في روائع قصص التابعين، العبرُ والمعاني والقدوة لشباب هذا الزمان،من هؤلاء العظماء “عمر بن عبد العزيز” خامس الخلفاء الراشدين، في سنتين وأربعة أشهر ملأ الدنيا عدلًا ونشر الخير فتغيّرت أحوال الأمّة، يقول عنه الإمام الذهبي: (كان عمر بن عبد العزيز حسن الخلق والخُلق، وافر العلم فقيه النفس، أوّاهًا منيبًا).
زهد عمر بن عبد العزيز
قال دكين بن سعيد الدارمي:مدحت عمر بن عبد العزيز وهو والي المدينة، فأمر لي بـ (15) ناقة من كرائم الإبل، ففرحت وكرهت أن أمضي بهنّ وحدي في فجاج الأرض، ولم تطب نفسي ببيعها، فقدمت علينا رفقة تبتغي ديارنا فسألتهم الصّحبة، فقالوا: إنْ خرجت الليلة، فقلت: إني لم أودّع الأمير ولابدّ وداعه.
قالوا: فإن الأمير لا يحجب عن طارق ليل، فاستأذنت عليه، فأذن لي وعنده شيخان لا أعرفهما، فقال لي: (يا دكين، إنّ لي نفسًا توّاقة، فإن أنا صرت إلى أكثر مما أنا فيه فاءتني ولك مني البر والإحسان).
قلت له: أشهد لي بذلك أيها الأمير، قال: (إني أشهد الله)، قلت: ومن خلقه! قال: هذين الشيخين، قلت لأحدهما: من أنت يرحمك الله أعرفك؟ قال: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، فقلت: لقد استسمنت الشاهد، وقلت للآخر: من أنت يرحمك الله؟ قال: أبو يحيى مولى الأمير.
قال دكين: فخرجت بهنّ إلى بلدي، فرمى الله فيهنّ البركة، حتى اتخذت منهنّ الضياع والغلمان، ثم دارت الأيام دورتها فينما أنا بالصحراء إذا برجل يقول/ قال: مات سليمان بن عبد الملك، قلت: فمن القائم بعده؟
قال: عمر بن عبد العزيز، ففرحت وشددت رحالي نحو الشام، فلقيت جريرًا -الشاعر المعروف- في الطريق قادمًا من عنده، فقلت: من أين أبا حزرة؟ قال: من عند أمير يعطي الفقراء ويمنع الشعراء، ارجع من حيث أتيت فذلك خير لك، قلت: إنّ لي شأنًا غير شأنكم.
فانطلقت فوجدته قاعدا على كرسيّ في فناء داره قد أحاط الناس به، فلم أجد إليه سبيلًا للوصول، فناديت بأعلى صوتي:
يا عمر الخيرات والمكارم وعمر الدّسائع العظائم
إني امرؤ من قطن بن دارم أطلب ديني من أخ المكارم
في ظلمة الليل وليلي عاتم عند أبي يحيى وعند سالم
فقام أبو يحيى ففرّج لي، وقال: يا أمير المؤمنين، إنَّ لهذا البدويّ عندي شهادة عليك، قال: (أعرفها، ادّن مني يا دكين، أنا كما ذكرت لك أنَّ لي نفسًا توّاقة، وإنَّ نفسي تاقت إلى أشرف منازل الدنيا، فلما أدركتها وجدتها تتوق إلى الآخرة؛ ولئن كانت الملوك تتوق إلى عزّ الدينا فلأجعلنّ الملك سبيلًا إلى بلوغ عزّ الآخرة،
ووالله ما رزأت -أخذت- من أمور الناس شيئًا فأعطيك منه، وما عندي إلا ألفا درهم، أعطيك نصفها)، يقول دكين: فأخذت المال الذي أعطانيه، فوالله ما رأيت أعظم بركة منها.
