محمد بن القاسم الثقفي وضحايا الخلاف السياسي
دائماً ما يذكر الإسكندر المقدوني كمثال للقائد الفذ الذي فتح بلاداً في آسيا وغيرها وعمره (25) سنة، أما بطلنا محمد بن القاسم الثقفي فقد بدأ فتوحاته وعمره (17) سنة فقط.
Read moreأطفالنا فلذات أكبادنا، وبراعم الحب المتلألئة في حياتنا، لهم نرخص كل غال ونبذل كل عزيز، رعايتهم والعناية بتربيتهم حقّهم وهو واجب علينا “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته”، وقبل أن نشرّق ونغرّب في البحث في مناهج التربية لنعلم أنه بين أيدينا خير منهج ولنا خير أسوة برسولنا محمد صلوات ربي وسلامه عليه.
فيا أيها الآباء ويا أيتها الأمهات: تعالوا بنا نقتبس من هدي النبي ﷺ بالتعامل مع الاطفال ما يضيء طريقنا.
نقل لنا سلفنا الطاهر من سيرة رسول الله ﷺ العطرة مواقف عديدة في تعامله مع الأطفال، تبين لنا عظمة كماله صلوات ربنا وسلامه عليه، سنقف على بعض منها لنستلهم العبر.
ألم فقد الابن شديد الوقع على النفوس، عنده يفقد الكثيرون صوابهم بالأقوال والأفعال، لكن حبيبنا المصطفى علمنا كيف يجتمع الحزن مع الثبات بأرقى صورة عندما عاش ألم فقد ابنه إبراهيم، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دخلنا مع رسول الله ﷺ، على أبي سيف القَيْن، وكان ظِئْرًا لإبراهيم عليه السلام، فأخذ رسول الله ﷺ إبراهيم، فقَبَّله وشمه، ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه، فجعلت عينا رسول الله ﷺ تذرفان، فقال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: وأنت يا رسول الله ؟!
فقال: «يا ابن عوف إنها رحمة ثم أتبعها بأخرى، فقال ﷺ: «إنّ العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون» (رواه البخاري، ومسلم).
وإذا ذهبناً بعيداً عن مشاعر الحزن إلى مشاعر الحنان والحب والعطف والرعاية، نجدها تتجلى مع الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وسبطا رسول الله ﷺ وريحانتيه فكما قيل: “ليس أغلى من الولد إلا ولد الولد”، فقد كان الحسن والحسين يثبان على ظهر رسول الله ﷺ وهو يصلي، فجعل الناس ينحونهما فقال النبي ﷺ: “دعوهما بأبي هما وأمي، من أحبني فليحب هذين”.
بل إنه جعل حبهما طريقاً وشرطاً لنيل حبه ﷺ، فعن عبد الرحمن بن مسعود عن أبي هريرة قال: خرج علينا رسول الله ﷺ ومعه الحسن والحسين هذا على عاتقه وهذا على عاتقه وهو يلثم -أي يقبل- هذا مرة وهذا مرة حتى انتهى إلينا، فقال: “من أحبهما فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني”.
ولم يحرم أبناء اليهود حتى من نيل نصيبهم من رحمته ﷺ، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : “كان غلامٌ يهودي يخدم النبي ﷺ، فمرض فأتاه يعوده، فقعد عند رأسه فقال له: (أسلم) ، فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أطع أبا القاسم، فأسلَمَ، فخرج النبي ﷺ وهو يقول: “الحمد لله الذي أنقذه من النار“ [رواه البخاري]، وفي رواية للبيهقي: “الحمد لله الذي أنقذه بي من النار”.
أمامة بنت أبي العاص رضي الله عنها، حفيدة النبي ﷺ من ابنته زينب رضي الله عنها، وأبوها أبو العاص بن الربيع رضي الله عنه، وقد تُوفيت أمّها زينب وهي صغيرة، لتعيش مع جدّها ﷺ الذي اهتم بها اهتماماً كبيراً، وأحبّها حباً شديدا، وكان يأخذها معه إلى المسجد، ويحملها على عاتقه وهو يُصلّي.
