استقر الحال في دولة المماليك، على أن الحكم عقيم لا يورث، بل هو لمن غلب بالقوة، حتى إن استمرارية الحاكم اقترنت: (بقوة شخصيته من جهة، وقوة أتباعه الموالين له من العسكر من جهة ثانية)، هذا كان سبباً في الأحداث المتلاحقة، والتي ألقت بدولة المماليك في دوامة دموية، ظلت تعصف بهم طيلة فترة حكمهم.
فمن هم هؤلاء المماليك؟ وكيف وصلوا إلى السلطة؟ وماذا كان مصيرهم؟ وكيف دمرتهم شهوة السلطة؟
من هم المماليك؟
المماليك:كانوا عبارة عن مرتزقة عبيد مملوكين، معظمهم جاؤوا من المناطق الأوروبية والتركية والشركسية، إذ كانت الحروب منتشرة بين هذه المناطق، فكانت الأسرى التي تتحول إلى عبيد، وكانوا يباعوا في العالم كله، وكانت الدولة الأيوبية هي أكثر دولة تشتري العبيد.
ترك صلاح الدين الايوبي من بعده عدة أبناء توزعت عليهم تركة الدولة، فحدث صراع بينهم، ثم جاء أحفادهم فصارت المشكلة أكبر، حاول كل واحد منهم أن يقوي جيشه، ولكن كيف؟
بدؤوا بشراء العبيد من أوروبا وكانوا يسمون المماليك (المملوك هو من كان عبدًا، لكن والده ليس بعبد، هؤلاء أسرى حروب وغيرها)، فاشتروهم بأعداد كبيرة.
المماليك البحرية (الصالحية)
قام الملك الصالح نجم الدين أيوب -حاكم مصر والشام- بشراء عددٍ كبيرٍ جداً من المماليك، فسموا (المماليك الصالحية) نسبة إلى الملك الصالح أيوب، حتى أنه بنى لنفسه قصراً على النيل وبجانبه بنى قلعة جعلها فقط للمماليك، تم بناءها في منطقة الروضة في القاهرة.
كان النيل في ذلك الوقت كان يسمى البحر، فاشتهرت تسمية هؤلاء المماليك الذين يعيشون في القلعة التي على النيل بـ “المماليك البحرية”، إذن المماليك الصالحية هم نفسهم المماليك البحرية، وبرز منهم عدة أسماء منهم: (فارس الدين أقطاي واحد من ألمع النجوم، وتلاه في الدرجة عسكرياً ركن الدين بيبرس).
المماليك البرجية (الجبلية)
ظهر أيضاً ما يسمى بـ “المماليك الجبلية”، هؤلاء يمثلون فرقة من المماليك كونها السلطان المنصور قلاوون، اشترى من هؤلاء قرابة 3,000 وأسكنهم بجواره في أبراج قلعة الجبل، ولذلك سموهم المماليك البرجية أو المماليك الجبلية.
في سنه 647 هجريه 1249 ميلادية تواترت الأنباء عن قدوم الحملة الصليبية من فرنسا نحو مصر، بقيادة لويس التاسع ملك فرنسا، فقد رأى الأوروبيون أنهم غير قادرين أن يسيطروا على فلسطين ما دامت مصر قوية، لذلك حاولوا أنْ يضعفوها أو يجعلوا عليها حكام خونة، وفعلًا قرر لويس احتلال مصر وبعدها ينطلق إلى فلسطين.
كان في ذلك الوقت نجم الدين أيوب في الشام، فعاد إلى مصر حتى ينظم وسائل الدفاع.
شجرة الدر وتوران شاه
مات الملك الصالح نجم الدين أيوب أثناء الاستعداد للمعركة، ولم يكن مستخلفاً على ولاية العهد بعده، فتولت زوجته شجرة الدر إدارة شؤون الحكم في مصر وتولت إدارة المعركة، واستطاعت فعلًا أن تمنع الصليبيين وتردهم، فلما استقرت بها الأمور أرسلت إلى “توران شاه” ابن نجم الدين أيوب، تحثه على القدوم؛ ليتولى الحكم بعد أبيه.
أدارت شجرة الدر مصر في فترة ما بين موت السلطان الصالح أيوب ومجيء ابنه توران شاه سنة (648) هجرية، والتي تقدر بـ ثلاثة شهور،
وصل توران شاه وتولى مقاليد الحكم، ثم تنكر لشجرة الدر، فلم يحفظ لها الجميل، وبدأ يهددها ويطالبها بأموال أبيه، فأخبرته أن الأموال قد صرفتها على الحرب، فلم يصدقها، فلما اشتد عليها وهددها خافت على نفسها، وهربت إلى فلسطين خوفاً من غدر السلطان وانتقامه منها.