يا شباب: اطمحوا واجعلوا الدنيا وسيلة إلى الآخرة، فهذا عمر بن عبد العزيز يقول: (إنّ لي نفسًا توّاقة، كلما وصلت إلى أمر تاقت إلى ما هو أعلى منه:
وقد تاقت نفسي إلى فاطمة بنت عبد الملك فتزوّجتها
ثم تاقت نفسي إلى الإمارة فتولّيت المدينة
ثم تاقت نفسي إلى الخلافة فأدركتها
وقد تاقت نفسي اليوم إلى الجنة فأرجو أن أدركها).
مواقف عمر بن عبد العزيز في العدل
وفي عدل عمر بن عبد العزيز يروي قاضي الموصل يحيى بن يحيى: بينما عمر بن عبد العزيز يطوف في أسواق حمص، إذ قام إليه رجل عليه بردان أحمران -البرد: الثوب المخطط-، فقال: يا أمير المؤمنين، قد سمعت أنك أمرت من كان مظلومًا أن يأتيك، فقد أتاك رجل مظلوم بعيد الدار من عدن، فنزل عمر عن دابّته وقال: ما ظلامتك؟
قال: ضيعة -مزرعة- لي وثب عليها رجل ممن ينتسبون إليك وانتزعها مني، فكتب عمر إلى عروة بن محمد والي اليمن يقول: (أما بعد، فإذا جاءك كتابي هذا فاسمع بيّنة حامله، فإن ثبت له حقّ فادفع إليه حقّه)، وختم الكتاب وناوله للرجل.
فلمّا همّ بالانصراف ناداه عمر فقال: (على رسلك، إنك قد أتيتنا من بلد بعيد، ولا ريب في أنك قد استنفذت في رحلتك هذه زادًا كثيرًا، وأبليت ثيابًا جديدة، وأتعبت دابتك، فحسب عمر كل هذه التكاليف فكانت 11 دينارًا ذهبيًا،
فأمر أنْ تدفع إليه وقال: انشر هذ الخبر بين الناس، فمن أتانا يطلب مظلمة تدفع إليه حقّه وندفع إليه تكاليف السفر، حتى لا يتثاقل مظلوم عن طلب مظلمته).
خلق عمر بن عبد العزيز
وفي خُلقه يروي العابد الزاهد زِياد بن ميْسَرَة المخزومي، فيقول: (أرسلني موْلاي عبد الله بن عباس من المدينة إلى دمشق للِقاء أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز في حوائج له، وكانت بيني وبين عمر صِلَةٌ قديمة ترجعُ إلى عهْد ولايتِهِ على المدينة، فدخلْت عليه فإذا عندهُ كاتبٌ يكتب له، فلمَّا صرْتُ في عتبة الحجرة،
قلْتُ: السلام عليكم، فقال: وعليكــم السلام ورحمة الله يا زِياد، ثمَّ مضَيْتُ نحْوهُ خَجِلاً، لأنّي لم أُسلِّمْ عليه بإمرة المؤمنين، فلمَّا انْتَهيْتُ إليه قلتُ: السَّلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله تعالى وبركاته، فقال: (يا زِياد، إنَّني لمْ أُنْكرْ عليك السَّلام الأوّل، فما الحاجة إلى الثاني؟!).
فقال لي: اِجْلسْ يا زياد حتَّى نفْرغَ لك، فجلسْتُ على خشبة الباب والكاتب يقرأ عليه، وعمر يتنفَّس الصُّعداء من الهمّ، فلمَّا فرغَ كاتبهُ من قراءة الرِّقاع التي معه، فقال: (هنيئًا لك يا زياد، لقد اسْترحْتَ مِمَّا نحن فيه).
