نزول المسيح وفتنة يأجوج ومأجوج
نزول المسيح وفتنة يأجوج ومأجوج من علامات الساعة الكبرى، التي لم يظهر منها شيء، فإن…
Read moreأمتنا الإسلامية غنية بالرجال العظام، المبدعين والقدوات في كل ميدان، نقف لنتعرّف على أحد هؤلاء القامات، إنّهُ “عبد الله ابن المبارك” شيخ الإسلام، الإمام، المحدث، أمير المؤمنين في الحديث، الغازي، الزاهد، العابد.
إنّ التعرّف على حياة هذا العالم الجليل، ومعرفة أسباب نبوغُه وعِلمه، هو استشفاف لنموذج فريد لرجل أنجبه الإسلام العظيم. فمن هو؟ وكيفَ نشأ وتعلّم؟ وما أسبابُ نبوغه في علمه؟
أبو عبد الرحمن عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي، المروزي، أحد الفقهاء الأعلام.
ولد بمرو من مدن خراسان سنة (118هـ).
كان والده “المبارك بن واضح” يعمل حارسًا في بستان، وكان يتصدق بثلث أجرته، وكان نعم العامل المؤتمن على عمله، حدث أن جاء صاحب البستان يومًا ومعه ضيف، وقال للمبارك: (أريد رمانًا حلوًا)، فمضى إلى بعض الشجر، وأحضر منها رمانًا، فكسره فوجده حامضًا، فغضب عليه.
وقال: (أطلب الحلو فتحضر لي الحامض؟ هات حلوًا)، فمضى وقطع من شجرة أخرى، فلما كسرها وجده أيضًا حامضًا، فاشتد غضبه عليه، وفعل ذلك مرة ثالثة، فذاقه، فوجده أيضًا حامضًا.
فقال له بعد ذلك: (أنت ما تعرف الحلو من الحامض؟)، فقال: (لا)، فقال: (وكيف ذلك؟)،
فقال: (لأني ما أكلتُ منه شيئًا حتى أعرفه)، فقال: (ولِمَ لَمْ تأكل؟)، قال: (لأنك ما أذنتَ لي بالأكل منه)، فعجب من ذلك صاحب البستان، وسأل عن ذلك فوجده حقًّا، فعظُم المبارك في عينيه، وزاد قدره عنده، وكانت له بنت خُطبت كثيرًا، فقال له:
(يا مبارك، مَن ترى تزوَّج هذه البنت؟)، فقال: (أهل الجاهلية كانوا يزوجون للحسب، واليهود للمال، والنصارى للجمال، وهذه الأمة للدِّين)، فأعجبه عقله، وذهب فأخبر به أمها، وقال لها: (ما أرى لهذه البنت زوجًا غير مبارك)، فتزوجها، فجاءت بعبد الله بن المبارك.
عبد الله بن المبارك كان عالماً مسلماً معروفًا، فقيهًا، محدثًا، ومجاهدًا، ويُعتبر واحدًا من الأعلام البارزين في التاريخ الإسلامي. ولد في خراسان وكان له تأثير كبير في العلوم الإسلامية مثل الحديث والفقه. كما كان معروفًا بتقواه وزهده وكرمه.
إحدى القصص الشهيرة عن توبته تتحدث عن شبابه، حيث كان يعيش حياة اللهو والمتع الشابة قبل أن يصبح عالمًا دينيًا. تقول الرواية إنه في إحدى الليالي وهو شاب، كان عبد الله بن المبارك يحاول التسلل إلى منزل امرأة يحبها، وفي طريقه سمع قراءة القرآن من إحدى البيوت، حيث كان يُتلى قول الله تعالى: “ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله”. تأثر عبد الله بن المبارك بالآية بشدة، وشعر كأن الآية نزلت خصيصًا له، فتاب وعزم على ترك طريق اللهو والغفلة والتوجه نحو العلم والعبادة.
بعد ذلك، أصبح عبد الله بن المبارك واحدًا من أعظم علماء عصره، مشهورًا بعلمه وزهده وجهاده. وهو معروف بتصانيفه العديدة ورحلاته في طلب العلم والحديث، وكذلك بمشاركته في الجهاد على الثغور الإسلامية. قصة توبته ملهمة للكثيرين وتُظهر كيف يمكن للإنسان أن يتغير ويتوب بإخلاص ويصبح من الصالحين العاملين في سبيل الله.