كما كان ﷺ يخصّ أمامة رضي الله عنها ببعض بهداياه، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (أُهْدِيَ لرسول الله ﷺ قلادة من جِزع (خرز) ملمعة بالذهب، ونساؤه مجتمعات في بيت كُلهن، وأُمامة بنت أبي العاص ابن الربيع جارية (صغيرة) تلعب في جانب البيت بالتراب، فقال رسول الله ﷺ: كيف ترينَ هذه؟ فنظرْن إليها (زوجاته) فقلن: يا رسول الله ما رأينا أحسن من هذه ولا أعجب! فقال: أردُدْنها إليَّ، فلما أخذها قال:
والله لأضعنّها في رقبة أحب أهل البيت إليّ، قالت عائشة: فأظلمت عليّ الأرض بيني وبينه خشية أن يضعها في رقبة غيري منهن، ولا أراهن إلا قدْ أصابهن مثل الذي أصابني، ووجمنا جميعاً، فأقبل حتى وضعها في رقبة أمامة بنت أبي العاص، فسُريَ عنّـا) [رواه الطبراني].
ومن شدة حرصه واهتمامه ﷺ بالأطفال: أنه كان يتابع أدقّ تفاصيل حياتهم ويحرص على تربيتهم على الإيمان والأخلاق الحميدة، فعن عائشة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُا- قالت: “كان رسول الله ﷺ يُؤتى بالصبيان، فيبرك عليهم، ويُحنكُهم، ويدعو لهم”. [أخرجه البخاري].
وعن أبي موسى ـ رضي الله عنه ـ قال: “وُلِد لي غلام فأتيت به النبي ﷺ فسمّاه إبراهيم، فحنكه بتمرة ودعا له بالبركة ودفعه إليَّ) [البخاري].
وقد كان يعامل الأطفال بطريقة تغرس فيهم الثقة بأنفسهم مع تعليمهم الآداب والسنن، فلا يتجاوزهم باستهتار كما يفعل بعض الناس في هذا الزمان، ومن هذه المواقف ما رواه سهل بن سعد ـ رضي الله عنه ـ قال: ” أُتِيَ رسولُ الله ﷺ بقدح فشرب، وعن يمينه غلام هو أحدث (أصغر) القوم، والأشياخ عن يساره، قال: يا غلام أتأذن لي أن أُعْطِيَ الأشياخ؟، فقال: ما كنتُ لأُوثِرَ بنصيبي منك أحداً يا رسول الله، فأعطاه إيَّاه” [رواه البخاري].
إنَّ الناظر في حياة النبي ﷺ يجد أنه مع كثرة أعبائه وشدة اشتغاله بأمور الدعوة والدولة قد أعطى للصغار نصيباً من وقته واهتمامه، والسيرة النبوية الشريفة مليئة بالمواقف التربوية معهم، والتي تحتاج من الأمهات والآباء، والدعاة والمربين، وقفات للتأمل بقصد التأسي والاقتداء بالنبي ﷺ في تربية الصغار، قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا} [الأحزاب الآية:21]، وسنقف معاً على جانب منها.
كان صلوات الله وسلامه عليه يُكَنّي الأطفال، ويناديهم بها، تعليماً للمربين وإرشادً لهم، حتى ينهجوا نهجه، ويسلكوا طريقه في تكنية أولادهم، ومناداتهم بها، وذلك لما فيها من فوائد:
جاء في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله ﷺ أحسن الناس خلقاً، وكان لي أخ يقال له أبو عمير، وكان النبي ﷺ إذا جاءه يقول له: “يا أبا عُمَيْر، ما فعل النُغَيْر؟”.
“خاطبُوا الناس على قدر عُقولهم” مبدأ تمثلّه رسول الله ﷺ بكماله ودعا الناس جميعاً إليه، وتجلى مع الأطفال فمن ذلك ما رواه عمر بن أبي سلمة – رضي الله عنه – قال : كنت في حجر رسول الله ﷺ، وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي: “يا غلام سم الله وكل بيمينك، وكل مما يليك”، كلمات مباشرة معبرة سهلة وبسيطة.