ثمَّ طفقَ يسألني عن صُلَحاء أهل المدينة؛ رِجالهم ونسائهم واحدًا واحدًا، فما ترك منهم واحدًا إلا وسألني عنه، ثمّ سألني عن أشياء كان أمرَ بها في المدينة حينما كان واليًا عليها، فأخبرتهُ عن كلّ ما سأل، ثمَّ تنهَّد وقال:
(يا زياد، ألا ترى إلى ما وقع فيه عمر؟)، فقلتُ: إنِّي أرجو لك في ذلك خيرًا وأجْرًا، فقال: هيهات، ثمَّ بكى حتى رثَيْتُ له، وقلتُ: اِرْفِق بِنَفسك يا أمير المؤمنين، فإنِّي لأرجو لك خيرًا كثيرًا، فقال: (ما أبْعَدَ ما ترْجوهُ يا زياد!).
قال: (لقد أصْبح في وُسعي أن أشْتِمَ ولا أُشْتَم، وأن أضْربَ ولا أُضرَب، وأن أوذِيَ الناس ولا يؤذيني أحد)، ثمَّ بكى كرَّةً أخرى حتى جعلتُ أرثي له، ولقد أقمْت عندهُ أيامًا ثلاثة حتى قضى ما أرسلني به مولاي، فلمَّا هممْتُ بالانصراف زوَّدني بِكتابٍ إلى سيّدي يسألهُ فيه: أن يبيعني منه، ثمَّ أخرج من تحت فراشه عشرين دينارًا،
وقال: (اسْتَعِن بهذا المال على دنياك، ولو كان لك حقّ في الفيء لأعْطَيناك)، فأبيْتُ أن آخذ المال منه، فقال: خُذْهُ فما هو من مال المسلمين، إنَّما هو من نفقتي، فامْتنعْتُ عن أخذه، ولكنَّه ما زال بي حتى أخذتهُ منه ومضَيْتُ، فلمَّا بلغْت المدينة دفعْت بكتاب أمير المؤمنين إلى مولاي، ففضَّه،
وقال: (إنَّما سألني أن أبيعك له لِيُعْتِقَكَ، فلِمَ لا أكون أنا المُعْتِقُ لك؟ ثمّ أعْتقَهُ).
الأسئلة الشائعة
كيف مات عمر بن عبد العزيز؟
الرأي الراجح لوفاة عمر بن عبد العزيز أنه مات مسموماً
اين ولد عمر بن عبد العزيز؟
ولد عمر بن عبد العزيز في المدينة المنورة، سنة 61 هجرية، وهو قول أكثر المؤرخين.
ماذا ترك عمر بن عبد العزيز بعد وفاته من الميراث؟
ترك عمر بن عبد العزيز ميراث بقيمة ثمانية عشر دينارا كفن بخمس منها و اشتري له قبر بأربع منها و وزع الباقي على ابنائه . و قد سئل و هو على فراش الموت ماذا تركت لأبنائك بعد موتك ؟ فقال : تركت لهم تقوى الله , فان كانوا صالحين فالله تعالى يتولى الصالحين وان كانوا غير ذلك فلن أترك لهم ما يعينهم على معصية الله تعالى
متى تولى عمر بن عبد العزيز الخلافة
تولى الخلافة عمر بن عبد العزيز في يوم الجمعة، العاشر من صفر عام 99هـ.
لماذا لقب عمر بن عبد العزيز بخامس الخلفاء الراشدين؟
بسبب سمعته الحسنة وعدله وخلقه.
ما مدة الخليفة عمر بن عبد العزيز الاموي في الحكم؟
مدة الخليفة عمر بن عبد العزيز في الحكم سنتين وخمسة أشهر وأربعة أيام، حتى قتل مسموماً في النهاية.
اين دفن عمر بن عبد العزيز؟
دفن عمر بن عبد العزيز في قرية دير شرقي الواقعة شرق مدينة معرة النعمان التابعة لمحافظة إدلب في سوريا
وفي الختام: لا تنس مشاركة هذه المقالة مع الأصدقاء.
كما يمكنك الاستفادة والاطلاع على المزيد من المقالات