تتلمذ على كتب الحديث، وكان يحفظ الحديث بالآلاف، وهذا من أسرار العظمة “الحفظ الشديد، والإرادة الجبارة”، وغطى جوانب الكمال:
أنّ “أبا حنيفة” صلى وعلى يمينه “ابن المبارك”، فرفع “أبو حنيفة” يديه في التكبير عاليًا مرة واحدة، أما “ابن المبارك” فكان يرفع يديه في الركوع والسجود، فلمّا سلّم “أبو حنيفة” قال له “ابن المبارك”: (خشيت عليك أن تطير من رفعتك هذه)، فقال “أبو حنيفة”: (وأنا أيضًا خشيتُ عليك أن تطير، لأنك ترفرف كطير يرفرف بجناحيه)، فضحك الاثنان وأعذرا بعضهما.
قدم الخليفة “هارونُ الرشيد” الرَّقَّةَ، ومعه موكبه المهيب، وقدم عبد الله ابن المبارك مع تلاميذه، فانجفل الناس خلف ابن المبارك، وتقطعت النعال، وارتفعت الغبرة، فأشرفت أم ولدٍ لأمير المؤمنين من برج من قصر الخشب، فقالت: (من هذا؟) قالوا: (هذا عالم خراسان قدم)، قالت: (هذا – والله – المُلك، لا ملك هارون الذي لا يجمع الناس إلا بشُرَط وأعوان).
قال “سفيان الثوري”: (إني لأشتهي من عمري كله أن أكون سنة مثل ابن المبارك، فما أقدر أن أكون ولا ثلاثة أيام).
قال “سفيان بن عُيينة”: (نظرت في أمر الصحابة، وأمر عبد الله، فما رأيت لهم عليه فضلاً إلا بصحبتهم النبي ﷺ، وغزوهم معه).
كان ينفق على كل أهل خراسان، كانت أمواله تطوف على فقراء خراسان ومساكينهم، وكان أهل خراسان إذا خرج ابن المبارك، يبكون كلهم من أطفال ونساء، حتى قال شاعرهم:
إذا سار عبد الله من مرو ليلة فقد سار منها نجمها وهلالها
إذا ذكر الأخيار في كل بلدة فهم أنجم فيها وأنت هلالها
عاتبه بعض العلماء حول اشتغاله بالتجارة، فقال لهم: (والله لولاكم ما اشتغلت بالتجارة!)، ويقصد أنه أراد أن يكسب العلم وينفق على العلماء: فكان يعطي لسفيان الثوري (10,000) درهم في كل عام، وكان يعطي هدايا لكبار العلماء.
ويطعمهم أطيب الطعام، وأطيب الحلوى، ثم يخرجهم من بغداد بأحسن زي، وأكمل مروءة، حتى يصلوا إلى مدينة الرسول ﷺ، فيقول لكل واحد: (ما أمَرك عيالك أن تشتري لهم من المدينة من طُرَفها؟)، فيقول: (كذا وكذا).
ثم يخرجهم إلى مكة، فإذا قضَوا حجهم، قال لكل واحد منهم: (ما أمَرك عيالك أن تشتري لهم من متاع مكة؟)، فيقول: (كذا وكذا)، فيشتري لهم.
ثم يخرجهم من مكة، فلا يزال ينفق عليهم إلى أن يصيروا إلى مَرْوَ، فيجصص بيوتهم وأبوابهم، فإذا كان بعد ثلاثة أيام، عمل لهم وليمةً وكساهم، فإذا أكلوا وسُرُّوا، دعا بالصندوق، ففتحه، ودفع إلى كل رجل منهم صرته عليها اسمه، فيقولون: (كيف وقد أنفقنا أموالنا في الحج؟)، فيقول: (أما سمعتم في الحديث: أنه يبارك للحاج في نفقته؟).
سبحان الله! نأكل الفالوذج وغيرنا يأكل الطيور الميتة؟) فأمر برد الأحمال على أهل الكوفة وقال: (هذا أفضل من حجِّنا في هذا العام)، ثم رجَع، وهذا من عظيم فهمه للفقه (الحج يصبح أمرًا ثانويًا إذا جاع الناس)، فلما وصل إلى خراسان، ونام في أول ليلة من وصوله، سمع مناديًا ينادي: (حج مبرور، وسعي مشكور، وذنب مغفور).
