التغيير هو الشيء الوحيد الثابت في حياتنا، وهو عملية الانتقال من واقع غير مرغوب به إلى رؤية منشودة، لكنك ستجد من يكره التغيير ويحبّ الرتابة، هؤلاء يفتقدون عادة إلى الطموح والحافز للتطور، وستجد من يكره التغيير؛ لأن هدف التغيير إصلاح الأوضاع الفاسدة، فمن يستفيد من بقاء الفساد سيقاوم التغيير بكل قوة.
وحديثنا عن شخصية رائعة كانت نموذجًا في التغيير الإيجابي، إنه “مالكوم اكس”.
عائلة مالكوم اكس
ولد مالكوم اكس واسمه ليتل -أي صغير- عام (1925م) في مدينة “اوماها” في ولاية “نبراسكا” الأمريكية، كان والده قسيسًا مسيحيًا وناشطًا سياسيًا في أكبر منظمة للسود، وكانت العنصرية في أشد حالتها في تلك الفترة.
نشأة مالكوم اكس المأساوية
كانت نشأة مالكوم اكس سلسلة من المآسي المتلاحقة:
فقد قتل 4 من أعمامه الستة على يد العنصريين البيض.
وتعرض والده للعديد من التهديدات بسبب نشاطاته؛ فاضطر للانتقال إلى ولاية “ميشيغان” عام (1928م).
وبعد عدة أشهر أحرق منزل العائلة على يد أفراد من منظمة (كوكلوكس كلان KKK)، العنصرية المتطرفة.
مقتل والد مالكوم اكس
لما بلغ مالكوم اكس السادسة من عمره، قتل والده بصورة وحشية على يد الجماعة العنصرية: (هشموا رأسه، ثم ألقوه على سكة حديدية فجاءت الحافلة فدهسته وفارق الحياة)، ثم أصدروا تقريرًا مفاده أنه قد انتحر.
كانت الصدمة كبيرة للعائلة، وأصبحت أمه ذات (34) سنة أرملة تعول سبعة أطفال، فعملت خادمة في بيوت البيض الذين أساؤوا معاملتها وخاصة لعلمهم بتاريخ زوجها، ثم إن سلطات الولاية حجبت عنها الإعانات، وفي عام (1939م) أصيبت بانهيار عصبي فأدخلت مصحة للأمراض العقلية.
تجرع مالكوم اكس مرارة فقد الأب والأم، وأصبح مع إخوته تحت راعية الدولة التي وزعتهم على ملاجئ مختلفة، وفي حياته الجديدة أُلحق بمدرسة، لكنه عاش حياة تسكع وسرقة وجريمة حتى طرد من المدرسة وعمره (16) سنة، ثم ألقي القبض عليه وأودع سجن الأحداث.
مالكوم اكس في السجن
استكمل تعليمه الثانوي في السجن ، فجعل حياته فيه امتداد لمسيرته خارجه، لكن استجَدّ عليه المناقشات الفكرية التي كانت تجري بين السجناء فلفتت انتباهه، ثم وصلته مجموعة رسائل من إخوتهكانت سبباً في تغيير حياته، يبلغوه فيها أنهم اعتنقوا دينًا خاصًا بالسود، قادرٌ على إنقاذهم من سيطرة الشيطان الأبيض.
مالكوم اكس وحركة أمة الإسلام
هذا الدين كان أجزاء مبعثرة من تعاليم الإسلام، أتى بها رجل ادعى النبوة اسمه “محمد فراد”، ودعا له رجل اسمه “إلايجا محمد” الذي يعد المؤسس الحقيقي لجماعة اسمها “أمة الإسلام” في أمريكا (NOI)، واعتبر نفسه وريثًا لذلك النبي، ومن تعاليمهم:
الحج إلى الكعبة ومن لم يستطع يحج لقصر “إلايجا محمد” في شيكاغو.
الصوم في “الكريسمس” عيد النصارى الذي تكثر فيه المعاصي.
يومنون بالتوراة والإنجيل المحرفين.
يبقى الدين رغم انحرافه فيه معاني الخير والرحمة، فأسلم مالكوم اكس على أفكار أمة الإسلام، هذه النقاشات وهذا الدين الجديد دفعه للقراءة فداوم في مكتبة السجن، والتهم آلاف الكتب، كان يقرأ (15) ساعة في اليوم، فقرأ للأديان ولمعظم فلاسفة الشرق والغرب، وبدأ يدخل في مناظرات أكسبته خبرة في مخاطبة الجماهير والحوار.