توران شاه لم يكن ذلك الملك الحكيم العاقل: فبدلا من أن يرتب دولته وتستقر له السياسة ويطمئن للولاء، بدأ بالتخلص من خصومه واحداً تلو الآخر، وحاول أن يتخلص من المقربين من المماليك، فانتهى الصدام بينه وبين قادة المماليك بمقتل توران شاه جريحاً حريقاً غريقاً، وبذلك انتهت الدولة الأيوبية.
عز الدين ايبك وشجرة الدر
عادت شجرة الدر واستولت على العرش الشاغر بعد مقتل توران شاه، فصارت أول سلاطين المماليك، لأنها في الأصل مملوكة للملك الصالح أيوب قبل أن يعتقها ويتزوجها،
غير أن الظروف السياسية حالت دون بقاء شجرة الدر في الحكم طويلاً؛ فالمصريون أنفسهم خرجوا في مظاهرات غاضبة تستنكر جلوس امرأة على عرش مصر، فواجهت دولة المماليك مشكلة الشرعية.
لم تبق شجرة الدر على عرش مصر سوى (80) يوماً، إذ قامت بالزواج من أحد قادة المماليك الكبار (عز الدين آيبك)، وتنازلت له عن الحكم ظاهر الأمر إلا أنها كانت تدير الأمور بشكل فعلي،
وساعدته على القضاء على قائد المماليك البحرية (فارس الدين أقطاي)، وهو من أشرس القادة المسلمين في عصره، فقرر المماليك البحرية الهروب إلى الشام وعلى رأسهم ركن الدين بيبرس.
اكتشفت شجرة الدر محاولة زوجها التخلص من سيطرتها، فغضبت وأعدت له كميناً في قلعتها، فتم قتله سنة (655هـ)، ثم إنه تم القبض عليها واقتيدت إلى زوجة أيبك المطلقة، فأمرت الجواري بقتلها، ورميت من فوق القلعة، ولم تدفن إلا بعد عدة أيام.
سيف الدين قطز والانتصار على التتار
بعد مقتل عز الدين أيبك وشجرة الدر، أصبح أكبر قادة المماليك سيف الدين قطز، فبدأ بترتيب نفسه بما يضمن استمرار سلطة المماليك، فجاء بـ “نور الدين علي” ابن عز الدين أيبك فأجلسه على العرش، وأمسك قطز بالسلطة الفعلية،
ثم لاحت في الأفق مشكلة كبيرة، فوصلت طبول الحرب التترية إلى مصر، بعد القضاء على الخلافة العباسية في بغداد، فأرسل التتر تهديدهم إلى مصر.
فاجتمع قطز بالعلماء وعلى رأسهم العالم الجليل العز بن عبد السلام، الذي طلب من قطز أن يعين نفسه سلطاناً؛ لتوحيد الكلمة أمام التتار، ومنع التنازع داخل قصر الحكم، فقاد قطز قواته ضد التتار فأوقف زحفهم على العالم الإسلامي،
بعد أن هزمهم في معركة عين جالوت سنة (658هـ)، وفي طريق عودتهم قتل سيف الدين قطز على يد الظاهر بيبرس، وما ذاك إلا من شهوة السلطة.
الظاهر بيبرس واحياء الخلافة العباسية
توجه كبير قادة المماليك بعد قطز إلى بيبرس، وطلب منه أن يتولى العرش؛ لأنهم يؤمنوا بمبدأ القوة وليس مبدأ وراثة العرش، وفعلًا جلس بيبرس على عرش المماليك، وبدأت مرحلة سياسية جديدة في تاريخ الدولة المملوكية، فكان بحق سياسياً محنكاً وقائداً مميزاً، فيعتبر بحق مؤسس الدولة؛ بسبب إنجازاته السياسية والإدارية والعسكرية.
فالسنوات العشر السابقة لحكمه تسمى سيولة، فقد جلس على عرش مصر ستة حكام، لكن كيف حلّ مشكلة الشرعية؟ لأن سلطة الانقلاب لا تدوم، فرأى أنّ الحل يكمن في إحياء الخلافة العباسية في القاهرة.
مفهوم السلطة بحاجة إلى استكمال كل عناصره، فإضفاء الشرعية على الدولة بالقوة لا يكفي، فلابد من شرعية رمزية، ولها عدة مصادر لعل أهمها الرمزية الدينية، لذلك تجد أن كل ديكتاتور يكون معه جيش ومفتي (قوة وشرعية)، لذلك أعلن بيبرس:
أنه ينوب عن الخلافة العباسية في مصر.
أنه حامي حمى الحرمين الشريفين في الحجاز.