جاءه رجل من بني هاشم، ليسمع منه أحاديث النبي ﷺ، وطلب من ابن المبارك، أن ينفرد به في جلسة خاصة دون الناس، فقال ابن المبارك: (لا أحدثك إلا مع الناس) فقال الشريف لغلامه: (قم فإنه لا يريد أن يحدثنا)، فلما همّ الشريف أن يركب فرسه، قام ابن المبارك من مجلسه، وأمسك بركاب الفرس، فقال الشريف: (ماذا تفعل؟)، فقال ابن المبارك: (أُذِلُّ لك بدني، ولا أُذِلُّ لك حديث النبي ﷺ).
وهذا من توقير حديث رسول الله ﷺ، وتوقير آل بيت النبي صلوات الله وسلامه عليه.
قال “نعيم بن حماد”: سمعت “ابن المبارك” يقول: (السيف الذي وقع بين الصحابة فتنة، ولا أقول لأحد منهم: هو مفتون).
قال “عَبدة بن سليمان المروزي”: (كنا سرية مع ابن المبارك في بلاد الروم، فصادفنا العدو، فلما التقى الصفانِ، خرج رجل من العدو، فدعا إلى المبارزة، فخرج إليه رجل، فقتله، ثم آخر، فقتله، ثم آخر، فقتله، ثم دعا إلى المبارزة، فخرج إليه رجل.
فطارده ساعةً، فطعنه، فقتله، ثم خرج له رجل ملثم، فبارزه ساعة فقُتِل الرومي فهجم عليه الروم، فقتل منهم سبعة، فازدحم إليه الناس، يريدو أن يعرفوه فما استطاعوا، فأرسل القائد خلفه ليعرفه، فقال الرجل: (إنّ قائدنا يريد أن يعرفك)؟ فقال: (لا أريد أن يعرفني لأن الله يعرفني)، فنظرتُ، فإذا هو عبد الله بن المبارك.
أرسل إليه “الفضيل بن عياض” العابد رسالة، ينصحه فيها أنَّ العبادة أفضل من كل شيء، حتى الجهاد في سبيل الله، فرد عليه ابن المبارك بأبيات جميلة:
حين حضرته الوفاة، جلس أحدهم إلى جانبه، وأخذ يقول له: (قل لا إله إلا الله، وأكثر عليه)، فالتفت إليه ابن المبارك وهو على فراش الموت، وقال له: (إذا لقنت المحتضر لا إله إلا الله، فلا تعيدها عليه، إلا إذا تكلم بكلام أو أغمي عليه، فلقنه مرة أخرى، حتى يكون آخر كلامه لا إله إلا الله، ولولا أني أخشى أن تؤذي أحدًا بعدي ما قلت لك ذلك).
توفي رحمه الله عام (181 هـ).
وفي الختام: لا تنس مشاركة هذه المقالة مع الأصدقاء.
كما يمكنك الاستفادة والاطلاع على المزيد من المقالات
قصص الصحابة و الأئمة الأربعة و قصص التابعين والمبدعون
لا، ولد بمرو من مدن خراسان
كان والده "المبارك بن واضح" يعمل حارسًا في بستان، وكان نعم العامل المؤتمن على عمله، حدث أن جاء صاحب البستان يومًا ومعه ضيف، وقال للمبارك: (أريد رمانًا حلوًا)، فمضى إلى بعض الشجر، وأحضر منها رمانًا، فكسره فوجده حامضًا، فغضب عليه، وقال: (أطلب الحلو فتحضر لي الحامض؟ هات حلوًا)، أنت ما تعرف الحلو من الحامض؟)، فقال: (لا)، فقال: (وكيف ذلك؟)،
قال: (لأني ما أكلتُ منه شيئًا حتى أعرفه)، فقال: (ولِمَ لَمْ تأكل؟)، قال: (لأنك ما أذنتَ لي بالأكل منه)
"ابن المبارك" أعلم من "أبي حنيفة" في الحديث، و"أبو حنيفة" أعلم من "ابن المبارك" في قضية الرأي والعلم
ارسل إليه "الفضيل بن عياض" العابد رسالة، ينصحه فيها أنَّ العبادة أفضل من كل شيء، حتى الجهاد في سبيل الله، فرد عليه ابن المبارك بأبيات جميلة:
يـا عابدَ الـحَرَمينِ لـوْ أبصرْتَنـا لَعلمْتَ أنّك في العبادةِ تَلْعبُ
مَنْ كان يَخْضِبُ جيدهُ بدموعِهِ فَنُـحُورُنـا بِـدِمَـائِنـا تَتَـخَضَّـبُ
كان ينفق على كل أهل خراسان، كانت أمواله تطوف على فقراء خراسان ومساكينهم، وكان أهل خراسان إذا خرج ابن المبارك، يبكون كلهم من أطفال ونساء،