هذا التغيير الجذري هو أعلى درجات التغيير، إذ ارتفع به من حياة التسكع والضياع، إلى حياة الاطلاع والفكر العميق، وبدأ يدعو السجناء السود إلى حركة “أمة الإسلام” ويريهم الأخلاق الحسنة، فبدئوا يقبلون عليه، فاصطلح حال الكثير منهم، فأصدرت إدارة السجن عفوًابحقه بعد سبعة سنوات فلم يكمل مدته.
بعد خروجه ونظرًا للعلم الذي اكتسبه والقدرة الخطابية، أصبح الداعية الأوللأمة الإسلام خلف مؤسس أمة الإسلام “إلايجا محمد”، ثم عينه “إلايجا محمد” المتحدث الأول باسم الحركة، وهنا غير اسمه من “ليتل” إلى “اكس” -من الصغير إلى المجهول-، فقد أراد إعلان رفضه للعبودية للبيض فهو لا يعلم اسمه الحقيقي ذو الأصول الإفريقية.
أصبح “مالكوم اكس” نجمًا إعلاميًا، وأحد زعماء الحركة القومية السوداء، فصار قياديًا بارزًا وصاحب قضية ينافح عنها، من شخص مستسلم لظروفه إلى مقاوم يحاول التغيير، ولكنه اختلف مع “مارتن لوثر كينغ” (الزعيم الرئيسي للسود) فـ”مارتن” كان يدعوا إلى التعايش مع البيض وعدم كراهيتهم، أما “مالكوم اكس” فكان يدعو لكراهيتهم ومحاربتهم.
رحلة مالكوم اكس إلى الحج
قرر “مالكوم اكس” الذهاب للحج في مكة عام (1964م) من أجل جمع التبرعات لجماعة “أمة الإسلام”، هذه الرحلة غيرت حياته بشكل جذري فقد فوجئ بالإسلام الحقيقي. قضى في مكة (12) يوم اكتشف فيها أنّ الإسلام الحقيقي مختلف بشكل جذري عن أفكار أمة الإسلام وإلايجا محمد،
فقال: (لم أشهد في حياتي أصدق من هذا الإخاء بين أناس من جميع الألوان والأجناس، إنّ أمريكا بحاجة إلى فهم الإسلام لأنه الدين الوحيد الذي يملك حل مشكلة العنصرية فيها).
كما تغيرت نظرته للرجل الأبيض: فلم يعد شيطانًا بل أصبحت نظرته عادلة منصفة، فرأى أن هناك أشرار من السود كما أنّ هناك أخيار من البيض، ثم سافر إلى مصر بعد الحج والتقى شيخ الأزهر “حسنين مخلوف” رحمه الله، وتعلم المزيد عن الإسلام الحقيقي من علماء الأزهر.
فأعلن إسلامه من جديد، وغير اسمه مرة أخرى من “مالكوم اكس” إلى “الحاج مالك الشاباز”، لقب “الشاباز” كان لعالم أفريقي أثبت أن الأفارقة كلهم قبيلة واحدة، فاعتبر مالكوم نفسه ينتمي لهذه القبيلة.
مالكوم اكس وجماعة أهل السنة
عند عودته إلى أمريكا أعلن براءته من مبادئ أمة الإسلام العنصرية، وحاول أن يقنع زعيمها “إلايجا محمد” بأخطائه وانحرافه، ودعاه لزيارة الكعبة ليرى بنفسه، لكنه رفض وغضب بشدة، فشكل “مالك الشاباز” جماعة جديدة سماها (جماعة أهل السنة).
مبادئ مالكوم اكس في جماعة أهل السنة
المشاركة السياسية في الانتخابات الأمريكية.
العمل على تشكيل الكتلة الانتخابية السوداء.
الضغط على المرشحين لإجبارهم على الوفاء بوعودهم.
على المرشحين أن يلتزموا بوعودهم؛ فمن حق السود الحصول على حقوقهم بالضغوط السياسية، فإن لم ينفع فبالعنف، وأعلن هذا المبدئ في خطاب شهير، وفيه إنذار شديد للسياسيين الذين سيصوت لهم هو وكتلته، فإما أن يلتزموا بوعودهم أو يواجهوا العنف.