قام بإرسال كسوة إلى الكعبة.
أمر بالدعاء على منابر مصر والحجاز للخليفة العباسي ولنائبه السلطان بيبرس.
أمر بتجديد بناء مسجد الخليل عليه السلام وترميم بناء قبة الصخرة.
إذا مفهوم السلطة يقوم على قوة ذاتجناحين:
القوة العسكرية والأمنية التي تسيطر على البلاد (دولة المماليك)،
البعد الديني من خلال تفويض الخليفة العباسي للسلطان، وحمايته للمقدسات في الحجاز وفلسطين، بالإضافة إلى الواجهة الدينية التي حكم السلاطين من ورائها باسم الشرع.
تدهور دولة المماليك
لما بدأ العهد الثاني من الدولة المملوكية، بدأت معدلات الصراع السياسي تزداد، فبيبرس ومن بعده استطاعوا أن يثبتوا هذا الحكم بالقوة (شهوة القوة)،
ولكن لما دخلت الدولة المملوكية في حالة الضعف اشتد الصراع، وكانت حياة معظم السلاطين تنتهي إما بالقتل أو بالسجن، وهنا كانت شهوة السلطة تبرز أكثر من مفهوم السلطة، فأصبح كرسي الحكم خطراً على من يجلس عليه.
يحكي المؤرخ ابن اياس: (لما خلى العرش سنة (1,501) كان المرشح الرئيسي للحكم هو “قانصوه غوري”، فرفض، لكن أمراء المماليك أجلسوه بالقوة وهو ممتنع، فاشترط عليهم شرطاً واحداً: ألا يقتلوه إن لم يعودوا بحاجته)، هذه الآثار السلبية لشهوة السلطة.
تعاقب على عرش مصر ستة عشر سلطاناً خلال (72 سنة)، واهتزت مكانة السلطان، فأصبح أمراء المماليك هم الذين يولون السلاطين ويعزلونهم أو يقتلونهم في غالب الأحوال، وهذا دليل على فساد مفهوم السلطة عند المماليك: لأنه قائم على القوة العسكرية والشرعية الصورية (هي ذاتها عند كل نظام انقلابي عسكري يحكم بالقوة ويفتعل انتخابات صورية).
هذا الكذب لا يجوز ولا ينطلي أمتنا اليوم، فنحن لسنا في عهد المماليك، وأمتنا أقبلت على النهضة والعزة، وحان الوقت الذي تحكم فيه الشعوب وليست الانقلابات العسكرية، فالسلطة والقوة قد تحمي الحضارة لكنها لا تبنيها، الذي يبني الحضارة هو الفكر والقيادة.
وفي الختام: لا تنس مشاركة هذه المقالة مع الأصدقاء.
كما يمكنك الاستفادة والاطلاع على المزيد من المقالات:
مرتزقة عبيد مملوكين، معظمهم كانوا من المناطق الاوروبية والتركية والشركسية، إذ كانت الحروب منتشرة بين هذه المناطق، فكانت الأسرى التي تتحول إلى عبيد، وكانوا يباعوا في العالم كله، كانت الدولة الأيوبية هي أكثر دولة تشتري العبيد.حاول كل قائد من الأيوبيين أن يقوي جيشه، فكيف يقوي جيشه؟ فبدؤوا بشراء العبيد من أوروبا وكانوا يسمون المماليك
من هم المماليك البحرية؟
نسبة إلى الملك الصالح أيوب كان قد بنى لنفسه قصراً على النيل وبجانبه بنى قصراً آخر (قلعة جعلها فقط للمماليك) تم بناءها في منطقه الروضة في القاهرة على النيل وكان في ذلك الوقت يسمى البحر اشتهرت تسمية هؤلاء المماليك الذين يعيشون في القلعة التي على النيل المماليك البحرية إذن المماليك الصالحية هم نفسهم المماليك البحرية
من هم المماليك البرجية؟
فرقة من المماليك كونها السلطان المنصور قلاوون اشترى من هؤلاء قرابة 3000 ملوك أسكنهم بجواره في أبراج قلعة الجبل ولذلك سموهم المماليك البرجية او نفسهم هم المماليك الجبلية.
المماليك والحملة الفرنسية؟
في سنه 647 هجريه 1249 ميلادية تواترت الأنباء عن قدوم الحملة الصليبية من فرنسا نحو مصر بقيادة لويس التاسع ملك فرنسا بنفسه، عاد نجم الدين أيوب الى مصر حتى ينظم وسائل الدفاع، لكنه مات قبل المعركة فتولت زوجته شجرة الدر الحكم وكانت أول سلطان مملوكي واستطاعت التصدي للحملة الصليبية.