لم يترك النبي ﷺ موقفاً مناسباً إلا وقدم فيه النصح للصغير، وعلمه وأرشده إلى السلوك الصحيح، وأكد ﷺ أن لهؤلاء الأطفال الصغار حقوقاً على آبائهم وأمهاتهم، ومن هذه الحقوق تعليمهم ما ينفعهم من أمور دينهم ودنياهم، وقد أخبرنا ﷺ أن أولادنا أمانة سنحاسب عليها: “كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته”.
فعلى الآباء والأمهات الحرص على تعليم أولادهم ما ينفعهم في أمور دينهم ودنياهم، على أن يكون ذلك التعليم برفق وحكمة ورحمة، حتى يتقبلوا ما نربيهم عليه من قِيَمٍ وآداب مأخوذة من هدي النبي ﷺ، فيكون له الأثر العظيم في سعادتهم في الدنيا والآخرة.
فقد جاء في مسند أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله ﷺ قال: “مَنْ قال صبي تعال هاك، ثم لم يعطه فهي كذبة”، فالكذب لا يجوز على الأطفال كما أنه لا يجوز على غيرهم، وربما يكون الكذب على الأطفال أشد ضررا وأكثر سلبا على تربيتهم وتكوينهم.
إنّ مداعبة وممازحة الأطفال واجب تربوي على الوالدين، وهم مطالبون بالاقتداء برسول الله ﷺ في ذلك، فعن راشد بن سعد عن يعلي بن مرة أنه قال: (خرجنا مع النبي ﷺ ودعينا إلى طعام فإذا حسين يلعب في الطريق، فأسرع النبي ﷺ أمام القوم ثم بسط يده فجعل يفرها هنا وهناك، فيضاحكه رسول الله ﷺ حتى أخذه فجعل إحدى يديه في ذقنه والأخرى بين رأسه وأذنيه ثم اعتنقه وقبله، ثم قال: “حُسين مني وأنا منه، أحبّ الله من أحبه، الحسن والحسين سبطان من الأسباط” [رواه البخاري في الأدب المفرد].
ولقد كانَ ﷺ على عظيم قدره، وعلو منزلته، هو الذي يبدأ بالسلام على الأطفال حباً لهم، ورِفقاً بهم، وتلطفاً معهم، ولإشعارهم بمكانتهم وإعطائهم الثقة بأنفسهم، فعن أنس بن مالك -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قال: “أتى رسول الله ﷺ على غِلْمانٍ يلعبون فسلَّم عليهم” [رواه أبو داود].
عن أنس -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قال: “كان رسول الله ﷺ يزور الأنصار، ويُسلِّم على صبيانهم ويمسح على رؤوسهم” [رواه النسائي]. وعن عبد الله بن جعفر – رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- قال: مسح رسول الله ﷺ بيده على رأسي، قال: أظنه قال ثلاثاً، فلما مسح قال: “اللهم اخلف جعفراً في ولده” [أخرجه الحاكم في المستدرك].
المتتبع لسيرته ﷺ يجد الكثير من نماذج ومواقف تعامله مع الصغار، منها: (مواقفه مع الحسن والحسين، وابن عباس، والغلام اليهودي، وعبد الله بن الزبير ..) والقائمة تطول.
كان يلاعبهم بحنان ومحبة وعناية ورعاية، وبحرص شديد عليهم حتى أثناء لعبهم معه أثناء صلاته بأبي هو وأمي، ثم يمنحهم الثقة بأٌقواله التي تعزز مكانتهم بين الناس.
الأحاديث النبوية مليئة بالإرشادات التي تساعد الوالدين على تربية أبنائهم كما يحب الله تعالى ويرضى، ومنها قوله ﷺ: "ما نحل والد ولدا من نحل أفضل من أدب حسن".