إن لم يتم تعديل النظام السياسي ليكون عادلًا مع قضايا السود؛ فلن يكون أمام السود إلا التوقف عن استعمال الأصوات الانتخابية واللجوء إلى البنادق، وأطلق شعاره: (الاقتراع أو الرصاصة).
الحرب الإعلامية على مالكوم اكس
بدأ “مالك الشاباز” يكرر شعاره (الاقتراع أو الرصاصة) في خطاباته، فصار بطلًا عند الشباب السود من جهة، و من جهة أخرى اعتبرته الحومة الأمريكية ومخابراتها أكبر خطر على أمريكا، وزادت شهرته حتى طغت على “إلايجا محمد” وجماعته: فقام إلايجا محمد بشن هجومٍ مباشرٍٍ عليه بالحملات الإعلامية، بل إنهم أضرموا النار في بيته ليقتلوه وأهله لكنه نجا.
وهاجمته الصحف الأمريكية أيضًا ، وصارت شهرته تنافس شهرة “مارتن لوثر كينغ”، بل إن مذكراته انتشرت كالنار في الهشيم، فقرأها أنصاره وأعداؤه، وشعر أنه سيتعرض للاغتيال فقال: (أنا الآن أعيش زمن الاستشهاد).
اغتيال مالكوم اكس
عام (1965م) و أثناء إلقاء “مالكوم اكس” خطابًا، قام ثلاثة من جماعة أمة الإسلام التي يقودها “إلايجا محمد” باغتياله أمام الناس، فأطلقوا عليه (16) رصاصة، فمات شهيدًا رحمه الله.
نتائج حركة مالكوم اكس
أدى اغتياله لظهور جماعات أخرى منها “الفهود السود”، لكن المخابرات الأمريكية اخترقتها ودمرتها من داخلها.
تغير قانون الانتخابات الأمريكية الذي كان يشترط النجاح في اختبار قراءة، والسود كانوا لا يعرفون القراءة، فأعطي الحق للجميع بالتصويت.
مات “ألايجا محمد” عام (1975م)، فخلفه ابنه “وارث الدين محمد” الذي كان معجبًا بـ “مالكوم اكس” مؤمن بأفكاره، فألغى جماعة أمة الإسلام المنحرفة، وأعاد أعضاءها إلى الإسلام السني، وكانت أعدادهم تزيد على (200) ألف، وسماهم (الجمعية الأمريكية للمسلمين).
دروس وعبر من قصة مالكوم اكس
نتعلم من قصة مالكوم اكس رحمه الله تعالى دروسًا أهمها:
الاستعداد للتغيير إذا وجدت أفضل مما لديك.
رفض الظلم والطغيان ومواجهته إلى حين إسقاطه.
الانحراف له أشكال سياسية ودينية كثيرة كلها ستواجه الحق وترفضه.
لا علاج لمشاكل البشرية واضطهاد الناس لبعضهم البعض إلا الإسلام.
وختامًا- يقول مالكوم اكس: (عندما يشعر الناس بالحزن لا يفعلون شيئًا أكثر من البكاء على حالهم، أما عندما يغضبون فإنهم يحدثون تغيرًا).
وفي الختام: لا تنس مشاركة هذه المقالة مع الأصدقاء
كما يمكنكم الاستفادة والاطلاع على المزيد من المقالات:
ولد مالكوم اكس عام (1925م) في مدينة "اوماها" في ولاية "نبراسكا" الأمريكية.
من هو مؤسس حركة أمة الإسلام؟
أتى بها رجل ادعى النبوة اسمه "محمد فراد"، ودعا له رجل اسمه "إلايجا محمد" الذي يعد المؤسس الحقيقي لجماعة اسمها "أمة الإسلام" في أمريكا (NOI)، واعتبر نفسه وريثًا لذلك النبي.
متى رحل مالكوم اكس إلى الحج؟
قرر "مالكوم اكس" الذهاب للحج في مكة عام (1964م) من أجل جمع التبرعات لجماعة "أمة الإسلام".
ماشاء الله مقالة جميلة جدا وقصة بطل رحمه الله