقوط دولة الأندلس الإسلامية سنة 897 للهجرة الموافق لسنة 1492 للميلاد، حيث اعتمدت مبدأ التطهير العرقي للقضاء على المسلمين فيها:
فعمدت إلى قتلهم وتعذيبهم داخل معتقلات مظلمة تحت الأرض عرفت بمحاكم التفتيش، والتي بدورها بدأت بارتكاب الفظائع والجرائم التي لا تعد ولا تحصى بحق المسلمين، من قتل جماعي وتشريد واعتقال.
محاكم التفتيش أجبرت آلاف الأندلسيون على ترك الإسلام والدخول بالدين النصراني، كما أجبرتهم على حرق ما يملكونه من نسخ للقرآن الكريم والكتب الإسلامية والعربية بمختلف المجالات، والتي كانت تعتبر بمثابة كنزٍ لا يقدر بثمن يتفاخر به الأندلسيون،
في هذه الأثناء: كان عروج بربروس شقيق القائد خير الدين قد ذاع صيته في البحار وبدأت دولته الفتية التي اسسها في الجزائر تنمو وتتوسع بشكل ملحوظ، لاسيما بعد نجاحه بطرد الاسبان من السواحل التي احتلوها شمال إفريقيا كما نجح بضم مصر إلى دولته وبعث برسالة للسلطان العثماني سليم الأول يعلن فيها عن ولائه وطاعته لدولة الخلافة العثمانية.
استدعى الخليفة العثماني سليم الأول القائد عروج وأطلعه على رسائل الاستغاثة التي بعث بها مسلمو الأندلس من أقبية الكنائس المظلمة، فأوكل إليه سليم الأول مهمة هي في عرف الدنيا مهمة مستحيلة، وأعطاه التوجيه الإستراتيجي لهذه المهمة:
( انتهت المهة ! التوقيع: سليم الأول)
هل رأيت أو سمعت أو قرأت عن مهمة مستحيلة في تاريخ البشر أصعب من هذه المهمة؟!
الغريب أن القائد عروج قام بتنفيذ هذه المهمة بنجاح منقطع النظير! والأعجب من ذلك أنه قام وإخوته بتكرارها مرات ومرات، وتمّ نقل 70 ألف مسلم أندلسي في أسطول مؤلف من 36 سفينة، في سبع رحلات عام 1529، وتم تأمينهم في الجزائر وتوطّنوا فيها.
سيطرت قوة البحرية العثمانية في عهد السلطان سليمان على البحار التي تطل عليها، كان القائد خير الدين بربروس من أشهر قادة البحرية العثمانية، الذي كان يهاجم الشواطئ الإسبانية والسفن الصليبية في البحر المتوسط، قام سنة (935هـ) بسبع رحلات أنقذ فيها (70)ألف مسلم من محاكم التفتيش وذلك بعد سقوط الأندلس، ونقلهم الى المغرب العربي، ثم أوكل له السلطان سليمان قيادة الحملات البحرية في كل البحر المتوسط، وحاولت إسبانيا القضاء على أسطوله أكثر من مرة لكنها هزمت في جميعها، وأشد هزيمة كانت لها في معركة “بروزا“سنة (945هـ)،
وانضم أسطول “خير الدين بربروس” إلى الأسطول الفرنسي في حربهما ضد إيطاليا، كان هناك حلف عسكري بين العثمانيين وفرنسا ضد أي عدو مشترك، وساعد الفرنسيين في استعادة مدينة “نيس” من قبضة الإيطاليين سنة (950هـ)، فتنازلت فرنسا عن ميناء طولون الفرنسي للعثمانيين، وصار قاعدة حربية إسلامية للدولة العثمانية وصار مركزا لكل البحرية الإسلامية غرب المتوسط.
وفي عام 1522 استولى السلطان العثماني سليمان القانوني على جزيرة رودس ونصب بربروس حاكما عليها، وبعد استيلاء بربروس وقواته على تونس عام 1531 جعله القانوني الأدميرال الأكبر (قبطان باشا) للدولة العثمانية وصار يعمل رئيسا لأركان حرب البحرية العثمانية.
وها نحن ننتظر أمير للبحار ليظهر في زماننا ليتسلم راية الجهاد ويكون خلفًا لمن صدقوا وسبقوا ورحلوا، ليصدق الله فيما عاهده عليه كأميرنا امير البحار خير الدين بارباروس.
وفي الختام: لا تنس مشاركة هذه المقالة مع الأصدقاء
كما يمكنكم الاستفادة والاطلاع على المزيد من المقالات والقصص
عمر بن عبد العزيز والاصلاح من الداخل
علي عزت بيجوفيتش والولاء للفكرة
الدكتور عبدالرحمن السميط والدعوة بالاغاثة
قصة عمر المختار ونظام الملك وأسس الدولة الناجحة
و الدكتور عبدالرحمن السميط والدعوة بالإغاثة
ولد خضر أو ما بات يعرف بلقب خير الدين بربروس سنة 1478 للميلاد
في جزيرة لسبوس اليونانية أو ما تعرف باسم "مدللي" التابعة لولاية الأرخبيل
- فتح الجزائر وتأمينها من هجمات الإسبان.
- معركة بروزة البحرية التي انتصر فيها على الاسطول الأوروبي المؤلف من 600 قطعة بحرية، وأسر ما يزيد عن 3000 آلاف مقاتل دون خسارة أي قطعة عثمانية.
- حصار نيس و العسكرة داخل ميناء طولون.
- أعظم حدث بحياة بربروسا بنظر الكثيرين تلبية نداء الأندلسيين المسلمين لإنقاذهم من حملات الإبادة الإسبانية.